الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأجر كلِّه ما رأينا قوماً أحسن بذلاً (1) لكثيرٍ، ولا أحسن مواساةً (2) في قليل منهمْ ولقدْ كفونا المؤنة (3). قال: أليس تثنون عليهم به، وتدعون لهمْ؟ قالوا: بلى. قال: فذاك بذاك. رواه أبو داود والنسائي واللفظ له.
(كتاب الصوم)
الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: كلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصَّوم (4)
فإنَّه لي، وأنا أجزي به، والصِّيام جنة (5)، فإذا كان يوم صومِ أحدكمْ فلا يرفث (6)،
(1) عطاء.
(2)
صلة ومساعدة.
(3)
الحاجة، ومنه:(واس بين الناس في عدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك).
(4)
قال النووي: اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك، وقيل لأن الصوم بعيد عن الرياءة لخفائه، بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل: لأنه ليس للصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، وقيل: معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه، أو تضعيف حسناته، وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل: هي إضافة تشريف كقوله تعالى: (ناقة الله) مع أن العالم كله لله تعالى، وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث عليه. وقوله تعالى:(أنا أجزي به) بيان لعظم فضله، وكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء، وسعة العطاء أهـ ص 29 جـ 8.
(فانه لي) أي الصوم أنا أعلم به، وأنا الذي أحيط بنيات العبد وأعماله، وأنا الذي أعرف مدى إخلاصه فيمكن للانسان أن يفطر مستترا في عقر داره ولا يعلمه إلا الله تعالى المحيط بحركات العبد وسكناته.
(5)
وقاية وحصن من الوقوع في المعاصي بمعنى أنه أدعى إلى التوبة والطاعة والانقياد إلى ما يرضي الله تعالى. وقال النووي: هو بضم الجيم، ومعناه ستر ومانع من الرفث والآثام، ومانع أيضا من النار ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم أهـ.
(6)
قال القاضي: ورواه الطبري ولا يسخر، قال: ومعناه صحيح لأن السخرية تكون بالقول والفعل، وكله من الجهل، ومعنى ولا يرفث: ولا يفحش في القول، وفي الغريب: الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه وجعل كناية عن الجميع في قوله تعالى: (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم). =
ولا يخْصب (1). فإنْ سابَّهُ أحد، أوْ قاتله فليقلْ: إني صائمٌ (2) إنِّي صائم، والذي نفسُ محمدٍ بيده لخلوفُ فم الصَّائم (3) أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتانِ (4)
يفرحُهما: إذا أفْطر فرح بفطرهِ، ورذا لقي ربَّه فرح بصومهِ رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم.
2 -
وفي رواية للبخاري: يَتْرُكُ طعامهُ وشرابهُ وشهوته (5) من أجلى (6)، الصِّيام لي وأنا أجْزي به، والحسنة بعشرِ أمثالها.
= تنبيها على جواز دعائهن إلى ذلك، ومكالمتهن فيه، وقوله:(فلا رفث ولا فسوق) يحتمل أن يكون نهيا عن تعاطي الجماع، وأن يكون نهيا عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه، والأول أصح أهـ ص 199.
(1)
ولا يصيح، وفي مسلم: ولا يسخب بالسين.
(2)
أي ممسك عن الدنايا خائف من ربي أن يبطل صومي، وفيه دع للنفس، وطلب تحليها بالكمالات والفضائل وتخليها من الرذائل، وطمأنينة القلب لثواب الله تعالى، وقدوة حسنة في التقوى.
(3)
تغير رائحة الفم. قال النووي: وأما معنى الحديث فقال القاضي قال المازري: هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه، وتنفر من شيء فتستقذره، والله تعالى متقدس من ذلك، لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى. قال القاضي: وقيل: يجازيه الله تعالى به في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك، وقيل: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك، وقيل: رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وإن كانت رائحة الخاوف عند خلافه، والأصح ما قاله الداوري من المغاربة، وقال من قال من أصحابنا: إن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع، والأعياد، ومجالس الحديث والذكر، وسائر مجامع الخير، واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل الخلوف الذي هو صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضا أهـ ص 30 جـ 8.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى الصائم أن يفحش في الكلام، ويقول البذيء: اللفظ الدنيء الساقط ولا يدنس صومه بألفاظ قبيحة.
(4)
عند إفطاره:
أ - يستبشر بالرضا وإزالة الجوع.
ب - استبشاره يوم القيامة بزيادة الأجر، وواسع النعيم. قال النووي: قال العلماء: أمر فرحته عند لقاء ربه فيما يراه من جزائه، وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها أهـ ص 32 جـ 8.
(5)
أي شهوة الجماع، ويدل لذلك حديث ان خزيمة:(ويدع زوجته من أجل)، وأصرح منه رواية (من الطعام والشراب والجماع) أهـ ص 144 ة 2 شرقاوي.
(6)
أي من بين سائر الأعمال، أي ليس للصائم فيه حظ، أو لم يتعبد به أحد غيري، أو هو سر بيني وبين عبدي يفعله خالصا لوجهي، أو أن صفتي الصمدانية، وهي التنزه عن الغذاء، والصوم فيه نوع يوافقها لأن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسم الصمد أهـ شرقاوي علي الزبيدي. وأدنى درجات الصوم:
أ - الاقتصار على الكف من المفطرات.
ب - وأوسطها أن يضم إليه كف الجوارح من الجرائم.
جـ - وأعلاها أن يضم إليها كف القلب عن الوساوس.
3 -
وفي رواية لمسلم: كلُّ عمل ابن آدم يُضاعف الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعف. قال الله تعالى: إلا الصَّوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه منْ أجلي، للصَّائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاءِ ربِّه، ولخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك.
4 -
وفي أخرى له أيضاً ولابن خزيمة: وإذا لقي الله عز وجل فجزاه فرح، الحديث. رواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي بمعناه مع اختلاف بينهم في الألفاظ.
5 -
وفي رواية للترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ ربكم يقول: كلُّ حسنةٍ بعشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ، والصَّوم لي وأنا أجزي به، والصَّومُ جنَّة من النار، ولخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم، فليقلْ: إني صائم إنِّي صائم.
6 -
وفي رواية لابن خزيمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قال الله عز وجل: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصَّوم فهو لي وأنا أجزي به، الصِّيام جُنة، والذي نفس محمدٍ بيده: لخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله يوم القيامة منْ ريح الملك. للصائم فرحتان: إذا أفطر بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومهِ.
7 -
وفي أخرى له قال: كلٌّ عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ. قال الله: إلا الصَّوم فهو لي وأنا أجزي به، يدعُ الطعام من أجلي، ويدع الشَّراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتانِ: فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه.
(الرفث) بفتح الراء والفاء: يطلق، ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل والمرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: إن المراد به في هذا الحديث الفحش، وردئ الكلام.
(والجنة) بضم الجيم: هو ما يجُنك. أي يسترك ويقيك مما تخاف، ومعنى الحديث: إن الصوم يستر صاحبه، ويحفظه من الوقوع في المعاصي.
(والخلوف) بفتح الخاء المعجمة، وضم اللام: هو تغير رائحة الفم من الصوم.
وسئل سفيان بن عينة عن قوله تعالى:
كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنَّه لي، فقال: إذا كان يوم القيامة يُحاسب الله عز وجل عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنَّة، هذا كلامه، وهو غريب، وفي معنى هذه اللفظة أوجه كثيرة ليس هذا موضع استيفائها.
وتقدم حديث الحارث الأشعري، فيه: وآمركم بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ معه صرَّة مسكٍ كلهمْ يحبُّ أن يجد ريحها، وإنَّ الصيام أطيب عند الله من ريح المسك، الحديث. رواه الترمذي وصححه إلا أنه قال:
وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، وابن حبان والحاكم، وتقدم بتمامه في الالتفات في الصلاة.
8 -
وروي عنْ ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأعمال عند الله عز وجل سبع: عملان موجبان، وعملان بأمثالهما، وعمل بعشر أمثاله، وعمل بسبعمائةٍ، وعمل لا يعلم ثواب عاملهِ إلا الله عز وجل، فأمَّا الموجبان: فمن لقي الله يعبده مخلصاً لا يشرك به شيئاً وجبت له الجنَّة، ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار، ومن عمل سيئةً جزي بها، ومن أراد أن يعمل حسنةً فلم يعملها جزي مثلها، ومنْ عمل حسنة جزي عشرا، ومن أنفق ماله في سبيل الله ضُعِّفت له نفقته: الدِّرْهم بسبعمائةٍ، والدينار بسبعمائةٍ، والصيام لله عز وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل. رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي، وهو في صحيح ابن حبان من حديث حريم بن فاتك بنحو لم يذكر فيه الصوم.
9 -
وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ
في الجنَّة باباً يقال له الرَّيان (1) يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منهُ أحد غيرهمْ فإذا دخلوا أغلق فلمْ يدخل منه أحد. رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
وزاد: ومنْ دخله لمْ يظمأ أبداً وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال:
فإذا دخل أحدهم أغلق، من دخل شرب، ومنْ شرب لمْ يظمأ أبداً.
10 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغْزوا (2) تغنموا (3)، وصوموا تصحُّو، وسافروا تستغنوا (4). رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات.
11 -
وروي عن نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم قال: الصِّيام جُنَّة، وحصْن حصينُ من النار. رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي.
12 -
وعنْ جابر رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام جُنَّة يسْتجنُّ بها العبد من النار. رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي.
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصيام جُنَّة من النار كجنَّة أحدكمْ من القتال، وصيام حسن ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ. رواه ابن خزيمة في صحيحه.
14 -
وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ قُلْتُ: بلى يا رسول الله. قال: الصَّوْم جنَّة، والصدقة تُطفى الخطيئة كما يطفئ الماء النار. رواه الترمذي في حديث وصححه، ويأتي بتمامه في الصمت إن شاء الله، وتقدم حديث كعب بن عجرة وغيره بمعناه.
(1) من الري ضد العطش. أنهار عذبة جارية، الوصول إلى شربة منها بالصوم جزاء عطشه في حياته لله، وابتغاء ثواب الله، فيدعى الصائم من هذا الباب تكريما له، وزيادة عناية. قال الشرقاوي: الريان نقيض العطشان مشتق من الري مناسب لحال الصائمين لأنهم بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من باب الريان ليأمنوا من العطش، ولذا ورد عن النسائي وابن خزيمة:(من دخل شرب، ومن شرب لا يظمأ أبداً). قال ابن المنير: إنما قال في الجنة، ولم يقل للجنة ليشعر أن في الباب المذكور من النعم والراحة ما في الجنة، فيكون أبلغ في التشويق إليه أهـ ص 145.
(2)
جاهدوا في سبيل الله وحاربوا أعداء المسلمين.
(3)
تناولوا الأجر، وتتسع بلادكم، ويكثر رزقكم.
(4)
اضربوا في أعمال التجارة يسهم، واذهبوا لجلب البضائع يحصل لكم الغني، وزيادة الربح والسعة والنعيم والرخاء (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).
15 -
وعنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصِّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشَّهوة فشفعني فيه: ويقول القرآن: منعته النَّوم بالليل فشفعني فيه. قال فيشفعان (1): رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
16 -
وعن سلمة بن قيصر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام يوماً ابتغاء وجهِ الله باعده الله من جهنَّم كبعدِ غرابٍ طار، وهو فرخ (2) حتى مات هرماً (3). رواه أبو يعلي والبيهقي، ورواه الطبراني فسماه سلامة بزيادة ألف، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ورواه أحمد، والبزار من حديث أبي هريرة، وفي إسناده رجل لم يسمْ.
