الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين
1 -
عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل (1) الغنيِّ (2) ظلمٌ (3)، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبعْ (4). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
(أتبع) بضم الهمزة وسكون التاء: أي أحيل.
(قال الخطابي): وأهل الحديث يقول: أتبع بتشديد التاء، وهو خطأ.
2 -
وعنْ عمرو بن الشِّرِّيد عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليُّ الواجد يحلُّ عرضه وماله. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(ليّ الواجد) بفتح اللام، وتشديد الياء: أي مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه يحلّ عرضه: أي يبيح أن يذكر بسوء المعاملة، وعقوبته حبسه.
3 -
وعنْ عليٍّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
= الحادي عشر: لو مات المجاهد الذي أبلى بلاء حسنا في نصر دين الله (وعليه دين ما دخل الجنة).
الثاني عشر: توطيد العزيمة على حسن الأداء سعادة ومحبة من الله وأدعى لرحمته وزيادة البركة في ماله (كفى بالله وكيلا).
الثالث عشر: المستدين لحاجة يؤدي الله عنه دينه ويكرمه (صدق عبدي أنا أحق من قضي عنك).
الرابع عشر: الدائن الذي يزيل كرب الناس مشمول بعز الله ورحمته (الله مع الدائن).
فاحذر أخي من الدين ما استطعت واقتصد في إنفاقك وتوسط ولا تسرف.
(1)
تأخير الحق وتسويف دفعه للدائن.
(2)
أي القادر على وفاء الدين لربه بعد استحقاقه.
(3)
محرم عليه، وخرج بالغني العاجز عن الوفاء. قال الشرقاوي ولفظ المطل يشعر بتقدم الطلب فيؤخذ منه أن الغني لو أخر الدفع مع ع دم طلب صاحب الحق له لم يكن ظلما. حكى أصحابنا وجهين أن مطل الغني غريمه من إضافة المصدر للفاعل، وقيل من إضافته للمفعول، والمعنى أنه يجب وفاء الدين وإن كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخيره عنه، وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى.
(4)
فليحتل ندبا، لا وجوبا خلافا للحنابلة: أي إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليرض. وقوله ظلم يشعر بكونه كبيرة، والجمهور على أن فاعله يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمرة واحدة أم لا؟ قال النووي: مقتضى مذهبنا التكرار. والراجح عند المتأخرين من الشافعية الأول فلا يكون كبيرة إلا بالتكرار ثلاث مرات فأكثر، ويدخل في المماطل كل من لزمه حق لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته والعكس أهـ ص 206 جـ 2.
لا يحبُّ الله الغني (1) الظلوم، ولا الشيخ الجهول، ولا الفقير المختال (2).
وفي رواية: إنَّ الله يبغض الغني الظلوم، والشيخ الجهول، والعائل (3) المختال. رواه البزار والطبراني في الأوسط من رواية الحارث الأعور عن علي، والحارث وثّق، ولا بأس به في المتابعات.
4 -
وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يحبُّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فذكر الحديث إلى أن قال: والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزَّاني (4)، والفقير المختال، والغني الظلوم. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه واللفظ لهما، ورواه بنحو النسائي، وابن حبان في صحيحه والترمذي والحاكم وصححاه.
5 -
وروي عن خولة بنت قيسٍ امرأة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قدَّس (5) الله أمَّةً لا يأخذ ضعيفها الحق من قويها غير متعتع (6)، ثم قال: من انصرف غريمه (7) وهو عنه راضٍ، صلَّت (8) عليه دوابُّ الأرض، ونون الماء (9)، ومن انصرف غريمه وهو ساخطٌ (10) كتب (11) عليه في كلِّ يوم وليلة وجمعة وشهر ظلمٌ. رواه الطبراني في الكبير.
6 -
وعنها رضي الله عنها قالتْ: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسق من تمرٍ لرجلٍ من بني ساعدة فأتاه يقتضيه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار أن يقضيه، فقضاه تمراً دون تمره فأبى (12) أن يقبله، فقال: أتردُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ومن أحقُّ بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فاكتحلتْ (13) عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه، ثم قال: صدق،
(1) صاحب الخيرات الجمة الذي يأكل حقوق الناس، وكبير السن الفاسق الذي يرتكب المعاصي.
