الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما ضرّوهم، وإنّما ضرّوا أنفسهم حيث حلّ بهم العذاب بسبب تكذيبهم، وأمّا الرّسول فقد تم أمره حيث بلّغ البلاغ المبين، الذي زال معه الشك، وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته. أي وإن كنت مكذّبا فيما بينكم، فلي في سائر الأنبياء أسوة، حيث كذّبوا، وعلى الرسول أن يبلّغ، وما عليه أن يصدّق أو يكذّب.
كلمة في السياق:
يلاحظ أنّه قد جاء في وسط قصة إبراهيم عليه السلام الآية السابقة، وست آيات بعدها. ثم يأتي قوله تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ
…
فهل هذه الآيات السبع من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه؟ وهذا الذي رجّحه ابن كثير فقال:
(والظاهر من السياق أنّ كلّ هذا من كلام إبراهيم الخليل عليه السلام، يحتج عليهم لإثبات المعاد لقوله بعد هذا كله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ لكن ابن جرير يرى أن هذه الآيات السبع اعتراضية). وذكر النسفي الاحتمالين. وحاول الربط بين الآيات وما قبلها في حالة كونها اعتراضية، دون أن يرجّح أحد الاحتمالين على الآخر.
قال: (فإن قلت فالجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه، فلا نقول: مكة وزيد قائم خير بلاد الله، قلت: نعم وبيانه أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تكون مسلاة له بأن أباه إبراهيم عليه السلام كان مبتلى بنحو ما ابتلي به من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله: وإن تكذبوا على معنى: إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد كذب إبراهيم قومه، وكل أمة نبيها، لأن قوله فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله تعالى وسلطانه ووضوح حجّته وبرهانه).
أقول: إن الذي أرجحه أن الآية الأولى من هذه الآيات السبع هي من تتمة قول إبراهيم عليه السلام وهي: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ والآيات الست بعدها اعتراضية هي من باب الإنكار عليهم وعلى أمثالهم، وإقامة حجّة عليهم وعلى أمثالهم. فهي تعليق من الله عز وجل على ما ذكر من قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام، تؤدّي غرضا في السياق القريب فلنلاحظ ما يلي:
قبل قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام ورد قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ وجاءت بعد ذلك قصة نوح وقصة إبراهيم عليهما السلام وقلنا: إن القصص في هذا السياق تأتي للتمثيل لكل المعاني السابقة من امتحان لأهل الإيمان، إلى كون العاقبة لهم، إلى غير ذلك، وهي في الوقت نفسه مرتبطة ارتباطا مباشرا بما قبلها من قول الكافرين للذين آمنوا: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ .... ففي ذكر عاقبة قوم نوح، وفي دعوة إبراهيم عليه السلام التي لا هوادة فيها، استمرار للرد على قول الكافرين. ومجئ الآيات الست الآن في وسط قصة إبراهيم يشير إلى أن المعاني المذكورة فيها معان ذكرها إبراهيم، أو هي معان تصلح للتعليق على قصة إبراهيم لارتباطها بما قبلها مباشرة. فلنر الآيات:
....
أَوَلَمْ يَرَوْا أي قد رأوا ذلك وعلموه كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فيستدلوا بذلك على صحة ما دعاهم إليه الرسل من أمر المعاد إِنَّ ذلِكَ أي الإعادة عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي سهل
قُلْ يا محمد- وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره-: وأوحينا إليه أن قل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على كثرتهم واختلاف أحوالهم، وفي ذلك أمر بتعلّم علم المستحاثات وإيجاد متاحفه، كما سنرى في الفوائد. ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ قال النسفي:
(وهذا دليل على أنهما نشأتان، وأن لكل واحدة منهما إنشاء أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود، غير أن الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله، والأولى ليست كذلك، والقياس أن يقال: كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة. لأن الكلام معهم وقع في الإعادة، فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، فإذا لم يعجزه الابتداء وجب أن لا يعجزه الإعادة، فكأنه قال: ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة، فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ). إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي قادر
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بالخذلان وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ بالهداية أو يعذب من يشاء بالحرص ويرحم من يشاء بالقناعة، أو أن تعذيبه ورحمته بسوء الخلق وحسنه، أو بالإعراض عن الله، وبالإقبال عليه، أو بمتابعة البدع، وبملازمة السّنة وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ أي تردّون وترجعون يوم القيامة
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ربكم. أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه