المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٢

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلومن تصدق بما لا يجب

- ‌الترغيب في صدقة السر

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مالهفيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌(الترغيب في القرض وما جاء في فضله)

- ‌الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

- ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

- ‌ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماءوالترهيب من منعه

- ‌(الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له)وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم

- ‌الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله

- ‌الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

- ‌الترغيب في صوم ست من شوال

- ‌(الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها)وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا

- ‌الترغيب في صيام شهر الله المحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

- ‌(الترغيب في صوم شعبان)وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

- ‌(الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض)

- ‌(الترغيب في صوم الاثنين والخميس)

- ‌(الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد)وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

- ‌(الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام

- ‌(ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه)

- ‌(ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه)وترغيبه في الإفطار

- ‌(الترغيب في السحور سيما بالتمر)

- ‌(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)

- ‌الترغيب في إطعام الطعام

- ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

- ‌(الترغيب في الاعتكاف)

- ‌(الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها)

- ‌(كتاب العيدين والأضحية)

- ‌الترغيب في إحياء ليلتي العيدين

- ‌الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

- ‌الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته

- ‌(الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل)وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات

- ‌(الترغيب في النفقة في الحج والعمرة)وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

- ‌(الترغيب في العمرة في رمضان)

- ‌الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياباقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌(الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها)

- ‌(الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى)

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

- ‌(الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة)

- ‌الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

- ‌(الترغيب في حلق الرأس بمنى)

- ‌(الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله)

- ‌(ترهيب من قدر على الحج فلم يحج)(وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج)

- ‌الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينةوبيت المقدس وقباء

- ‌(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)وفضل أُحُد، ووادي العقيق

- ‌(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)

- ‌(كتاب الجهاد)

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌(الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى)

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلهاوالترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوموالصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌(الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه)

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهادوما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌(الترهيب من الفرار من الزحف)

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌(الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال)

- ‌(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)

- ‌التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمهوما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌(الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن)

- ‌(الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به)

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمرانوما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولهاأو عشر من آخرها

- ‌(الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر)

- ‌الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

- ‌(الترغيب في قراءة المعوذتين)

- ‌(كتاب الذكر والدعاء)

- ‌(الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

- ‌(الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه)

- ‌(الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

- ‌(الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)

- ‌(الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)

- ‌(الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات)

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل)

- ‌(الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما)

- ‌(الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها)

- ‌الترغيب في الاستغفار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلموالترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب البيوع وغيرها

- ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيرهوما جاء في نوم الصبحة

- ‌(الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة)

- ‌الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيهوما جاء في ذمّ الحرص وحب المال

- ‌الترغيب في طلب الحلال والأكل منهوالترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

- ‌الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

- ‌(الترغيب في إقالة النادم)

- ‌(الترهيب من بخس الكيل والوزن)

- ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

- ‌الترهيب من الاحتكار

- ‌ترغيب التجار في الصدقوترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

- ‌الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

- ‌الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

- ‌الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوجأن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

- ‌الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور)

- ‌(الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس)

الفصل: ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

إلى أهلها. رواه البيهقي موقوفاً، ورواه بمعناه هو وغيره ومرفوعاً، والموقوف أشبه.

‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

1 -

عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حمل علينا السلاح فليْس منّا (1)، ومن غشَّنا فليْسَ منَّا. رواه مسلم.

2 -

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة (2) طعامٍ فأدخل يده فيها فنالتْ أصابعه بللاً (3)، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء (4) يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام (5) حتى يراه الناس، من غشَّنا فليس منَّا. رواه مسلم، وابن ماجه، والترمذي، وعنده: من غ شَّ فليْس منَّا، وأبو داود ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرَّ برجلٍ يبيع طعاماً فسأله كيف تبيع؟ فأخبره

= المحافظة على كل ما يعهد إلى الإنسان القيام به من قول أو فعل أو عمل، وذلك كالمحافظة على تأدية الصلاة في أوقاتها وإعطاء الأمانة لأربابها، وقول الحق بلا خوف ووجل، وأداء الشهادة كما رأى، وتحقق بلا تغيير أو تحريف، ويظهر أثرهار:

أ - في أداء الفرائض والواجبات في أوقاتها المحددة لها، وعلى النظام الذي وضع لها.

ب - في تأديته الوديعة سالمة كاملة بلا تسويف، ولا مماطلة.

جـ - في احترام الملك الخاص كملك الأفراد واحترام الملك العام كالشوارع، والمتنزهات فلا يعبث بها، ولا يتعدى عليها بنقص.

د - في العلم: أي يقول ما يعلم، وإذا سئل عما لا يعلم. قال أدرى.

هـ - في التبليغ، ينقل الرسالة كما كلف ويوصلها على وجهها بلا زيادة ولا نقصان، وحسن المعاملة، فالتاجر ينصح المشتري ويفي له كيله وميزانه ويصدق في وصف السلعة، ولم يغال في ثمنها، ويصدق الصانع في ميعاده ويتقن صنعته.

(1)

من حاربنا ومشى ضدنا فليس على طريقتنا، وقال العلقمي. قال في الفتح المراد من حمل عليهم السلاح لقتالهم لما فيه من إدخال الرعب عليهم، لا من حمله لحراستهم مثلا، فإنه يحمله لهم لا عليهم: أي ليس على طريقتنا وأطلق اللفظ مع احتمال إرادة أنه ليس على الملة للمبالغة في الزجر والثويف أهـ جامع صغير إن المسلم الكامل من سلم المسلمون من لسانه ويدة ونأى عن الغش، وبعد عن نقص الكيل والوزن.

(2)

الصبرة: الطعام المجتمع كالكومة، وجمعها صبر.

(3)

نديا مبللا.

(4)

المطر.

(5)

أي هل أظهرت هذا.

ص: 571

فأوحى الله إليه أن أدخل يدك فيه، فإذا هو مبلُولٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليْس منَّا منْ غشَّ (1).

3 -

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعامٍ، وقدْ حسَّنه (2) صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا طعامٌ ردئ فقال: بعْ هذا على حدةٍ (3)، وهذا على حدةٍ، فمنْ غشَّنا فليْس منَّا. رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواه أبو داود بنحوه عن مكحول مرسلاً.

4 -

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاماً مصبَّراً (4). فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً (5) قد أصابته السماء، فقال لصاحبها: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحقّث إنه لطعامٌ واحدٌ. قال أفلا عزلْت الرَّطب على حدتهث (6) واليابس على حدتهث فتتبايعون (7) ما تعرفون، منْ غشَّنا فليْس منَّا. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد.

5 -

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليْس منَّا، والمكر، والخداع (8) في النار. رواه الطبراني في الكبير والصغير بإسناد جيد، وابن حبان في صحيحه.

(1) الغش: ضد النصح من الغشش، وهو المشرب الكدر، وقوله: ليس منا: أي ليس من أخلاقنا، ولا على سنتنا أهـ نهاية. غش: لا يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمره.

(2)

مدحه وزخرفه.

(3)

أي بع الجيد وحده، والصنف الردئ وحده، ولا تخلط لأن الإسلام يدعو إلى الأمانة وخوف الله وعدم التدليس.

(4)

مجففا يعيش زمنا.

(5)

لبنا نديا نزل عليه ماء.

(6)

حدته كذا ط د ع ص 578، وفي د حدة. يؤنبه صلى الله عليه وسلم ويزجره ويردعه ليعزل كل صنف: الرطب وحده، واليابس وحده، فيقدم المشتري، ويأخذ ما يريد بلا غش، ولا خديعة.

(7)

أي يحصل تبادل ومبايعة في الظاهر.

(8)

الخبث والحيل الجالبة الغش، مكر من باب قتل خدع، والخدع والخديعة: سوء النية مع اللؤم وجلب المنفعة في سوء طويلة، والحرب تخدع الرجال وتمنيهم. وفي غريب القرآن: المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قال (والله خير الماكرين) ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح. قال تعالى (ولا يحيق المكر السيء السيء إلا بأهله. وإذ يمكر بك الذين كفروا، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم) وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أغراض الدنيا ولذلك. قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه، ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله أهـ.

ص: 572

ورواه أبو داود في مراسيله عن الحسن مرسلا مختصرا قال: المكرُ، والخديعة، والخيانة (1) في النَّار.

6 -

وعنْ قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ يبيع طعاماً، فقال يا صاحب الطعام: أسفل هذا مثل (2) أعلاه؟ فقال: نعمْ يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشَّ المسلمين فليْس منهمْ. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات.

7 -

وعنْ صفوان بن سليمٍ أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه مرَّ بناحية الحرَّة، فإذا إنسان يحمل لبنا يبيعه فنظر إليه أبو هريرة، فإذا هو قدْ خلطه (3) بالماء، فقال له أبو هريرة: كيف بك إذْ قيل لك يوم القيمة خلص الماء من اللبن (4). رواه البيهقي والأصبهاني موقوفا بإسناد لا بأس به.

8 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم: أنَّ رجلاً كان يبيع الخمر في سفينةٍ له، ومعه قردٌ في السفينة، وكان يشوب (5) الخمر بالماء فأخذ القرد الكيس فصعد (6) الذروة، وفتح الكيس فجعل يأخذ ديناراً فيلقيه في السنة، وديناراً في البحر حتى جعله نصفين. ورواه البيهقي أيضاً، ولا أعلم في رواته مجروحاً، وروي عن الحسن مرسلاً.

وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشوبوا اللبن للبيع (7)، ثم ذكر حديث المحفلة، ثم قال موصولا بالحديث: ألا وإنَّ رجلاً ممنْ كان قبلكمْ جلب خمراً إلى قريةٍ فشابها بالماء فأضعف أضعافا فاشترى قرداً فركب البحر حتى إذا لججَ

(1) صفات ثلاث تجر إلى العذاب الشديد: خبث النية، وحيلة الأذى، وفعل الإجرام، والسرقة، ونقص الودائع وخفر الذمة، ونقض الأمانة.

(2)

استفاهم منه صلى الله عليه وسلم عن وسط هذا الكومة المختفي هل هو مثل الظاهر المشاهد؟.

(3)

وضع الماء في اللبن.

(4)

يعذب يوم القيامة بفصل ما غشه ونبذ الماء وإخراجه من وسط اللبن ولن يقدر أن يفعل فيستمر عذابه انتقاما منه حتى يعفو الله عنه.

(5)

يخلط.

(6)

ذهب إلى أعلى.

(7)

المراد أنه عصير يشرب ويباع، وسمي خمراً لتخمره بحسب ما يؤول إليه إذا ترك مدة (إني أراني أعصر خمرا) أي أعصر عنبا، فأنت ترى هذا الرجل يدلس ويدنس ويخلط ويغش في شرابه، فألهم الله القرد أن يضيع نصف ثروته جزاء غشه. أو يقال الخمر المحرم شربها وعاقبه الله بهذا لغشه ولو كان يبيع ما نهى الله عنه.

ص: 573

فيه ألهم الله صرَّة الدَّنانير فأخذها فصعد الدَّقل ففتح الصُّرَّة وصاحبها ينظر إليه فأخذ ديناراً فرمى به في البحري، وديناراً في السَّفينة حتى قسمها نصفين.

وفي أخرى له أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ رجلاً كان فيمنْ كان قبلكمْ حمل خمراً، ثمَّ جعل في كلِّ رزقٍّ نصفاً ماء، ثمَّ باعه، فلمَّا جمع الثمن جاء ثعلبٌ فأخذ الكيس وصعد الدَّقل (1)، فجعل يأخذ ديناراً فيرمي به في السفينة، ويأخذ دينارا فيرمي به في الماء حتى فرغ ما في الكيس (2).

9 -

وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليْس منَّا. رواه البزار بإسناد جيد.

(قال المملي) عبد العظيم: قد روي هذا المتن عن جماعة من الصحابة مهم: عبد الله ابن عباس، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وأبو بردة بن نيار وغيرهم، وتقدم من حديث ابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وقيس بن أبي غرزة.

10 -

وعن أبي سباعٍ رضي الله عنه قال: اشْتريت ناقةً من دار واثلة ابن الأسقع، فلمَّا خرجت بها أدركني يجرُّ إزاره، فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: أبيِّن (3) لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصِّحَّة. قال: أردت بها سفراً، أو أردت بها لحما؟ قلتُ: أردت بها الحجِّ (4) قال: فارتجعها (5)، فقال صاحبها: ما أردت إلى هذا، أصلحك الله تفسد عليَّ؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحلُّ لأحد يبيع شيئاً إلا بين ما فيه، ولا يحلُّ لمنْ علم ذلك إلا بيَّنه رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

ورواه ابن ماجه باختصار القصة إلا أنه قال: عن واثلة بن الأسقع قال: سمعتُ رسول

(1) خشبة يمد ع ليها شراع السفينة وتسميها البحرية الصاري، والزق جلد يجز شعره ولا ينتف نتف الأديم.

(2)

انتهى ما في الصرة: أي إنه رمى نصف نقود الغاش جزاء خلطه، وتدليسه وباطله.

(3)

أظهر عيوبها.

(4)

أركبها، وأحمل عليها متاعي.

(5)

ردها لأنها تصلح للذبح وليست قادرة على السفر، فأنت ترى الإيمان الكامل يتبع المشتري، ويبين عيوبها وفائدتها، وهو حر في الشراء، راجيا من الله البركة وحسن المثوبة.

ص: 574

الله صلى الله عليه وسلم يقول: من باع عيباً لمْ يبيِّنْه لم يزل في مقت (1) الله، ولم تزل الملائكة تلعنه (2)، وروي هذا المتن أيضاً من حديث أبي موسى.

11 -

وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمُ أخو المسلم (3)، ولا يحلُّ لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيبٌ أن لا يبينه (4) رواه أحمد، وابن ماجه والطبراني في الكبير، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وهو عند البخاري موقف على عقبة لم يرفعه.

12 -

وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون بعضهم لبعض نصحةٌ (5) وادُّون، وإنْ بعدتْ منازلهمْ وأبدانهم (6).

والفجرة (7) بعضهم لبعض غششةٌ (8)

متخاونون وإن اقتربت منازلهمْ وأبدانهمْ. رواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيح.

13 -

وعن تميمٍ الدَّاريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1) غضبه.

(2)

تطلب طرده من رحمة الله.

(3)

بينهما رابطة الصداقة، والعروة الوثقى في المحبة والأخوة. قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة) أشد من رابطة النسب.

(4)

ألا يعرب عنه، وأن لا يظهر ما كتم من عيوبه.

(5)

ناصحون متوادون والأخوة رابطة بين الشخصين توجب لكل منهما على الآخرة حقوقا يجب الوفاء بها: منها عدم ظلمه، وعدم غشه، ونصره ونصيحته وقضاء حاجاته وتفريج كروبه وستر عيوبه وإرشاده إلى ما فيه صلاحه، وحب الخير له، وبعد الشر عنه.

(6)

أوطانهم وأجسامهم.

(7)

الفسقة العصاة.

(8)

مدلسون خائنون لا ذمة لهم، ولا أمانة، ولا خوف عندهم من الله يردعهم، قال الله تعالى:(يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9 في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون 10 وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون 11 ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) 12 من سورة البقرة.

قال البيضاوي: الخداع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه لتنزيله عما هو فيه وعما هو بصدده والمراد مخادعة الرسول لأن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) وقال تعالى (في قلوبهم مرض) مجار في الأعراض النفسانية التي تخل كالجهل، وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصي لأنها مانعة من نيل الفضائل أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية (لا تفسدوا) الفساد خروج الشيء من الاعتدال، والصلاح ضده، وكلاهما يعمان كل ضار ونافع. هذه الآيات في الكفار والمنافقين، وكان من فسادهم في الأرض هيج الحروب والفتن بمخادعة المسلمين وممالأة الكفار عليهم بإفشاء الأسرار إليهم، فإن ذلك يؤدي إلى فساد ما في الأرض من الناس والدواب والحرث، ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين، فإن الإخلال بالشرائع والإعراض عنها مما يوجب الهرج والمرج ويخل بنظام العالم أهـ ص 12.

ص: 575

إن الدين (1) النصيحة (2).

قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهمْ. رواه مسلم والنسائي. وعنده: إنما الدين النصيحة. وأبو داود، وعنده قال: إنَّ الدين النصيحة. إن الدين النصيحة. إن الدين النصيحة الحديث. ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بالتكرار أيضاً، وحسَّنه.

ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ثوبان إلا أنه قال: رأس الدين النَّصيحة، فقالوا: لمنْ يا رسول الله؟ قال: لله عز وجل، ولدينهِ، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم.

14 -

وعن زياد بن علاقة رضي الله عنه قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول: يوم ماتَ المغيرة بن شعبة: أمَّا بعد فإني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أبايعك على الإسلام فشرط عليَّ، والنُّصح لكلِّ مسلمٍ (3) فبايعته على هذا، وربِّ هذا المسجد (4) إني لكمْ لناصحٌ. رواه البخاري ومسلم.

15 -

وعن جريرٍ أيضاً رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على

(1) أن معظمه وكامله.

(2)

إخلاص القول، والعمل. قال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها: حيازة الحظ للمنصوح له. وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفي بها العبارة عن معنى هذه الكلمة. وهذا الحديث من الأحاديث التي قبل فيها إنها أحد أرباع الدين أهـ. وقال النووي: بل وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها، فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين له أهـ. وروي الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب علي قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روح الله من الناصح لله؟ قال: الذي يقدم حق الله على حق الناصح، والنصيحة لكتاب الله تعلمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وتفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما فيه وذب تحريف المبطلين عنه.

والنصيحة لرسوله وتعظيمه ونصره حيا وميتا وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها وتعليمها والاقتداء به في أقواله وأفاعله ومحبته ومحبة أتباعه. والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد وتقع النصيحة لهم ببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم. والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه. وفي الحديث فوائد أخرى: منها أن الدين يطلق على النصيحة لكونه سمي النصيحة دينا. ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله: قلنا لمن؟ ومنها رغبة السلف في طلب علو الإسناد أهـ ص 103 فتح.

(3)

ومسلمة: قال في الفتح التقييد بالمسلم للأغلب، وإلا فالنصح للكافر معتبر بأن يدعي إلى الإسلام ويشار عليه بالصواب إذا استشار. واختلف العلماء في البيع على بيعه.

(4)

مشعر بأن خطبته كانت بالمسجد.

ص: 576

إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة (1) والنصح لكلِّ مسلم (2). رواه البخاري ومسلم والترمذي.

ورواه أبو داود والنسائي، ولفظهما: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّمع (3) والطاعة (4)، وأن أنصح لكِّ مسلم، وكان إذا باع الشيء أو اشترى. قال: أما إن الذين أخذنا منك أحبُّ إلينا مما أعطاك فاختر (5).

16 -

وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: أحبُّ ما تعبَّد لي به عبدي النُّصح لي (6). رواه أحمد.

17 -

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يهتمُّ بأمر (7)

المسلمين فليس منهمْ، ومنْ لمْ يصبحْ ويمس ناصحاً لله ولرسوله، ولكتابه، ولإمامهِ، ولعامَّة المسلمين فليس منهم رواه الطبراني من رواية عبد الله بن أبي جعفر.

(1) قال القاضي عياض: اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما، ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة.

(2)

هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه اتفق مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على القيام بثلاثة:

أ - أداء الصلاة في أوقاتها تامة الأركان مستوفية الشروط والسنن.

ب - إخراج زكاة الأموال والأبدان مع الصدقة جهد الطاقة.

جـ - إسداء النصيحة الخالصة، وتقديم الاستشارة المسددة، والإرشاد إلى الصواب.

(3)

أن يصغي إلى أقواله صلى الله عليه وسلم، ويعمل بها.

(4)

طاعة الله ورسوله، ثم أظهر ما يدل على الورع، وكمال الإيمان: أن يترك الحرية إذا تسلم شيئاً من أحد، ويمدح ما أخذ، ويقول أيها البائع أو أيها المشتري اختر لنفسك ما يحلو، وإن ما أخذته جميل، ومحبب إلي وأخشى أن أظلمك.

(5)

أي اطلب ما تحب. وفي غريب: القرآن النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه: (وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين) آية 79 من سورة الأعراف.

نصحت له: أي أخلصت له (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم) وناصح العمل خالصه أهـ.

(6)

الأمر بطاعتي، وتنفيذ أوامري، والقدوة الحسنة لغيره، والداعي إلى الخير، وعمل البر ومشيد الصالحات ابتغاء وجهي.

(7)

من لا ينظر إلى شئون المسلمين نظر رحمة، وعطف وحنان وإحسان، ويبذل قصارى جهده في قضاء حاجاتهم وتخفيف كروبهم، وإزالة آلامهم، فهو ناقص الإسلام غير محشور في زمرتهم بعيد من نعيم الله ورضوانه لأنه قاسي القلب، فاقد الشفقة: قال صلى الله عليه وسلم.

أ - (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).

ب - (ترى المسلمين في تراحمهم وتوادهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر).

ص: 577

18 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن (1)(1)

أحدكمْ

(1) لقد فطر الله الإنسان يحب لنفسه الخير، ويكره لها الشر، فيجب أن يكون مطيعا لربه كريم الخلق صحيح الجسم ناجحا في أعماله غنيه عن غيره، آمنا على نفسه، وعرضه وماله وهكذا. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن كامل الإيمان الذي يحب الخير لأخيه ويسعى إلى منفعته ويود تقدمه ويرجو الثروة له، ولا يتمنى ضررا يلحقه أو أذى يحيط به ليفيض عليهما نعم الله وفضله (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وقد ضرب الله مثلا أعلى في الإيمان (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون 8 والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 9 والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) 10 من سورة الحشر.

ولممحمود باشا سامي البارودي يصف تحريف الوشاة وأهل الغدر

ويصف نصفه بطهارة الذمة

لمْ أجنِ في الحبِّ ذنباً أستحقُّ به

عُتباً ولكنها تحريف أقوال

ومن أطاع رواة السُّوء نضرَّة

عن الصديق سماع القيل والقال

أدهى المصائب غدرٌ قبله ثقةٌ

وأقبح الظالم صدٌّ بعد إقبال

لا عيب فيَّ سوى حرية ملكتْ

أعِنَّتي من قبول الذُّلِّ بالمال

تبعت خطَّة آبائي فسرت بها

على وتيرة آباء وآسال

فما يمرُّ خيال الغدر في خلدي

ولا تلوح سمات الشرِّ في خالي

قلبي سليمٌ ونفسي حرَّة ويدي

مأمونة ولساني غير ختَّال

لكنني في زمانٍ عشت مغترباً

في أهله حين قلتْ فيه أمثالي

بلوْت دهري فما أحمدت سيرته

في سابق من لياليه ولاتال

حلبت شطريه من يسرٍ ومعسرة

وذقت طعميهِ من خصبٍ وإمحال

فما أسفت لبؤسٍ بعد مقدرةٍ

ولا فرحت بوفر بعد إملال

عفافة نزَّهت نفسي فما علقتْ

بلوْثةٍ من غبار الذمِّ أذيالي

فاليوم لارسني طوع العباد ولا

قلبي إلى زهرة الدنيا بميَّال =

ص: 578

حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنسفهِ. رواه البخاري، ومسلم وغيرها، ورواه ابن حبان

= لمْ يبق لي أربٌ الدَّهر أطلبه

إلا صحابة حرٍّ صادق الخال

وأين أدرك ما أبغيه من وطرٍ

والصدق في الدَّهر أعيا كلَّ محتال

(خلاصة ما تدعو إليه هذه الأحاديث المحمدية)

أولاً: دعا النبي صلى الله عليه وسلم للسمح في البيع والشراء (باع سمحا).

ثانياً: رجل سبق الأمة المحمدية واستحق الجزاء من الله جل وعلا بالغفران رجاء سهولته.

ثالثاً: رجل أيضا دخل الجنة بذلك.

رابعاً: براءة من النار وتستحيل النار أن تصيب جسمه (قريب هين).

خامساً: ضمان محبة الله والوثوق بنيلها (الله يحب سمح البيع).

سادساً: يحسب من أخاير المؤمنين (وأفضلهم).

سابعاً: وقف رجل للحساب ونجى (من خلق الجواز).

ثامناً: من أحسن الناس الذي يؤدي الحق كاملا.

تاسعاً: كن من صنف حسن القضاء والطلب فقط.

عاشراً: النبي صلى الله عليه وسلم سلف، وأعطى ضعف ما أخذ تكرما (أربعين فضلا وأربعين لسلفه).

الحادي عشر: حسن الأداء يفك ربقة الدين ويزيل الذل ويبعد عنه سلطة الدائن (صاحب الدين له سلطان).

الثاني عشر: الأدب والأولى لطالب حقه الاستحياء، وحسن الطلب برفق ولين وانتهاز فرصة السد (في عفاف واف أو غير واف).

(إقامة العدل، ووفاء الكيل والميزان يعمران ويجلبان السعادة والرخاء كما قال صلى الله عليه وسلم

أولا: النضارة وتمام الإيمان لسكان مدينة الرسول بعد أن أتموا الكيل والوزن (كانوا من أخبث الناس).

