الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّالِحين فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة قَالَ من الْمُتَكَلّم آنِفا فَقَالَ الرجل أَنا يَا رَسُول الله
قَالَ إِذا يعقر (1) جوادك وتستشهد
رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون
1 -
عَن أبي عمرَان رضي الله عنه قَالَ كُنَّا بِمَدِينَة الرّوم فأخرجوا إِلَيْنَا (2) صفا عَظِيما (3) من الرّوم فَخرج إِلَيْهِم من الْمُسلمين مثلهم أَو أَكثر وعَلى أهل مصر عقبَة بن عَامر رضي الله عنه وعَلى الْجَمَاعَة فضَالة بن عبيد رضي الله عنه فَحمل رجل من الْمُسلمين على صف الرّوم حَتَّى دخل بَينهم فصاح النَّاس وَقَالُوا سُبْحَانَ الله يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة فَقَامَ أَبُو أَيُّوب فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لَتَأَوَّلُون هَذَا التَّأْوِيل (4) وَإِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سراً دون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أَمْوَالنَا قد ضَاعَت وَإِن الله تَعَالَى قد أعز الْإِسْلَام وَكثر ناصروه فَلَو (5) أَقَمْنَا فِي أَمْوَالنَا وأصلحنا مَا ضَاعَ مِنْهَا فَأنْزل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عليه وسلم مَا يرد علينا مَا قُلْنَا وللفقراء فِي سَبِيل الله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} (6) وَكَانَت التَّهْلُكَة الْإِقَامَة
(1) يجرح حصانك في الجهاد، وتطلب الشهادة مع المجاهدين لإعلاء كلمة الله تعالى.
(2)
إلينا. كذا ط وع ص 427، وفي ن د: لنا.
(3)
جيشاً كثيرا.
(4)
في ن ط فقط هذه الآية.
(5)
كذا في ط: وصوابه في ع: فلو، وفي ن د: فلما.
(6)
بالكف عن الغزو، والإنفاق فيه، فإن ذلك يقوي العدو، ويسلطهم على إهلاككم، أو بالإسراف وحب المال، ولذا سمي البخل هلاكا، وهو في الأصل انتهاء الشيء بالفساد والإلقاء طرح الشيء، عدى بالي لتضمن معنى الانتهاء والباء زائدة، والمراد بالأيدي الأنفس: أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك، وقيل معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم، أولا تلقوا بأيديكم أنفسهكم إليها (وأحسنوا) أعمالكم وأخلاقكم، وتفضلوا على المحاويج. أهـ بيضاوي.
والآية قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) 195 من سورة البقرة. =
على الْأَمْوَال وإصلاحها، وَتَركنَا الْغَزْو فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوب شاخصا فِي سَبِيل الله حَتَّى دفن بِأَرْض الرّوم (1)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب صَحِيح
2 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تبايعتم بالعينة (2) وأخذتم أَذْنَاب الْبَقر (3) ورضيتم بالزرع وتركتم الْجِهَاد سلط الله عَلَيْكُم ذلا (4) لَا يَنْزعهُ حَتَّى ترجعوا إِلَى دينكُمْ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من طَرِيق إِسْحَاق بن أسيد نزيل مصر
= (وأنفقوا) لا تمسكوا كل الإمساك، وفي تفسير الشيخ الصاوي رحمه الله (إلى التهلكة) أي إلى الهلاك أي إلى أسبابه، وأسباب الهلاك إمساك الأموال والأنفس عن الجهاد لأن به يقوي العدو، وتكثر المصائب في الدين، والذي لأهله كما هو مشاهد.
ومن أنفق أمواله ونفسه في سبيل الله فقد ألقى بنفسه إلى العز الدائم في الدنيا والآخرة (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) أهـ ص 75 جـ 1.
حقا إن القرآن معجزة خالدة لك يا سيدي يا رسول الله فقد شفي صدورنا الآن معرفة سبب أسر المسلمين وذلهم واستعبادهم لأن أجدادهم نبذوا الجهاد في سبيل الله وتركنا (الغزو).
(1)
مقيما ببلاد العجم، وفي السنة التاسعة غزا المسلمون الروم وفتحوا بعض بلادهم:(ويومئذ يفرح المؤمنون 4 ينصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 5 وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون 6 يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) 7 من سورة الروم.
(ويومئذ) ويوم تغلب الروم. فانظر أيها المسلم إلى صدر الإسلام لتعلم فضل الأبرار المجاهدين الذين جادوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل نصر دين الإسلام، ولتعد نفسك مقصرا ذليلا إذا لم تفكر فيما يرقى دينك، ويخدم وطنك، ويقدم بلادك، ولم توجد أي فكرة لإعلاء دين الله وكلمته، ولم تبذل المال في ترقية شؤونه بل قصرت حياتك لجمع المال والترف والبذخ والتمتع بالشهوات، ولم تساعد في مشروعات الإسلام، فالروم أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا للمسلمين نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم (في أدنى الأرض) الجزيرة، وفي سنة 7 غلبت الروم فارس ففرح المسلمون بذلك، وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر ينزل جبريل عليه السلام.
