الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة أخيرة في سورة يس ومجموعتها:
ذكرت سورة يس رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأظهرت حكمتها، وذكرت مضمونها، وحدّدت موقف الناس منها، ونوعية الذين يستجيبون لها ويقبلونها.
وبالتالي من لا يستجيب لها ولا يقبلها.
…
وحدّدت صفات الذين يستجيبون بأنهم الذين يتبعون الذكر ويخشون الله.
وذكّرت بكل ما يوصّل إلى ذلك، وأقامت الحجة على الآخرين، وهي بذلك تكون قد أكملت البناء الذي ابتدأته سورة فاطر، إذ حدّدت سورة فاطر نقطة البداية في السير:
وهي خشية الله، وإقام الصلاة.
قالت سورة فاطر: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ.
وقالت سورة يس: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فاجتمع من السورتين أن الذي يقبل الإنذار هو الخائف من الله، المصلي المتّبع لكتاب الله، وبالتالي فهو الحي كما قالت سورة (يس): لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا فسورة فاطر ذكرت بداية الطريق، وأكملت هذه البداية سورة يس؛ فذكرت الأساس الذي يقوم عليه تلقي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن قبل ذكرت سورة سبأ الأسس العامة للقيام بالتكليف، فلو رجعنا إلى سورة سبأ فإننا نلاحظ أنّها ذكّرت بالشروط اللازمة لقضية الشكر التي هي القيام بالتكليف، ثم جاءت سورتا فاطر ويس، فذكّرتا ببداية السير العملي، وبهذا تكاملت السور الثلاث في تبيان الهدف، ونقطة البداية فيه، والطريق إليه، فإذا تذكرنا السور الأربع: العنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة، التي فصّلت في قضية الإيمان العملي والنظري، وتذكرنا سورة الأحزاب، التي رسمت الطريق للتحقق، نعلم كيف تكاملت مواضيع المجموعة، وكيف أدّت كل سورة محلها في هذا التكامل.
…
فالسور الأربع الأولى حدّدت خريطة الإيمان النظري والعملي، وسورة الأحزاب حددت الطريق للتحقق بذلك. وجاءت سورة سبأ لتبيّن ماهية الشكر الذي هو مجموع ما ورد في السور الخمس السابقة، وتبين كل الشروط اللازمة للتحقق به، ثم جاءت
سورة فاطر لتبيّن نقطة البداية فيه، وجاءت سورة يس لتكمّل قضية الأساس في قبول الإسلام كله، ومن ثم نفهم كيف أن كل مجموعة من مجموعات القرآن لها تكاملها، ولها دورها في بناء قضية الإسلام لرب العالمين.
…
ومن المعنى السابق ندرك خطأ الذين يتصورون أنّ فهم شئ من القرآن- حتى ولو كان سورة البقرة- يغني عن فهم كل آية من آيات القرآن؛ لأن كل آية، وكل سورة، وكل مجموعة، لها غناؤها، وفيها فقهها الخاص بها، ولها دورها في بناء النفس البشرية، والأمّة الإسلامية، وفي تفصيل القضايا النفسية، أو الشروط النفسية، أو غير ذلك مما يلزم عملية البناء، صحيح أنّ كل مجموعة من المجموعات، أو كل قسم من الأقسام، يذكّر بالقضايا الرئيسية، بل قد تجد سورا قصيرة تذكّر بالمعاني الرئيسية، إلا أن التذكير شئ، وفهم الإسلام كله شئ آخر. لقد جعل الله كتابه فيه تبيان كل شئ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] ومن ثمّ فلا يتعرف الإنسان تعرفا كاملا على القضايا كلها إلا من خلال فهم الكتاب كله.
…
وإذ أدركنا من خلال المجموعة المارّة كيف تتكامل كل مجموعة من المجموعات ندرك صلة الآيات التي تشكّل محاور هذه المجموعات من سورة البقرة مع بعضها، وهو موضوع تحدّثنا عنه من قبل فلا نعيده، ولكنا هنا نقول: إن تفصيل المجموعات لسورة البقرة يأخذ كل مرة منحى جديدا، وطابعا جديدا، وأسلوبا جديدا، بحيث يوجد عندنا في كل مرة، وبكل مجموعة موضوع متكامل يؤدي دوره في بناء الشخصية المسلمة والأمة المسلمة، ومن الملاحظ أن بعض آيات سورة البقرة يتكرر تفصيلها في كل مجموعة، بينما لا يتكرر تفصيل بعض الآيات، ولذلك صلته باحتياجات النفس البشرية لتكرار بعض المعاني، أو لاحتياج معنى من المعاني إلى تفصيلات كثيرة.
وبهذا ننهي الكلام عن المجموعة الأولى من قسم المثاني ولله الحمد والمنة.
***