الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته.
5 -
من خلال ما ذكرناه هاهنا وما ذكرناه من قبل ندرك أنّه مع كثرة صلات السور ببعضها فإنّ ذلك لا يؤثّر على وحدة السورة، سواء في ذلك تكامل معانيها، أو وحدة سياقها، أو وحدة جرسها، أو وحدة روحانيتها، لاحظ ما يلي:
أ- بدأت سورة الأحزاب بأوامر منها الأمر بالتوكّل، وجاء المقطع الثاني يعمّق موضوع التوكّل، وختم المقطع الثاني بذكر توريث الله المؤمنين الأرض، ولذلك صلاته ببعضه، ومن ذكر إرث الأرض ينتقل السياق ليربي أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم على الزهد في الدنيا.
ب- بدأت السورة بالنّهي عن طاعة الكافرين والمنافقين، وجاء المقطع الثاني ليبيّن لنا بعض أخلاقيات المنافقين، وجاء المقطع الثالث ليذكر تفصيلا أخلاقيات أهل الإيمان.
ج- جاء في المقطع الأول إلغاء قاعدة التبنّي، وسيأتي في المقطع الثالث ما ينهي قاعدة التبني من أساسها.
التفسير:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها أي السعادة وكثرة الأموال فَتَعالَيْنَ أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد الأمرين، ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن أُمَتِّعْكُنَّ أي أعطكن متعة الطلاق وَأُسَرِّحْكُنَّ أي وأطلقكن سَراحاً جَمِيلًا لا ضرار فيه
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً وقد اخترن- رضوان الله عنهن- الله ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى لهن بين خير الدنيا وسعادة الآخرة.
كلمة في السياق:
إن هذا الخطاب في سياق السورة المبدوءة ب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ
…
يدل على أن هذا التخيير من التقوى المأمور بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ إنّ إرادة الحياة الدنيا خلق من أخلاق الكافرين، وهي أخلاق لا ينبغي أن تصيب بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هنا نعرف كيف أن سورة الأحزاب كسورة النساء تبني قضية التقوى، ولنعد
إلى التفسير.
…
فبعد الخطاب المباشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتّجه الخطاب لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلهنّ على المقام الأعلى لتقوى النساء يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ أي بسيّئة بليغة في القبح مُبَيِّنَةٍ أي ظاهر فحشها، قال ابن كثير:(قال ابن عباس رضي الله عنه وهي النشوز وسوء الخلق، وعلى كل تقدير فهو شرط، والشرط لا يقتضي الوقوع) وإنما قال ابن كثير ذلك ليبيّن عصمة أزواج الأنبياء من الزنا يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ في الدنيا والآخرة. قال النسفي:
(ضعفي عذاب غيرهن من النساء؛ لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل، لأن المعصية من العالم أقبح، ولذا فضل حد الأحرار على العبيد ولا يرجم الكافر). وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي وكان تضعيف العذاب لهنّ سهلا هيّنا عليه
وَمَنْ يَقْنُتْ أي ومن يطع مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ أي مثلي ثواب غيرها؛ لأنها قدوة، فلها أجر العمل، وأجر الإمامة وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً أي جليل القدر وهو الجنة
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ أي لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصّيت أمّة النساء جماعة جماعة لم توجد فيهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل إِنِ اتَّقَيْتُنَّ أي إن أردتن التقوى، أو إن كنتن متقيات فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال. قال النسفي:
(أي إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعا أي لينا خنثا مثل كلام المريبات) فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أي ريبة وفجور وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً قال النسفي: حسنا مع كونه خشنا، وقال ابن كثير: قال ابن زيد: قولا حسنا جميلا معروفا في الخير، ومعنى هذا: أنّه لا ينبغي أن تخاطب المرأة الأجانب بكلام فيه ترخيم، فلا تخاطب الأجانب كما تخاطب زوجها
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى أي القديمة، أي ولا تبرجن تبرجا مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى، وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام، أو ما بين آدم ونوح عليهما السلام، والجاهلية