الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من الاحتكار
1 -
عن معمرِ بن أبي معمرٍ، وقيل: ابن عبد الله بن نضلة رضي الله عنه قال:
= د - (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قرى وبمعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) 152 من سورة الأنعام.
(بالقسط) أي بالعدل والتسوية (إلا وسعها) إلا ما يسعها ولا يعسر عليها (فاعدلوا) ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم (وبعهد الله) يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع (تذكرون) تتعظون.
هـ - (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) 85 من سورة الأعراف.
(الكيل آلة الكيل والوزن)(ولا تفسدوا) أي بالكفر والفسق والحيف بعدما أصلح الله أمرها بالأنبياء (خير) الزيادة وحسن الأحدوثة وجمع المال إذا عملوا بما أمرهم الله ونهاهم عنه.
من عارض الأطماع باليأس رنت
…
إليه عين العز من حيث رنا
رنا: مال.
(الويل للطغاة المطففين، والعذاب الشديد لمن يأكل أموال الناس بالباطل كما قال محمد عبده)
كتب الشيخ محمد عبده في تفسير (ويل للمطففين) وإنما سمي من يبخس الكيل في حال ويملؤه في حال أو يزيد عليه مطففا لأنه يبلغ في كيله طفاف الكيل كسحاب: أي ما يقرب من ملئه، ولا يملؤه في الحالة الأولى ويبلغ الطفاف أو الطفافة، وهي ما فوق المكيال في الحالة الثانية ولأنه يطلب الغني بشيء طفيف، وهو ما يأخذه من البخس إذا اكتال منك، ومن الزيادة إذا اكتال عليك. والتطفيف من أنواع الفجور ولا يصدر إلا عن شخص لا يظن أنه يبعث يوم القيامة ويحاسب على عمله، ولو ظن البعث والحساب لما طفف الكيل، ولا بخس الميزان ولهذا تنزل حالة المطفف منزلة حال من يجهل ظنه بالحياة الآخرة فضلا عن اعتقاده فيها فيستفهم عنه كما قال تعالى (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) أي قفون للعرض عليه ويطول بهم الموقف إعظاما لجلالته وإجلاله لمقامه جلّ شأنه، واعتبار المطفف كأنه لا يظن أنه يبعث للقيام بين يدي ربه وتنزيله منزلة المنكر للبعث اعتبار حق لا يجادل فيه إلا مغرور بالله أو جاهل بدينه، بل منكر لحقيقته وكيف يصر على إيذاء الناس والغض من حقهم من يظن بعض الظن أنه سيقوم بين يدي رب العالمين، وخالق الخلق أجمعين القاهر الجبار ليحاسب على النقير والقطمير والحبة والذرة (كلا) لا يقيم على ذلك إلا منكر لما أوعد به أو متأول فيما يدفع عنه العقاب، وينجيه من الحساب لا يبعد به تأوله من منزلة المنكر، بل يسقطه مع صاحبه في النار وبئس القرار، هذا ما ينذر الله به المطففين الراضين بالقليل من السحت، فما ظنك بأولئك الذين يأكلون أموال الناس بلا كيل ولا وزن، بل يسلبونهم ما بأيديهم ويغلبونهم على ثمار أعمالهم فيحرمونهم حق التمتع بها اعتمادا على قوة الملك أو نفوذ السلطات أو باستعمال طرق الحيلة، فهل يعد هؤلاء من الشاكين في يوم البعث فضلا عن الظنانين أو الموقنين؟ لا ريب أن =
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر (1) طعاماً فهو خاطئ (2). رواه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه. ولفظهما قال: لا يحتكر إلا خاطئ.
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر طعاماً أربعين (3) ليلة فقد برئ (4)
من الله، وبرئ الله منه، وأيُّما أهل عرصةٍ (5) أصبح فيهم أمرؤ جائعاً، فقد برئتْ منهمْ ذمَّة الله تبارك وتعالى رواه أحمد وأبو يعلي والبزار والحاكم، وفي هذا المتن غرابة، وبعض أسانيده جيد، وقد ذكر رزين شطره الأول، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها.
= هؤلاء لا يحسبون إلا في عداد الجاحدين المنكرين، وإن زعموا بلسانهم أنهم من الموحدين المؤمنين. يروي أن أعرابيا قال لعبد الملك بن مروان (سمعت ما قال الله في المطففين) أراد بذلك أن قد حق الوعيد على المطفف على النحو الذي سمعت من التهويل والتعظيم فما ظنك بنفسك، وأنت تسلب وتنهب وتنتزع الأموال من أيدي أربابها بالقوة والقهر لا بالحيلة والخدعة استعظاءا لقوتك وغفلة من جبروت الله وتكبرا على الناس؟ ولا تكتفي من ذلك بالقليل كما هو شأن المطفف، ولا ترضى بما دون استئصال الأموال، ومسح ما يبقى من غبارها بأيدي أهلها فالويل كل الويل لك يوم يقوم الناس لرب العالمين أهـ ص 40.
(1)
حفظه عندي حتى تزداد قيمته ومنع الناس من الانتفاع به. وفي النهاية: احتكر طعاما أي اشتراه وحبسه ليقل فيغلو. والحكر والحكرة الاسم منه، ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة أهـ وفي كتب الفقه ويحرم الاحتكار وهو أن يشتري القوت وقت الغلاء ويتربص به للبيع بأكثر عند شدة الحاجة إليه أهـ.
(2)
أي مذنب.
(3)
أربعين ليلة كذا د وع ص 581 وفي ن ط: أربعين فقط.
(4)
بعد من الله وأقصاه الله إلى قاع جهنم، وقال الغزالي فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار. والاحتكار ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع. واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس، أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت، ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما. وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه، وما يسد مسدا يغني عن القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه، فهذا في محل النظر، فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه. وأما الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات. ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضرر ما. فأما إذا اتسعت الأطعمة وكثرت واستغنى الناس عنها، ولم يرغبوا فيها إلا بقيمة قليلة فانتظر صاحب الطعام ذلك، ولم ينتظر قحطا فليس في هذا إضرار، ويعول في نفي التحريم وإثباته على الضرار، فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهية فإنه ينتظر مبادئ الضرار، وهو ارتفاع الأسعار، وانتظار مبادئ الضرار محذور كانتظار عين الضرار، ولكنه دونه وبالجملة للتجارة في الأقوات مما لا يستحب لأنه طلب ربح، والأقوات أصول خلقت قواما، والربح من المزايا ولذلك أوصى بعض التابعين رجلا، وقال لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين: بيع الطعام وبيع الأكفان فإنه يتمنى الغلاء وموت الناس، والصنعتان أن يكون جزار فإنها صنعة تقسي القلب، أو صواغا فإنه يزخرف الدنيا بالذهب والفضة أهـ ص 67 جـ 2 ..
(5)
البقعة الواسعة التي فيها بناء، وعرصة الدار: ساحتها، والمراد أي جهة.
3 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجالب (1) مرزوق، والمحتكر ملعونٌ. رواه ابن ماجه والحاكم كلاهما عن علي بن سالم ابن ثوبان عن عليّ بن يزيد بن جدعان، وقال البخاري: والأزدي لا يتابع عليّ بن سالم على حديثه هذا.
(قال الحافظ) زكي الدين: لا أعم لعليّ بن سالم غير هذا الحديث، وهو في عداد المجهولين، والله أعلم.
