الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: قال أبو جهل- وهم جلوس- إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا فإذا متّم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم نار تعذبون بها، وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وفي يده حفنة من تراب وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه فجعل يذرها على رءوسهم ويقرأ يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ حتى انتهى إلى قوله تعالى وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وانطلق رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لحاجته، وباتوا رصداء على بابه، حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال مالكم؟ قالوا: ننتظر محمدا قال: وقد خرج عليكم فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابا، ثم ذهب لحاجته، فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب. قال: وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال: «أنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحا وإني لآخذهم» ).
أقول: يبدو أن هذه الحادثة كانت قبيل الهجرة.
3 - [قولان لابن كثير حول آية وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ ودليل لكل قول وتعليق عليهما]
رأينا معنى قوله تعالى: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ إذ ذكرنا أن معناها: ما أسلفوا وما هلكوا عنه من أثر حسن أو سيئ، ولم نذكر غير هذا القول.
وقد ذكر ابن كثير قولا آخر في ذلك وبعد أن ذكر القولين ودليل كلّ قال:
(وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى؛ فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب فلأن تكتب التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى). أما وقد عرفنا أنه لا تنافي بين القولين فلنذكر القولين ودليل كلّ كما عرضهما ابن كثير، قال رحمه الله:
(وفي قوله تعالى وَآثارَهُمْ قولان (أحدهما): نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك أيضا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر كقوله صلى الله عليه وسلم:«من سنّ في الإسلام سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ» رواه مسلم، وفيه قصة مجتابي الثمار المضربين، وأخرجه ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث بطوله ثم تلا هذه الآية وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وقد رواه مسلم من رواية أبي عوانة، وهكذا الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده» وقال سفيان الثوري عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ قال: ما أورثوا من الضلالة. وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله تعالى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ يعني: ما أثروا، يقول ما سنّوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم فإن كانت خيرا فلهم مثل أجورهم، لا ينقص من أجر من عمل به شيئا، وإن كانت شرا فعليهم مثل أوزارهم، ولا ينقص من أوزار من عمل بها شيئا ذكرهما ابن أبي حاتم، وهذا القول هو اختيار البغوي. (والقول الثاني): أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية، قال ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد ما قَدَّمُوا أعمالهم وَآثارَهُمْ قال: خطاهم بأرجلهم، وكذا قال الحسن وقتادة وَآثارَهُمْ يعني: خطاهم. وقال قتادة: لو كان الله عز وجل مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره، وعمله كله، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله تعالى فليفعل. وقد أوردت في هذا المعنى أحاديث:(الحديث الأول) روى الإمام أحمد
…
عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم:«إني بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد» قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك فقال صلى الله عليه وسلم:
«يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم» وهكذا رواه مسلم.
(الحديث الثاني) روى ابن أبي حاتم
…
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد فنزلت إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«إن آثاركم تكتب» فلم ينتقلوا، تفرد بإخراجه الترمذي عند تفسيره هذه الآية الكريمة عن محمد ابن الوزير به ثم قال حسن غريب من حديث الثوري، ورواه ابن جرير عن أبي نضرة به، وقد رواه البزار من غير طريق الثوري. روى الحافظ أبو بكر البزار
…
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن بني سلمة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فأقاموا في مكانهم.