الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الاستغفار
1 -
عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل: يا ابن (1) آدم كلكم مذنبٌ (2) إلا من عافيت (3) فاستغفروني (4) أغفر لكمْ، وكلكمْ فقيرٌ إلا من أغنيت فأسألوني (5) أعطكمْ وكلكمْ ضالٌ (6) إلا من هديت (7)، فأسألوني الهدي (8)
أهدكمْ، ومن استغفرني، وهو يعلم أني ذو قدوة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي، ولوْ أنَّ أوَّلكم وآخركم، وحيَّك وميتكم ورطبكمْ ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص من ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضةٍ، ولوْ أنَّ أوَّلكمْ وآخركمْ، وحيَّكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على اتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زادوا في سلطاني
= واتصاف الرسل عليهم الصلاة والسلام، بالصدق، والأمانة، والتبليغ. والفطانة الخ. أهـ من النهج السعيد في علم التوحيد ص 87.
قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) 19 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
أي إذا علمت سعادة المؤمنين، وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس باصلاح أحوالها وأفعالها، وهضمها بالاستغفار لذنبك (وللمؤمنين والمؤمنات) ولذنوبهم بالعاء لهم، والتريض على ما يستدعي غفرانهم. وفي إعادة الجار، وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر، فإن الذنب له ما له تبعة ما يترك بالأولى (متقلبكم) في الدنيا فانها مراحل لابد من قطعها (ومثواكم) في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم. أهـ بيضاوي ص 702.
اللهم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله صلى الله فتجل علينا بالرضوان، ومدنا بالاحسان والغفران ووفقنا وأصلح أحوالنا إنك غفور رحيم قدير.
(1)
يا ابن: كذا د وع ص 537، وفي ن ط: يا بني، وفي ن د: فقراء، مازاروني.
(2)
مرتكب إثما، ومقصر في حقوق الله إزاء ما أنعمت عليه وغمرته ياحساني.
(3)
سامحت.
(4)
اطلبوا مني المغفرة والعفو: أي أكثروا من الدعاء بطلب الهداية والإقالة من الذنوب. عسى أن أرحمكم وأقبل عملكم وأثيبكم.
(5)
اطلبوا مني قضاء حاجاتكم أجبكم إلى ما تدعون.
(6)
حائد عن الطريق المستقيم: أي غير موفق إلى الصواب إلا من أرشدته وعصمته، ويقال الضلال لكل عدول عن النهج السوي، عمدا كان أو سهوا يسيرا كان أو كثيرا، وفي قوله تعالى:(ووجدك ضالا فهدى) أي غير مهتد لما سيق إليك من النبوة. والمعنى الإنسان يستلهم السداد من الله، ويلجأ إلى تعاليم أحكام كتابه العزيز رجاء أن يوفق إلى الحكمة.
(7)
وفقت: أي خلقت فيه قدرة الطاعة ليسلك الصراط المستقيم، وأعماله تكون مسددة صائبة.
(8)
اطلبوا مني التوفيق.
مثل جناح بعوضةٍ، ولوْ أنَّ أوَّلكمْ وآخركمْ، وحيَّكمْ وميتكمْ ورطبكمْ ويابسكمْ سألوني حتى تنتهي مسألة كلِّ واحد منهم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص دائما مما عندي كمغرز إبرةٍ (1) لو غمسها أحدكمْ في البحر، وذلك أني جواد (2) ماجد (3)
واحد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كنْ فيكون. رواه مسلم والترمذي وحسنه، وابن ماجه والبيهقي واللفظ له وفي إسناده شهر ابن حوشب، وإبراهيم بن طهمان، ولفظ الترمذي نحوه إلا أنه قال: يا عبادي: ويأتي لفظ مسلم في الباب بعده إن شاء الله.
2 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لوْ ذنوبك عنان السماء، ثمَّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرةً. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
(العنان) بفتح العين المهملة: هو السحاب. (وقراب الأرض) بضم القاف: ما يقارب ملأها.
3 -
وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: وعزَّتك لا أبرح أغوي (4) عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال:
(1) مكان تثبيتها في النسيج: أي طرفها الذي يوضع فيه الخيط، والمعنى شيء قليل جدا لا قيمة له.
(2)
كريم محسن.
(3)
عزيز عظيم المجد في الأعالي.
وفي كتابي (مختار الامام مسلم شرح النووي)(كلكم ضال) وصفهم بما كانوا عليهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهواته والراحة وإهمال النظر لضوا، وفي الحديث (كل مولود يولد على الفطرة) فالمهتدي من هداء الله وبهدي الله اهتدى وبارادة الله تعالى ذلك وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين ولو أرادها لاهتدوا. الله أهدنا ووفقنا ص 442 جـ 2.
معنى الحديث: يطلب ربك جل وعلا أن تلجأ إليه سبحانه بالتوبة والندم على ما فعلت وتكثر من الاستغفار وتثق بأنه عز شأنه الرزاق المعطي فتسأله وحده جل وعلا وتتوجه إليه بالذل والانكسار وتطلب منه الهداية وتعتقد أنه تعالى على كل شيء قدير لاتنفذ خزائنه ولا ينقص منها شيئ مهما أعطى صبحانه (جواد ماجد. عطائي كلام وعذابي كلام) معناه: قدرتي تامة وإردتي نافذة عند الأمر كن فيكون لا عجز ولا فقر ولا تقصير سبحانه عظمت قدرته، وجلت إرادته لا يمنعه مانع ولا يصده صاد.
(4)
أضل.
وعزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهمْ ما استغفروني (1). رواه أحمد والحاكم من طريق درَّاج، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
4 -
وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على داءكم الذنوب، ودواءكم (2) الاستغفار. رواه البيهقي، وقد روي عن قتادة من قوله، وهو أشبه بالصواب.
5 -
وعنْ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجاً (3)، ومن كلِّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب (4). رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه، والحاكم والبيهقي، كلهم من رواية الحكم بن مصعب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
6 -
وعن عبد الله بن بسرٍ رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: طوبى (5)
لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرٌ. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقي.
(1) أي يستمر غفراني وعفوي مدة دوام استغفارهم إياي.
(2)
الذي يشفي الإنسان من أخطائه ملازمة الاستغفار.
(3)
رخاء وعزاً ويزيل ما كدره وآلمه.
(4)
يزيده خيرات جمة ليست في حسابه ولا يعلم بها، بمعنى أن الاستغفار يجلب النعم ويبسط به الله الأرزاق قال تعالى:(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وعنه صلى الله عليه وسلم (إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم)(ومن يتق الله) فما زال يقرؤها ويعيدها. وروي أن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو فشكا أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: اتق الله وأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها. وفي رواية (رجع ومعه غنيمات ومتاع). قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) 3 من سورة الطلاق.
(5)
شجرة في الجنة تظلل مسافة طويلة من أمكنتها، وأصلها فعلى من الطيب، والمعنى ينال المستغفر مكاناً ساميا في الجنة ذا رائحة طيبة زكية يفوحشذاها من صحيفته الثابتة له قال تعالى:(فأما من أوتي كتابه بيمينه 7 فسوف يحاسب حساباً يسيرا 8 وينقلب إلى أهله مسرورا 9 وأما من أوتي كتابه وراء ظهره 10 فسوف يدعو ثبورا 11 ويصلى سعيرا 12 إنه كان في أهله مسرورا 13 إنه ظن أن لن يحور 14 بلى إن ربه كان به بصيراً) 15 من سورة الانشقاق.
(يسيراً) سهلا لا يناقش فيه (إلى أهله) إلى عشيرته المؤمنين، أو أهله في الجنة من الحور (وراء ظهره) من وراء ظهره، قيل: تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل يسراه وراء ظهره (ثبوراً) يتمنى الهلاك يقول: يا ثبوراه (في أهله) في الدنيا بطراً بالمال والجاء فارغاً من الآخرة (لن يحور) لن يرجع إلى الله تعالى بصيراً عالماً بأعماله فلا يهمله بل يرجعه ويجازيه. إن شاهدنا الصحيفية النقية الطاهرة لمن دبج الكتبة البررة فيها استغفارا كثيرا.
7 -
وعن الزُّبير رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحبَّ أن تسرَّه صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار. رواه البيهقي بإسناد لا بأس به.
8 -
وعن أمِّ عصمة العوصيَّة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ مسلم يعمل ذنباً إلا وقف الملك ثلاث ساعاتٍ، فإن استغفر من ذنبه لمْ يكتبه عليه، ولم يعذِّبهُ الله يوم القيامة. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
9 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ العبد إذا أخطأ نكتت (1) في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صقلتْ، فإنْ عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فذلك الرَّان الذي ذكر الله تعالى: كلا بل رَانَ على قُلوبهمْ ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
10 -
وروي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن للقلوب صدأ كصدإ النُّحاس (2) وجلاؤها الاستغفار. رواه البيهقي.