17 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لوْ أنَّ رجلاً صام يوماً تطوعاً، ثمَّ أعطى ملء الأرض ذهباً لمْ يستوف ثوابه دون يوم الحساب. رواه أبو يعلي والطبراني، ورواته إلا ليث بن أبي سليم.
18 -
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سريةٍ (4) في البحرِ، فبينما هم كذلك قد رفعوا الشِّراع في ليلةٍ مظلمةٍ إذا هاتف فوقهم يهتفُ يا أهل السَّفينة قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه، فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً. قال: إنَّ الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنَّه منْ أعطش نفسه له في يوم صائفٍ (5) سقاه الله يوم العطش. رواه البزار بإسناد حسن إن شاء الله، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى بنحوه إلا أنه قال فيه قال:
(1) يسببان دخوله الجنة، ويطالبان من الله المغفرة والرضوان.
(2)
الجنين في البيضة، والفرخ: ولد الطائر. والأنثى فرخة، والشيطان باض فيهم وفرخ: أي اتخذهم مقرا ومسكناً لا يفارقهم كما يلازم الطائر موضع بيضه وأفراخه.
(3)
كبير السن، والهرم: كبر السن، وقد هرم من باب طرب فهو هرم، وقوم هرمي.
(4)
قطعة من الجيش. يقال: خير السرايا أربعمائة رجل، وانسرى عنهم الهم: انكشف، وسراة كل شيء: أعلاه.
(5)
شديد الحر.
إنَّ الله تعالى قضى على نفسه أنَّه من عطَّش نفسه لله في يومٍ حارّ كان حقا على الله عز وجل أن يرويه يوم القيامة. قال: وكان أبو موسى: يتوخَّى اليوم الشديد الحرِّ الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حرا فيصومهُ.
(الشراع) بكسر الشين المعجمة: هو قلع السفينة الذي يصفقه الريح فتمشى.
19 -
وروي عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكلِّ شيءٍ زكاة، وزكاة الجسد الصَّوم، والصِّيام نصف الصَّبْرِ. رواه ابن ماجه.
20 -
وعنْ حذيفة رضي الله عنه قال: أسندْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى صدري فقال: من قال: لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنَّة، ومنْ صام يوماً ابتغاء وجهِ الله خيم له به دخل الجنَّة، ومن تصدَّق بصدفةٍ ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنَّة. رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والأصبهاني، ولفظه:
يا حذيفة من خُتم له بصيام يومٍ يريد به وجه الله عز وجل أدْخله الله الجنة.
21 -
وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله مُرْني بعملٍ، قال عليك بالصَّوْم، فإنَّه لا عدل له (1). قلت: يا رسول الله مرْني بعملٍ قال: عليك بالصوَّم، فإنَّه لا عدل (2) له. قلتُ: يا رسول الله مُرني بعملٍ؟ قال عليك بالصوَّمِ، فإنه لا مثل له. رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه هكذا بالتكرار بدونه؟ وللحاكم وصححه.
22 -
وفي رواية للنسائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله مرْني بأمرٍ ينفعني الله بهِ؟ قال: عليك بالصيام، فإنَّه لا مثل له. ورواه ابن حبان في صحيحه في حديث:
قال: قُلتُ يا رسول الله دُلَّني على عملٍ أدْخلُ به الجنَّة؟ قال: عليكَ بالصَّومِ، فإنَّه لا مثل له. قال فكان (3) أبو أمامة: لا يُرى في بيته الدُّخان نهاراً إلا إذا نزل بهمْ ضيف.
23 -
وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) لا وزن نثوابه، والله يضاعف لمن يشاء بحسب إتقان الصوم والإخلاص.
(2)
كذا د وع ص 332، وفي ن ط: لا مثل.
(3)
في ن ط: وكان.
