الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفرّايت إنْ لمْ يكنْ عندهُ لقمةُ خبزٍ؟ قال: فمذْقةٌ من لبنٍ. قال: أفرأيت إنْ لم يكُنْ عنده؟ قال: فشربة من ماء.
(القبصة) بالصاد المهملة: هو ما يتناوله الآخذ بأنامله الثلاث.
وتقدم حديث سلمان الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه، وفيه: من فطرَّ فيه صائماً، يعني في رمضان، كان مغفرةً لذنوبه، وعتق رقبة من النَّار، وكان له مثل أجرهِ من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليْسَ كلُّنا يجد ما يُفطِّر الصَّائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُعطي الله هذا الثَّواب من فطَّرَ صائماً على تمرةٍ، أوْ شربةِ ماءٍ، أوْ مذْقهِ لبن (1) الحديث.
(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)
1 -
عن أمِّ عمارة الانصاريَّةِ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقدَّمت إليه طعاماً، فقال: كلى، فقالتْ: إنِّي صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصائم تُصَلِّي عليه الملائكة (2) إذا أكل عنده حتى يفرغوا، وربَّما قال: حتى يشبعوا: رواه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
وفي رواية للترمذيِّ: الصَّائم إذا أكل عنده المفاطير صلَّتْ عليه الملائكة.
2 -
وعنْ سليمان بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: الغداء يا بلال (3)؟ فقال: إنِّي صائمٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نأكل أرْزاقنا، وفضْل رزق بلال في الجنَّة (4) شعرْت (5) يا بلالُ أنَّ الصَّائم تسبِّح عظامه (6)، وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده (7). رواه ابن ماجه والبيهقي.
(1) معناه يجود الإنسان بما عنده، ويبذله للضيف إكراما له، لله تعالى ولو تمرة أو جرعة ماء أو شيئاً يفطر به.
(2)
تدعو له ملائكة الرحمة مدة إطعام الصوام، أو مدة شعبهم يستظل بعطف الله وإحسانه، ويكسب الدعوات المباركات.
(3)
أي تفضل الغداء واطلبه.
(4)
نعيم وجزاء.
(5)
عرفت وأحسست.
(6)
تكثر من ذكر الله وتحميده.
(7)
مدة أكل الزوار عنده ينال هذه الدعوات المجابة ويتجلى الله برضوانه ويكثر الثناء عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث على الجود في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة في رمضان، أي وفي غيره، =
كِلَاهُمَا من رِوَايَة بَقِيَّة حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُلَيْمَان، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا مَجْهُول وَبَقِيَّة: مُدَلّس، وتصريحه بِالتَّحْدِيثِ لَا يُفِيد مَعَ الْجَهَالَة وَالله أعلم
= وهذا شاعره صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول:
لساني وسيفي صارمان (1) كلاهما
…
ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي (2)
وإن أك ذا مال كثير أجد به
…
وإن يهتصر (3) عودي على الجهد (4) يحمد
فلا المال ينسيني حيائي ومفتي (5)
…
ولا واقعات (6) الدهر يفللن (7) مبردي
وإني لمعط ما وجدت وقائل
…
لموقد ناري ليلة (8) الريح أوقد
وإني لقوال لذي البث (9) مرحبا
…
وأهلا إذا ما جاء من غير مرصد (10)
وإني لحلو (11) تعتريني مرارة
…
وإني لتراك لما لم أعوّد
(1)
يترك.
(2)
الكذب والضلال، والغيبة والنميمة، والحسد والشقاق، وهكذا من الألفاظ الجالبة غضب الله، والباعثة النفور، الموصلة إلى الفجور والفسق.
(3)
يترك. قال الشرقاوي: هو مجاز عن عدم الالتفات والقبول، فنفي السبب وأراد المسبب، وإلا فالله لا يحتاج إلى شيء، وقيل الحاجة بمعنى الإادة: أي ليس لله إرادة في صيام، وعدم الإرادة كناية عن الرد وعدم القبول. فيرجع لما قبله، وليس المراد بذلك أنه يترك صيامه إذا لم يترك قول الزور، وإنما معناه التحذير من ذلك القول. فهي كقوله عليه الصلاة والسلام:(من باع الخمر فليشقص الخنازير) أي يذبحها ويقطعها بالمشقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا غير غريض. فليس المراد أمره بتشقيصها، بل التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر. أهـ ص 147 جـ 2.
_________
(1)
قاطعان.
(2)
لساني: أي يدرك بلسانه ما لا يدرك بالسيف.
(3)
يدرك.
(4)
الفاقة والحاجة: أي وإن تطلب مني حاجة أقضها وإن كنت معدما فقيراً.
(5)
لا أطغى عند الاستغناء.
(6)
تصرفات الدهر وحوادثه.
(7)
يثلمن: أي حوادث الدهر لاتقعد من همتي.
(8)
ليلة البرد والريح التي يصعب فيها إيقاد النيران.
(9)
الشكوى من حاجة.
(10)
انتظار ولا وعد.
(11)
حلو الفاكهة، الجد، لطيف القول عذبه، صعب العمل. إن شاهدنا ذلك الصحابي الجليل الذي يصف نفسه وكرمه لتعرف مقدار كرم أصحابه صلى الله عليه وسلم، وعلو همتهم، وسمو كعبهم في الشجاعة الكرم، وقد توفي سنة 54 هـ. فلا غرابة أن أفادت أقواله صلى الله عليه وسلم ووجدت تربة مخصبة وجوا صالحاً، ونفوساً طاهرة. ونريد في هذا الزمن أن يتأسى بهم المسلمون، ويستنيروا بأنوار أسلافهم، ويقتدوا بأجدادهم، ويعملوا بسنة حبيبهم صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعنده: منْ لمْ يدعْ قوْلَ الزُّور والجهل (1) والعمل به، وهو رواية للنسائي.
ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أنس بن مالك، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لم يدع الخنا والكذب (2) فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه.
2 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: كلُّ عمل ابن آدم إلا الصِّيام فإليَّ، وأنا أجزي به، والصِّيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكمْ فلا يرفث (3)، ولا يصخب (4)، فإنْ سابَّه أحد (5) أو قاتله فليقلْ: إني صائم إنِّي صائم (6)، الحديث. رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وتقدم بطرقه، وذكر غريبه في الصيام.
3 -
وعنْ أبي عبيدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصِّيام جنَّة (7) ما لمْ يخرقْها. رواه النسائي بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة.
وزاد: قيل وبم يخرقها؟ قال: بكذبٍ، أوْ غيبةٍ.
4 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) الوقوع في الدناءة والسباب وهتك أعراض الناس.
(2)
الفحش في المنطق، والحمهور على أن الكذب والغيبة ونحوها لا تفسد الصوم، بل تنقص ثوابه وتمنع كماله، لأنه ليس المقصود منه العدم المحض كما في المنهيات، لاشتراط النية فيه إجماعا، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك من المفطرات، ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن جميع المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبا، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات. أهـ شرقاوي.
(3)
لا يتكلم بالكلام الفاحش ولا يهذي، ولا يسرف في المزاح، ولا يداعب نساءه خشية أن يجر إلى الجماع.
(4)
لا يخاصم ولا يجادل، وفي نيل الأوطار: الصخب هو الرجة، واضطراب الأصوات للخصام، وفي ن ط: فلا حاجة لله أن لا يدع. قال القرطبي: لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم أهـ.
(5)
وجه إليه ألفاظ السباب والشتائم: أي جاء متعرضاً لمقاتلته ومشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم، أو يقدم له أي أذى.
(6)
أي تشعر نفسه بتحليه بطاعة الله، ويقول بلسانه ليكون أقوى وأوعى إلى اجتناب ما يخالف صومه لله، ففائدة القول التذكير بأنه متلبس بطاعة، ورابح ثواب الله، ومؤمل الخير، ومنتظر البر، وإن بذاءة اللسان تحبط الثواب المرجو.
(7)
وقاية من المعاصي، وجالب الحسنات، وترس قوى من الوقوع في الخطايا مدة عدم إفحاشه ومشاتمته، فإن عصى الله بذلك بليت جنته، وفنيت وقايته، ووقع في شرك الذنوب، وضاع ثواب صومه.
ليْسَ الصيام من الأكل والشُّرب، إنَّما الصيام من اللغْوِ (1) والرَّفثِ، فإنْ سابَّك أحدٌ، أوْ جهل عليك (2)، فقلْ: إني صائم. إنِّي صائم. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
5 -
وفي رواية لابن خزيمة عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُساب، وأنت صائم، فإنْ سابَّك أحد، فقلْ: إنِّي صائم، وإنْ كُنْتَ قائماً فاجْلسْ.
6 -
وعنْهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربَّ (3) صائمٍ ليْسَ له من صيامهِ إلا الجوعُ، وربَّ قائمٍ ليْسِ له من قيامهِ إلا السَّهَرُ. رواه ابن ماجه واللفظ له، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاريَّ، ولفظهما: ربَّ صائمٍ حظُّهُ من صيامهِ الجوع والعطشُ، وربَّ قائمٍ حظُّ من قيامه السَّهرُ. ورواه البيهقي، ولفظه:
ربَّ قائمٍ حظُّه من القيام السَّهر، وربَّ صائمٍ حظُّهُ من الصِّيام الجوعُ والعطش.
7 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربَّ صائمٍ حظُّه من صيامهِ الجوع والعطش، وربَّ قائمٍ حظُّه من قيامهِ السَّهر. رواه الطبرانيُّ في الكبير، وإسناده لا بأس به.
8 -
وعنْ عبيدٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ امرأتين صامتا، وأنَّ رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ هاهنا امرأتين قد صامتا، وإنَّهما قد كادتا أن تموتا من العطشٍ، فأعرض عنه، أو سكت، ثمَّ عاد، وأراه. قال: بالهاجرة. قال: يا بنيَّ الله إنَّهما، والله قد ماتتا، أو كادتا أن تموتا؟ قال: ادعهما. قال: فجاءنا. قال فجيء بقدحٍ أو عسٍّ، فقال: لإحداهما: قيء فقاءتْ قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى ملأت نصفَ
(1) الإمساك عن ردئ الكلام وفحشه وبذيته.
(2)
فعل فعل الجهال كالصياح والسفه، وقلة الأدب، والتحدث بسير الناس وذمهم على حسد ونفاق.
(3)
رب للتقليل أو للتكثير. أي قد يوجد صائمون امتنعوا عن المفطرات فقط فاكتسبوا الجوع ولا ثواب لهم عند الله لارتكابهم المعاصي، والاسترسال في الغيبة والنميمة، وفعل الذنوب التي يجب أن يتباعد عنها الصائم الراجي غفران الله ورضوانه، وكذا رب متهجد تعب جسمه وشغل نفسه في طاعة، قلبها من ذكر الله خال، وهو مشغول عن عبادته بأحوال الدنيا، وحرم نفسه من الإخلاص في الطاعة، والتفرغ لمناجاة الله جل جلاله.