ثانياً: إتمام الكيل والوزن يفرج الأزمة ويزيل الضيق ويضع البركة في الربح، ويجعل الوالي عادلا رءوفا رحيما عاملا بآداب الشرع (وإلا أخذوا بالسنين).

ثالثاً: نقص الكيل والوزن يجلب الآفات في الزرع، ويمنع الرحمة من السماء فينتشر العمر ويعم الكرب (قطع الله عنهم الرزق).

رابعاً: مؤمن كامل الإيمان باع ناقة، وأظهر عيوبها، وترك الحرية لشاريها خوفا من الله جل وعلا ورجاء البركة والربح الوفير في ثمنها، ولو لم تبع (أبين لك ما فيها)(فارتجعها).

خامساً: بائع سلعته بغش ينزل عليه سخطه وغضبه وتدعو عليه ملائكة الرحمة بالطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى (لم يزل في مقت الله).

سادساً: خلة المؤمنين صفاء المودة وإخلاص المشورة وحب الخير لأخيه، وخلة الفسقة الغش والخداع واللؤم والإيثار (المؤمنون نصحة، والفجرة غششة).

سابعاً: لباب الدين العمل بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة الله، ومحبة الإسلام وحب العلماء العاملين والحكام العادلين ونبذ الظلمة العصاة، وتقديم الخير لعامة المسلمين.

ثامناً: علامة الإيمان إخلاص المشورة للمسلم وإرشاده إلى طرق البر، والأخذ بيده إلى مراقي الفلاح وإزالة الجهالة والسوء منه (لناصح). =

ص: 579

في صحيحه، ولفظه: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحبَّ للناس ما يحبُّ لنفسه.

= تاسعاً: تعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين على إخلاص المودة، والمحبة وبذل النصيحة.

عاشراً: إن الإسلام بعيد عن الغاش الكذاب المنافق الماكر اللئيم محب الخير لنفسه فقط (فليس منهم).

الحادي عشر: إقامة الوعظ والإرشاد وتفهيم مسائل العلم مما يقربك إلى الله جل وعلا (النصح لي) ويزيدك محبة وإجلالا.

كالنور أو كالسحر أو الكبدر أو

كالوشي في برد عليه موشع

وموجب الصداقة المساعده

ومقتضى المودة المعاضده

البغي داء ماله دواء

ليس لملك معه بقاء

والغدر بالعهد قبيح جداً

شر الورى ما ليس يرعى عهداً

الثاني عشر: راية الإيمان الخافقة المتلألئة محبة الخير لأخيك كنفسك. قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: اجعل لنفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك. فأحب لغيرك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها.

(الرسل عليهم الصلاة والسلام يأمرون بإتمام المكيال والميزان، وعدم الغش كما قال الله تعالى)

أ - (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط 84 ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين 85 بقيت الله خير لكم إن كنت مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) 86 من سورة هود عليه السلام.

أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام، أو أهل مدين بلد بناه فسمي باسمه، ثم أمرهم بتوحيد الله جل وعلا ثم نهاهم من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعارف (محيط) مهلك (وأحيط بثمره)(بالقسط) بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان، والعثو الإفساد، ويعم تنقيص الحقوق، وقيل السرقة وقطع الطريق والغارة وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العثور في المعاملات (بقيت الله) ما أبقاء لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم، وقيل طاعته وتقواه التي تكف من المعاصي بشرط أن تصدقوا فتعملوا.

ب - (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا 34 وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) 35 من سورة الإسراء.

أي ما عاهدكم الله به من التكاليف، ولا تبخسوا في الكيل وزنوا بالميزان السوي (تأويلا) عاقبة، من آل إذا رجع.

جـ - (والسماء رفعها ووضع الميزان 7 ألا تطغوا في الميزان 8 وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) 9 من سورة الرحمن.

(رفعها) خلقها (الميزان) العدل لئلا تعتدوا فيه، ولا تجاوزوا الانصاف (ولا تخسروا) ولا تنقصوا. قال الشاعر:

ووف كل حقه ولتكن

تكسر عند الفخر من حدتك

والشر مهما استطعت لا تأته

فإنه حور على مهجتك

وأقن الوفاء ولو أخل

بما اشتطرت وما اشترط

وغدر الفتى في عهده ووفائه

وغدر المواضي في نبو المضارب =

ص: 580