(2)
المال الحاضر من النقد: أي إذا وجهتم هممكم للبيع والشراء، وكسب المال وجلب الخير، والمشي في الأسواق، وتركتم الغزو وأبطلتم الجهاد. وفي النهاية في حديث ابن عباس (أنه كره العينة، وهي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به فان اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها، ثم باعها المشترى من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن. فهذه أيضا عينة، وهي أهون من الأولى، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هوه المال الحاضر من النقد والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة. أهـ ص 146.
(3)
معناه اتخذتم الماشية للحرث والري، وسقي النبات وتربية نتاجها وعكفتم على الأعمال التجارية.
(4)
ذلا: أي ضعفاً وامتهانا. قال المناوي: (حتى ترجعوا) أي إلى الاهتمام بأمور دينكم، جعل ذلك بمنزلة الردة، والخروج عن الدين لمزيد الزجر والتهويل. أهـ. =
3 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ وَلم يغز (1) وَلم يحدث بِهِ نَفسه (2) مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق (3)
رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
4 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من لم يغز أَو يُجهز غازيا (4) أَو يخلف غازيا فِي أَهله (5) بِخَير أَصَابَهُ الله تَعَالَى بقارعة (6) قبل
= يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحث المسلمين على الييقظة والاستعداد عند الأخطار، وأخذ العدة لهجوم العدو الألد، والانتباه إلى الجهاد، وأن التجارة والزراعة والصناعة في حال الأمن والرخاء فقط مع الحذر عند الطوارئ. ومن كلام الإمام على رضي الله عنه: أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرءوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفا. بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، لا يعزون بالموتى. مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاء عن الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك إخواني الذاهبون.
وقد فسر المرحوم الشيخ محمد عبده (الأحياء) أي إذا قيل لهم نجا فلان فبقى حيا لا يفرحون لأن أفضل الحياة عندهم الموت في سبيل الحق ولا يحزنون. إذا قيل لهم مات فلان فإن الموت عندهم حياة السعادة الأبدية (مره) جمع أمره: من مرهت عينه إذا فسدت أو ابيضت حماليقها (خمص البطون) ضوامرها (ذبل) ذبلت: شفته جفت ويبست لذهاب الريق. أهـ ص 134 جـ 1 نهج البلاغة.
تلك أو صاف من جملة صفات المجاهدين في سبيل الله الذين ملأ الإيمان قلوبهم فجاهدوا في الله حق جهاده فعاشوا أعزاء كرماء: وماتوا موتة الشرفاء الأتقياء، وانتفعوا بسنة خير الأنبياء عليه الصلاة وأزكى السلام.
(1)
ولم يجاهد لنصر دين الله، ولم يدافع عن الحق ولم يأمر بالمعروف.
(2)
ولم يفكر في العدة التي يتخذها لإعلاء دين الله! ولم يساعد في مشروعات البر.
(3)
دخل في قلبه شيء من النفاق والتذبذب، وقلة الحياء في الله، ونقص إيمانه بالله لأنه مذبذب مقصر في ألدفاع عن دين الله، وعن الأخذ بيد الضعيف، وسكوته عن الباطل، والإلحاد والزندقة، والكفر الصراح، وعدم دفاعه ما استطاع.
(4)
يمده بمساعدة، ويقدم له الزاد والعدد الحربية، والمال اللازم له.
(5)
يقوم برعاية مصالحه، وقضاء حاجات أهله من م عايش.
(6)
أي بداهية تهلكه. يقال قرعه أمر: إذا أتاه فجأة وجمعها قوارع. أهـ نهاية ص 245.
انتبهوا أيها المسلمون فذلك إنذار من السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، اعملوا صالحاً، جاهدوا، وأنفقوا، وابذلوا المعروف، اتقوا الله وإلا أرسل الله لكم صواعق، أو مدمرات تهلك الحرث والنسل في الدنيا، وفي يوم القيامة يبعث عليكم الأهوال الشداد. فكما أن المقصر في الجهاد تحيط به القارعة، كذلك المقصر في حدود الله، والساهي عن واجب الله، والناسي حقوق الله ينزع الله البركة من ماله وأولاده، ويعذبه في حياته بالأمراض والأسقام، والخوف من الأعداء، ويأخذ أخذ عزيز مقتدر، وينتقم الله منه انتقاما مراً.
قال تعالى: (بل من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين 76 الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) 77 من سورة آل عمران. =
يَوْم الْقِيَامَة
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة
5 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من لَقِي الله بِغَيْر أثر من جِهَاد لَقِي الله وَفِيه ثلمة (1)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه كِلَاهُمَا من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن رَافع عَن سمي عَن أبي صَالح عَنهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب
6 -
وَعَن أبي بكر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا ترك قوم الْجِهَاد إِلَّا عمهم الله بِالْعَذَابِ (2)
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن
= التقوى ملاك الأمر، وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات، والاجتناب عن المناهي (يشترون) يستبدلون (بعهد الله) مما عاهدوا الله عليه من الإيمان بالرسول، والوفاء بالأمانات (وأيمانهم) وبما حلفوا به من قولهم: والله لنؤمن به ولننصره، فلا ينتفعون بكلمات الله كناية عن غضبه عليهم.
أ - والآية نزلت في أحبار التوراة وبدلوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وحكم الأمانات وغيرها، وأخذوا على ذلك رشوة.
ب - وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به.
