المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٢

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلومن تصدق بما لا يجب

- ‌الترغيب في صدقة السر

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مالهفيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌(الترغيب في القرض وما جاء في فضله)

- ‌الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

- ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

- ‌ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماءوالترهيب من منعه

- ‌(الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له)وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم

- ‌الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله

- ‌الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

- ‌الترغيب في صوم ست من شوال

- ‌(الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها)وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا

- ‌الترغيب في صيام شهر الله المحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

- ‌(الترغيب في صوم شعبان)وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

- ‌(الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض)

- ‌(الترغيب في صوم الاثنين والخميس)

- ‌(الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد)وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

- ‌(الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام

- ‌(ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه)

- ‌(ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه)وترغيبه في الإفطار

- ‌(الترغيب في السحور سيما بالتمر)

- ‌(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)

- ‌الترغيب في إطعام الطعام

- ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

- ‌(الترغيب في الاعتكاف)

- ‌(الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها)

- ‌(كتاب العيدين والأضحية)

- ‌الترغيب في إحياء ليلتي العيدين

- ‌الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

- ‌الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته

- ‌(الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل)وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات

- ‌(الترغيب في النفقة في الحج والعمرة)وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

- ‌(الترغيب في العمرة في رمضان)

- ‌الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياباقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌(الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها)

- ‌(الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى)

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

- ‌(الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة)

- ‌الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

- ‌(الترغيب في حلق الرأس بمنى)

- ‌(الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله)

- ‌(ترهيب من قدر على الحج فلم يحج)(وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج)

- ‌الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينةوبيت المقدس وقباء

- ‌(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)وفضل أُحُد، ووادي العقيق

- ‌(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)

- ‌(كتاب الجهاد)

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌(الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى)

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلهاوالترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوموالصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌(الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه)

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهادوما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌(الترهيب من الفرار من الزحف)

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌(الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال)

- ‌(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)

- ‌التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمهوما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌(الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن)

- ‌(الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به)

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمرانوما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولهاأو عشر من آخرها

- ‌(الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر)

- ‌الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

- ‌(الترغيب في قراءة المعوذتين)

- ‌(كتاب الذكر والدعاء)

- ‌(الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

- ‌(الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه)

- ‌(الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

- ‌(الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)

- ‌(الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)

- ‌(الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات)

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل)

- ‌(الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما)

- ‌(الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها)

- ‌الترغيب في الاستغفار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلموالترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب البيوع وغيرها

- ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيرهوما جاء في نوم الصبحة

- ‌(الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة)

- ‌الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيهوما جاء في ذمّ الحرص وحب المال

- ‌الترغيب في طلب الحلال والأكل منهوالترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

- ‌الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

- ‌(الترغيب في إقالة النادم)

- ‌(الترهيب من بخس الكيل والوزن)

- ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

- ‌الترهيب من الاحتكار

- ‌ترغيب التجار في الصدقوترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

- ‌الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

- ‌الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

- ‌الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوجأن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

- ‌الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور)

- ‌(الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس)

الفصل: ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

وسلم يا كعب بن عجرة: إنه لا يدخل الجنة لحمٌ، ولا دمٌ نبتا على سحتٍ النار أولى به (1) يا كعب بن عجرة: الناس غاديان (2) فغادٍ في فكاك نفسه فمعنقها (3)، وغادٍ موبقها (4) رواه الترمذي. وابن حبان في صحيحه في حديث.

ولفظ الترمذي: يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به.

(السحت) بضم السين، وإسكان الحاء وبضمهما أيضا: هو الحرام، وقيل: هو الخبيث من المكاسب.

24 -

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنَّة جسدٌ (5)

غذِّي بحرامٍ. رواه أبو يعلي والبزار والطبراني في الأوسط، والبيهقي، وبعض أسانيدهم حسن.

‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

1 -

عن النُّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه

(1) جهنم أحق بصهر ذلك الجسم النامي على ما يغضب الله في طعامه وكسبه.

(2)

ذاهبان ومنطلقان يسعيان، من غدا غدوا، من باب قعد: ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس الأول يجد في إطلاق نفسه من عذاب الله فيعمل صالحا ليزيل عنه الضيق والأسر.

(3)

مبعد عنها نار جهنم لكثرة الصالحات التي شيدها في حياته.

(4)

مهلكها لكثرة معاصيه وإجرامه وإسرافه في اقتراف السيئات.

(5)

جسم نما وشبع وترعرع في المعاصي، وكسب المال الحرام.

إن الحياة مزارع

فازرع بها ما شئت تحصد

والناس لا يبقى سوى

آثارهم والعين تفقد

والمال إن أصلحته

يصلح وإن أفسدته يفسد

ولأبي فراس الحمداني:

إن الغني هو الغني بنفسه

ولو أنه عاري المناكب حاف

ما كل ما فوق البسيطة كافيا

وإذا قنعت فبعض شيء كاف

وتعاف لي طمع الحريص فتوتي

ومروءتي وقناعتي وعفافي

ومكاري عدد النجوم ومنزلي

مأوى الكرام ومنزل الأضياف

ص: 553

وسلم يقول: الحلال بيِّن (1)، والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشتبهات (2) لا يعلمهنَّ (3) كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقى (4) الشبهات استبرأ (5) لدينهِ وعرضهِ، ومنْ وقع في الشبهات (6) وقع في الحرام كالرَّاعي (7)

يرعى حول الحمى (8)

يوشك (9) أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة - مقدار ما يمضغ (10) إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدتْ الجسد كلُّه، ألا وهي القلب (11). رواه البخاري ومسلم والترمذي، ولفظه:

(1) ظاهر: واضحة أحكامه. قال في الفتح: فيه تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء: إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه، أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله. أولا ينص على واحد منهما، فالأول: الحلال البين، والثاني: الحرام البين، والثالث: مشتبه لخفائه فلا يدري هل حلال أو حرام؟ وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حراما، فقد برئ من تبعته، وإن كان حلالا فقد أجر على تركه بهذا القصد لأن الأصل في الأشياء مختلف فيه، هل الحظر أو الإباحة؟ أهـ. ص 205 جـ 4.

(2)

مشتبهات خافية على بعض الناس يعرفها العلماء. قال في الفتح: أي شبهت بغيرها ما لم يتبين به حكمها على التعيين أهـ. ص 94 جـ 1.

(3)

أي لا يعلم حكمها.

(4)

حذر منها.

(5)

من البراءة: أي برأ دينه من النقص، وعرضه من الطعن فيه. وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه، فقد عرض نفسه للطعن فيه، وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة.

(6)

فعل المعاصي.

(7)

ضرب على سبيل التمثيل، لأن ملوك العرب كان يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديد .. فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه، فبعده أسلم له، ولو اشتد حذره، وغير الخائف المراقب يقرب منه، ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو يحمي المكان الذي هو فيه، ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقا، وحماه محارمه، والمراد بالمحارم فعل المنهي المحرم: أو ترك المأمور الواجب أهـ فتح ص 96 جـ 1.

(8)

أطلق المصدر على اسم المفعول: أي المكان المحمي.

(9)

يقرب أن ينزل فيه ويتمتع. قال تعالى (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) 12 من سورة يوسف.

(غداً) إلى الصحراء نرتع. قال البيضاوي: نبتغ في أكل الفواكه ونحوها، من الرتعة، وهي الخصب أهـ.

(10)

مقدار ما يمضغ.

(11)

خالص ما في البدن، وخص القلب لتقلبه في الأمور، ولأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه، قال القسطلاني: وأشرف ما في الإنسان قلبه، فإنه العالم بالله تعالى، والجوارح خدم له، وقد أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث، وأنه أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام المنظومة المنظومة في قول الشاعر:

عمدة الدين عندنا كلمات

مسندات من قول خير البريه

اتق الشبه وازهدن ودع ما

ليس يعنيك واعملن بنيه =

ص: 554

الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثيرٌ من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام؟ فمن تركها استبرأ لدينهِ وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يواقع الحرام كما أنه من يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه. وأبو داود باختصار، وابن ماجه.

وفي رواية لأبي داود والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتهات، وسأضرب لكمْ في ذلك مثلاً: إن الله حمى حمى، وإن حمى ما حرَّم، وإنه من يرتع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وإنَّ من يخالط الرِّيبة يوشك أن يخسر.

وفي رواية للبخاري والنسائي: الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ماشيِّة عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أو شك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، ومنْ يرتع حوْل الحمى يوشك أن يواقعه.

ورواه الطبراني من حديث ابن عباس. ولفظه: الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبين ذلك شبهات، فمنْ أوقع بهنَّ فهو قمنٌ أن يأثم، ومن اجتنبهنَّ فهو أوفر لدينه كمرتعٍ إلى جنب حمى، وحمى الله الحرام. (رتع الحمى): إذارعي من حوله، وطاف به.

(أوشك) بفتح الألف والشين: أي كاد، وأسرع. (واجترأ) مهموز: أي أقدم.

(وقمن) في حديث ابن عباس: هو بفتح القاف، وكسر الميم: أي جدير وحقيق.

2 -

وعن النَّوَّآس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

= وفي الفتح: المراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه، ويستدل به على أن العقل في القلب، ومنه قوله تعالى (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) 46 من سورة الحج. قال تعالى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) 37 من سورة ق. قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره أهـ.

يقظا يدرك بالفطنة ما فات وغابا

هذبته فطنة العلم فما يخشى معايا

عرف اللذة للبذل فأعطى وأثابا

وإذا ما كرم الأصل زكا الفرع وطابا

ص: 555

البرُّ (1) حسن الخلق، والإثم (2) ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع (3) عليه الناس. رواه مسلم:(حاك) بالحاء المهملة والكاف: أي جال وتردد.

3 -

وعن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أريد أن لا أدع شيئاً من البرِّ والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: ادن يا وابصة: فدنوت (4) منه حتى مسَّتْ ركبتي ركبته، فقال لي: يا وابصة: أخبرك عمَّا جئت تسأل عنه. قلت: يا رسول الله أخبرني. قال: جئت تسأل عن البرِّ والإثم؟ قلتُ: نعم، فجمعَ أصابعه الثلاث، فجعل ينكت (5)

بها في صدري، ويقول: ياوابصة،

(1) الإحسان.

(2)

الذنب.

(3)

يظهر.

(4)

قربت منه.

(5)

يضرب. وفيه (بينا هو ينكت إذا انتبه) أي يفكر ويحدث نفسه. قال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوي حتى يدع ما حاك في الصدر. قال في الفتح المراد بالتقوى: وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة. حاك: تردد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما به البأس) وعن أبي الدرداء: تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما.

وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، ومراده أن اليقين أصل الإيمان. فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحة حتى قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقا إلى الجنة وهربا من النار. وقال صلى الله عليه وسلم في رواية أبي أمامة (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) وقد فسر الله جل وعلا البر بقوله عز وجل (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القرى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) 177 من سورة البقرة. ومن طريق مجاهد أن أباذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فلتا هذه الآية (ليس البر الخ) والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئة، فإذا فعلوا المأمورات وتركوا المحرمات فهم المؤمنون الكاملون، والأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخله في مسمى البر، كما هي داخلة في مسمى الإيمان أهـ ص 37 جـ 1.

ويعجبني تفسير الفتح: لقوله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان) فقال شعبة: قطعة، والمراد الخصلة أو الجزء، والحياء في اللغة انكسار وتغير يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه. وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر (الحياء خير كله) وإن الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر). ثم قال ابن حجر: ولقد لخصت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خير وشره. والإيمان باليوم الآخر.

ويدخل فيه سؤال القبر، والبعث، والنشور، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه. ويدخل فيه الصلاة عليه، =

ص: 556

استفتِ قلبك، البرُّ ما اطمأنَّت (1) إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب، وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. رواه أحمد بإسناد حسن.

4 -

وعنْ أبي ثعلبة الخشنيِّ رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله أخبرني

= واتباع سنته، والإخلاص. ويدخل فيه ترك الرياء، والنفاق، والتوبة، والخوف، والرجاء، والشكر، والوفاء، والصبر، والرضا بالقضاء، والتوكل، والرحمة، والتواضع. ويدخل فيه توقير الكبير، ورحمة الصغير، وترك الكبر، والعجب، وترك الحسد، وترك الحقد، وترك الغضب. وأعمال اللسان، وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء، والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو. وأعمال البدن، وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة: منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة التطهير حسا وحكما، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة، والصلاة فرضا، ونفلا، والزكاة كذلك، وفك الرقاب. والجود، ويدهل فيه إطعام الطعام، وإكرام الضيف، والصيام فرضا ونفلا، والحج، والعمرة كذلك والطواف، والاعتكاف، والتماس ليلة القدر. والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك، والوفاء بالنذر، والتحري في الإيمان، وأداء الكفارات. ومنها ما يتعلق بالاتباع، وهي ست خصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق، وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة والرفق بالعبيد.

ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشرة خصلة: القيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولى الأمر، والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج، والبغاة، والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والجهاد، ومنه المرابطة، وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس والفرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حله، وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير، والإسراف، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر والله أعلم أهـ. ص 40 جـ 1.

(الآيات الواردة في الحث على الإنفاق من الطيب)

أ - قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين 87 وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) 88 من سورة المائدة.

ب - (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) 7 من سورة الحديد.

أي من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له سبحانه وتعالى لا لكم، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تمسكها، والتصرف فيها. وفيه حث على الإنفاق، وتهوين له على النفس أهـ بيضاوي.

جـ - (له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم) 12 من سورة الشورى أي خزائنهما يوسع ويضيق على وفق مشيئته سبحانه يفعل ما ينبغي.

(1)

مالت إليه، ووثقت بجماله، وأمنت العقاب منه.

ص: 557

ما يحلُّ لي ويحرم عليَّ؟ قال: البرُّ ما سكنت (1) إليه النفس واطمأن (2) إليه القلب والاثم مالمْ تسكنْ إليه النفس، ولمْ يطمئنَّ إليه القلب، وإن أفتاك المفتون (3). رواه أحمد بإسناد جيد.

5 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرةً في الطريق فقال: لولا أنِّي أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها (4). رواه البخاري ومسلم.

6 -

وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك (5) إلى مالا يريبك (6) رواه الترمذي والنسائي، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ورواه الطبراني بنحوه من حديث واثلة بن الأسقع، وزاد فيه: قيل فمن الورع (7)؟ قال: الذي يقف عند الشبهة.

7 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكرٍ يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكرٍ، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنَّتُ (8) لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني

(1) ارتاحت إليه.

(2)

مال، وقد بين ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فعليك أخي بالعكوف على العلم وتعليمه وجني ثماره ليبين لك طريق الحق الذي تزكن إليه وتهدأ.

(3)

المغرورون والكذابون غير العاملين البعيدون عن العلم العملي.

(4)

ترك صلى الله عليه وسلم الثمرة اتقاء للشبهة، وخشى صلى الله عليه وسلم أن تكون من الصدقة، ومال الصدقة عليه حرام.

(5)

بفتح الياء وضمها: أي اترك ما تشك في كونه حسنا أوقبيحا أو حلالا أو حراما.

(6)

إلى مالا تشك فيه يعني ما تتيقن حسنه أهـ. عزيزي.

والمعنى اجتنب أيها المسلم كل شيء يوقعك في معصية والجأ إلى الحق وتحصن بالشرع، واعمل بالدين فالصدق طمأنينة: أي يطمئن القلب إلى الكامل الصحيح السليم ويسكن، وكل أمر مطابق للحق يدعو إلى هدوء البال وطمأنينة الضمير، وراحة البال.

(7)

سؤال عن الزاهد المتبع الحق، والجواب: هو الذي بعد عن كل شبهة.

(8)

فعلت فعل الكهان من معرفة الطالع، والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعى معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق، وسطيح، ومن يزعم أن له تابعا من الجن وراثيا يلقى إليه الأخبار، والعراف الذي يدعي أنه يعرف الشيء المسروق ومكان الضالة.

ص: 558

لذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكرٍ يده فقاء (1) كل شيء في بطنهِ رواه البخاري.

(الخراج): شيء يرفضه المالك على عبده يؤديه إليه كل يوم مما يكتسبه، وباقي كسبه يأخذه لنفسه.

8 -

وعن عطيَّة بن عروة السعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين (2) حتى يدع مالا بأس (3) به حذراً لما به بأسٌ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وابن ماجه. والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

9 -

وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإثم؟ قال: إذا حاك (4)

في نفسك شيء فدعه. قال فما الإيمان؟ قال:

(1) أخرج ما دخل في بطنه لأن فيه شبهة، ويريد رضي الله عنه أن يأكل حلالا ليقبل الله عمله ويرضى عنه.

(2)

الذين يخافون الله. قال تعالى (اتقوا الله حق تقاته) وحقيقة التقوى أن يقي نفسه تعاطي ما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك. وتأتي في القرآن على معان (وألزمهم كلمة التقوى) أي التوحيد والتوبة (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا) أي تابوا (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) 2 من سورة النحل: أي خافون (وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله) أي ولا تعصوه (فإنها من تقوى القلوب) 32 من سورة الحج: أي إخلاصها، والمتقى اسم فاعل من وقاه الله فاتقي، والتقوى والتقى واحد أهـ عيني.

(3)

حرمة أو كراهة غير ظاهر حكمها خشية أن تكون محظورة ممنوعة، وليس لها حكم ظاهر في الشرع يقاس عليه.

(4)

قال النووي: حاك إذا وقع في قلبك شيء لا ينشرح لا صدرك وخفت الذنب فيه، وقال التيمي: حاك في الصدر ثبت، فالذي يبلغ حقيقة التقوى تكون نفسه متيقنة للإيمان سالمة من الشكوك، وقال الكرماني: حقيقة التقوى: الإيمان لأن المراد من التقوى وقاية النفس عن الشرك، وقال الجوهري: حاك السيف، وأحاك بمعنى يقال ضربه فما حاك فيه السيف إذا لم يعمل فيه، فالحيك أخذ القول في القلب أهـ ص 116 جـ 1 عيني.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى مائة خلق من أتى بخلق منها دخل الجنة) قال لنا أحمد: سئل إسحاق ما معنى الأخلاق؟ قال: يكون في الإنسان حياء، يكون فيه رحمة، يكون فيه سخاء، يكون فيه تسامح هذا من أخلاق الله عز وجل إن الذي يستحي أن يواجه بالحق فيترك أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر فلا يعد هذا حياء لقوله: صلى الله عليه وسلم (الحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير) بل هذا عجز، ومهانة وضعة، وأولى الحياء الحياء من الله تعالى، وهو أن لا يراك الله حيث نهاك، وذاك إنما يكون عن معرفة ومراقبة، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:(أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وقال الجنيد: رؤية الآلاء: أي النعم ورؤية التقصير يتولد بينهما حالة تسمى الحياء.

قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن الذي يعمل حسنة فتسره ويرجو ثوابها، وإن عمل سيئة تسوءه، ويخاف عاقبتها) وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: (إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص أهـ بخاري. (فرائض) أعمال فريضة (شرائع) عقائد دينية (حدودا) =

ص: 559

إذا ساءتك (1) سيِّئتك، وسرَّنك حسنتك فأنت مؤمن. رواه أحمد باسناد صحيح.

10 -

وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث مر كنَّ فيه أستوجب الثَّواب واستكمل الإيمان: خلقٌ (2) يعيش به في الناس، وورع يحجزه (3) عن محارم الله، وحلمٌ (4) يردُّ به جهل الجاهل. رواه البزار.

11 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل العبادة الفقه (5)، وأفضل الدين الورع (6). رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة، وفي إسناده محمد بن أبي ليلى.

12 -

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة (7)، وخير دينكم الورع (8). رواه الطبراني في الأوسط والبزار بإسناد حسن.

13 -

وروي عن واثلة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنْ ورعاً (9) تكن أعبد (10) الناس، وكن قنعا (11) تكنْ

= منهيات ممنوعة، وسننا: أي مندوبات. واعلم أن اليقين من الكيفيات النفسانية، وهو في الإدراكات الباطنة من قسم التصديقات التي متعلقها الخارجي لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه، وهو علم بمعنى اليقين.

(1)

أي إذا أغضبتك الهفوة، وآلمتك المعصية، وأفرحتك طاعة الله، وشرح صدرك ذكره وبره فعد نفسك من الصالحين الواثقين بالله، والمصدقين بوجوده العاملين له. قال تعالى (ويزداد الذين آمنوا وإيمانا)(وزدناهم) هدى 13 من سورة الكهف (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى، فاخشوهم فزادهم إيمانا).

(2)

أخلاق كاملة مرضية يعامل بها الناس.

(3)

الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن المباح والحلال: أي ذوزهد وخوف يمناعنه من الوقوع في الشبهات. يحجزه: أي يبعده.

(4)

صفة تدعو إلى الكمال، والتأني، والسؤدة، والصبر، والتجمل يصد عنه الأذى، ويمنع عنه الشرور. والحلم: الأناة والتثبت في الأمور، وهو شعار العقلاء، والله تعالى حليم: أي لا يستفخه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم.

(5)

صفة تدعو إلى الكمال، والتأني، والسؤدة، والصبر، والتجمل يصد عنه الأذى، ويمنع عنه الشرور. والحلم: الأناة والتثبت في الأمور، وهو شعار العقلاء، والله تعالى حليم: أي لا يستفخه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم.

