الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نجائبنا، ونربح في التجارات، ونفاخر في الدواب والأسباب، بطروا النعمة، وملوا العافية، فطلبوا الكدّ والتعب وَظَلَمُوا بما قالوا أَنْفُسَهُمْ بكفرهم فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي يتحدّث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي وفرّقناهم تفريقا اتخذه الناس مثلا مضروبا يقولون ذهبوا أيدي سبأ، وتفرقوا أيادي سبأ، كما سترى في الفوائد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ عن المعاصي وعلى البلاء شَكُورٍ للنّعم، قال النسفي: أو لكل مؤمن لأن الإيمان نصفان: نصفه شكر، ونصفه صبر
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ أي حقق عليهم ظنه، أو وجده صادقا فَاتَّبَعُوهُ أي أهل سبأ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قلّل المؤمنين لقلّتهم بالإضافة إلى الكفار
وَما كانَ لَهُ أي لإبليس عَلَيْهِمْ أي على الذين صار ظنّه فيهم صدقا مِنْ سُلْطانٍ أي من حجّة قال الحسن البصري: والله ما ضربهم بعصا ولا أكرههم على شئ وما كان إلا غرورا وأماني، دعاهم إليها فأجابوه إِلَّا لِنَعْلَمَ موجودا ما علمناه معدوما والتغيّر على المعلوم لا على العلم مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ قال ابن كثير: (أي إنّما سلّطناه عليهم ليظهر أمر من هو مؤمن بالآخرة وقيامها، والحساب فيها والجزاء؛ فيحسن عبادة ربّه عز وجل في الدنيا، ممّن هو منها في شك وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي محافظ عليه، فليحذر العاصي وليشكر المؤمن.
كلمة في السياق: [حول موضوع المجموعة وصلتها بما قبلها وبما بعدها وبالمحور]
1 -
نلاحظ أن المجموعة الأولى من هذا المقطع انتهت بقوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ونلاحظ أن المجموعة التي مرت معنا تبدأ بقوله تعالى لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ مما يشير إلى ارتباط المجموعة الثالثة بمقدمة المقطع، ونلاحظ أنه بعد ما قصّ الله علينا عقوبة سبأ قال إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ فإذا تذكّرنا أن قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ جاء في معرض ذكر قدرة الله على العقوبة، ندرك الصلة بين مقدّمة المقطع مع المجموعة، ونلاحظ أن المجموعة انتهت بقوله تعالى وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ مما يدل على أن موضوع اليوم الآخر الذي بدأ به المقطع هو الهدف من سوق القصة؛ فكفر النعمة سببه الشّك في الآخرة.
2 -
إن هناك ارتباطا بين رؤية الآية، والشكر لله، والإنابة إليه، وهناك ارتباط بين الشكر لله وبين الإيمان باليوم الآخر، وهذا من أوائل المعاني التي تقدمها لنا المجموعة الثالثة، فالمقطع بدأ بذكر قول للكافرين يفيد استبعادهم لليوم الآخر، ثمّ ردّ عليه، ثمّ جاءت قصة داود نموذجا على الشكر، ثم جاءت قصة سبأ نموذجا على الكفر، فالمجموعة الثانية ذكرت نموذجا لمن يرى الآيات التي تدل على الله، وعلى اليوم الآخر، والمجموعة الثالثة ذكرت نموذجا لمن يعمى عن رؤية الآيات التي تدل على الله، وعلى اليوم الآخر، ومن ثم ذكرت المجموعة الثانية ما يستحقه من يرى، وذكرت المجموعة الثالثة ما يستحقه من لا يرى.
3 -
في المجموعتين الثانية والثالثة ذكر ضمنا دليل جديد من أدلّة اليوم الآخر، فالله عز وجل مستحق للشكر، والقيام بالشكر مرتبط بوجود يوم آخر، وإيمان به، والله عز وجل المحيط علما بكل شئ، والعليم بالإنسان قضى أن يكون يوم آخر؛ لأنّه بدون ذلك لا يقوم الإنسان بحق الله.
4 -
فلتتأمل الآن صلة مجموعة سبأ بمحور السورة من سورة البقرة:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. إنّ المجموعة تعطينا نموذجا على الكفر الواضح الفاقع مع وجود كل ما ينافيه،
وتعطينا التعليل لهذا الكفر وهو الشك باليوم الآخر.
فالصلة قائمة بين المجموعة وما قبلها، وبين المجموعة ومحور السورة من سورة البقرة.
5 -
الملاحظ أن ما بعد مجموعة سبأ تأتي مجموعة يتوجه فيها الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكافرين قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ
…
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ
…
فلم انتقل السياق من الكلام عن سبأ إلى هذا الخطاب المباشر؟ إن الجواب يكمن في بداية المقطع، لقد بدأ المقطع بذكر سخرية الكافرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يدعو إلى الإيمان باليوم الآخر وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وقد ردّ الله عليهم، ولفت نظرهم، وأقام الحجة، وذكر ما يعطي الشاكرين بذكر قصة داود وسليمان، وذكر ما يعاقب به الكافرين في قصة سبأ؛ ليردّهم عن الكفر إلى الشكر، ثم بعد ذلك يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّ