الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان الفقيه بهاء الدين أبو عبد الله الإربلي الشافعي
أخو ركن الدين حسين، ونجم الدين عمر والد قاضي قضاة الشام شمس الدين ابن خلكان، تفقه بالموصل، وسمع بها الحديث من يحيى الثقفي، وتفقه ببغداد علي بن فضلان، وسمع من يحيى بن يونس، وابن كليب، وطائفة، وحدث، وأملى، ودرس بها بالمدرسة المظفرية، توفي سنة عشر وست مائة رحمه الله.
محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي العلامة سلطان المتكلمين في زمانه فخر الدين أبو عبد الله القرشي البكري التيمي الطبرستاني الأصل ثم الرازي ابن خطيبها الشافعي
المفسر المتكلم، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، اشتغل أولا على والده الإمام ضياء الدين عمرو، وهو من تلامذة محيي السنة البغوي، ثم لما مات والده قصد الكمال السمناني، فاشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الري، فاشتغل على المجد الحنبلي صاحب محمد بن يحيى الفقيه أحد تلامذة الغزالي، وأتقن علوما كثيرة، وبرز فيها، وتقدم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة، فمن ذلك: تفسيره المشهور، وله تفسير الفاتحة في مجلد مفرد، وله شرح الأسماء الحسنى، وله مناقب الشافعي الذي فيه من الحكايات الغرائب،
وقد شرح الوجيز أو أكثره، وله شرح سقط الزند،
وشرح المفصل والمحصول في أصول الفقه والمنتخب، وله الأربعون في علم الكلام، ونهاية العقول والمطالب العالية، وتأسيس التقديس، وكتاب الملخص، وشرح الإشارات في الأصول وغير ذلك من المصنفات المبتدعة، ومنها ما ذكره القاضي شمس الدين ابن خلكان، وهو كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم، وقد قيل: إنه إنما صنفه لأم الملك خوارزم، وأنها أعطته على ذلك جعلا، فعمله صناعة لتمكنه في العلوم، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته، والله أعلم.
وكان له مجلس كبير للوعظ، وكان يتكلم كلامًا جيدًا، وله تمكن من الوعظ باللسانين العربي، والتركي، وكان يحضره الناس على اختلاف أصنافهم، ومذاهبهم ويجيء إلى مجلسه الأمراء والأكابر والملوك، ويحصل له مكان مجلسه رقة، ويظهر خشوعًا مات بسببه أناس كثير، جرت بينه وبين جماعة من الساسة مخاصمات، وفتن وأوذي بسببهم وأذاهم، وكان ينال منهم في مجلسه، وينالون منه، وأخرج من بعض البلدان بسببهم فيما ذكره القاضي ابن خلكان، قال: ثم عاد إلى بلده، وكان بها رجل طيب له أموال كثيرة، فحضره الموت فأوصى إلى الإمام فخر الدين، وكانت له ابنتان، ولفخر الدين ابنان فزوجهما بهما،
واتسعت الأموال على فخر الدين كثيرا، وأقبل عليه الملوك، فصارت له أرزاق دائرة، وأنعام كثيرة وصارت له جاهة وخدم وحشم، ثم أثنى عليه كثيرا، وبالغ في وصفه ومدحه، وأما الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فلم يكن مقبلًا عليه، وربما غض من شأنه، وتوسط فيه الشيخ أبو شامة وذكر أنه خلف
ثمانين ألف دينار، والله أعلم.
