الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الألوسي في تقديمه لسورة الأحزاب:
(أخرج البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال:
نزلت سورة الأحزاب بالمدينة، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله، وهي ثلاث وسبعون آية قال الطبرسي: بالإجماع، وقال الداني: هذا متفق عليه)
…
(ووجه اتصالها بما قبلها على ما قال الجلال السيوطي تشابه مطلع هذه ومقطع تلك، فإن تلك ختمت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن الكافرين وانتظار عذابهم، وهذه بدئت بأمره عليه الصلاة والسلام بالتقوى وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، واتباع ما أوحي إليه، والتوكل عليه عز وجل.
…
كلمة في سورة الأحزاب ومحورها:
أول ملاحظة نلاحظها في سورة الأحزاب أن النداءين يا أَيُّهَا النَّبِيُّ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* يتناوبان في السورة تناوبا مطردا، إلا في آخر السورة إذ تتكرر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* مرّتين: مرة لتأخذ نوبتها وراء نداء يا أَيُّهَا النَّبِيُّ* ومرّة لتقابل بداية السورة؛ إذا تبدأ السورة ب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لاحظ تناوب النداءين:
1 -
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [الآية: 1].
1 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الآية: 9].
2 -
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الآية: 28].
2 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الآيتان: 41، 42].
3 -
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [الآيتان: 45، 46].
3 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الآية: 49].
4 -
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الآية: 50].
4 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الآية: 53].
5 -
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الآية: 59].
5 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الآية: 69].
6 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً [الآية: 70].
…
وتلاحظ في السورة ملامح من سورة النساء، وملامح من سورة المائدة؛ تبدأ سورة النساء ب يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
…
وتبدأ سورة الأحزاب ب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وكما تتحدث سورة النساء في مقطعها الأول عن قضايا لها علاقة في الأسرة فكذلك المقطع الأول من سورة الأحزاب.
وتلاحظ في سورة المائدة قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة: 11].
وتلاحظ أنّ المقطع الثاني من سورة الأحزاب:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. فالمقطع الأول من الأحزاب عليه ملامح سورة النساء، والمقطع الثاني عليه ملامح سورة المائدة. وهكذا بالتناوب، وهو موضوع سنرى تفصيلاته أثناء العرض. ومن ثمّ فابتداء نقول: إنّ سورة الأحزاب تفصّل من البقرة ما فصّلت فيه سورتا النّساء والمائدة بآن واحد.
فهي تفصّل في محوري سورتي النساء والمائدة، وتفصّل معاني موجودة في سورتي النساء والمائدة، وهو موضوع سنرى تفصيلاته إن شاء الله.
لقد رأينا أن سورة النساء فصّلت في قوله تعالى من سورة البقرة:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 21). وأن سورة المائدة فصّلت في قوله تعالى من البقرة:
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (البقرة: 27).
وما بين الآيتين من سورة البقرة ناله حظ من التفصيل في سورتي النساء والمائدة، وإذ كانت سورة الأحزاب تفصّل في محوري سورتي النساء والمائدة فإن كل ما
بين المحورين كذلك يناله حظ من التفصيل؛ فسورة الأحزاب تفصّل في الآيات المذكورة وما استكن فيها مما فصلته سور أخرى، وهو لون من ألوان التفصيل في القرآن الذي وصفه الله تعالى بقوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ وإن هذه الألوان من التفصيل لتدلّنا على أن هذا القرآن من عند الله. فالحمد لله على نعمة الإيمان والقرآن.
…
ومهما تكلّمنا في هذه المقدمة فلن يغنينا عن التفصيل عند مناسبته، وقد يكون من المناسب أن نذكر هاهنا الآيات التي تشكل محور سورة الأحزاب في سورة البقرة: