المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٢

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلومن تصدق بما لا يجب

- ‌الترغيب في صدقة السر

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مالهفيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌(الترغيب في القرض وما جاء في فضله)

- ‌الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

- ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

- ‌ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماءوالترهيب من منعه

- ‌(الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له)وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم

- ‌الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله

- ‌الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

- ‌الترغيب في صوم ست من شوال

- ‌(الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها)وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا

- ‌الترغيب في صيام شهر الله المحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

- ‌(الترغيب في صوم شعبان)وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

- ‌(الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض)

- ‌(الترغيب في صوم الاثنين والخميس)

- ‌(الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد)وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

- ‌(الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام

- ‌(ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه)

- ‌(ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه)وترغيبه في الإفطار

- ‌(الترغيب في السحور سيما بالتمر)

- ‌(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)

- ‌الترغيب في إطعام الطعام

- ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

- ‌(الترغيب في الاعتكاف)

- ‌(الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها)

- ‌(كتاب العيدين والأضحية)

- ‌الترغيب في إحياء ليلتي العيدين

- ‌الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

- ‌الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته

- ‌(الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل)وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات

- ‌(الترغيب في النفقة في الحج والعمرة)وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

- ‌(الترغيب في العمرة في رمضان)

- ‌الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياباقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌(الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها)

- ‌(الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى)

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

- ‌(الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة)

- ‌الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

- ‌(الترغيب في حلق الرأس بمنى)

- ‌(الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله)

- ‌(ترهيب من قدر على الحج فلم يحج)(وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج)

- ‌الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينةوبيت المقدس وقباء

- ‌(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)وفضل أُحُد، ووادي العقيق

- ‌(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)

- ‌(كتاب الجهاد)

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌(الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى)

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلهاوالترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوموالصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌(الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه)

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهادوما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌(الترهيب من الفرار من الزحف)

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌(الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال)

- ‌(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)

- ‌التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمهوما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌(الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن)

- ‌(الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به)

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمرانوما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولهاأو عشر من آخرها

- ‌(الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر)

- ‌الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

- ‌(الترغيب في قراءة المعوذتين)

- ‌(كتاب الذكر والدعاء)

- ‌(الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

- ‌(الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه)

- ‌(الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

- ‌(الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)

- ‌(الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)

- ‌(الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات)

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل)

- ‌(الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما)

- ‌(الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها)

- ‌الترغيب في الاستغفار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلموالترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب البيوع وغيرها

- ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيرهوما جاء في نوم الصبحة

- ‌(الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة)

- ‌الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيهوما جاء في ذمّ الحرص وحب المال

- ‌الترغيب في طلب الحلال والأكل منهوالترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

- ‌الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

- ‌(الترغيب في إقالة النادم)

- ‌(الترهيب من بخس الكيل والوزن)

- ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

- ‌الترهيب من الاحتكار

- ‌ترغيب التجار في الصدقوترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

- ‌الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

- ‌الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

- ‌الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوجأن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

- ‌الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور)

- ‌(الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس)

الفصل: ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

‌كتاب البيوع وغيرها

‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

1 -

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل (1) أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً (2) من أن يأكل من عمل يده (3)،

وإنَّ نبي الله

(1) لم يأكل أحد من بني آدم أكلا أفضل عند الله من أكل اكتسبه من كد يمينه وعرق جبينه وسعيه إلى جلبه من وجوه الحلال.

(2)

خيرا صفة لطعام، وفي رواية الإسماعيل خير بالرفع، وهو جائز صفة لأحد، والمراد بالخيرية كما في الفتح ما يستلزم العمل باليد من الغني عن الناس.

(3)

وفي رواية (ما كسب الرجل أطيب من عمل يديه) رواه ابن ماجه من طريق عمر بن سعد عن خالد بن معدان، وفي فوائد هشام بن عمار عن بقية حدثني عمر بن سعد وزاد (من بات كالا من عمله بات مغفوراً له).

وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشر بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا، ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه، وتحسينه مع عموم قوله تعالى:(فبداهم اقتده) وفي الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل، وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه أهـ ص 213 جـ 4: فتح. وأورد البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت لما استخلف أبو بكر الصديقي، قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه. قال ابن الأثير: أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم، وتمييز مكاسبهم وأرزاقهم، وكذا قال البيضاوي: المعنى أكتسب للمسلمين في أموالهم بالسعي في مصالحهم، ونظر أحوالهم. وقال المهلب: أحترف لهم: أي أتجر لهم في ما لهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما آكل أو أكثر، وليس بواجب على الإمام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته إلا أن يطوع بذلك كما تطوع أبر بكر أهـ. رضي الله عنه، خرج تاجراً إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم، فكان يكون لهم أرواح، فقيل لهم لو اغتسلتم أي خدام أنفسهم، وكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا بالاغتسال. وأرواح جمع ريح، وأصله روح، كانوا يعملون فيعرقون، ويحضرون فتفوح تلك الروائح منهم، يعني لو اغتسلتم لذهب عنكم تلك الروائح الكريهة، وفيه ما كان عليه الصحابة من اختيارهم الكسب بأيديهم، وما كانوا عليه من التواضع أهـ. ووقع في المستدرك بسند واه، كان داود زراداً، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجاراً، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعياً، وفي العيني. وقال أبو الزهراوية: كان داود عليه السلام يعمل القفاف ويأكل منها. قلت كان يعمل الدروع بنص القرآن. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يأكل من سعيه الذي بعثه الله عليه في القتال، وكان يعمل طعامه بيده ليأكل من عمل يده. قيل لعائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في أهله؟ قالت كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة أهـ ص 187 جـ 11.

ص: 521

داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري وغيره، وابن ماجه ولفظه قال: ما كسب الرَّجل كسبا أطيب (1) من عمل يده، وما أنفق الرَّجل على نفسهِ وأهله وولدهِ وخادمهِ فهو صدقة.

2 -

وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يختطب أحدكمْ حزمةً على ظهره خير له من أي يسأل أحداً فيعطيه، أوْ يمنعهُ.

رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

3 -

وعن الزبير بن العوَّام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكمْ (2) أحْبُلَهُ (3)، فيأتي بحزمةٍ من حطب على ظهره فيبيعها فيكفَّ (4) الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أمْ منعوا. رواه البخاري.

4 -

وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى حلسٌ (5) نلبس بعضه، ونبسط بعضه وقعب (6) نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هاذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهمٍ مرَّتين، أو ثلاثاً؟ قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما

(1) لم يوجد كسب أفضل من كد يده كما قال صلى الله عليه وسلم.

أ - (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه) رواه النسائي.

ب - (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم) رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب. وقال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصناعة، وأيها أطيب؟ فيه ثلاثة مذاهب للناس وأشبهها مذهب الشافعي أن التجارة أطيب، والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل. قال النووي: وحديث البخاري صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما عمل يده لكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدي وغيره، وعموم الحاجة إليها أهـ عيني ص 186 جـ 11.

(2)

والله لأن يذهب أحدكم فيجمع عيدان الوقود فيبيعها بشيء يقيه ذل السؤال أفضل عند الله من الشحاذة والدناءة والحاجة.

(3)

جمع حبل مثل فلس وأفلس. قال ابن المنذر، إنما فضل عمل اليد على سائر المكاسب إذا نصح العامل قال صلى الله عليه وسلم:(خير الكسب تيد العامل إذا نصح).

(4)

فيمنع السؤال، ويبعد الفقر: ويلزم القناعة ويتحرى المروءة والهمة.

(5)

كساء يلي ظهر البعير تحت القتب شبهها به للزومها ودوامها، ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه (كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية) أهـ.

(6)

إناء فخار.

ص: 522

إيَّاه، فأخذ الدِّرْهمين فأعطاهما الأنصاريَّ، وقال أشترِ بأحدهما طعاماً فنبذه (1) إلى أهلك، واشتر بالآخر قدماً (2) فائتني به، فأتاه به فشدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيدهِ، ثمَّ قال: اذهبْ فاحتطبْ وبعْ، ولا أرينَّك خمسة عشر (3) يوماً ففعل فجاء، وقد أصاب (4) عشرة دراهم، فاشتري ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة (5) في وجهك يوم القيامة، الحديث. رواه أبو داود واللفظ له والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن، وتقدم بتمامه في المسألة.

