الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم قطُّ صلَّى صلاة المغربِ حتى يفطرَ، ولوْ على شربةٍ منْ ماء (1).
رواه أبو يعلي وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.
(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)
1 -
عنْ سلمان بن عامرٍ الضَّبيِّ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
(1) يروي سيدنا أنس رضي الله عنه حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعجيل الإفطار وصلاة المغرب، بمعنى أنه يفطر ولو بقليل الماء ثم يصلي، وفيه طلب أمته أن تقتدي به فتسرع في الإفطار ولو على الماء فمن كان في عمل يحتاج إلى زمن يأخذ قليلا من الطعام فيفطر ثم يتمم عمله، ولا يتأخر حتى لا يشابه النصارى واليهود قال تعالى:(من يطع الرسول فقد أطاع الله).
(أكلة السحر خفيفة، والغرض منها الاعانة على طاعة الله وانتظار رحمته سبحانه)
حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على السحور لما فيه من قيام الليل، ووجود فرصة لذكر الله وتسبيحه وتمجيده، والتهجد له، وقراءة القرآن، وصلاة الفجر وغير ذلك من أعمال رمضان الخيرية، وما أوقات رمضان إلا سوق نافقة تشري فيها المحامد، وتكتسب فيها المكارم، وتشاد فيها الصالحات، ولقد أسمع ممن ضعف إيمانهم أن السحور يجلب التخمة، ويورم العينين، ويبعث الغازات، وهكذا من إسرافهم في أنواع الأطعمة والأشربة، ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم:
أ - (نعم السحور التمر).
ب - (نعم سحور المؤمن التمر) اجمع أيها المؤمن أساطين الحكماء، وفطاحل الأطباء، ومهرة العلماء في الكيمياء ليحللوا التمر وليبينوا غذاءه وما أودع فيه الخالق من الخفة والسهولة في الهضم، والقدر الكافي الذي يعنيه طبهب النفوس سيدنا وقرة عيونننا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشير صلى الله عليه وسلم من هذين الحديثين إلى أمرين جليلين:
أ - خفة طعام السحور.
ب - اليقظة في السحر حتى مطلع الفجر للعبادة (نعم) أي مبالغة في مدح التمر، والمعنى لو فصل الطعام نوعا نوعا لفضلهم التمر. يريد صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بسنة أكل السحر، ويراعوا خفته وجودة نوعه ولا يسترسلوا في أطعمة التخمة، وما الحرص على ملذات الأطعمة والزيادة فيها إلا من صفات الكفرة الفسقة العصاة الغافلين عن ذكر الله كما قال تعالى:(إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) 13 من سورة محمد (يتمتعون) ينتفعون بمتاع الدنيا حريصين غافلين من العاقبة. (مثوى) منزل ومقام، فيأيها الشاكون من تخمة السحور. الذنب ذنبكم، تسرفون في الأكل، وتكلفون المعدة فوق طاقتها، وتتغالون في كثرة الأطعمة وأنواعها، وآسف تأكلون وتنامون مباشرة، وهذا ليس من السنة. قال تعالى:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) وقد أثنى صلى الله عليه وسلم على سحور التمر أو ما يشبهه فعليك أخي بآداب الدين تفلح وتنجح وتربح: (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم) 57 من سورة الحج.
إذا أفطر أحدكمْ فلْيُفْطرْ على تمرٍ فإنَّه بركة (1)، فإنْ لم يجد تمراً فالماء، فإنَّهُ طهور (2). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي:
حديث حسن صحيح.
2 -
وعنْ أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطرُ قبلَ أنْ يصلِّي على رطباتٍ (3)، فإنْ لمْ تكنْ رطبات فتمراتٌ (4)، فإنْ لمْ تكنْ حسا حسواتٍ من ماء (5). رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
3 -
ورواه أبو يعلي قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يفطر على ثلاث تمراتٍ، أو شيء لمْ تصبهُ النَّار (6).
(1) يفيد صلى الله عليه وسلم المسلمين بفائدة التمر: أي كل شيء حلو يغذي المخ ويذكي العمل، ويزيد في القوة.
(2)
منق للمعدة مطهرها من أدران التخمة ملين طارد للغازات مجدد الشهوة للطعام، باعث الصحة جالب العافية، منشط للأمعاء ومقويها ومحركها للقيام بعملها خير قيام، وقال علماء الفقهاء: يرد التمر أو الماء ما فقده الجسم أثناء الصوم. وأسمع من المترفين استحباب شيء سخن مثل حساء مرق، أو شربة عدس، أو كوب شاي، وهذا حسن لأنه نوع من السوائل، ولكن لو أخذ تمراً فشيئاً سخنا كان أحسن كما تشتهي نفسه وترتاح عليه معدته.
(3)
الرطب: ثمر النخل إذا أدرك ونضج فيه أن يتتمر، الواحدة رطبة، والجمع أرطاب، وأرطبت البسرة إرطابا: بدا فيها الترطيب، والرطب نوعان: أحدهما لا يتتمر وإذا تأخر أكله تسارع إليه الفساد، والثاني يتتمر ويصير عجوة وتمرا يابسا أهـ مصباح ص 273.
(4)
البلح اليابس الذي يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجب أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس حتى ييبس.
(5)
ملأ فمه، والحسوة بالضم ملء الفم مما يحسى: أي يشرب، والجمع حسى وحسوات. مثل مدية ومدى ومديات، والحسوة بالفتح قيل لغة وقيل مصدر، واستعمال حسا يريد قلة، وهي لغة رقيقة لطيفة في نهاية اللطف والأدب، والرقة والعفة. قال السرقطي: حسا الطائر الماء يحسوه حسوا، ولا يقال فيه شرب، ومن أمثالهم: يوم كحسو الطير. يشبه بجرع الطير الماء في سرعة انقضائه لقلته، وقال الأزهري: والعرب تقول: نومه كحسو الطير: إذا نام نوما قليلا. أهـ مصباح. قال الشاعر:
لا أوق النوم إلا غروراً (1)
…
مثل حسو (2) الطير ماء السماء (3)
أبتغي إصلاح سعدي بجهدي
…
هي وتسعى جهدها في فساد
(6)
معناه يختار الصائم ما لم تمسه النار لتقوى المعدة على استقباله: من تين أو عنب أو برتقال، وهكذا من الأشياء الحلوة اللذيذة الطعم، وإذا أردت الصحة والعافية فاعمل أيها المسلم بنصيحة طبيب النفوس، ومداوي الأفئدة الذي لا ينطق عن الهوى: أن تفطر على شيء (لم تصبه النار). =
_________
(1)
قليلا.
(2)
أخذ شيء قليل.
(3)
ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين.
4 -
وعنهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ وجد ثمراً فليفطر عليهِ، ومنْ لم يجد فليفطر على الماء، فإنَّه طهور. رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما
= (أسرار الصوم كما في إحياء علوم الدين للغزالي)
أولا: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل.
ثانيا: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والحفاء، والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن.
ثالثاً: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى:
أ - (سماعون للكذب أكالون للسحت)، وقال عز وجل.
ب - (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت)، فالسكوت على الغيبة، وقال تعالى:
جـ - إنكم إذا مثلهم).
رابعاً: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل، وعن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار.
خامساً: ألا يكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه.
سادساً: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء. إذ لا يدري أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين. أهـ ص 211 جـ 1.
(بعض آيات استشهد بها الغزالي في فوائد الصوم)
أولا: عند قوله صلى الله عليه وسلم: (كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، وقد قال الله تعالى:(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(الصوم نصف الصبر)، وقد جعل الغزالي منه الصوم ربع الإيمان.
ثانيا: وقال وكيع في قوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفت في الأيام الخالية) هي أيام الصوم إذا تركوا فيها الأكل والشرب. أهـ، (وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم. (ونادى مناديا باغي الخير أكثر).
ثالثاً: وقيل في قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون). قيل كان عملهم الصيام لأنه قال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) فيفرغ للصائم جزاؤهم إفراغا، ويجازف جزافاً فلا يدخل تحت وهم وتقدير، وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له، ومشرفا بالنسبة إليه، وإن كانت العبادات كلها لله كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه، والأرض لها لله لمعنيين: أحدهما أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد، وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يراه إلا الله عز وجل، فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد، والثاني أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان (لعنة الله) الشهوات، وإنما تقوي الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع)، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:(داومي قرع باب الجنة، قالت بماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: بالجوع).
فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه، وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل، ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وتعالى، وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له: قال الله تعالى: =