الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك لَمُبْلِسِينَ أي آيسين
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ أي المطر كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات وأنواع الثمار بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ أي الله لَمُحْيِ الْمَوْتى يعني أن ذلك القادر الذي يحيي الأرض بعد موتها هو الذي يحيي الناس بعد موتهم. فهذا استدلال بإحياء الموات على إحياء الأموات وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي وهو على كل شئ من المقدورات قادر، والبعث من جملة المقدورات بدليل الإنشاء
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ أي فرأوا أثر رحمة الله، لأن رحمة الله هي الغيث، وأثرها النبات مُصْفَرًّا أي فرأوا النبات مصفرّا بعد اخضراره، أو فرأوا السّحاب مصفرا، لأنّ السّحاب الأصفر لا يمطر لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد اصفراره يَكْفُرُونَ أي يجحدون ما نقدم إليهم من النعم.
قال النسفي: (ذمّهم الله تعالى بأنه إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمته، وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين، فإذا أصابهم برحمته، ورزقهم المطر، استبشروا، فإذا أرسل ريحا فضرب زروعهم بالصفار ضجوا، وكفروا بنعمة الله فهم في جميع هذه الأحوال على الصفة المذمومة، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله وفضله فقنطوا، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ففرحوا، وأن يصبروا على بلائه فكفروا).
فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى أي موتى القلوب. فكأن هؤلاء في حكم الموتى، فلا تطمع أن يقبلوا منك وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ أي النداء إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ إذا ذهبوا معرضين. قال النسفي:(فإن قلت: الأصم لا يسمع مقبلا أو مدبرا فما فائدة هذا التخصيص؟ قلت: هو إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والإشارة، فإذا ولّى لا يسمع ولا يفهم بالإشارة)
وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ أي عمى القلوب عَنْ ضَلالَتِهِمْ التي هم عليها إِنْ تُسْمِعُ أي ما تسمع إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا أي القرآن فَهُمْ مُسْلِمُونَ أي خاضعون منقادون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتّبعونه. وهذا حال المؤمنين. والأول مثل الكافرين.
كلمة في المقطع الثالث والسياق: [حول صلة المقاطع الثلاثة الأولى ببعضها وصلة المقطع الثالث بالمقطعين الثاني والرابع]
1 -
نلاحظ أنّ الآية الأولى في المقطع الذي مرّ معنا متصلة المعنى بالآية التي قبل الأخيرة من المقطع السابق عليه. فالآية قبل الأخيرة من ذلك المقطع هي:
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ
بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
ثم تأتي آية: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.
ثم جاء قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً
…
إن الصلة بين هذه الآية وتلك واضحة. فالمعنى واحد، ولكن سيق المعنى هناك للتدليل على وجود الله، وسيق هنا للتذكير باليوم الآخر، ولكن لم وجدت الآية الوسطى بينهما؟
إنّ الآيتين تضيئان على الآية التي جاءت بينهما. فنفهم من ذلك أنّه كما أن المطر تسبقه رياح مبشرات- وقد يأتي بعد احتباس- فكذلك نصر الله يأتي بعد ترقب واحتباس.
وإذ أخذ الله على اليائسين من رحمته يأسهم في موضوع المطر، فقد أعطى الله درسا للمؤمنين بألا ييأسوا من النّصر دون أن يخاطبهم بذلك مباشرة. وعلى هذا فما ذكره الله عز وجل في سورة البقرة حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة: 214) صراحة قد ذكّر الله به المؤمنين هنا بشكل ضمني. ومما مر نعلم أن بين بداية المقطع الثالث ونهاية المقطع الثاني صلة واضحة.
2 -
كما أقام الله الحجج في المقطع الأول والثاني على مجئ اليوم الآخر. فقد أقام في المقطع الثالث الحجّة على ذلك، ثمّ إنّه بعد أن أقام الحجة على ذلك في الآيات الثلاث الأول انتقل السياق ليحدّثنا عن الطبيعة الكافرة الجحود التي لا ينفعها حجّة، ولا تنفع معها آية. وقد وصفهم الله عز وجل بالموت والصّمم والعمى؛ تعزية لرسوله صلى الله عليه وسلم وتسلية له، كما بيّن من هم الذين يستفيدون من الآيات، وهم المؤمنون بآيات الله. وهذا يذكّرنا بقوله تعالى في الآيات الأولى من سورة البقرة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ (البقرة: 4). إذ تبيّن الآية الأخيرة علامة الإيمان بالآيات وهي الإسلام إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ.
3 -
رأينا أن السورة في سياقها الرئيسي تتحدّث عن اليوم الآخر مباشرة أو من خلال الحديث عن الله، والإيمان بالله واليوم الآخر من أهمّ أركان الإيمان بالغيب. وقد حدّثنا المقطع الثالث عن الله، وعن اليوم الآخر، وعن الكفر والإيمان،