الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسلوب العجيب).
2 - [كلام صاحب الظلال بمناسبة آية وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
.. ]
وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى:
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ. إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ:
(والصعر: داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها. والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة للصعر. حركة الكبر والازورار، وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار!
والمشي في الأرض مرحا هو المشي في تخايل ونفخة وقلّة مبالاة بالناس.
وهي حركة كريهة يمقتها الله ويمقتها الخلق. وهي تعبير عن شعور مريض بالذات، يتنفّس في مشية الخيلاء! إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.
ومع النهي عن مشية المرح، بيان للمشية المعتدلة القاصدة: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ. والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإسراف. وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال. ومن القصد كذلك. لأن المشية القاصدة إلى هدف، لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر، إنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق.
والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوّته.
وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيئ الأدب، أو شاك في قيمة قوله، أو قيمة شخصه؛ يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق!).
3 - [كلام ابن كثير بمناسبة وصايا لقمان عليه السلام لابنه وفصول في الخمول والتواضع، وفي الشهرة، وفي حسن الخلق، وفي ذم الكبر، وفي الاختيال]
بمناسبة وصايا لقمان عليه السلام لابنه عقد ابن كثير ثلاثة فصول وبابا في الخمول والتواضع، وفي الشهرة وفي حسن الخلق، وفي ذمّ الكبر، وفي الاختيال وهذه هي:
(فصل في الخمول والتواضع) وذلك متعلق بوصية لقمان عليه السلام لابنه وقد جمع في ذلك الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا كتابا مفردا، ونحن نذكر منه مقاصده قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن حفص بن عبد الله بن أنس، عن جده أنس
ابن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ربّ أشعث ذي طمرين يصفح (1) عن أبواب الناس إذا أقسم على الله لأبرّه» ثم رواه من حديث جعفر بن سليمان عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وزاد «منهم البراء بن مالك» وروى أيضا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للأتقياء الأثرياء، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح مجردون من كل فتنة غبراء مشتتة» ، وروى أبو بكر بن سهل التميمي عن عمر رضي الله عنه أنه دخل المسجد فإذا هو بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما يبكيك يا معاذ؟
قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سمعته يقول: «إن اليسير من الرياء شرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأثرياء، الذين إذا غابوا لم يفقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة» . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «ربّ ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، لو قال: اللهم إني أسالك الجنة لأعطاه الله الجنة، ولم يعطه من الدنيا شيئا» ، وروى أيضا عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمتي لو أتى باب أحدكم يسأله دينارا أو درهما أو فلسا لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها، ولو سأله الدنيا لم يعطه إياها ولم يمنعها إياه لهوانه عليه؛ ذو طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره» وهذا مرسل من هذا الوجه، وروى أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«إن من ملوك الجنة من هو أشعث أغبر ذو طمرين لا يؤبه له، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا قالوا لم ينصت لهم، حوائج أحدهم تتجلجل في صدره، لو قسّم نوره يوم القيامة بين الناس لوسعهم» . قال وأنشدني عمر ابن أبي شيبة عن ابن عائشة قال: قال عبد الله بن المبارك:
ألا ربّ ذي طمرين في منزل غدا
…
زرابيّه مبثوثة ونمارقه
قد اطردت أنواره حول قصره
…
وأشرق والتفت عليه حدائقه
وروى أيضا عن أبي أمامة مرفوعا: «قال الله: من أغبط أوليائي عندي مؤمن
(1) الطمر: الثوب البالي، ويصفح: يحال ويجنّب أن يقرب هذه الأبواب.
خفيف الحاذ (1)، ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه وأعطاه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع إن صبر على ذلك» قال ثم نقد (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال:«عجّلت منيته، وقلّ تراثه وقلّت بواكيه» . وعن عبد الله بن عمرو قال: أحب عباد الله إلى الله الغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرّارون بدينهم يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم. وقال الفضيل بن عياض: بلغني أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أنعم عليك، ألم أعطك، ألم أسترك؟ ألم
…
ألم
…
ألم أجمل ذكرك، ثم قال الفضيل: إن استطعت أن لا تعرف فافعل، وما عليك أن لا يثنى عليك، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس محبوبا عند الله. وكان ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكرا خاملا، وكان الخليل بن أحمد يقول: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك، واجعلني في نفسي من أوضع خلقك، وعند الناس من أوسط خلقك.