ما منْ عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهَهُ عن النَّار سبعين خريفاً (1). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
24 -
وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السَّماء والأرض (2). رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن.
25 -
وعنْ عمرو بن عبسةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوماً في سبيل الله (3) بعِّدتْ منه النار مسيرة مائة عامٍ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به.
26 -
وعنْ معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوماً في سبيل الله في غير رمضان بُعد من النار مائة عام سير المضمرَّ (4)
الجواد. رواه أبو يعلي من طريق زبائن بن فائد.
(1) سنة.
(2)
حفرة واقية أبعادها كأبعاد ما بين السماء والأرض: والمعنى: جعل الله مكانه بعيداً من جهنم، ووقاه شرها.
(3)
صوم النافلة والتطوع. قال النووي: فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوت به حقا، ولا يختل به قتاله، ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه المعافاة من النار. أهـ ص 33 جـ 8.
(4)
النحيف: الممتلئ صحة، وفي النهاية: المضمر: الذي يضمر خيله لغزو أو سباق، وتضمير الخيل هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتاً لتخف، وقيل: تشد عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رهلها، ويشتد لحمها، والمجيد: صاحب الجياد. والمعنى: أن الله يباعده من النار مسافة سبعين سنة تقطعها الخيل المضمرة الجياد ركوضا. أهـ ص 25. تنوير القلوب.
(أحكام الصوم كما قال فقهاء الشافعية)
وصوم رمضان فرض بالإجماع معلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحدة إلا إذا كان جاهلا نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريب عهد بالإسلام. قال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) 138 البقرة. وقال صلى الله عليه وسلم: (شهر رمضان شهر كتب الله عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). والصوم لغة الإمساك، وشرعاً إمساك عن جميع المفطرات جميع نهارا قابل للصوم بنية مخصوصة. يجب صوم رمضان برؤية الهلال، أو بثبوت رؤيته، ولو بشهادة عدل، ولا يجب العمل بقول المنجم والحاسب إن الليلة من رمضان، وعليهما أن يعملا بحسابهما وكذا من صدقهما. =
27 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
= وشروط وجوبه أربعة:
الإسلام. البلوغ. العقل. القدرة على الصوم.
وشروط صحته أربعة:
الإسلام. التمييز. النقاء من الحيض والنفاس. والوقت القابل للصوم.
ويحرم ولا ينعقد صوم يومي العيدين، وأيام التشريق الثلاثة، ويوم الشك والنصف الثاني من شعبان إلا أن يوافق عادة له، أو بصلة ما قبله، ومن شرع في صوم نفل يجوز له قطعه.
فروضه شيئان:
الأول: النية ليلا لكل يوم من رمضان والنذر والقضاء والكفارة، وأكملها أن ينوي صوم غد من أداء فرض رمضان هذه السنة إيماناً واحتساباً لوجه الله الكريم، ولا يضر الإتيان بما ينافي الصوم بعدها ليلا وتصبح نية النفل قبل الزوال إن لم يتناول مفطراً، ولو تسحر، أو شرب لدفع العطش نهاراً، أو امتنع عن المفطر مخافة طلوع الفجر كفاه عن النية إن خطر بباله الصوم، ولو نسى النية ليلا وطلع الفجر وهو ناس لم يحسب له ذلك اليوم لكن يجب عليه الإمساك رعاية لحرمة الوقت، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم، ومن عليه شي من رمضان فأخر قضاءه بغير عذر حتى دخل رمضان آخر حرم عليه، ولزمه فدية التأخير لكل يوم مد طعام، وتتكرر الفدية بتكرار السنين.
الثاني: ترك المفطرات، وهي أحد عشر:
أولا: وصول عين من منفذ مفتوح إلى الجوف كالدماغ وباطن الحلق والأذن والبطن والإحليل، فلو وصلت نخامة من الرأس أو الصدر إلى حد الظاهر من الفم وهو مخرج الحاء فجرت إلى الجوف بنفسها وقدر على مجها أفطر، بخلاف ما إذا عجز عن مجها فلا يفطر.
ثانياً: الوطء عمداً. ثالثاً: خروج المني باستمناء أو لمس. والاستمناء: طلب خروج المني، أو خروجه بالاستمناء فمفطر مطلقاً، وأما باللمس فإن كان لغير محارمه كزوجة وأجنبية فلا يفطر إلا إن كان بلا حائل سواء أكان بشهوة أم لا، وإن كان اللمس لمحارمه كأخت أفطر إن كان بشهوة وبلا حائل، وإن كان لا يشتهي طبعاً فالأمرد فلا فطر بخروجه مطلقاً كما لا فطر بخروجه بنفسه أو باحتلام أبو بنحو نظر وفكر، ما لم يكن من عادته الانزال وإلا أفطر. رابعاً: التقايؤ. خامساً: الحيض. سادساً: النفاس. سابعاً: الولادة ولو من غير بلل. ثامناً: الجنون ولو لحظة. تاسعاً: الإغماء جميع النهار. عاشراً: السكر جميع النهار.
الحادي عشر: الردة والعياذ بالله تعالى، وشرط الإفطار أن يفعله عالما عامدا ذاكراً للصوم مختاراً، فلو أكل أو شرب، أو اسمتنى، أو استقاء، أو جامع ناسياً للصوم، أو مكرهاً، أو جاهلا، وكان قريب عهد للاسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، فإن لا يفطر. ولا يضر الكحل في العين، ولو وجد طعمه في حلقه، ولا بلع الريق الطاهر الصافي، ولا إخراج لسانه وعليه ريق وابتلعه، ولا يضر وصوله ذباب أو بعوض أو غبار من طريق أو غربلة نحو دقيق إلى جوفه، ولا إدخال مقعدته بغير إدخال شيء معها إذا خرجت، ولا سبق ماء طهارة من وضوء أو غسل أو مضمضة أو استنشاق بغير مبالغة فيهما سواء كانا واجبين أو مندوبين ولو بالغمس في الماء، نعم إن عرف من عادته أنه يصل الماء إلى جوفه لو انغمس فيه ولم يمكنه التحرز حرم عليه الانغماس وأفطر بالسبق، فإن لم يمكنه الاغتسال إلا بهذها لكيفية فلا فطر. ويحرم على الصائم اللمس والمباشرة والقبلة إن حركت شهوته وإلا كره، ويفطر عند تيقن غروب الشمس، وويجوز بسماع أذان من عدل عارف أو باخباره بغروب الشمس عن مشاهدة أو بالاجتهاد بورد ونحوه، ويجوز الأكل والشرب إذا =
منْ صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النَّار بذلك اليوم سبعين خريفاً رواه النسائي بإسناد حسن، والترمذي من رواية ابن لهيعة، وقال: حديث غريب ورواه ابن ماجه من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثي، وبقية الإسناد ثقات.
= ظن ببقاء الليل فلو تسحر ظاناً أن الليل باق، أو أكل ظاناً أن الشمس غربت فبان غطله بطل صومه ووجب عليه الإمساك والقضاء، ولو هجم بلا اجتهاد فأفطر أو تسحر ولم يبن الحال صح صومه في تسحره، وبطل في إفطاره، ولو طلع الفجر وهو يجامع، فإن نزع حالا صح صومه، وإن استدام بطل صومه، ووجب عليه القضاء والكفارة، وهي:(عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد)، ولو أصبح صائما وفي فيه طرف خيط قد ابتلعه ليلا مع الأكل، فإن ابتلع باقية أفطر لوصول عين جوفه، وإن نزعه أفطر لأنه تعمد القيء، وإن تركه بطلت صلاته لا تصاله بالنجاسة التي في جوفه فكيف الطريق في صحة صومه وصلاته؟ وطريقه في ذلك أن ينزعه شخص آخر منه، وهو غافل فلا يضر ذلك لأنه حينئذ لا اختيارله فيه، وكما أنه يجب على الصائ الامتناع من المفطرات ينبغي له أن يحفظ جوارحه من كل ما فيه حرمة وإلا فلا صوم له. قال بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تصامم
…
وفي مقلتي غض وفي منطقي صمت
فحظي إذن صومي الجوع والظما
…
وإن قلت إني صمت يوما فما صمت
ولا يخفاك أن الصوم إنما جعل لكسر النفس وقمعها عن الشهوات والمعاصي، فإذا لم يزل الإنسان متبعاً هواه عاكفاً عن معصية مولاه فليعلم أنه لم يصم رمضان إنما هو في صورة صائم جائع عطشان لقوله صلى الله عليه وسلم:
(كمْ من صائمٍ له من صيامهِ إلا الجوع، وكمْ من قائمٍ ليسَ له من قيامهِ إلا السَّهرُ). رواه البزار والبيهقي.
