المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده) - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٢

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلومن تصدق بما لا يجب

- ‌الترغيب في صدقة السر

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مالهفيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌(الترغيب في القرض وما جاء في فضله)

- ‌الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

- ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

- ‌ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماءوالترهيب من منعه

- ‌(الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له)وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم

- ‌الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله

- ‌الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

- ‌الترغيب في صوم ست من شوال

- ‌(الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها)وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا

- ‌الترغيب في صيام شهر الله المحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

- ‌(الترغيب في صوم شعبان)وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

- ‌(الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض)

- ‌(الترغيب في صوم الاثنين والخميس)

- ‌(الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد)وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

- ‌(الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام

- ‌(ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه)

- ‌(ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه)وترغيبه في الإفطار

- ‌(الترغيب في السحور سيما بالتمر)

- ‌(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)

- ‌الترغيب في إطعام الطعام

- ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

- ‌(الترغيب في الاعتكاف)

- ‌(الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها)

- ‌(كتاب العيدين والأضحية)

- ‌الترغيب في إحياء ليلتي العيدين

- ‌الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

- ‌الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته

- ‌(الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل)وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات

- ‌(الترغيب في النفقة في الحج والعمرة)وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

- ‌(الترغيب في العمرة في رمضان)

- ‌الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياباقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌(الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها)

- ‌(الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى)

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

- ‌(الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة)

- ‌الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

- ‌(الترغيب في حلق الرأس بمنى)

- ‌(الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله)

- ‌(ترهيب من قدر على الحج فلم يحج)(وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج)

- ‌الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينةوبيت المقدس وقباء

- ‌(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)وفضل أُحُد، ووادي العقيق

- ‌(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)

- ‌(كتاب الجهاد)

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌(الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى)

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلهاوالترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوموالصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌(الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه)

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهادوما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌(الترهيب من الفرار من الزحف)

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌(الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال)

- ‌(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)

- ‌التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمهوما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌(الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن)

- ‌(الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به)

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمرانوما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولهاأو عشر من آخرها

- ‌(الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر)

- ‌الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

- ‌(الترغيب في قراءة المعوذتين)

- ‌(كتاب الذكر والدعاء)

- ‌(الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

- ‌(الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه)

- ‌(الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

- ‌(الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)

- ‌(الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)

- ‌(الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات)

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل)

- ‌(الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما)

- ‌(الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها)

- ‌الترغيب في الاستغفار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلموالترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب البيوع وغيرها

- ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيرهوما جاء في نوم الصبحة

- ‌(الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة)

- ‌الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيهوما جاء في ذمّ الحرص وحب المال

- ‌الترغيب في طلب الحلال والأكل منهوالترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

- ‌الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

- ‌(الترغيب في إقالة النادم)

- ‌(الترهيب من بخس الكيل والوزن)

- ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

- ‌الترهيب من الاحتكار

- ‌ترغيب التجار في الصدقوترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

- ‌الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

- ‌الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

- ‌الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوجأن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

- ‌الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور)

- ‌(الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس)

الفصل: ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

أفرّايت إنْ لمْ يكنْ عندهُ لقمةُ خبزٍ؟ قال: فمذْقةٌ من لبنٍ. قال: أفرأيت إنْ لم يكُنْ عنده؟ قال: فشربة من ماء.

(القبصة) بالصاد المهملة: هو ما يتناوله الآخذ بأنامله الثلاث.

وتقدم حديث سلمان الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه، وفيه: من فطرَّ فيه صائماً، يعني في رمضان، كان مغفرةً لذنوبه، وعتق رقبة من النَّار، وكان له مثل أجرهِ من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليْسَ كلُّنا يجد ما يُفطِّر الصَّائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُعطي الله هذا الثَّواب من فطَّرَ صائماً على تمرةٍ، أوْ شربةِ ماءٍ، أوْ مذْقهِ لبن (1) الحديث.

(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

1 -

عن أمِّ عمارة الانصاريَّةِ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقدَّمت إليه طعاماً، فقال: كلى، فقالتْ: إنِّي صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصائم تُصَلِّي عليه الملائكة (2) إذا أكل عنده حتى يفرغوا، وربَّما قال: حتى يشبعوا: رواه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.

وفي رواية للترمذيِّ: الصَّائم إذا أكل عنده المفاطير صلَّتْ عليه الملائكة.

2 -

وعنْ سليمان بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: الغداء يا بلال (3)؟ فقال: إنِّي صائمٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نأكل أرْزاقنا، وفضْل رزق بلال في الجنَّة (4) شعرْت (5) يا بلالُ أنَّ الصَّائم تسبِّح عظامه (6)، وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده (7). رواه ابن ماجه والبيهقي.

(1) معناه يجود الإنسان بما عنده، ويبذله للضيف إكراما له، لله تعالى ولو تمرة أو جرعة ماء أو شيئاً يفطر به.

(2)

تدعو له ملائكة الرحمة مدة إطعام الصوام، أو مدة شعبهم يستظل بعطف الله وإحسانه، ويكسب الدعوات المباركات.

(3)

أي تفضل الغداء واطلبه.

(4)

نعيم وجزاء.

(5)

عرفت وأحسست.

(6)

تكثر من ذكر الله وتحميده.

(7)

مدة أكل الزوار عنده ينال هذه الدعوات المجابة ويتجلى الله برضوانه ويكثر الثناء عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث على الجود في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة في رمضان، أي وفي غيره، =

ص: 145

كِلَاهُمَا من رِوَايَة بَقِيَّة حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُلَيْمَان، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا مَجْهُول وَبَقِيَّة: مُدَلّس، وتصريحه بِالتَّحْدِيثِ لَا يُفِيد مَعَ الْجَهَالَة وَالله أعلم

= وهذا شاعره صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول:

لساني وسيفي صارمان (1) كلاهما

ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي (2)

وإن أك ذا مال كثير أجد به

وإن يهتصر (3) عودي على الجهد (4) يحمد

فلا المال ينسيني حيائي ومفتي (5)

ولا واقعات (6) الدهر يفللن (7) مبردي

وإني لمعط ما وجدت وقائل

لموقد ناري ليلة (8) الريح أوقد

وإني لقوال لذي البث (9) مرحبا

وأهلا إذا ما جاء من غير مرصد (10)

وإني لحلو (11) تعتريني مرارة

وإني لتراك لما لم أعوّد

(1)

يترك.

(2)

الكذب والضلال، والغيبة والنميمة، والحسد والشقاق، وهكذا من الألفاظ الجالبة غضب الله، والباعثة النفور، الموصلة إلى الفجور والفسق.

(3)

يترك. قال الشرقاوي: هو مجاز عن عدم الالتفات والقبول، فنفي السبب وأراد المسبب، وإلا فالله لا يحتاج إلى شيء، وقيل الحاجة بمعنى الإادة: أي ليس لله إرادة في صيام، وعدم الإرادة كناية عن الرد وعدم القبول. فيرجع لما قبله، وليس المراد بذلك أنه يترك صيامه إذا لم يترك قول الزور، وإنما معناه التحذير من ذلك القول. فهي كقوله عليه الصلاة والسلام:(من باع الخمر فليشقص الخنازير) أي يذبحها ويقطعها بالمشقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا غير غريض. فليس المراد أمره بتشقيصها، بل التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر. أهـ ص 147 جـ 2.

_________

(1)

قاطعان.

(2)

لساني: أي يدرك بلسانه ما لا يدرك بالسيف.

(3)

يدرك.

(4)

الفاقة والحاجة: أي وإن تطلب مني حاجة أقضها وإن كنت معدما فقيراً.

(5)

لا أطغى عند الاستغناء.

(6)

تصرفات الدهر وحوادثه.

(7)

يثلمن: أي حوادث الدهر لاتقعد من همتي.

(8)

ليلة البرد والريح التي يصعب فيها إيقاد النيران.

(9)

الشكوى من حاجة.

(10)

انتظار ولا وعد.

(11)

حلو الفاكهة، الجد، لطيف القول عذبه، صعب العمل. إن شاهدنا ذلك الصحابي الجليل الذي يصف نفسه وكرمه لتعرف مقدار كرم أصحابه صلى الله عليه وسلم، وعلو همتهم، وسمو كعبهم في الشجاعة الكرم، وقد توفي سنة 54 هـ. فلا غرابة أن أفادت أقواله صلى الله عليه وسلم ووجدت تربة مخصبة وجوا صالحاً، ونفوساً طاهرة. ونريد في هذا الزمن أن يتأسى بهم المسلمون، ويستنيروا بأنوار أسلافهم، ويقتدوا بأجدادهم، ويعملوا بسنة حبيبهم صلى الله عليه وسلم.

ص: 146

رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعنده: منْ لمْ يدعْ قوْلَ الزُّور والجهل (1) والعمل به، وهو رواية للنسائي.

ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أنس بن مالك، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لم يدع الخنا والكذب (2) فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه.

2 -

وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: كلُّ عمل ابن آدم إلا الصِّيام فإليَّ، وأنا أجزي به، والصِّيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكمْ فلا يرفث (3)، ولا يصخب (4)، فإنْ سابَّه أحد (5) أو قاتله فليقلْ: إني صائم إنِّي صائم (6)، الحديث. رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وتقدم بطرقه، وذكر غريبه في الصيام.

