الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وافتتح هذه بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار وعذبوهم على الإيمان، بعذاب دون ما عذّب به فرعون بني إسرائيل بكثير، تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم وحثّا على الصبر، ولذا قيل هنا وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وأيضا لما كان في خاتمة الأولى الإشارة إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أي في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ على بعض الأقوال، وفي خاتمة هذه الإشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله تعالى: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ ناسب تتاليهما).
كلمة في سورة العنكبوت ومحورها:
تبدأ السورة ب الم فهي كآل عمران تفصّل في مقدمة سورة البقرة، وتفصّل ما استكن في هذه المقدمة من معان. ففي مقدمة سورة البقرة حديث عن المتقين، وعن الكافرين، وعن المنافقين. وفي سورة العنكبوت حديث عن المؤمنين، والكافرين، والمنافقين. وفي مقدمة سورة البقرة كلام عن الإيمان بالغيب. وتبدأ سورة العنكبوت بالكلام عن الامتحان لتحقيق الإيمان وتتحدث السورة مرّة ومرّة ومرّة عن الإيمان:
إن سورة البقرة مبدوءة بقوله تعالى:
الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ
…
ونلاحظ أنه قد جاء في سورة العنكبوت قوله تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (الآية: 7).
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (الآية: 9).
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(الآيتان: 58، 59)
ونلاحظ أن آخر آية في السورة هي قوله تعالى:
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
ومما مرّ نلاحظ أن الكلام عن الإيمان، وما لأهله، وعن الطريق لتحقيق الإيمان يأخذ حيّزا كبيرا في السورة.
....
ونجد في السورة قوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ* وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ فالسورة إذن تتحدث عن مظهر من مظاهر النفاق وعلامة من علاماته، وصلة ذلك بمقدمة سورة البقرة واضحة.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ....
(الآية: 8)
....
وفي السورة قوله تعالى:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (الآيتان: 12، 13).
وفي السورة قوله تعالى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (الآية: 23).
فمما تقدم ندرك أن السورة تتحدث عن المتقين والكافرين والمنافقين من خلال التفاعل اليومي لعملية السير المستمرة لأهل الإيمان، وما يحدث خلال ذلك. فالسورة عرض حركي لقضية الإيمان والكفر والنفاق، وهي كذلك عرض لما استكن في مقدمة سورة البقرة. ومن ثمّ ندرك أن قضية التفصيل في السياق القرآني العام ليست عملية تكرار لمعان، بل عملية تفصيل، وليس تفصيلا بالمعنى البشري للتفصيل، بل هو تفصيل عجيب هو أثر علم الله المحيط.
....
إننا نجد في هذه الزمرة من سور هذه المجموعة تفصيلا لمقدمة سورة البقرة. ولكن كل سورة تفصّل شيئا في المقدمة نوع تفصيل، أو تفصّل أثرا عن معنى في المقدمة نوع تفصيل، أو تفصّل معنى مستكنا في المقدمة نوع تفصيل، ولكل سورة روحها الخاصة بها، وسياقها الخاص بها وأسلوبها. وفي ذلك آية على أن هذا القرآن جلّ أن يكون بشري المصدر.
تتألف سورة العنكبوت من مقدّمة ومقطعين:
تتحدّث المقدمة عن ابتلاء المؤمنين، وعقوبة الكافرين ثمّ تسير على وتيرة واحدة، متحدّثة عن أهل الإيمان وعن الكافرين إلى نهايتها ولذلك يتكرّر اسم الموصول فيها معطوفا بعضه على بعض:
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (آية: 5)
وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (آية: 6)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ (آية: 7)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (آية: 9)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي .. (آية: 23)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً .. (آية: 58)
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (آية: 69)
لاحظ أن الآية السادسة هي وَمَنْ جاهَدَ وأن آخر آية في السورة هي وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا، فالجهاد كلمة مشتركة بين الآيتين، فالسورة تكاد تكون مقطعا واحدا، ولكن آثرنا أن نعرضها على أنّها مقدّمة ومقطعان لسهولة العرض، خاصّة وأن المقطع الأول يغلب عليه التقرير، بينما يبدأ المقطع الثاني بأمر ونهي: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ، وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
....
يتألف المقطع الأول من مجموعتين، كل منهما مرتبطة بمقدمة السورة: