الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَطاؤُنا أي: هذا الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة عطاؤنا فَامْنُنْ أي: فأعط منه ما شئت من المنّة وهي العطاء أَوْ أَمْسِكْ عن العطاء. قال النّسفي: (وكان إذا أعطى أجر، وإن منع لم يأثم بخلاف غيره) بِغَيْرِ حِسابٍ أي: هذا عطاؤنا جمّا كثيرا، لا يكاد يقدر على حصره، أو بغير حساب، أي:
لا حساب عليك في ذلك. قال ابن كثير: (أي هذا الذي أعطيناك من الملك التام، والسلطان الكامل كما سألتنا، فأعط من شئت، واحرم من شئت، لا حساب عليك، أي: مهما فعلت فهو جائز لك. احكم بما شئت فهو صواب)
ثمّ نبّه الله عز وجل على أنّ سليمان عليه السلام ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضا. ومن ثمّ قال: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى أي: لقربى وَحُسْنَ مَآبٍ أي: وحسن مرجع. أي: في الدار الآخرة.
…
كلمة في السياق:
1 -
نلاحظ أنّ قصّة داود وسليمان عليهما السلام بدأت بقوله تعالى:
وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ
…
والآن تأتي قصة أيّوب عليه السلام مبدوءة بقوله تعالى:
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ فالسياق كله في موضوع الذكر والتذكير، وذلك شأن المقطع كله، الذكر والتذكير للمنذر والنذير، فهي دروس للنذير الذي يقابله الكافرون بالإعراض، ليطمئنّ إلى رعاية الله وعطائه، وهي دروس للمنذرين الذين يستفيدون من الإنذار.
2 -
نلاحظ أنّ الأوّابيّة هي الدرس الأعظم الذي قدّمه لنا السّياق في قصة داود وسليمان عليهما السلام، وهو الدرس الرئيسي الذي نجده في قصة أيوب عليه السلام.
فلنر قصة أيوب عليه السلام في السورة:
…
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أي: دعاه أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ أي: بتعب ومشقّة وَعَذابٍ يريد مرضه، وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب، فعند ما دعا الله عز وجل بهذا الدعاء استجاب له أرحم الراحمين، وأمره أن يقوم من مقامه، وأن يركض الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله تعالى عينا، وأمره أن
يغتسل منها، فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى. قال ابن كثير:(ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عينا أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا) ولهذا قال تبارك وتعالى:
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ اضرب برجلك الأرض، فضربها، فنبعت عين فقيل له: هذا مغتسل بارد وشراب. قال النسفي: (أي هذا ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك وقيل: نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله تعالى).
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال ابن كثير: (قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم) رَحْمَةً مِنَّا أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أي ولتذكير أولي الألباب، لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه- لصبره وأوّابيّته- رغّبهم ذلك الصبر والأوّابيّة ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج، والمخرج والرحمة
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً أي: حزمة صغيرة من حشيش، أو ريحان أو غير ذلك فَاضْرِبْ بِهِ زوجتك وَلا تَحْنَثْ أي: بيمينك، قال ابن كثير: (وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته، وقيل: باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إيّاه فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنّها مائة جلدة، وقيل لغير ذلك من الأسباب، فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة، والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن
يأخذ ضغثا: وهو الشمراخ، فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد برّت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره.
وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه). وقال النسفي: (وكان حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ، فحلل الله يمينه بأهون شئ عليه وعليها؛ لحسن خدمتها إياه، وهذه الرخصة باقية، ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة، والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة، فحرج صدره، وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام). إِنَّا وَجَدْناهُ أي: علمناه صابِراً أي: على البلاء، صحيح أنّه قد شكا إلى الله ما به واسترحمه، لكن الشكوى إلى الله لا تسمى جزعا بل هي محض العبودية، ثم أثنى الله تعالى عليه ومدحه بقوله نِعْمَ الْعَبْدُ أيوب إِنَّهُ أَوَّابٌ أي: رجّاع منيب.