5 -

وعن سعيد بن عميرٍ عن عمَّه رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الكسْبِ أطيب (6)؟ قال: عمل الرَّجل بيده، وكلُّ كسبٍ مبرورٍ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. قال ابن معين: عمّ سعيد هو البراء. ورواه البيهقي عن سعيد ابن عمير مرسلاً، وقال: هذا هو المحفوظ، وأخطأ من قال عن عمه.

6 -

وعنْ جميع بن عميرٍ عن خاله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ أفضل الكسب؟ فقال: بيع مبرورٌ (7)، وعمل الرَّجل بيدهِ. رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير باختصار، وقال: عن خالد أبي بردة بن نيار، وروي البيهقي عن محمد ابن عبد الله بن نمير، وذكر له هذا الحديث، فقال: إنما هو عن سعيد بن عمير.

7 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورواته ثقات.

(1) فقدمه إلى أولادك.

(2)

آلة نجارة.

(3)

أي انتظر مدة، واقنع، واكدح، واصنع لتربح.

(4)

ربح.

(5)

أي أثرا قليلا كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما أهـ نهاية. فأنت ترى رجلا أنصاريا سائلا خير الخلق وأجودهم، صلى الله عليه وسلم فيربيه على الاعتماد على النفس، وعلو الهمة، والسعي وراء رزقه بكده، والاقتصاد فباع رداء كان عنده فأطعمه أهله بجزء من ثمنه، والآخر اشترى به عدة النجارة فما رزقه ورغد عيشه، ثم علمه الحكمة في قوة العزيمة وشرف النفس، وإن الشحاذ يغبر وجهه ويسود وتنقش عليه علامات الكآبة، وذل السؤال.

(6)

أفضل وأحل وأقرب إلى الله وأكثر ثوابا. وفيه ذم البطالة، والدعوة إلى العمل بنشاط بلا فتور.

(7)

تجارة يتحرى فيها صاحبها وجوه الحلال.

ص: 523

8 -

وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: أيُّ الكسبِ أطيب؟ قال: عمل الرَّجل بيده، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ. رواه أحمد والبزار، ورجال إسناده رجال الصحيح خلا المسعودي فإنه اختلط، واختلف في الاحتجاج به، ولا بأس به في المتابعات.

9 -

وعنْ كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلدهِ (1) ونشاطهِ، فقالوا: يا رسول الله: لوْ كان هذا في سبيل الله (2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولدهِ (3) صغاراً فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوينِ شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى رباء ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان. رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

10 -

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحبُّ المؤمن المحترف (4). رواه الطبراني في الكبير والبيهقي.

11 -

وروي عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمسى كالاًّ (5)

من عمل يدهِ، أمْسى مغفوراً له. رواه الطبراني في الأوسط

(1) رأوا قوته.

(2)

في الحرب لنصر دين الله.

(3)

يكسب لينفق على ذريته ويطعم أهله، بين صلى الله عليه وسلم أن المجد لكسب رزقه وجلب قوته وقوت أهله عمل صالحا، وجاهد في طاعة الله، واكتسب ثوابا جليلا وعده كالدفاع في سبيل نصر دين الله، وكذا الإنفاق على الوالدين وجلب برها وإطاعتهما والإحسان إليهما، وكذا لينفق على نفسه، ويغتني عن الناس ويبعد عن سؤالهم ويتعفف، كل ذلك يضاعف الثواب، ويجعله في صفوف المجاهدين الذابين عن الدين، ثم بين صلى الله عليه وسلم سعى رجل للعز، والأبهة، والافتخار، والسمعة، والصيت، وهكذا من أعمال السفهاء الأدنباء المغرورين أتباع الشياطين فلا ثواب له في كده ولا أجر له في عمله لأنه لا يريد وجد الله تعالى. قال الله تعالى:(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا 18 ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً) 19 من سورة الإسراء، هذه الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم، ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها (مدحورا) مطروداً من رحمة الله تعالى (مشكورا) مقبولا عند الله تعالى.

(4)

له مهنة وعمل.

(5)

تعبا عانيا. والمعنى جاءه الليل فأضناه شغله الكثير فعفا الله عنه لكده نهارا (أمسى) دخل في المساء (كالا) متعبا من كل السيف: لم يقطع.

يبين لك النبي صلى الله عليه وسلم إعزاز النفس وحفظها من الامتهان ويمقت البطالة والتواكل والاستجداء =

ص: 524

والأصبهاني من حديث ابن عباس، وتقدم من هذا الباب غير ما حديث في المسألة أغنى عن إعادتها هنا.

= ويحث على العمل، وكسب الرزق من الطرق المشروعة، ولو أدت إلى اقتحام المخاطر وركوب متن الأهوال، وأن الشحاذة مضرة تورث المذلة والاستكانة، وتسقط المروءة، وتدعو إلى ارتكاب الجرائم، والوقوع في مخالب الفقر، وحبائل الأشرار، ومدعاة إلى فساد الأخلاق، والعمل مفضل على نافلة الصلاة والصوم، وهو فضيلة، والفراغ رذيلة.

إن الشباب والفراغ والجده

مفسدة للمرء أي مفسده

وقد كان صلى الله عليه وسلم يشتغل بالتجارة قبل بعثته، ويعيش عن ربحها، وكذلك الصحابة وعظام المسلمين بعده، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأرى للرجل فيعجبني. فأقول: أَّله حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني. وقال بعض الصالحين: ليست العبادة عندنا أن تصف قدميك، وغيرك يقوت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد، ومدح رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الصلاة والصوم. فقال: من كان يمونه ويقوم به؟ قالوا كلنا. قال: كلكم أعبد منه.

(ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب)

أولاً: الحث على العمل والأكل من ثمرته.

ثانياً: الأسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في اختيار العمل وإيجاد حرفة.

ثالثاً: عدم البطالة، وذم الرجل الخالي من العمل.

رابعاً: الثواب الكثير لمن سعى في الأرض يبتغي الإنفاق على أهله وأقاربه.

خامساً: ذم الشحاذة والتنفير من السؤال.

سادساً: فتح أبواب التجارة أو الصناعة، والضرب في الزراعة (واشتر بالآخر قدوماً).

سابعاً: اغبرار وجوه السائلين الأدنياء، وذهاب الحياء والأدب منهم.

ثامناً: السعي في طلب الرزق كالجهاد في سبيل الله تعالى.

تاسعاً: الشراهة في الدنيا والكد فيها بلا قناعة مع البخل، والشح يبعد عن الله تعالى ويقرب إلى الشيطان الخناس.

عاشراً: يرضي الله عن صاحب العمل المختار مهنة.

الحادي عشر: التعب في العمل يكفر الذنوب، ويمحو الخطايا، ويجلب غفران الله تعالى وإحسانه (من أمسى كالا) في اكتسابه لنفسه وعياله من حلال.

(الآيات الواردة في طلب السعي للرزق)

أولاً: قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) والنبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بالبيع فأقرهم عليه، والإجماع منعقد على شرعيته، والبيع مبادلة المال بالمال على سبيل التراضي. وركنه الإيجاب والقبول. وشرطة أهلية المتعاقدين. ومحله المال. وحكمه ثبوت الملك للمشتري في المبيع. وللبائع في الثمن إذا كان تاما، وعند الإجازة إذا كان موقوفا، وحكمته:

أ - اتساع أمور المعاش والبقاء.

ب - إطفاء نار المنازعات، والنهب، والسرق، والخيانات، والحيل المكروهة.

جـ - بقاء نظام المعاش، وبقاء العالم لأن المحتاج يميل إلى ما بيد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش، وغير ذلك أهـ. عيني ص 159 جـ 11. =

ص: 525

. . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثانياً: وقال تعالى (إلا أن تكون تجارة في تراض منكم) 29 سورة النساء وهذه قطعة من آية المداينة وهي أطول آية في القرآن، وقال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) قال الثعالبي: أي لكن إذا كان تجارة، وهو استثناء منقطع: أي إلا التجارة، فإنها ليست بباطل إذا كان البيع بالحاضر يداً بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفام المحذور في تركها.

ثالثاً: وقال تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 10 وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوا قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) 11 من سورة الجمعة.

في العيني (قضيت) أديت، أو فرغ منها (فانتشروا) للتجارة، والتصرف في حوائجكم (من فضل الله) أي الرزق، ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار، وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر، وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه. والأمر فيهما للإباحة والتخيير أهـ ص 160 جـ 11.