(2)
الذي يعجب بنفسه ويتكبر.
(3)
الفقير المتصف بالغطرسة والكبرياء.
(4)
الذي يفعل الفاحشة مع أن قوة الشباب زالت منه ويلزمه الوقار والأدب.
(5)
ما رضي عنها وما طهرها، والمعنى أن الله تعالى يذل ويهين كل طائفة لا تساعد الفقير على أخذ الحق من الجبار المتكبر، وفيه الحث على نصر الحق وإغاثة الضعيف رجاء دوام عز الله ونصره لمحبي الحق والعدل.
(6)
غير ناقص متعب.
(7)
دائنه.
(8)
دعت له بالاستغفار وزيادة النعم.
(9)
حوت البحر.
(10)
غضبان.
(11)
تقيد في صفحاته سيئات تتكرر مدى الأيام حتى يؤدي ما عليه لأنه ظلمه بتسويفه ونقصه.
(12)
فامتنع.
(13)
امتلأت عيناه صلى الله عليه وسلم بالدموع واغرورقت.
ومن أحقُّ بالعدل منِّي، لا قدَّس (1) الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقَّة من شديدها (2)، ولا يتعتعه، ثمَّ قال: ويا خولة عدِّيه (3) وأقضيه، فإنه ليس من غريمٍ يخرج من عند غريمه راضياً إلا صلَّتْ عليه دوابُّ الأرض، ونون البحار، وليس من عبد يلوي غريمه وهو يجد إلا كتب الله عليه في كلِّ يوم وليلة إثماً (4). رواه الطبراني في الأوسط والكبير من رواية حبان بن عليّ، واختلف في توثيقه، ورواه بنحوه الأمام أحمد من حديث عائشة بإسناد قوي.
(تعتعه) بتاءين مثناتين فوق، وعينين مهملتين: أي أقلقه وأتعبه بكثرة ترداده إليه ومطله إياه. (ونون البحار): حوتها. (وقوله يلوي غريمه): أي يمطله ويسوّفه.
7 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قدِّستْ (5) أمة لا يعطى الضعيف فيها حقه غير متعتعٍ. رواه أبو يعلي، ورواته رواة الصحيح ورواه ابن ماجه بقصة، ولفظه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتدَّ عليه حتى قال: أخرج عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه، فقالوا: ويحك (6) تدري (7) من تكلم؟ فقال: إني أطلب حقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا (8) من صاحب الحق كنتم، ثمَّ أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندك تمرٌ فأقرضينا (9) حتى يأتينا تمر فنقضيك؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فاقترضه فقضى (10) الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت (11)
أوْفى
(1) لا عظم ولا أسبل نعمة عليها.
(2)
قويها.
(3)
احسبيه عن العد أو عديه من الوعد أعطيه وعدا بالوفاء والأداء.
(4)
ذنبا، والمعنى أن التأخير وبال وضرر عليه وذنوب تتجدد بتجدد الزمن.
(5)
لم يضع الله فيها البركة والإجلال.
(6)
كلمة رحمة واستعطاف الرأفة.
(7)
أتعلم من تحادث.
(8)
هلا للتحريض، أي أود أن تكونوا مع صاحب الحق تساعدونه.
(9)
أعطينا شيئا سلفة. والقرض تمليك شيء على أن يرد مثله.
(10)
أدى ما عليه صلى الله عليه وسلم للأعرابي وأكرمه وقدم له الغداء وأحسن ضيافته.
(11)
أتممت الأداء وزدت، زادك الله كمالا ورقياً، ثم مدح صلى الله عليه وسلم المحسنين.
(ما يريده صلى الله عليه وسلم من المدين والدائن ونتائج اتباع نصائحه صلى الله عليه وسلم
أولاً: عدم المماطلة وترك التسويف إذا كان قادرا على الدفع.