جـ - وقيل نزلت في ترافع كان بين الأشعث بن قيس، ويهودي في بئر أو أرض، وتوجه الحلف على اليهودي أهـ بيضاوي، ولكن شاهدي في الاستدلال بالمتقين الصالحين الأبرار الذين جاهدوا (أوفوا بعهد الله واتقوا) ويلحقهم في الثواب العاملون بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الآن المجاهدون في إزالة البدع الفاشية المتحلون بآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعون إلى التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، والتاركون صحبة الأشرار الملحدين في عصرنا هذا، الذين نكثوا بعهودهم، ولم يقيموا حدود الله كما أمر، واتبعوا المدنية الكاذبة، وجرفهم تيارهم، وانغمسوا في ملذاتها، وأولوا آيات الله كما يفهم علقهم السقيم.
فمن الجهاد إقناعهم وإلزامهم الحجة الواضحة، وتنوير سبل الحق أمامهم لعلهم يفقهون، وتيسير سبل الوعظ والإرشاد للمسلمين كي تستنير قلوبهم بأنوار الدين، وتشرق شموس الهداية في ربوع المهتدين فترفرف شارة السعادة، ويعم الخير والبركة. قال تعالى:(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) 85 من سورة آل عمران.
أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله (الخاسرين) الواقعين في الخسران، والمعنى أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع، واقع في الخسران بابطال الفطرة السليمة التي فطر عليها الناس. أهـ بيضاوي.
(1)
موضع كسر منه: معناه الذي يقابل ربه يوم القيامة، وليس في صحيفته غزو في سبيل نصر دين الله أو جهاد في الحق، أو دفاع في الخير والبر؛ وما يُرقي شئون الدين نقص قصر إسلام، وقل رکن دينه. أي يحشر وأركان إسلامة ناقصة، فيها شق أو ثغرة منقوضة ولبنة متروكة.
(2)
بالذل والاستعباد والأسر، تحكم أعداء الدين في رقابهم. قال تعالى
فصل
7 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا تَعدونَ الشُّهَدَاء (1) فِيكُم قَالُوا يَا رَسُول الله من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد (2)
قَالَ إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل قَالُوا فَمن يَا رَسُول الله قَالَ من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد (3) وَمن مَاتَ فِي الطَّاعُون (4) فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ من الْبَطن (5) فَهُوَ شَهِيد
قَالَ ابْن مقسم أشهد على أَبِيك يَعْنِي أَبَا صَالح أَنه قَالَ والغريق (6) شَهِيد
رَوَاهُ مُسلم
8 -
ورواه مالك والبخاري والترمذي، ولفظهم -وهو رواية لمسلم أيضاً في حديث-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الشهداءُ خمسةٌ: المطعونٌ، والمبطونٌ، والغريقٌ، وصاحبُ الهدمِ (7)، والشهيدُ في سبيل الله".
9 -
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه قَالَ دَخَلنَا على عبد الله بن رَوَاحَة
أي إن تثبطوا وتركوك وحدك فقاتل لا تضرك مخالفتهم، وتقاعدهم فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود.
وروي "أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت، فخرج عليه الصلاة والسلام وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد "(تنكيلا) تعذيبا، وهو تقريع لمن لم يتبعه اهـ بيضاوي
هذا شاهدنا في تكليف الله تعالى لحبيبه أن يجاهد ولو يخرج بنفسه والله يساعده، فكذلك كل مسلم بجهاد نفسه وعدوه، واتباع الحق ونبذ الباطل
بيان أنواع الشهداء
(1)
ما تحسبون وجودهم. استفهام منه صلى الله عليه وسلم عن عدد الشهداء.
(2)
جاهد الأعداء وقتل في حومة الوغي يجالد ويضارب، ويساهم ويرمي ويذب.
(3)
وجد مع الجيش في ميدان الحرب، ولكن توفي بلا قتال ونزال.
(4)
المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان، وفيه (فناء أمتي بالطعن والطاعون) أراد أن الغالب على فناء الأمة بالفتن التي تسفك بها الدماء والوباء. أهـ نهاية ص 39.
(5)
شدة الإسهال.
(6)
الذي مات غرقا، والمعنى أن هؤلاء ينالون ثوابا عظيما ودرجات سامية من الله جل وعلا جزاء ما نكبوا به فصبروا على تحمله لله.
(7)
الذي وقع عليه جدار.
نعوده فَأُغْمِيَ (1) عَلَيْهِ فَقُلْنَا رَحِمك الله إِن كُنَّا لنحب أَن تَمُوت على غير هَذَا وَإِن كُنَّا لنَرْجُو لَك الشَّهَادَة فَدخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَنحن نذْكر هَذَا فَقَالَ وفيم تَعدونَ الشَّهَادَة فأرم الْقَوْم وتحرك عبد الله فَقَالَ أَلا تجيبون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَجَابَهُ هُوَ فَقَالَ نعد الشَّهَادَة فِي الْقَتْل فَقَالَ إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل إِن فِي الْقَتْل شَهَادَة وَفِي الطَّاعُون شَهَادَة وَفِي الْبَطن شَهَادَة وَفِي الْغَرق شَهَادَة وَفِي النُّفَسَاء يَقْتُلهَا وَلَدهَا جمعا شَهَادَة
رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ ورواتهما ثِقَات
(أرم الْقَوْم) بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم سكتوا وَقيل سكتوا من خوف وَنَحْوه وَقَوله يَقْتُلهَا وَلَدهَا جمعا مُثَلّثَة الْجِيم سَاكِنة الْمِيم أَي مَاتَت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا يُقَال مَاتَت الْمَرْأَة بِجمع مُثَلّثَة الْجِيم إِذا مَاتَت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا وَقيل إِذا مَاتَت عذراء أَيْضا
10 -
وَعَن ربيع الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَاد ابْن أخي جبر الْأنْصَارِيّ فَجعل أَهله يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم جبر لَا تُؤْذُوا (2) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَصْوَاتِكُمْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعْهُنَّ (3) يبْكين مَا دَامَ حَيا فَإِذا وَجب فليسكتن (4)
فَقَالَ بَعضهم مَا كُنَّا نرى أَن يكون موتك على فراشك حَتَّى تقتل فِي سَبِيل الله مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أو ما الْقَتْل (5) إِلَّا فِي سَبِيل الله إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل إِن
(1) غشي عليه وأصابه الإغماء، واعترته دوخة.
(2)
لا تجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألم من هذا الصوت المنكر. اصبروا واحبسوا أنفسكم أن تشكوا، وهو فائد الشرع صلى الله عليه وسلم.
(3)
اتركهن يبكين فيزلن ما عندهن من الألم والتألم لمريضهن. ولا بأس بالبكاء لتخفيف حزن النفس، وإزالة جزعها (وهذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده، ولا يرحم إلا الرحماء).
(4)
تنفيذا لقضاء الله، وليزلن الجزع، وليصبرن على حكم الله.
(5)
استفهم بمعنى القصر: أي ليس القتل المعدود شهادة محصورا على الجهاد في سبيل نصر دين الله الذي ينال تصاحبه الدرجات القصوى في النعيم، ولكن يليه في الأجر المصاب بالمرض المعدي الفتاك، ثم الإسهال، والميتة بسبب جنيها في بطنها، أو من أصابه غرق أو حرق، أو أصيب بمرض في جنبه، وكثرث غازات معدته ورياح طعامه فتسمم جسمه فمات، والنبي صلى الله عليه وسلم رسول رحمة يحفف عن الناس ويلاتهم، ويهون مصائبهم ويسري عن آلامهم بنعيم الجنة وكثرة الثواب من الوهاب سبحانه. قال: تعالى (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم 26 والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما 27 يريد الله أن يحفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) 28 من سورة النساء. =
الطعْن شَهَادَة والبطن شَهَادَة والطاعون شَهَادَة وَالنُّفَسَاء بِجمع شَهَادَة والحرق شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة وَذَات الْجنب (1) شَهَادَة
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(قَوْله بِجمع) تقدم قبله
(إِذا وَجب) أَي إِذا مَاتَ
11 -
وَعَن رَاشد بن حُبَيْش رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه يعودهُ فِي مَرضه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتعلمون من الشَّهِيد من أمتِي فأرم الْقَوْم فَقَالَ عبَادَة ساندوني فَأَسْنَدُوهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله الصابر الْمُحْتَسب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل الْقَتْل فِي سَبِيل الله عز وجل شَهَادَة والطاعون شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة والبطن شَهَادَة وَالنُّفَسَاء يجرها وَلَدهَا بسرره إِلَى الْجنَّة
قَالَ وَزَاد أَبُو الْعَوام سَادِن بَيت الْمُقَدّس والحرق والسل
رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَرَاشِد بن حُبَيْش صَحَابِيّ مَعْرُوف
(أرم الْقَوْم) تقدم
(والسادن) بِالسِّين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْخَادِم
(والسل) بِكَسْر السِّين وَضمّهَا وَتَشْديد اللَّام هُوَ دَاء يحدث فِي الرئة يؤول إِلَى ذَات الْجنب وَقيل زكام أَو سعال طَوِيل مَعَ حمى عَادِية وَقيل غير ذَلِك
12 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ خمس من قبض فِي شَيْء مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيد الْمَقْتُول فِي سَبِيل الله شَهِيد والغريق فِي سَبِيل الله شَهِيد والمبطون فِي سَبِيل الله شَهِيد والمطعون فِي سَبِيل الله شَهِيد وَالنُّفَسَاء فِي سَبِيل الله شَهِيد
رَوَاهُ النَّسَائِيّ
= (سنن) مناهج من تقدمكم من أهل الرشد لتسلكوا طرقهم، ويغفر لكم ذنوبكم، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم من المعاصي، ويحثكم على التوبة، أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم والله عليم بها حكيم في وضعها (يتبعون الشهوات) الفجرة (يخفف) شرع لكم الشريعة الحنفية السمحة السهلة (ضعيفا) لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات، وإن شاهدي تفضل الله سبحانه وتعالى، فقبل المصاب بهذه الأمراض شهيدا تخفيفا منه ورحمة واطمئنانا وبشرى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بكثرة نعيمها في الجنة، ووافر خبراتها، ومحو ذنوبها (يريد الله (ليبين لكم).