من جابر بن عبد الله قال: (أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة فانفض الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا، وأنا فيهم فنزلت). اللهو. الطبل والتصفيق (قائما) أي على المنبر.

سبحان موجد الأرزاق فإياه فاسألوا، ومنه فاطلبوا، وعليه فتوكلوا.

رابعاً: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) 29 من سورة النساء. (بالباطل) أي بغير حق، وقام الإجماع على أن التصرف في المال بالحرام باطل حرام سواء: أكان أكلا، أو بيعا، أو هبة، أو غير ذلك، والباطل اسم جامع لكل مالا يحل في الشرع كالربا، والغصب، والسرقة، والخيانة، وكل محرم ورد الشرع به (من تراض منكم) أي يرضى كل واحد منكم بما في يده، وقال أكثر المفسرين: هو أن يخبر كل واحد من البائعين صاحبه بعد العقد عن تراض، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلماً. وقد ذكر البخاري هذه الآيات في إباحة التجارة إلا قوله: وإذا رأوا تجارة. فإنه عتب عليها ولو خلت من العارض الراجح (تركوك قائما) لم يدخل في العتب. قال العيني: وقد أباح الله التجارة في كتابه، وأمر الابتغاء من فضله، وكان أفاضل الصحابة رضي الله عنهم يتجرون ويحترفون في طلب المعاش، وقد نهى العلماء والحكماء عن أن يكون الرجل لا حرفة له ولا صناعة خشية أن يحتاج إلى الناس فيذل لهم. وقد روي عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: يا بني خذ من الدنيا بلاغك، وأنفق من كسبك لآخرتك، ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا، وعلى أعناق الرجال كلالا. أهـ ص 161 جـ 11. ثم نهى سبحانه وتعالى عن قتل النفس، وبخعها كما تفعله جهلة الهند، أو بإلقاء النفس إلى التهلكة أو باقتراف ما يذلها، ويرديها، ويوقعها في مخالف الفقر المدقع.

قال البيضاوي فانه القتل الحقيقي للنفس، وقيل المراد بالأنفس ما كان من أهل دينهم، فإن المؤمنين كنفس واحدة، جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما تستكمل النفوس وتستوفي فضائلها رأفة بهم ورحمة كما أشار إليه بقوله تعالى (إن الله كان بكم رحيما 29 ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك على الله يسيراً) 30 من سورة النساء (ذلك) إشارة إلى القتل أو ما سبق من المحرمات (عدوانا) إفراطا في التجاوز عن الحق وتعديا على الغير، وظلم النفس تعريضها لعقاب الله جل وعلا (يسيراً) سهلا لا عسر فيه ولا صارف عنه.

خامساً: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال 36 رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) 37 من سورة النور، وفي حديث البخاري. وقال قتادة: كان القوم يتابعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه =

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إلى الله. قال العيني: أراد بالقوم الصحابة، فإنهم كانوا إذا كانوا في بيعهم وشرائهم إذا سمعوا إقامة الصلاة يتبادرون إليها لأداء حقوق الله، ويؤيد هذا ما أخرجه عبد الرزاق من كلام ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت فذكر الآية، وقال ابن بطال: ورأيت في تفسير الآية قال كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفى فسمع الأذان لم يخرج الأشفي من الغرزة، ولم يوقع المطرقة ورمي بها وقام إلى الصلاة، وفي الآية نعت تجار الأمة السالفة، وما كانوا عليه من مراعاة حقوق الله والمحافظة عليها والتزام ذكر الله في حال تجاراتهم وصبرهم على أداء الفرائض وإقامتها وخوفهم سوء الحساب والسؤال يوم القيامة، قيل التجارة في السفر والبيع في الحضر، وقيل التجارة الشراء، وأيضا البيع في الإلهاء أدخل لكثرته بالنسبة إلى التجارة أهـ ص 174 جـ 11.

سادساً: (وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله) 12 من سورة فاطر. ومن سورة النحل (وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) 14 أي من سعة رزقه بركوبها للتجارة وتعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها، وفي البخاري (باب التجارة في البحر) وقال مطر: لا بأس به. قال العيني: أي أن الآية سيقت في موضع الامتنان، واستدل به - مطر بن طهمان أبو رجاء الخراساني سكن بالبصرة - على الإباحة وهو استدلال حسن لأنه تعالى جعل البحر لعباده لابتغاء فضله من نعمه التي عددها لهم وأراهم في ذلك عظيم قدرته وسخر الرياح باختلافها لحملهم وترددهم أهـ ص 178 جـ 11.

