الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المجموعة الثانية
قُلْ يا محمد هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أي هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولا منذرا وأن الله وحده لا شريك له نَبَأٌ عَظِيمٌ أي خبر عظيم وشأن بليغ وهو إرسال الله تعالى إياي إليكم لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة. ثم
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ أي غافلون. وقال مجاهد والسدي وشريح القاضي في تفسير النبأ العظيم:
بأنه القرآن، وأنه هو المعرض عنه. وقال الحسن: يوم القيامة. وأيا ما كان النبأ فالمضمون الذي أعرضوا عنه هو الإنذار، وصلة ذلك بمحور السورة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ واضحة.
ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ أمره أن يحتج لصحة نبوته بأن ما ينبئ به عن الملأ الأعلى واختصامهم، أمر ما كان له به علم قط، ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس في علم ما لم يعلموا، وهو الأخذ من أهل الكتاب فعلم أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحي من الله تعالى. قال ابن كثير في الآية:(أي لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى؟ يعني في شأن آدم عليه السلام وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجّته ربه في تفضيله عليه). وهذا الاختصام قد فسّر بعد هذا بآية أثناء الكلام عن قصة آدم عليه السلام. كما ذكر ذلك ابن كثير
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي ما يوحى إلي إلا للإنذار، أو ما يوحى إلا هذا وهو أن أبلّغ وأنذر، ولا أفرّط في ذلك. أي ما أمر إلا بهذا الأمر وحده، وليس لي غير ذلك. قال النسفي:(والمراد بالملأ الأعلى أصحاب القصة (أي الآتية) الملائكة وآدم وإبليس، لأنهم كانوا في السماء، وكان التقاول بينهم). والآن تعرض السورة قصة الاختصام:
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ أي فإذا أتممت خلقه وعدّلته وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أي من الروح التي خلقتها وأضفتها إلى ذاتي تشريفا لهذه الروح والمعنى: أحييته وجعلته حساسا متنفسا فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ أي اسقطوا على الأرض له. أي اسجدوا له. قال النسفي: (قيل كان انحناء يدلّ على التواضع، وقيل كان سجدة لله (وهو كالقبلة) أو كان سجدة التحية). والسجود أو الانحناء لغير الله في شريعتنا محرّم فهو حكم منسوخ في شريعة الله الخاتمة.
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ أفاد التعبير أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين في أوقات
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ أي تعظّم عن السجود وَكانَ مِنَ
الْكافِرِينَ أي وصار من الكافرين بإباء الأمر
قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ أي بلا واسطة، أي ما منعك عن السجود امتثالا لأمري، وإعظاما لخطابي لمن خلقته بلا واسطة، وفي ذلك دليل على بطلان نظرية التطور في شأن خلق آدم عليه السلام أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ هذا استفهام إنكار. أي هل الكبر أم العلو هو الذي جعلك ترفض السجود
قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. قال النسفي: يعني: لو كان مخلوقا من نار لما سجدت له، لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دوني؟ لأنه من طين، والنار تغلب الطين وتأكله
قالَ الله عز وجل فَاخْرُجْ مِنْها أي من الجنة أو من السموات فَإِنَّكَ رَجِيمٌ أي مرجوم أي مطرود. قال النسفي: (تكبّر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين، وزلّ عنه أن الله أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالا لخطابه، وتعظيما لأمره، فصار مرجوما ملعونا بترك أمره)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي أي إبعادي من كلّ الخير إِلى يَوْمِ الدِّينِ أي إلى يوم الجزاء. قال النسفي:
(ولا يظن ظانّ أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع، لأن معناه أن عليه اللعنة في الدنيا وحدها، فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب، فينقطع الانفراد أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة، فأولى أن تكون عليه في غير أوانها، وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى:
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
قالَ إبليس رَبِّ فَأَنْظِرْنِي أي فأمهلني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أي الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى، ويومه اليوم الذي وقت النفخة جزء من أجزائه ومعنى (المعلوم) أنه معلوم عند الله، معيّن لا يتقدم ولا يتأخر
قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أقسم بعزة الله: وهي سلطانه وقهره أن يغويهم جميعا
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ أي الذين أخلصتهم واستخلصتهم
قالَ الله عز وجل فَالْحَقُ أي الحق قسمي أو أنا الحق وَالْحَقَّ أَقُولُ أي وأقول الحق الذي هو نقيض الباطل
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ أقسم الله عز وجل أن يملأ جهنم بإبليس وجنسه من الشياطين وأتباعه من ذرية آدم أي لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا.
…