(1)
هي الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب، وتتفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها، وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الدبيلة. أهـ ص 181. ما أحسن دين الإسلام يسوق النبي صلى الله عليه وسلم البشري والطمأنينة للمريض ليصبر لله فينال ثوابا عظيما مثل أو أقل من المجاهد في سبيل الله.
13 -
وَعَن جَابر بن عتِيك رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ يعود (1) عبد الله بن ثَابت رضي الله عنه فَوَجَدَهُ قد غلب عَلَيْهِ فصاح بِهِ فَلم يجبهُ فَاسْتَرْجع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ غلبنا عَلَيْك يَا أَبَا الرّبيع
فصاحت النسْوَة وبكين وَجعل ابْن عتِيك يسكتهن فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعْهُنَّ (2) فَإِذا وَجب فَلَا تبكين باكية
قَالُوا وَمَا الْوُجُوب يَا رَسُول الله قَالَ إِذا مَاتَ
قَالَت ابْنَته وَالله إِنِّي لأرجو أَن تكون شَهِيدا فَإنَّك كنت قد قضيت جهازك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله قد أوقع أجره على قدر نِيَّته وَمَا تَعدونَ الشَّهَادَة قَالُوا الْقَتْل فِي سَبِيل الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشَّهَادَة سبع سوى الْقَتْل فِي سَبِيل الله المبطون شَهِيد والغريق شَهِيد وَصَاحب ذَات الْجنب شَهِيد والمطعون شَهِيد وَصَاحب الْحَرِيق شَهِيد وَالَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم شَهِيد وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع شَهِيد
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
14 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الطَّاعُون شَهَادَة لكل مُسلم
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
15 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الطَّاعُون فَقَالَ كَانَ عذَابا يَبْعَثهُ الله على من كَانَ قبلكُمْ فَجعله الله رَحْمَة للْمُؤْمِنين مَا من عبد يكون فِي بلد فَيكون فِيهِ فيمكث (3) لَا يخرج صَابِرًا (4) محتسبا (5) يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مثل أجر شَهِيد
رَوَاهُ البُخَارِيّ
16 -
وَعَن أبي عسيب رضي الله عنه مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَانِي جِبْرَائِيل عليه السلام بالحمى والطاعون فَأَمْسَكت
(1) يزور.
(2)
اتركهن يظهرن بعض ما عندهن من الشفقة والرأفة والرحمة، وهو بكاء بلا صوت يغضب الرب جل وعلا (العين تدمع والقلب يشعر بالخوف من الفراق).
(3)
ينتظر مسلما أمره لله.
(4)
حابسا نفسه عن الشكوى.
(5)
طالبا الثواب من الله جل وعلا مفوضا أمره لله بارئ النسيم وخالق الإنسان. ومزيل الأمراض ومصح الجسم.
الْحمى بِالْمَدِينَةِ وَأرْسلت الطَّاعُون إِلَى الشَّام فالطاعون شَهَادَة لامتي ورجز على الْكَافِر
رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ورواة أَحْمد ثِقَات مَشْهُورُونَ
(الرجز) الْعَذَاب
17 -
وَعَن أبي منيب الأحدب رضي الله عنه قَالَ خطب معَاذ بِالشَّام فَذكر الطَّاعُون فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَة بكم ودعوة نَبِيكُم وَقبض الصَّالِحين قبلكُمْ اللَّهُمَّ اجْعَل على آل معَاذ نصِيبهم من هَذِه الرَّحْمَة ثمَّ نزل عَن مقَامه ذَلِك فَدخل على عبد الرَّحْمَن بن معَاذ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن {الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين} فَقَالَ معَاذ {ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين}
رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد
18 -
وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ستهاجرون إِلَى الشَّام فتفتح لكم وَيكون فِيكُم دَاء كالدمل أَو كالخزة يَأْخُذ بمراق الرجل يستشهد الله بِهِ أنفسهم ويزكي (1) بِهِ أَعْمَالهم
اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن معَاذًا سَمعه من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأعطه هُوَ وَأهل بَيته الْحَظ الأوفر مِنْهُ فَأَصَابَهُمْ الطَّاعُون فَلم يبْق مِنْهُم أحد فطعن فِي أُصْبُعه السبابَة فَكَانَ يَقُول مَا يسرني أَن لي بهَا حمر النعم
رَوَاهُ أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله عَن معَاذ وَلم يُدْرِكهُ
19 -
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فنَاء أمتِي بالطعن (2) والطاعون فَقيل يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ وخز أعدائكم من الْجِنّ وَفِي كل شَهَادَة
رَوَاهُ أَحْمد بأسانيد أَحدهَا صَحِيح وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ
(الوخز) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا زَاي هُوَ الطعْن
20 -
وَعَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ ذكر الطَّاعُون
(1) يطهر ويكون سبب محو السيئات.
(2)
بكثرة الغزو ووجود الفتن، والطمع في المال والملك فيكثر الموت، هذا وأن يجاهد المسلمون لنصر دين الله. يسلط الله عليهم الأمراض فتحصد النفوس حصدا، ينبه المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرصوا على قتال أعداء الدين لإعلاء كلمته، وكل نفس ذائقة الموت. والأجل محدود ومقدر. فإن قصروا في الجهاد أصابهم الطاعون والأمراض الفتاكة جزاء تقاعدهم وكسلهم، وإهمالهم واجب الدفاع عن الحق وعن الدين ولكل أجل كتاب.