سننه:
السحور، ويدخل وقته بدخول النصف الثاني من الليل، وتأخيره مع تيقن بقاء الليل، وتعجيل الفطر بعد تحقق المغيب، وأن يكون الفطر على تمر فماء فحلو، ودعاء بعده، وهو:(اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت) فإنه ورد أن من قال ذلك كتب له أجر كل صائم صام، وورد:
(ما من مسلم يصومُ فيقول عند إفطاره: يا عظيم يا عظيم، وأنت إلهي لا إله غيركَ اغفرْ لي الذَّنب العظيم، فإنَّه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ).
وأن يغتسل من حدث أكبر ليلا، وأن يكثر الصدقة والإطعام، وتلاوة القرآن والذكر، ولاسيما في العشر الأخير، ويسن صوم ستة أيام من شوال، والمبادرة بها، وصومها ولاء أفضل، وصوم يوم عاشوراء وتاسوعاء وعرفة ويومي الخميس والاثنين.
مكروهاته:
شم الرياحين، والنظر إليها والحجامة والفصد، وذوق الطعام باللسان، والمضغ لما لا يتحلل منه شيء إلا لحاجة، فإن كان لها كطباخ، ومن يمضغ لغيره كولد صغير وحيوان، فلا كراهة أهـ. والله أعلم ص 225 تنوير القلوب.
28 -
وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض. رواه الترمذي من رواية الوليد بن جميل عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة، وقال: حديث غريب، رواه الطبراني إلا أنه قال:
منْ صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النَّار مسيرة مائة عامٍ ركض الفرس الجوادِ المضمَّرِ، وقد ذهب طوائف من العلماء إلى أنَّ هذه الأحاديث جاءتْ في فضلِ الصَّوم في الجهادِ، وبوّب على هذا الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أنَّ كل الصَّوم في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجهِ الله تعالى، ويأتي باب في الصوم في الجهاد إن شاء الله تعالى.
(فصل)
29 -
عنْ عبد الله، يعني ابن أبي مُليكة عن عبد الله، يعني ابن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ للصَّائم عند فطرهِ لدعوةً ما تردُّ، قال: وسمعتُ عبد الله يقول عند فطره: اللهمَّ إنِّي أسألك برحمتك التي وسعتْ كل شيءٍ أن تغفر لي.
زاد في رواية: ذنوبي. رواه البيهقي عن إسحاق بن عبيد الله عنه، وإسحاق هذا مدني لا يعرف، والله أعلم.
30 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تردُّ دعوتهمْ: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمامِ، وتفتح لها أبواب السَّماء، ويقول الرَّبُّ: وعزَّتي وجلالي لأنصرنك ولوْ بعد حين. رواه أحمد في حديث، والترمذي وحسنه، واللفظ له، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما إلا أنهم قالوا: حتى يفطر. ورواه البزار مختصرا:
ثلاث حق على الله أن لا يردَّ لهم دعوةً: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر والمسافر حتى يرجع.