الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقطع الثامن ويمتدّ من الآية (53) إلى نهاية الآية (58) وهذا هو:
33/ 58 - 53
التفسير:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ أي إلا مأذونا
لكم، أو إلا وقت أن يؤذن لكم إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي نضجه، قال قتادة ومجاهد وغيرهما: أي غير متحيّنين نضجه واستواءه. أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فإنّ هذا مما يكرهه الله ويذمّه، وهذا دليل على تحريم التطفل وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا أي فتفرقوا.
في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا أو غيره» ، وفي الصحيح:«لو دعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إلى كراع لقبلت، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل، وانتشروا في الأرض» وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ نهوا عن أن يطيلوا الجلوس، يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أي من أجل إخراجكم وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحييّ منكم، ولهذا نهاكم عن ذلك، وزجركم عنه، يعني: أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه، قال النسفي:(هذا أدب أدّب الله به الثقلاء) وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ أي إذا سألتم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لدلالة بيوت النبي لأن فيها نساءه مَتاعاً أي عارية أو حاجة فَسْئَلُوهُنَّ المتاع مِنْ وَراءِ حِجابٍ. قال ابن كثير:
(أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب) ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من خواطر الشيطان، وعوارض الفتن وَما كانَ لَكُمْ أي وما صح لكم أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً أي وما صح لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نكاح أزواجه من بعد موته إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً أي ذنبا عظيما. قال ابن كثير:
(هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية).
ثم قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم أو من نكاحهن أَوْ تُخْفُوهُ في أنفسكم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيعاقبكم به،
ثمّ بيّن الله عز وجل الدائرة التي لا يجب الاحتجاب منها فقال: لا جُناحَ أي لا إثم عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ أي نساء المؤمنات وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ قال ابن كثير: (يعني به أرقاءهن من الذكور والإناث، كما تقدّم التنبيه عليه، وإيراد الحديث فيه، قال سعيد بن المسيب: إنما يعني به الإماء فقط، رواه ابن أبي حاتم).
أقول: وهذا الأخير هو مذهب الحنفية، ومعنى الآية: أنّه لا إثم عليهن في ألا يحتجبن من هؤلاء. قال النسفي: (ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقال:
وعبيدهن عند الجمهور كالأجانب). ثم قال تعالى: وَاتَّقِينَ اللَّهَ فيما أمرتن به من الاحتجاب والاستتار واحتطن فيه إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً أي عالما. قال ابن عطاء: الشهيد: الذي يعلم خطرات القلوب، كما يعلم حركات الجوارح. وقال ابن كثير في الآية:(أي واخشينه في الخلوة والعلانية، فإنه شهيد على كل شئ، لا تخفى عليه خافية؛ فراقبن الرقيب)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون يبرّكون. وقال الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، قال ابن كثير:(والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملإ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقرّبين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا).
أقول: ومجئ هذه الآية في هذا السياق إشارة إلى وجوب التقيد بالآداب والأحكام السابقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الله وملائكته يصلون على الرسول صلى الله عليه وسلم فإن على المؤمنين أن يفعلوا ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي اجمعوا بين الصلاة عليه والتسليم: اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وسلم، وقال النسفي:(أو انقادوا لأمره وحكمه انقيادا)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر اسم الله للتشريف، أو عبّر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى به ورسوله، كالكفر وإنكار النبوة لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي طردهم من رحمته في الدارين وَأَعَدَّ لَهُمْ في الآخرة عَذاباً مُهِيناً أي مذلا
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي ينسبون إليهم ما هم براء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه، وأطلق التحريم في إيذاء الله ورسوله، وقيده هنا بغير ما اكتسبوا، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون حقا أبدا، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه حق كالحدّ والتعزير، ومنه باطل فَقَدِ احْتَمَلُوا أي تحمّلوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً أي ظاهرا.