ثانياً: قبول الحوالة إذا رأى الدائن حفظ حقه وأدى دينه (فليتبع). =
الله لك، فقال: أولئك خيار الناس، إنه لا قدِّست أمَّة لا يأخذ الضعيف فيها حقَّه غير
= ثالثاً: حسن معاملة الدائن ليتجنب المدين سبب عرضه وشتمه وغيبته (لي الواجد).
رابعاً: كل من قدر على أداء ما اقترض ولم يف حشر مع الظالمين وعوقب معاقبة المجرمين المسيئين وحل عليه غضب الله وكراهته (الغني الظلوم).
خامساً: المدين المماطل يجلب لأمته الدمار والوباء والخسران ويوقعها في الذنوب المهلكة ويبعدها من تطهير الله ورحمته ورأفته بها (ما قدس الله أمة) أي طهرها من الخطايا.
سادساً: أداء الدين بسهولة يجلب رضا الله وإحشانه ويسبب الدعواته الصالحة من العالم أجمع (صلت عليه دواب الأرض) أي كل ما دب وفيه الحياة.
سابعاً: المقصر في الأداء الذي هجر دائنه وأ غضبه سجلت عليه الآثام بكرور الأزمان (يلوي غريمه) ثم ضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى لوفائه وحمله وحسن أدائه (يا خولة عديه واقضيه) ثم وسع خلقه ذلك الأعرابي الجاف الفظ الغليظ الذي اشتد عليه حتى قال (أخرج عليك إلا قضيتني) أي أعلن الحرب وأشق عصا طاعتك إن لم تؤد حقي. مسكين أيها الأعرابي. شيء قليل اقترضه منك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت وليس عنده شيء مطلقا، لكن أبي كرمه صلى الله عليه وسلم إلا أن يكرم وفادته ويغدق عليه بإحسانه ويرد ما أخذ مضاعفا، ثم دعا له صلى الله عليه وسلم الأعرابي (أوفيت أوفى الله لك) هكذا تكون مكارم الأخلاق حسن الأداء مع البشاشة واللطف والجود. وهنا درس مفيد وعظة بالغة لعلنا نعمل بها ونتخلق بأخلاق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. يريد أصحابه أن يردوا جهل ذلك الأعرابي ويفهموه درجة السيد الأعلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فحضهم صلى الله عليه وسلم على نصر الضعيف وجماراة الحق والأخذ بيد الضعيف (هلا مع صاحب الحق كنتم) أرأيت أبدع من هذا؟ يحض أصحابه صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في صف صاحب الحق مهما سمت درجة المدين وقويت شوكته وعز سلطانه، والأبدع من هذا أن خير الخلق زاهد راغب عن حطام الدنيا مستغرق في طاعة الله فقرض من الأعرابي ثم قرض من خولة ما يؤدي به حق الأعرابي حتى أفرحه وأكسبه رضاه ولم يخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وهو مبتسم جذل فرح ترفرف عليه راية الوفاء وحسن الأداء وطيب القضاء ثم قال صلى الله عليه وسلم (أولئك خيار الناس) أي الذين يدافعون عن الحق وينضمون إلى أصحاب الحق ويساعدون على تنفيذه، وكذا دافع الحق بسهولة من صفات الأبرار الصالحين أفاضل الخلق وأطايبهم وأحسنهم فعليك أخي بحسن المعاملة ودفع ما عليك من الديون بالتي هي أحسن والتخلق بأخلاق نبيك ورسولك فتفي بوعدك وتنجز ما عاهدت عليه وتتقي الله وتخشاه وتحسن كما أحسن الله إليك قال تعالى (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له من الآخرة من نصيب).
(الآيات الدالة على إحسان الله إلى المتقين المؤتمنين الذين يرعون حقوق الناس بالحق ويؤدونه)
أ - قال تعالى: (وأوفوا بعده الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) 91 من سورة النحل.
يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ويؤخذ منها العمل بكتابة وتنفيذ أوامره واجتناب مناهيه ومنه رد الأمانة (بعد توكيدها) بعد توثيقها بذكر الله تعالى. (كفيلا) أي شهيدا شاهدا بتلك البيعة فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه، وقد اطلعت أيها المسلم على حديث رجل من بني إسرائيل ورأيت حفظ الله لما له الذي رماه في البحر في خشبة. =