عِنْد أبي مُوسَى فَقَالَ سَأَلنَا عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ وخز أعدائكم الْجِنّ وَهُوَ لكم شَهَادَة
رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
21 -
وَعَن أبي بردة بن قيس أخي أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اجْعَل فنَاء أمتِي قتلا فِي سَبِيلك بالطعن (1) والطاعون
رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث أبي مُوسَى وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
22 -
وَعَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يخْتَصم الشُّهَدَاء والمتوفون على فرشهم إِلَى رَبنَا فِي الَّذين يتوفون فِي الطَّاعُون فَيَقُول الشُّهَدَاء قتلوا كَمَا قتلنَا
وَيَقُول المتوفون على فرشهم إِخْوَاننَا مَاتُوا على فرشهم كَمَا متْنا فَيَقُول رَبنَا تبارك وتعالى انْظُرُوا إِلَى جراحهم (2) فَإِن أشبهت جراح
(1) الغزو والجهاد، وكان في الصدر الأول. والآن قتال الفتح للدنيا، وزيادة الملك، وما يبقى يسلط الله عليه والوباء إن لم يتق الله، ويستقم ويعمل صالحاً. قال تعالى:(وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم 9 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) 10 من سورة المائدة.
وشاهدنا أن الناس صنفان:
أ - فريق يتفانى في طاعة الله وفي الجهاد في سبيله، ويستعذب الموت حبا في نصر دينه، ويتسابق إلى الطعن والطعان والتبرز في حلبة الميدان حائزا صفات الإيمان.
ب - الفريق الآخر قصر في الجهاد، وتكامل عن الصالحات، وأرخى العنان لنفسه في الموبقات ففسق وعصى وكذب وغوي وجحد وهوي، فسلط الله عليه الأمراض.
قال البيضاوي: فيه مزيد وعد للمؤمنين، وتطيب لقلوبهم أهـ.
هذه تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون لتجتهدوا في الجهاد والدفاع عن دينكم لتصيروا أعزة ولتتبوءوا المركز اللائق بكم في الحياة ولتعيشوا سادة قادة، فما ترك قوم الجهاد إلا ضعفت نفوسهم وذات، وباءوا بالخزي والاستبعاد. قال تعالى مبينا فضله صلى الله عليه وسلم على جميع الأمم:(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين 15 يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم) 16 من سورة المائدة: يعني بأهل الكتاب اليهود والنصارى.
تخفون بعث محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة، وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بمحمد أحمد عليه الصلاة والسلام في الإنجيل، وجاءكم القرآن الكاشف لظلمات الشك والضلال والكتاب الواضح الإعجاز، وقيل يريد بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم (سل السلام) طريق السلامة من العذاب، أو سل الله، وشاهدنا (ويخرجهم من الظلمات إلى النار) ينقدهم من أنواع الكفر إلى الإسلام، ويرشدهم إلى أسباب سعادة الحياة من الترغيب. في الجهاد والتحلي بالأعمال الصالحة الجالبة كل خير وبر.
(2)
يبين صلى الله عليه وسلم مناظرة بين من جاهد في سبيل الله فقتل أثناء الكفاح، وبين من مرض بالوباء. =
المقتولين فَإِنَّهُم مِنْهُم وَمَعَهُمْ فَإِذا جراحهم قد أشبهت جراحهم
رَوَاهُ النَّسَائِيّ
23 -
وَعَن عتبَة بن عبد رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَأْتِي الشُّهَدَاء والمتوفون بالطاعون فَيَقُول أَصْحَاب الطَّاعُون نَحن شُهَدَاء فَيَقُول انْظُرُوا فَإِن كَانَت جراحهم كجراح الشُّهَدَاء تسيل دَمًا كريح الْمسك فهم شُهَدَاء فيجدونهم كَذَلِك
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش رِوَايَته عَن الشاميين مَقْبُولَة وَهَذَا مِنْهَا وَيشْهد لَهُ حَدِيث الْعِرْبَاض قبله
24 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تفنى أمتِي إِلَّا بالطعن والطاعون
قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ غُدَّة كَغُدَّة الْبَعِير الْمُقِيم بهَا كالشهيد والفار (1) مِنْهُ كالفار من الزَّحْف
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ
25 -
وَفِي رِوَايَة لأبي يعلى أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وخزة تصيب أمتِي من أعدائهم من الْجِنّ كَغُدَّة الْإِبِل من أَقَامَ عَلَيْهَا (2) كَانَ مرابطا وَمن أُصِيب بِهِ كَانَ شَهِيدا وَمن فر مِنْهُ كَانَ كالفار من الزَّحْف (3)
رَوَاهُ الْبَزَّار وَعِنْده قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ يشبه الدمل يخرج فِي الآباط والمراق وَفِيه تَزْكِيَة (4) أَعْمَالهم وَهُوَ لكل مُسلم شَهَادَة
(قَالَ المملي) رضي الله عنه: أَسَانِيد الْكل حسان
26 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله
= يقول الأول: رب إن هذا مات في وطنه، وعلى فراشه، وبين أهله، ويقول المطعون: رب أصابنا هذا المرض القتال فصبرنا ومتنا على فراشنا كما مات غيرنا فيرشد الله جل وعلا الشهداء لينظروا إلى جراحهم ومصدر ألمهم، وانفجار الدم منه. هذا تطمينا للمطعون، وترغيبا في كثرة ثوابه، وترضية لأولئك الأبرار المجاهدين، وتجليا منه جل وعلا عليهم بالرضا والرحمة.