4 -
وعن الهيثم بن رافعٍ عن أبي يحيى المكِّيِّ عن فرُّوخٍ مولى عثمان ابن عفان رضي الله عنه أن طعاما ألقى على باب المسجد، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين يومئذٍ، فقال: ما هذا الطعام؟ فقالوا: طعام جلب إلينا، أو علينا فقال: بارك الله فيه وفيمنْ جلبه إلينا أو علينا، فقال له بعض الذين معه يا أمير المؤمنين: قد احتكر. قال: ومن احتكره؟ قالوا: احتكره فرُّوخٌ، وفلانٌ مولى عمر بن الخطاب، فأرسل إليهما فأتياه فقال: ما حملكما على احتكاركما طعام المسلمين؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع، وقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس (2)، فقال عند ذلك فرُّوخٌ: أيا أمير المؤمنين فإني أعاهد الله، وأعاهدك ألا أعود في احتكار طعامٍ أبداً، فتحوَّل إلى مصر، وأما مولى عمر فقال: نشتري بأموالنا ونبيع، فزعم أبو يحيى أنه رأى مولى عمر مجذوماً (3) مشدوخاً (4). رواه الأصبهاني هكذا، وروى ابن ماجه المرفوع منه فقط عن يحيى بن حكيم حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الهيثم بن رافع حدثني أبو يحيى المكيّ. وهذا إسناد جيد متصل، ورواته ثقات، وقد أنكر على الهيثم روايته لهذا الحديث مع كونه ثقة، والله أعلم.
5 -
وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس (5) العبد المحتكر إن أرخص الله الأسعار حزن (6)، وإن أغلاها فرح.
(1) الذي يأتي بأصناف الأشياء ليبيعها للناس رابح، والخازن بعيد من رحمة الله ورضاه.
(2)
الفقر والخسارة، أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس، وحقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر.
(3)
مقطع الأطراف مريضا بالجذام.
(4)
مكسر الأضلاع، من شدخ رأسه: كسره. والشدخ: كسر الشيء الأجوف.
(5)
فعل بمعنى ذم.
(6)
تكدر وغضب.
وفي رواية: إن سمع برخصٍ ساءه، وإن سمع بغلاء فرح، ذكره رزين في جامعه، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها، إنما رواه الطبراني وغيرها بإسناد واوهٍ.
6 -
توعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهل المدائن (1) هم الحبساء (2) في سبيل الله فلا تحتكروا عليهم الأقوات، ولا تغلوا عليهم الأسعار، فإنَّ من احتكر عليهمْ طعاما أربعين يوماً، ثم تصدَّق به لم تكن كفَّارة له (3). ذكره رزين أيضاً ولم أجده.
7 -
وعنْ أبي هريرة ومعقل بن يسارٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الحاكرون (4)، وقتلة الأنفس (5) في درجةٍ، ومن دخل في شيء من سعر المسلمين يغلِّبه عليهمْ (6) كان حقا على الله أن يعذِّبه في معظم النار يوم القيامة.
ذكره رزين أيضاً، وهو مما انفرد به مهنأ بن يحيى عن بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي هريرة، وفي هذا الحديث والحديثين قبلة نكارة ظاهرة، والله أعلم.
8 -
وعن الحسن قال: ثقل معقل بن يسار، فأتاه عبد الله بن زيادٍ رضي الله عنه يعوده فقال: هلْ تعلم يا معقل أني سفكتُ دماً حراماً. قال: لا أعلم. قال: هلْ علمت أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين. قال: ما علمت؟ قال: أجلسوني، ثم قال: اسمع يا عبد الله حتى أحدِّثك شيئاً ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّة، ولا مرَّتين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهمْ كان حقاً على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة.
قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم غير مرَّةٍ ولا مرَّتين.
(1) العواصم.
(2)
الجلساء في تعمير هذه الحواضر.
(3)
ليس هذا العمل ما حيا ذنوبه، ولا الإحسان يجلب له ثوابا وأجرا. لم يكن كفارة له كذا د وع ص 582، وفي ن ط: لم تكن له كفارة.
(4)
الحابسون الأشياء للغلاء.
(5)
الطغاة الأشرار وقتلة الأنفس يرميان في جهنم في جهة واحدة.
(6)
يزيد في سعره، والمعنى طالبو الأسعار الفاحشة مع سافكي الدماء، هذا يقتل الأرواح بالجوع، والميل إلى الأزمة والضيق، وهذا يعتدي على الأنفس ويريق الدماء.