الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سعيد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ، سمعت ابن خزيمة، يقول: القرآن كلام الله، ووحيه، وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال: إن شيئا من وحيه، وتنزيله مخلوق، أو يقول: إن أفعاله تعالى مخلوقة، أو يقول: إن القرآن محدث، فهو جهمي، وقال: من نظر في كتبي بأن له أن الكلابية كذبة فيما يحكون عني، فقد عرف الخلق أنه لم يصنف أحد في التوحيد، والقدر، وأصول العلم، مثل تصنيفي، قال الحاكم: وفضائل ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المساند، والمسائل أكثر من مائة جزء، وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء.
وقال أبو زكريا العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قول إذا صح الخبر عنه، ومولده في صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفي في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: مات سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، قال: وكان يقال له: إمام الأئمة، وجمع بين الفقه، والحديث، وذكر مناظرته مع المزني، ثم قال: وحكى عنه أبو بكر النقاش، أنه قال: ما قلدت أحدا منذ بلغت ست عشرة سنة.
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري
الإمام العالم، صاحب التصانيف العظيمة، والتفسير الشهير الكبير البحر في علوم القرآن، أصله من أهل طبرستان، وطوف الأقاليم في
طلب العلم، وقرأ القرآن على سليمان بن عبد الرحمن الطلحي صاحب خلاد، وسمع الحروف من يونس بن عبد الأعلى، وأبي كريب، وجماعة، وصنف كتابا حسنا في القراءات، فأخذ عن: مجاهد، ومحمد بن أحمد الدجواني، وعبد الرحمن بن أبي هاشم، وسمع الحديث من أحمد بن منيع، وإسحاق بن إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاري، ومحمد بن حميد، وأبي كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، ويونس بن عبد الأعلى، وخلق، وحدث عنه: أبو شعيب الحراني، وهو أكبر منه سنا، وأعلى
إسنادا، وأبو القاسم الطبراني، وأبو عمرو بن حمدان، وخلق.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها، وسقيمها، ناسخها، ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، بصيرا بأيام الناس، وأخبارهم، له الكتاب المشهور في تاريخ الأمم، وكتاب التفسير الذي لم يصنف مثله، وكتاب تهذيب الآثار لم أر مثله في معناه لكن لم يتمه، وله في الأصول والفروع، كتب كثيرة، واختار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه، قال الخطيب: وسمعت علي بن عبيد
الله اللغوي، يقول: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة، وقال صاحبه أبو محمد الفرغاني: حَسَبَتْ تلامذته ما صنف، وقسطوه على عمره منذ احتلم إلى أن مات، فصار لكل يوم أربعة عشرة ورقة، قال الفرغاني: وكان ابن جرير ممن لا تأخذه في
الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى، والشناعات، من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته بما كان يرد عليه من حصة خلفها له أبوه، بطبرستان يسيرة، قال الفرغاني: ورحل ابن جرير لما ترعرع من آمل، وسمح له أبوه في السفر، وكان طول حياته يفد إليه بالشيء بعد
الشيء، إلى البلدان، فسمعته، يقول: أبطأت عني نفقة والدي، واضطررت إلى أن فتقت كمي القميص فبعتهما.
