الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أحكامه، وحكيم في معالجاته، وحكيم في ترتيب آياته، وحكيم في ترتيب سوره، وحكيم في ألفاظه، وحكيم في طريقة مخاطباته، وحكيم فيما تحتمله آياته من وجوه، وحكيم في مرونة ألفاظه حتى تسع الزمان والمكان، وحكيم في كونه يضع كل شئ في محله، ويجعل أهله يضعون الأشياء في مواضعها
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ فهو هاد، وهو الرحمة، ولكن لمن اتصف بصفة الإحسان، فهؤلاء يهديهم في كل شئ، فينالون رحمة الله في الدنيا والآخرة، فيخرجون من كل ظلمة وعذاب، ولا عذاب كالحيرة والشكّ،
ثم وصف الله المحسنين بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ دلّ هذا على أنّه لا إحسان إلا بإقامة صلاة، وإيتاء زكاة، وإيقان بالآخرة.
فإذا وجدت هذه وجد الإحسان، ووجد الاهتداء بالقرآن، فنال أصحاب ذلك رحمة الله أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أي على بصيرة وبيّنة ومنهج واضح جليّ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في الدنيا والآخرة.
كلمة في السياق: [وفي طريقة القرآن في العرض]
قلنا إنّ محور سورة لقمان هو الآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (البقرة: 1 - 5).
لاحظ الصلة الكاملة بين مقدمة سورة لقمان ومقدمة سورة البقرة ثم لاحظ أنّ الفوارق تخدم قضية التفصيل فلنلاحظ:
جاء في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يقابل هذا في سورة لقمان الم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ لقد جاء وصف القرآن في سورة لقمان بأنّه حكيم، وكونه حكيما فهذا يفيد أنّه من عند الله بلا ريب. ونلاحظ أنه في سورة البقرة ورد قوله: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ بينما في سورة لقمان قال: هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ فالقرآن للمتقين هدى. ولكنه للمحسنين هدى ورحمة. وعلى هذا فمن لم يتحقق بمقام الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» لا يأخذ حظّه الكامل من رحمة الله بهذا القرآن. ونلاحظ أن: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ لم تتعرّض لها سورة لقمان؛ لأن قضية الإيمان تحدّثت عنها سورة العنكبوت، ومن قبل سورة آل عمران، ولأن إقامة الصلاة والإنفاق هما الرمز العملي على الإيمان بالغيب فكان الكلام عنهما كلاما عنه. ونلاحظ التشابه بين قوله تعالى في سورة البقرة وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وبين قوله تعالى في سورة لقمان الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ مع فارق هو أنه في سورة البقرة ذكر الإنفاق بشكل عام، وهاهنا ذكر إيتاء الزكاة، مما يدل على أن إيتاء الزكاة ركن الإنفاق. ثم نلاحظ أنه في سورة البقرة قد ورد: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ إلا أنه في سورة لقمان لم يذكر هذا؛ لأن هذا الموضوع تحدثت عنه سورة العنكبوت، وسورة آل عمران.
ثم نلاحظ التشابه الكامل بين قوله تعالى في سورة البقرة:
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقوله تعالى في خاتمة الآيات التي مرّت معنا من سورة لقمان وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إذ وردت الألفاظ نفسها.
…
ولنمض في التفسير:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ أي يشتري كلّ كلام يصدّ عن آيات الله واتّباع سبيله، والاشتراء: إمّا من الشّراء، وإمّا من الاستبدال والاختيار لِيُضِلَّ. أي ليصدّ النّاس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن الدخول في الإسلام، واستماع القرآن بِغَيْرِ عِلْمٍ أي جهلا منه بما عليه من الوزر بذلك وَيَتَّخِذَها هُزُواً أي ويتخذ سبيل الله هزوا، يستهزئ بها أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي مذل. فكما استهانوا بآيات الله وسبيله، فإنهم يهانون يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر
وَإِذا تُتْلى أي تقرأ عَلَيْهِ أي على هذا المشتري لهو الحديث آياتُنا أي القرآن وَلَّى مُسْتَكْبِراً أي أعرض عن تدبّرها متكبّرا، رافعا نفسه عن الإصغاء إلى القرآن. قال ابن كثير: (إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولّى عنها، وأعرض وأدبر، وتصامم- وما به من صمم- كأنّه ما سمعها؛ لأنّه يتأذّى بسماعها؛ إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أي ثقلا.