سابعاً: قال تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) 267 من سورة البقرة أي من حالات كسبكم، وعن مجاهد المراد بها التجارة.

(الحكماء والشعراء يطلبون العمل ويمقتون الكسل)

للبارودي:

سواي بتحنان الأغاريد يطرب

وغيري باللذات يلهو ويلعب

وما أنا ممن أسر الخمر لبه

ويملك سمعيه اليراع المثقب

ولكن أخوهم إذا ما ترجحت

به سورة نحو العلا راح يدأب

إذا أنا لم أعط المكارم حقها

فلا عزني خال ولا ضمني أب

ومن تكن العلياء همة نفسه

فكل الذي يلقاه فيها محبب

ولبشار بن برد:

وخل الهويني للضعيف ولا تكن

نئوما فإن الحر ليس بنائم

وإنك لا تستطرد الهم بالمنى

ولا تبلغ العليا بغير المكارم

وللإمام الشافعي رضي الله عنه:

سافر تجد عوضا عمن تفارقه

وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

ولأبي العلاء:

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

عفاف وإقدام وحزم ونائل

ولعبيد بن الأبرص:

إذا أنت طالبت الرجال نوالهم

فعف ولا تطلب بجهد فتنكد

عسى سائل ذو حاجة إن منعته

من اليوم سؤلا أن يسرك في غد

ولا تقعدن عن سعي ما ورثته

وما اسطعت من خير لنفسك فازدد =

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ولتقي الدين أبي بكر الحموي:

وموجب الصداقة المساعده

ومقتضى المودة المعاضده

والحزم والتدبير روح العزم

لا خير في عزم بغير حزم

والحزم كل الحزم في المطاوله

والصبر لا في سرعة المزاوله

وفي الخطوب تظهر الجواهر

ما غلب الأيام إلا الصابر

لا تيأسن من فرج ولطف

وقوة تظهر بعد ضعف

فربما جاءك بعد الياس

روح بلا كد ولا التماس

ينال بالرفق والتأني

ما لم ينل بالحرص والتعني

ما أحسن الثبات والتجلدا

وأقبح الحيرة والتبلدا

ليس الفتى إلا الذي طرقه

خطب تلقاه بصبر وثقه

ولصلاح الدين الصفدي:

الجد في الجد والحرمان في الكسل

فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

واصبر على كل ما يأتي الزمان به

صبر الحسام بكف الدارع البطل

إن الفتى من بماضي الحزم متصف

وما تعود نقص القول والعمل

ولا يقيم بأرض طالب مسكنها

حتى يقد أديم السهل والجبل

ولا يضيع ساعات الزمان فلن

يعود ما فات في أيامه الأول

ولا يصد عن التقوى بصيرته

لأنها للمعالي أوضح السبل

فمن تكن حلة التقوى ملابسه

لم يخش في دهره يوما من العطل

ولحسام الدين الواعظي:

من ضيع الحزم في أفعاله ندما

وظل مكتئبا والقلب قد سئما

ما المرء إلا الذي طابت فضائله

والدين زين يزين العاقل الفهما

والعلم أنفس شيء أنت ذاخره

فلا تكن جاهلا تستورث الندما

وصد نفسك عن لهو ومن مرح

وإن حضرت مقاما كنت فيه سما

ولعبد القيس بن خفاف البرجمي:

واستأن تظفر في أمورك كلها

وإذا عزمت على الهدى فتوكل

واستغن ما أغناك ربك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتحمل

وإذا افتقرت فلا تكن متخشعا

ترجو الفواضل عند غير المفضل

وإذا هممت بأمر سوء فاتئد

وإذا هممت بأمر خير فاعجل

ولمهذب الدين:

وإذا الكريم رأى الخمول نزيله

في منزله فالحزم أن يترحلا

كالبدر لما أن تضاءل جد في

طلب الكمال فحازه متنقلا

سفها لحلمك إن رضيت بمشرب

رنق ورزق الله قد ملأ الملا

لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة

ما الموت إلا أن تعيش مذللا

ص: 528