قال الفرغاني: وحدثني هارون بن عبد العزيز، قال: قال لي أبو جعفر الطبري: أظهرت مذهب الشافعي، واقتديت به ببغداد عشر سنين، وتلقاه مني ابن يسار الأحول شيخ ابن سريج، قال الفرغاني: فلما اتسع علمه، أدَّاه بحثه واجتهاده إلى ما اختاره في كتبه، قال: وكتب إلى المراغي، أن الخاقاني لما تولى الوزارة، وجه إلى الطبري بمال كثير، فأبى أن يقبله، وعرض عليه القضاء، فامتنع فعاتبه أصحابه، وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيى سنة قد درست، وطمعوا في أن يقبل ولاية المظالم فانتهرهم ، وقال: قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه، قال: وكتب إلى المراغي يذكر، أن المكتفي قال
للحسن بن العباس: إني أريد أن أوقف وقفا، تجتمع أقاويل العلماء على صحته، ويسلم من الخلاف، قال: فأحضر ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك، فأخرجت له جائزة سنية فأبى أن يقبله، فقيل له: لا بد من جائزة، أو قضاء حاجة، فقال: نعم الحاجة أسأل أمير المؤمنين أن يتقدم إلى الشرط أن يمنعوا السؤال من دخول المقصورة يوم الجمعة فتقدم بذلك، وعظم في نفوسهم، قال الفرغاني: وأرسل إليه العباس بن الحسن
الوزير قد أحببت أن أنظر في الفقه، وسأله أن يعمل له مختصرا، فعمل له كتاب الخفيف، وأنفذه فأرسل ألف دينار فلم يقبلها، فقيل له: تصدق بها، فلم يفعل، وذكر عبيد الله بن أحمد
السمسار، وغيره، أن أبا جعفر بن جرير الطبري، قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا، قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة.
قالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فقال: إنا لله! ماتت الهمم، فأملاه في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ولما أراد أن يملى التفسير، قال لهم كذلك، ثم أملاه بنحو من التاريخ، وقال الفرغاني: تم من كتبه كتاب التفسير، وكتاب القراءات، والعدد والتنزيل، وتم له كتاب اختلاف العلماء، وتم له كتاب التاريخ إلى عصره، وتم كتاب تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين إلى شيوخه، وتم له كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره، وَجَوَّدَهُ، واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابا، وكتاب الخفيف وهو مختصر، وكتاب التبصير في أصول الدين، وابتدأ بتصنيف كتاب تهذيب
الآثار، وهو من عجائب كتبه، وابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، مما صح عنه، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، وما فيه من الفقه والسنن، واختلاف العلماء، وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، فتم منه مسند العشرة، وأهل البيت والموالي، رضي الله عنهم، ومن مسند ابن عباس، رضي الله عنهما، قطعة كبيرة فمات قبل تمامه، وابتدأ بكتاب البسيط فخرج منه، كتاب الطهارة في نحو ألف وخمس مائة ورقة، وخرج منه أكثر كتاب الصلاة، وخرج منه آداب الحكام، وكتاب المحاضر، والسجلات، وغير ذلك، ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل، فبدأ
بفضل الخلفاء الراشدين، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم، واحتج لتصحيحه، وقال محمد بن علي بن سهل الإمام: سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم، فقال: من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى إيش هو؟ فقال ابن صالح: مبتدع، فقال ابن جرير: مبتدع مبتدع هذا يقتل، وقال حسينك بن علي النيسابوري: أول سألني ابن خزيمة، فقال: كَتَبْتَ عن محمد بن جرير؟ قلت: لا، قال: وَلِمَ؟ قلت: لأنه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، فقال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم، وسمعت منه، وقال ابن بالويه، سمعت ابن خزيمة، يقول: ما أعلم على أديم الأرض
أعلم من ابن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة، وقال الشيخ أبو حامد شيخ الشافعية: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير، لم يكن كثيرا، قلت: كان قد وقع بينه وبين الحنابلة، أظنه بسبب مسألة اللفظ، واتهم بالتشيع وطلبوا عقد مناظرة بينهم وبينه، فجاء ابن جرير، رحمه الله، لذلك، ولم يجئ منهم أحد، وقد بالغ الحنابلة في هذه المسألة، وتعصبوا لها كثيرا، واعتقدوا أن القول بها يقضي إلى القول بخلق القرآن، وليس كما زعموا، فإن الحق لا يحتاط بالباطل، والله أعلم، قال ابن كامل: توفي ابن جرير رحمه الله عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مائة عن ست
وثمانين سنة، ودفن في داره برحبة يعقوب، ولم يغير شيبه، وكان الغالب عليه السواد في رأسه، ولحيته، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين نحيف الجسم، مديد القامة، فصيحا، واجتمع عليه من لا يحصيهم إلا الله تعالى، وَصُلِّيَ على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، ورثاه خلق كثير من