11 -
وعن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله به بما شاء أن ينفعني، وإذا حدَّثني أحدٌ من أصحابه استحلفته (3)، فإذا حلف لي صدقته، وقال: وحدَّثني أبو بكر رضي الله عنه
(1) أي أثرت قليلا كالنقطة، شبه الوسخ في المرآة، والسيف ونحوهما قال تعالى:(كلا إن كتاب الفجار ففي سجين 7 وما أدراك ما سجين 8 كتاب مرقوم 9 ويل يومئذ للمكذبين 10 الذين يكذبون بيوم الدين 11 وما يكذب به إلا كل معتد أثيم 12 إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين 13 كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون 14 كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون 15 ثم إنهم لصالوا الجحيم 16 ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) 17 من سورة المطففين. (مرقوم) مسطور بين الكتابة أو معلم يعلم من رآه (معتد) متجاوز عن النظر غال في التقليد حتى استقصر قدرة الله تعالى وعلمه فاستحال منه الإعادة (أثيم) منهمك في الشهوات (ران) صدأ على قلوبهم فعمى عليهم معرفة الحق والباطن وغلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها (لمحجوبون) لا يرون الله، بخلاف المؤمنين (لصالو) ليدخلون النار (يقال) أي يقول الزبانية أهـ بيضاوي.
(2)
هو أن يركبها الرين بمباشرة المعاصي والآثام فيذهب بجلائها كما يعلو الصدأ وجه المرآب والسيف ونحوهما أهـ نهاية. المعنى أن الذاكر الله المستغفر يزيل الغفلة عن قلبه، وكثرة الاستغفار تضيء القلب بنور الله وخشيته فيزداد من الطاعة.
(3)
طلبت منه القسم.
وصدق (1) أبو بكر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يذنب (2) ذنباً فيحسن الطهور، ثمَّ يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ هذه الآية: والذين إذا فعلوا فاحشةً (3) أو ظلموا أنفسهم (4). إلى آخر الآية.
رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وليس عند بعضهم: ذكر الركعتين، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وذكر أن بعضهم وقفه.
12 -
وعن بلال بن يسار بن زيدٍ رضي الله عنه قال: حدَّثني أبي عن جدِّي أنه سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو (5) الحيَّ (6) القيوم (7) وأتوب إليه غفر له، وإن كان فرَّ (8) من الزحف. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(قال الحافظ): وإسناده جيد متصل متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير أن بلالا سمع من أبيه يسار، وأن يساراً سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في يسار والد بلال: هل هو بالباء الموحدة، أو بالياء المثناة تحت، وذكر البخاري في تاريخه أنه بالموحدة، والله أعلم.
ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود، وقال: صحيح على شرطهما إلا أنه قال: يقولها ثلاثاً.
(1) وصدق أبو بكر. كذا د وع ص 539.
(2)
يفعل خطأ يغضب الله، ثم تاب وأناب، وتوضأ وتنفل.
(3)
فعلة بالغة في القبح كالزنا.
(4)
ارتكبوا المعاصي، وحملوا أنفسهم فوق طاقتها بهجر أوامر الله. قال البيضاوي: بأن أذنبوا أي ذنب كان، وقيل الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة، ولعل الفاحشة ما يتعدى، وظلم النفس ما ليس كذلك (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) تذكروا وعيده أو حقه العظيم أو لحكمته فندموا وتابوا (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله صلى الله عليه وسلم:(ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة). والمعنى: (من أخطأ وتاب إلى ربه، وأقبل عن عبادته بالركعتين ثم استغفر محا الله ذنوبه وستر عيوبه، وأزال آثامه، وطهر صحيفته.
ومن شروط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب.
(5)
لا يستحق العبادة سواء ولا يوجد إله غيره.
(6)
الذي اتصف بالحياة الكاملة لا يعتريه سبحانه فناء. قال البيضاوي: الذي يصح أن يعلم ويقدر، وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإمكان. أهـ.
(7)
الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه المحيط بصيانته.
(8)
يمحو الله سيئات القاتل، وإن ذهب ليجاهد فرأى العدو ففر وقت الهجوم وقرب الأعداء.
13 -
وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره فقال: استغفروا الله، فاستغفرنا فقال: أتموها سبعين مرَّة، يعني فأتممناها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد، ولا أمةٍ (1) يستغفر الله في يوم سبعين مرَّة إلا غفر الله له سبعمائة ذنبٍ، وقد خاب (2)
عبد أوْ أمة عمل في يومٍ وليلةٍ أكثر من سبعمائة ذنبٍ. رواه بن أبي الدنيا والبيهقي والأصبهاني.
14 -
وعن أنس أيضا رضي الله عنه في قوله عز وجل: فتلقى (3) آدم من ربه كلماتٍ فتاب (4) عليه إنه هو التواب (5) الرحيم (6)،
قال قال: سبحانك اللهمَّ
(1) أي ذكر أو أنثى.