قلت: جالت أقلام فخر الدين رحمه الله في فنون كثيرة من العلوم، واتسعت دائرته وتسلطن في فن الكلام خاصة حتى قيل: إنه كان يحفظ الشامل لإمام الحرمين في ذلك، وله اختيارات كثيرة في كتب متعددة يرد بعضها بعضًا، ولكن الذي صنفه على طريقة أهل الكلام نهاية العقول، وهو من أجود كتبه، وكذا كتاب الأربعين، وأما المباحث الشرقية فأكثرها على طريق الحكمة، ومذهب الفلاسفة، وكتابه المطالب العالية أجمع في ذلك كله، وهي آخر ما صنف في ذلك، وبهذا لم يتمها، وبقي عليه منها بقية، ثم قيل: إنه ندم على دخوله في هذا الفن كما قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح رحمه الله: أخبرني القطب
الطوغاني مرتين أنه سمع الفخر الرازي يقول: ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى، ومن شعره وكلامه:
نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
…
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم قد رأينا من رجال ودولة
…
فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها
…
رجال فبادوا والجبال جبال
، ثم يقول: لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم
أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن، اقرأ في التنزيل {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] ، وقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] واقرأ في الآيات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، واقرأ أن الكل من الله قوله تعالى {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] ، ثم
يقول: وأقول من صميم القلب من داخل الروح أني مقر بأن كل ما هو الأكمل الأفضل الأعظم الأجل فهو لك وكل ما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه، وهذه وصيته عند موته رحمه الله تعالى، أخبرني الشيخ الإمام كمال الدين عمر بن إلياس بن يونس المراغي، قدم علينا دمشق وكان أحد تلامذة النصير الطوسي، بقراءتي عليه بدار الحديث الأشرفية، أنا الثقفي يوسف بن أبي بكر النسائي بمصر، أنا الكمال محمود بن عمر الرازي، قال: سمعت الإمام فخر الدين يوصي تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني، يقول العبد الراجي رحمة ربه الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسين الرازي، وهو أول عهده بالآخرة
وآخر عهده بالدنيا، وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس ويتوجه إلى مولاه كل آبق: أحمد الله تعالى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم، ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحامد التي يستحقها عرفتها أو لم أعرفها، لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب، وصلاته على الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، ثم اعلموا إخواني في الدين، وأخلائي في طلب اليقين أن
الناس يقولون: إن الإنسان إذا مات انقطع عمله وتعلقه عن الخلق، وهذا مخصص من وجهين: الأول: أنه إن بقي منه عمل صالح صار سببًا للدعاء، والدعاء له
عند الله أثر.
الثاني: ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات، أما الأول: فاعلموا أني كنت رجلًا محبًا للعلم، فكنت أكتب في كل شيء شيئًا، وأقف على كميته وكيفيته سواء كان حقا أو باطلًا إلا أن الذي نظرته في الكتب المعتبرة أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبر منزه عن مماثلة المتحيزات موصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة، ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلالة لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقصات، وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة،
والمناهج الخفية، فلهذا أقول: كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم، والأزلية، والتدبير، والفعالية، فذلك هو الذي أقول به وألقى الله به، وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، وكل ما ورد في القرآن، والصحاح المتعين للمعنى الواحد، هو كما هو، والذي لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، فلك ما مد به قلمي أو خطر ببالي، فأستشهد وأقول: إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل في ما أنا أهله، وإن علمت عني أني ما سعيت إلا في تفريد أعتقد أنه الحق،
وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل، وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع
في زلة فأغثني وارحمني واستر ذلتي وامح حوبتي، يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين، ولا ينقص ملكه بخطأ المجرمين، وأقول: ديني متابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، اللهم يا سامع الأصوات، ويا مجيب الدعوات، ويا مقيل العثرات أنا كنت عند حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك، وأنت قلت: وأنا عند ظن عبدي بي، وأنت قلت:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] ، فهب أني ما جئت بشيء، فأنت الغني
الكريم، وأنا المحتاج اللئيم فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت، وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت، فإنك أرحم الراحمين.
وأما الكتب التي صنفتها واستكثرت فيها من إيراد السؤالات فليذكرني من نظر فيها بصالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيئ فإني ما أردت إلا تكثير البحث، وشحذ الخاطر، والاعتماد في الكل على الله عز وجل، ثم ذكر فصلًا في الوصية بأولاده، وأطفاله إلى أن قال: وأمرت تلامذتي ومن لي عليه حق إذا أنا مت يبالغون في إخفاء موتي، ويدفنوني على شرط الشرع فإذا دفنوني قرءوا على ما قدروا عليه من القرآن، ثم يقولون: يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه، وكانت وفاته بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وبلغني أنه خلف من
الذهب ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار، وغير ذلك وترك ولدين الأكبر منهما قد تحيد في حياة أبيه، وخدم السلطان خوارزم شاه، وقال الموفق بن أبي أصيبعة: كان ربع القامة ضخم