3 -

وعنْ أبي عبيدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصِّيام جنَّة (7) ما لمْ يخرقْها. رواه النسائي بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة.

وزاد: قيل وبم يخرقها؟ قال: بكذبٍ، أوْ غيبةٍ.

4 -

وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) الوقوع في الدناءة والسباب وهتك أعراض الناس.

(2)

الفحش في المنطق، والحمهور على أن الكذب والغيبة ونحوها لا تفسد الصوم، بل تنقص ثوابه وتمنع كماله، لأنه ليس المقصود منه العدم المحض كما في المنهيات، لاشتراط النية فيه إجماعا، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك من المفطرات، ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن جميع المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبا، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات. أهـ شرقاوي.

(3)

لا يتكلم بالكلام الفاحش ولا يهذي، ولا يسرف في المزاح، ولا يداعب نساءه خشية أن يجر إلى الجماع.

(4)

لا يخاصم ولا يجادل، وفي نيل الأوطار: الصخب هو الرجة، واضطراب الأصوات للخصام، وفي ن ط: فلا حاجة لله أن لا يدع. قال القرطبي: لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم أهـ.

(5)

وجه إليه ألفاظ السباب والشتائم: أي جاء متعرضاً لمقاتلته ومشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم، أو يقدم له أي أذى.

(6)

أي تشعر نفسه بتحليه بطاعة الله، ويقول بلسانه ليكون أقوى وأوعى إلى اجتناب ما يخالف صومه لله، ففائدة القول التذكير بأنه متلبس بطاعة، ورابح ثواب الله، ومؤمل الخير، ومنتظر البر، وإن بذاءة اللسان تحبط الثواب المرجو.

(7)

وقاية من المعاصي، وجالب الحسنات، وترس قوى من الوقوع في الخطايا مدة عدم إفحاشه ومشاتمته، فإن عصى الله بذلك بليت جنته، وفنيت وقايته، ووقع في شرك الذنوب، وضاع ثواب صومه.

ص: 147

ليْسَ الصيام من الأكل والشُّرب، إنَّما الصيام من اللغْوِ (1) والرَّفثِ، فإنْ سابَّك أحدٌ، أوْ جهل عليك (2)، فقلْ: إني صائم. إنِّي صائم. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

5 -

وفي رواية لابن خزيمة عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُساب، وأنت صائم، فإنْ سابَّك أحد، فقلْ: إنِّي صائم، وإنْ كُنْتَ قائماً فاجْلسْ.

6 -

وعنْهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربَّ (3) صائمٍ ليْسَ له من صيامهِ إلا الجوعُ، وربَّ قائمٍ ليْسِ له من قيامهِ إلا السَّهَرُ. رواه ابن ماجه واللفظ له، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاريَّ، ولفظهما: ربَّ صائمٍ حظُّهُ من صيامهِ الجوع والعطشُ، وربَّ قائمٍ حظُّ من قيامه السَّهرُ. ورواه البيهقي، ولفظه:

ربَّ قائمٍ حظُّه من القيام السَّهر، وربَّ صائمٍ حظُّهُ من الصِّيام الجوعُ والعطش.

7 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربَّ صائمٍ حظُّه من صيامهِ الجوع والعطش، وربَّ قائمٍ حظُّه من قيامهِ السَّهر. رواه الطبرانيُّ في الكبير، وإسناده لا بأس به.

8 -

وعنْ عبيدٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ امرأتين صامتا، وأنَّ رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ هاهنا امرأتين قد صامتا، وإنَّهما قد كادتا أن تموتا من العطشٍ، فأعرض عنه، أو سكت، ثمَّ عاد، وأراه. قال: بالهاجرة. قال: يا بنيَّ الله إنَّهما، والله قد ماتتا، أو كادتا أن تموتا؟ قال: ادعهما. قال: فجاءنا. قال فجيء بقدحٍ أو عسٍّ، فقال: لإحداهما: قيء فقاءتْ قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى ملأت نصفَ

(1) الإمساك عن ردئ الكلام وفحشه وبذيته.

(2)

فعل فعل الجهال كالصياح والسفه، وقلة الأدب، والتحدث بسير الناس وذمهم على حسد ونفاق.

(3)

رب للتقليل أو للتكثير. أي قد يوجد صائمون امتنعوا عن المفطرات فقط فاكتسبوا الجوع ولا ثواب لهم عند الله لارتكابهم المعاصي، والاسترسال في الغيبة والنميمة، وفعل الذنوب التي يجب أن يتباعد عنها الصائم الراجي غفران الله ورضوانه، وكذا رب متهجد تعب جسمه وشغل نفسه في طاعة، قلبها من ذكر الله خال، وهو مشغول عن عبادته بأحوال الدنيا، وحرم نفسه من الإخلاص في الطاعة، والتفرغ لمناجاة الله جل جلاله.

ص: 148