(1)
الساخط الغضبان المنتقل من بلد إلى بلد فرارا من اللحوق به.
يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطمئن المطعون، ويبشره بكثرة النعم وجزيل الأجر، ويحذره أن ينتقل من جهة موبوءة إلى جهة أخرى سليمة كيلا ينشر العدوى، ويحثه على الصبر، والرضا بقضاء الله وقدره فلا يزمجر ولا يبطر، ولا يقول ما يغضب الرب جل وعلا.
(2)
سلم نفسه لخالقه، وصبر واحتسب، وطلب من الله الشفاء.
(3)
كالهارب من القتال: الفار من الأعداء، وعذابه أليم وعقابه صارم.
(4)
طهارة لهم من السيئات
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الطَّاعُون الفار مِنْهُ كالفار من الزَّحْف وَمن صَبر فِيهِ (1) كَانَ لَهُ أجر شَهِيد
رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَإسْنَاد أَحْمد حسن
27 -
وَعَن أبي إِسْحَاق السبيعِي رضي الله عنه قَالَ قَالَ سُلَيْمَان بن صرد لخَالِد بن عرفطة أَو خَالِد بن سُلَيْمَان رضي الله عنه أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قَتله بَطْنه (2) لم يعذب فِي قَبره
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه نعم (3)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ خَالِد بن عرفطة من غير شكّ
(عرفطة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء جَمِيعًا بعدهمَا طاء مُهْملَة
28 -
وَعَن سعيد بن زيد رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد (4) وَمن قتل دون دَمه (5) فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دينه (6) فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله (7) فَهُوَ شَهِيد
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح
29 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد (8)
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
30 -
وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي وَغَيره قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أُرِيد مَاله (9) بِغَيْر حق فقاتل فَقتل فَهُوَ شَهِيد
وَفِي رِوَايَة للنسائي من قتل دون مَاله مَظْلُوما (10) فَهُوَ شَهِيد
(1) فيه. كذا ط وع ص 478، وفي ن د: له: أي حبس نفسه عن الجزع، وفوض أمره لربه أعطاه الله أجر المجاهد في سبيل الله من أنواع النعيم في الجنة، ودمه ذكي كالمسك الأذفر يوم القيامة.
(2)
أي من أصابه مرض البطن فصبر حتى توفى، وقاء الله فتنة القبر وآلامه.
(3)
نعم حرف جواب، أي هذا صحيح، أو نعم فعل ماض: أي أمدح هذا المرض، وأثنى على من مات به صابرا محتسبا نائلا جزيل الأجر.
(4)
أي تعدي عليه إنسان يريد أن يسرقه أو يسلبه، أو يجرده من ماله فعارضه ومانعه فقتله هذا اللص فله أجر المجاهد في سبيل الله، لأنه يدافع عن ماله، ويذب عن نفسه، ويطرد الأذى عنه.
(5)
أي قاتله أحد فدافع عن نفسه.
(6)
أي جاهد لنصر دينه ودافع عن الحق ما استطاع فقتل.
(7)
أي دافع عن عرضه وذب عن زوجه، وأخته وعمته دفاعا يبعد عن المحارم، ويزيل المعصية. فقيه فضل المدافع عن ماله وعن نفسه، وعن دينه وعن أهله، وقال علي كرَّم الله وجهه: بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين والصبر والجهاد والعدل. وقد جد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إلى أبي موسى الأشعري: عليك ب الصبر. واعلم أن الصبر صبران: أحدهما أفضل من الآخر. الصبر في المصيبات حسن، وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى. واعلم ان الصبر ملاك الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر، والتقوى بالصبر.
(8)
معناه من اعتدى عليه وأراد سرقة ماله ونهبه فدافع عنه حتى مات فأجره جزيل، وثوابه كثير مثل ثواب المقاتل في سبيل الله تعالى.
(9)
يطلب ماله بالقوة.
(10)
بلا حق.
31 -
وَعَن سُوَيْد بن مقرن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قتل دون مظلمته (1) فَهُوَ شَهِيد
رَوَاهُ النَّسَائِيّ
32 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن جَاءَ رجل يُرِيد أَخذ مَالِي قَالَ فَلَا تعطه مَالك
قَالَ أَرَأَيْت إِن قاتلني قَالَ قَاتله
قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلني قَالَ فَأَنت شَهِيد
قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلته قَالَ هُوَ فِي النَّار (2)
رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَلَفظه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن عدي (3) على مَالِي قَالَ فانشد بِاللَّه (4)
قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ (5) قَالَ فانشد بِاللَّه
قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فانشد بِاللَّه
قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فقاتل فَإِن قتلت فَفِي الْجنَّة وَإِن قتلت فَفِي النَّار (6)
(1) له حق وراءه يدافع عنه وأمامه واجب يدافع عنه.
(2)
لأنه ظالم مهاجم سارق لص متعد.
(3)
حصل تعد.