(2)
أي خسر من ترك الاستغفار، والمعنى أن كثرة الاستغفار تزيل الذنوب ولو تضاعف عددها. فكأن المرة الواحدة من الاستغفار تمحو عشر سيئات. قال الشاعر:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه
…
من جود كفيك ما علمتني الطلبا
أي إن إرادتك العظيمة يا ب محو ذنوب من وفقته للاستغفار، فالاستغفار نعمة أبقاها الله جل وعلا ليتطهر به العبد، وليكثر من طلب غ فرانه. فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم عصمهم الله تعالى من الأخطاء الكبيرة والصغيرة، ولكن هم أشد الناس اجتهادا في العبادة. وفي حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(أما والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) فاستغفاره صلى الله عليه وسلم كما في الفتح تشريع لأمته، أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم. أهـ ص 79 جـ 11.
قال عياض. الاستغفار لإظهار العبودية لله والشكر لما أولاه، وقيل هي حالة خشية وإعظام، والاستغفار شكرها، ومن ثم قال المحاسبي: خوف المتقربين خوف إجلال وإعظام. قال تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) 39 من سورة المائدة.
(3)
استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين عملها.
(4)
رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة، وإنما رتبه بالفاء على تلقي الكلمات لتضمنه معنى التوبة، وهو الاعتراف بالذنب والندم عليه، والعزم على أن لا يعود إليه، واكتفى بذكر آدم لأن حواء كانت تبعا له في الحكم، ولذلك طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنن.
(5)
الرجاع على عباده بالمغفرة، أو الذي يكثر إعانتهم على التوبة. وأصل التوبة: الرجوع، فإذا وصف بها العبد كان رجوعها من المعصية، وإذا وصف بها البارئ تعالى أريد بها الرجوع عن العقوبة إلى المغفرة.
(6)
المبالغ في الرحمة، وفي الجميع بين الوصفين وعد للتائب بالاحسان مع العفو. أهـ بيضاوي ص 26. قال تعالى:
أ - (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) فكأن الذكر سعادة، وتركه شقاوة.
ب - (إن للمتقين مفازا 31 حدائق وأعنابا 32 وكواعب أترابا 33 وكأسا دهاقا 34 لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا 35 جزاء من ربك عطاء حسابا 36 رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن =
وبحمدك عملت سوءا (1) نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين (2) لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً، وظلمت نفسي فارحمني إنَّك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فتبْ عليَّ إنك أنت التواب الرحيم، وذكر أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن شكَّ فيه. رواه البيهقي، وفي إسناده من لا يحضرني حاله.
15 -
وعن محمد بن عبد الله بن محمد بن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنه عن أبيه عن جدِّه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: واذنوباه (3) واذنوباه، فقال هذا القول مرَّتين أو ثلاثاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: اللهمَّ (4) مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي، فقالها ثمَّ قال: عد فعاد، ثمَّ قال: عدْ فعاد، ثمَّ قال: قمْ فقد غفر الله لك. رواه الحاكم، وقال: رواته مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح.
16 -
وعن البراء رضي الله عنه قال له رجلٌ: يا أبا عمارة، ولا تلقوا بأيديكمْ إلى التهلكة، أهو الرجل يلقي العدوَّ فيقاتل حتى يقتل؟ قال: لا، ولكن هو الرَّجل يذنب الذنَّب، فيقول: لا يغفره (5)
الله. رواه الحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرطهما.
= لا يمكلون منه خطابا 37 يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا 38 ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) 39 سورة النبأ.
(مفازا) فوزا (حدائق) بساتين (كواعب) نساء حسانا (دهاقا) ملآنا شرابا لذيذا (حسابا) كافيا (الروح) سيدنا جبريل وأصحابه، الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله. إن شاهدنا (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) أي تاب ورجع إلى الله، وغرس الصالحات ليجني ثمراتها بعد موته، وقد علم الله سيدنا آدم صيغة تسبيحه وتحميده، وتبجيله رجاء غفران خطاياه. قال تعالى:(إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) 40 من سورة النبأ.
(1)
ذنبا.
(2)
العافين: ساتري الخطايا، سبحانه.
(3)
يندب كثرة خطاياه، ويشكو زيادتها ويخشى الله كثيرا، فأمر صلى الله عليه وسلم ذلك المقصر المستغيث بصيغة رجاء أن الله يفرج كربه، ويزيل غمه، ويمحو سيئاته.
(4)
أي يا الله غفر أنك أوسع من تقصيري وارتكابي الآثام، ورأفتك بي أكثر رجاء وفوزا من عمل هذا الذي أعده بجانب نعمك، وفضلك حقيرا دنيئا وإنك غفور رحيم، فكرر هذا الدعاء ذلك الرجل مرتين أو ثلاثا فما قام من مجلسه الا وتكرم الله عليه بالعفو والغفران.
(5)
معناه أن باب الرجاء مفتوح على مصراعيه تفضلا من الله جل وعلا أن يعفو عن المسيء إذا استغفر قال تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) 70 =