[باب ما جاء في الشهرة] عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حسب امرئ من الشر- إلا من عصم الله- أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه ودنياه، وإن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم» . وروي مثله عن إسحاق بن البهلول عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله، وروي عن الحسن مرسلا نحوه فقيل للحسن: فإنه يشار إليك بالأصابع، فقال: إنما المراد من يشار إليه في دينه بالبدعة، وفي دنياه بالفسق. وعن عليّ رضي الله عنه قال: لا تبدأ لأن تشتهر، ولا ترفع شخصك لتذكر وتعلم، واكتم واصمت تسلم، تسر الأبرار، وتغيظ الفجار. وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما صدق الله من أحب الشهرة، وقال أيوب: ما صدق الله عبد إلا سرّه أن لا يشعر بمكانه، وقال محمد بن العلاء:
من أحب الله أحب أن لا يعرفه الناس، وقال سماك بن سلمة: إيّاك وكثرة الأخلّاء، وقال أبان بن عثمان: إن أحببت أن يسلم إليك دينك فأقل من المعارف. كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة نهض وتركهم. وقال: حدثنا عليّ بن الجعد أخبرنا شعبة عن عوف عن أبي رجاء قال: رأى طلحة قوما يمشون معه فقال: ذباب طمع وفراش النار. وقال ابن إدريس عن هارون بن أبي عنترة عن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي إذ علاه عمر بن الخطاب بالدرة وقال: إنها مذلة للتابع، وفتنة للمتبوع،
(1) خفيف الحاذ: قليل المال، خفيف الظهر من العيال.
(2)
نقد: أي نقر.
وقال ابن عون عن الحسن: خرج ابن مسعود فاتبعه أناس فقال: والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان. وقال حماد بن زيد: كنّا إذا مررنا على المجلس ومعنا أيوب فسلم ردوا ردا شديدا، فكان ذلك نعمة. وقال عبد الرزاق عن معمر: كان أيوب يطيل قميصه فقيل له في ذلك فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طول القميص، واليوم في تشميره. واصطنع مرة نعلين على حذو نعلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلبسهما أياما، ثم خلعهما وقال: لم أر الناس يلبسونهما، وقال إبراهيم النخعي: لا تلبس من الثياب ما يشهر في ألفتها ولا ما يزدريك السفهاء.
وقال الثوري: كانوا يكرهون من الثياب الجياد التي يشتهر بها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم، والثياب الرديئة: التي يحتقر فيها ويستذل دينه. وحدثنا خالد بن خداش حدثنا حماد عن أبي حسنة صاحب الزيادي قال: كنا عند أبي قلابة إذ دخل عليه رجل عليه أكسية، فقال: إياكم وهذا الحمار النهاق. وقال الحسن رحمه الله: إن قوما جعلوا الكبر في قلوبهم والتواضع في ثيابهم، فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرق (1) بمطرقه ما لهم تفاقدوا، وفي بعض الأخبار أن موسى عليه السلام قال لبني إسرائيل: ما لكم تأتوني عليكم ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب، البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية.
(فصل في حسن الخلق) قال أبو التياح رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا. وعن عطاء عن ابن عمر قيل: يا رسول الله أي المؤمنين
أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقا» . وعن أنس مرفوعا: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه درك جهنم وهو عابد» . وعن سيار بن هارون عن حميد عن أنس مرفوعا: «ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة» . وعن عائشة مرفوعا: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار» . وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال:
«تقوى الله وحسن الخلق» وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: «الأجوفان:
الفم والفرج». وقال أسامة بن شريك: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته الأعراب من كل مكان فقالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: «حسن الخلق» .
(1) المطرق: ثوب من خز مربّع.
وقال يعلى بن سماك عن أم الدرداء عن أبي الدرداء يبلغ به قال: ما من شئ أثقل في الميزان من خلق حسن، وكذا رواه عطاء عن أم الدرداء به، وعن مسروق عن عبد الله بن عمرو مرفوعا:«إن من خياركم أحسنكم خلقا» . حدثنا عبد الله ابن أبي الدنيا عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه الأجر ويروح» .
عن مكحول عن أبي ثعلبة مرفوعا: «إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني منزلا في الجنة مساويكم أخلاقا؛ الثرثارون المتشدقون المتفيهقون» . وعن جابر مرفوعا: «ألا أخبركم بأكملكم إيمانا؟ أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يؤلفون ويألفون» . وعن بكر بن أبي الفرات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حسّن الله خلق رجل وخلقه فتطعمه النار» . وعن عبد الله ابن غالب الحداني عن أبي سعيد مرفوعا: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق» . وقال ميمون بن مهران: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق» وذلك أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في آخر. وعن عبد الرحمن بن إسحاق عن رجل من قريش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق؛ إن الخلق الحسن ليذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» . وقال عبد الله ابن إدريس عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مرفوعا: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» . وقال محمد بن سيرين: حسن الخلق عون على الدين.
[فصل في ذم الكبر] قال علقمة عن ابن مسعود رفعه: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان» .
وقال إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: «من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر أكبّه الله على وجهه في النار» . وعن إياس بن سلمة عن أبيه مرفوعا: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب عند الله من الجبارين فيصيبه ما أصابهم من العذاب» . وعن أنس قال: كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان حتى إن أحدنا ليقذر نفسه يقول: خرج من مجرى البول مرتين. وقال الشعبي: من قتل اثنين فهو جبار ثم تلا: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ [القصص: 19]، وقال الحسن: عجبا