(6)

الزهد، وتحري الحلال، واجتناب كل شبهة.

(7)

قال المناوي: أي فضل العلم أفضل من فضل العمل، كما أن فضل العلم أفضل من فرض العمل.

(8)

أي من أرفع خصال دينكم الورع، والبحث عن الحلال.

(9)

زاهداً طالبا الحلال.

(10)

أكثر الناس طاعة لله، (رأس الحكمة مخافة لله).

(11)

راضيا باليسر قابلا القليل (القناعة كنز لا ينفد وعز من قنع، وذل من طمع).

ص: 560

أشكر النَّاس (1)، وأحب للنَّاس ما تحبُّ لنفسك تكنْ مؤمناً (2)، وأحسن مجاورة من جاورك تكنْ مسلماً (3)، وأقلَّ الضَّحك، فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب (4). رواه ابن ماجه، والبيهقي في الزهد الكبير، وهو عند الترمذي بنحوه من حديث الحسن عن أبي هريرة، ولم يسمع منه.

14 -

وروي عن نعيم بن همَّارٍ الغطفانيِّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: بئس العبد عبد تجبَّر (5)، واختال، ونسي الكبير المتعالي. بئس العبدُ عبدٌ يختلُ الدنيا بالدين (6) بئس العبد عبدٌ يستحلُّ المحارم (7) بالشبهات، بئس العبد عبد هوى (8) يضُّله. بئس العبد عبد رغبة تذلُّه (9).

رواه الطبراني ورواه الترمذي من حديث أسماء بنت عميس أطول منه، ويأتي لفظه في التواضع إن شاء الله تعالى.

(1) أكثر الناس ثناء وحمدا ورضا وانشراح صدر.

(2)

كامل الإيمان.

(3)

عاملا بآداب الدين، متحليا بمظاهر الإسلام.

(4)

قال العزيزي: أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت، ومعناه لا يتأثر بالمواعظ، ولا ينزجر ولا يرتدع. يحث صلى الله عليه وسلم على الورع، والقناعة ومحبة الخير للناس وحسن الجوار والإقلال من الهذار والسخرية والمزاح البارد.

(5)

ظلم وتكبر هذا الإنسان المذموم.

(6)

يطلب الدنيا بعمل الآخرة، يقال ختله يختله إذا خدعه وراوغه، وختل الذئب الصيد: إذا تخفى له. أهـ نهاية.

(7)

المعاصي والمكاره.

(8)

شهوة وميل يبعده عن الصواب للذاته.

(9)

كذا ط وع 573: أي شره وحرص على الدنيا، وفي ن د: رغبة كثرة السؤال، وقلة العفة.

(الدين المعاملة يفسرها صلى الله عليه وسلم في أحاديث)

أولاً: طلب صلى الله عليه وسلم والرضوان والسعادة لمن اتصف بالمرونة والمروءة، وتخلق بأخلاق الطاهرين في:

أ - بيعه.

ب - أو شرائه.

جـ - أو طلب دينه (إذا اقتضى).

ثانياً: النار بعيدة عن كل هاش باش لطيف رءوف رحيم مؤمن صادق (قريب هين سهل) ويحبه الله تعالى ويكرمه بجناته، ويغدق عليه نعيمه ويمتعه بخيراته لماذا؟ لأنه سمح القضاء).

ثالثاً: يفرج الله كربات من أحسن الأداء، ووفى بوعده تمام الوفاء، واستعمل الأدب في طلب سداده (تجاوزا عن عبدي).

رابعاً: الفاضل الذي يعطي ما أخذه وزيادة، رجاء فضل الله وإحسانه (خيركم أحسنكم قضاء).

خامساً: مكارم الأخلاق، وخوف الله تعالى يظهران في المؤمن المتقي الوجل من الله يسعى جهده أن يخشى الله في طلبه وفي أفعاله فيكون (حسن القضاء حسن الطلب).

سادساً: ضرب صلى الله عليه وسلم المثلى الأعلى في حسن الأداء، وأعطى ضعف ما أخذ (أربعين لسلفه).

سابعاً: أرشد صلى الله عليه وسلم طالب الحق أن يرأف ويتعفف ويرضى (واف أو غير واف) والله تعالى عنده حسن الثواب وجزيل الأجر والعطاء. =

ص: 561