(4)
أقسم عليه بالله تعالى أن يذهب سالماً بلا أخذ شيء، وعرض الله سبحانه وتعالى أن يتركك لله، وفي النهاية: نشدتك الله والرحم: أي سألتك بالله وبالرحم. يقال نشدتك الله، وأنشدك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله: أي سألتك وأقسمت عليك.
(5)
فإن استمروا في سرقتهم وتعديهم.
(6)
وإن تسببت لأولئك اللصوص في القتل فعذابهم أليم في جهنم.
خلاصة فوائد الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الحق
أولا: أوجب الله تعالى للمجاهد الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) الآية. لماذا؟ لأنه خرج مؤمنا بالله مخلصا له طالبا إعلاء دينه.
ثانياً: ينال المجاهد خيرا.
أ - إما أن يستشهدوا فيدخل الجنة.
ب - وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.
قال النووي: والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته، وبذل نفسه في طاعة الله تعالى. أهـ ص 25 جـ 13 والله أعلم بمن يكلم في سبيله.
قال النووي: هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو، وأن الثواب المذكور لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
قالوا: وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق، وفي إقامة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ونحو ذلك والله أعلم أهـ ص 22 جـ 13.
رابعاً: يرى الشهيد درجاته فيتمنى أن يحيا ويرجع ليقاتل (لما يرى من الكرامة) أي شهد عند خروج روحه ما أعده الله له من الثواب والكرامة فهو حي.
خامساً: ثواب الغدوة والروحة في سبيل الله خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان، وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق.
سادساً: يجعل الله روح المؤمن كالطائر المتنقل ليتنعم بأزاهير الحنة. قال الأطباء: الروح البخار اللطيف الساري في البدن، وقيل الحياة، وقيل أجسام لطيفة مشابهة للجسم يحيي لحياته، أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم
…
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عند فراقه، وقيل هو بعض الجسم، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم، وهذه صفة الأجسام لا المعاني وقال بعض متقدمي أئمتنا: هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم، وقال بعض مشايخنا وغيرهم: إنه النفس الداخل والخارج، وقال آخرون: هو الدم. هذا بعض ما نقله القاضي.
وقال النووي: والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات. قال القاضي: واختلفوا في النفس والروح. فقيل هما بمعنى، وهما لفظان لمسمى واحد، وقيل إن النفس هي النفس الداخل والخارج، وقيل هي الدم، وقيل: هي الحياة، والله أعلم. أهـ ص 33 جـ 13.
سابعاً: رضي الله عنه الشهداء بطاعتهم لله ورضوا عنه بما أكرمهم به، وأعطاهم إياه من الخيرات من الله تعالى والرضا، وإفاضة البر والإحسان والرحمة (اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا).
(خطبة للإمام علي رضي الله عنه في الحث على الجهاد)
أما ب عد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التتقوى ودرع الله الحصينة وجنته (1) الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشملة البلاء، وديث (2) بالصغار والقماء (3) وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل (4) الحق منه بتضييع الجهاد، ومنع النصف (5) ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسر إعلانا، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم.
فوالله ما غزى قوم قط في عقر (6) دارهم إلا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم، وملكت عليكم الأوطان، وهذا أخو غامد (7) قد وردت خيله الأنبار (8) وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها (9) ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها (10) وقلبها (11) وقلائدها ورعائها (12) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع (13) والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين (14) ما نال رجلا منهم كلم (15) ولا أريق لهم دم. فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا. فياعجبا عجبا والله يميت القلب، ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم فقبحا لكم، وترحاً (16) حين صرتم غرضاً يرمي: يغار عليكم ولا تغيرون، ولا تغزون ولا تغزون ويعصي الله وترضون. فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارة (17) القيظ أمهلنا ينسلخ (18) عنا الحر وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر أمهلنا ينسلخ عنا البرد. كل هذا فرارا من الحر والقر (19) فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال، ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال (20) لوددت أني لم أركم ولم أعفركم، معهرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما (21) قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب (22) التهما أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراساً، وأقدم فيها مقاما مني. لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين وها أنا قد ذرفت (23) على الستين، ولكنه لا رأي لمن لا يطاع. أهـ ص، 37 جـ 1 نهج البلاغة.
[شرح الكلمات]
(1)
بالضم وقايته.
(2)
ديثه: ذلله.
(3)
القماء: التحقير من قما يقمو.
(4)
أي صارت الدولة للحق بدله.
(5)
والنصف بالكسر: العدل.
(6)
عقر دارهم: وسطها وأصلها.
(7)
هو سفيان بن عوف من بني غامد بعثه معاوبة لشن الغارة على أطراف العراق.
(8)
بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات.
(9)
مسالحها مسلحة: الثغر حيث يخشى طروق الأعداء.
(10)
حجلها بالكسر: خلخالها.
(11)
قلبها بالضم: سوارها.
(12)
ورعاثها جمع رعثة القرط.
(13)
ترديد الصوت بالبكاء.
(14)
وافرين: لم ينقص عددهم.
(15)
جرح.
(16)
هماً وحزنا أو فقراً.
(17)
حمارة القيظ: شدته.
(18)
التسبيخ بالخاء: التخفيف والتسكين.
(19)
شدة البرد.
(20)
النساء.
(21)
هما مع أسف أو غيظ.
(22)
جمع نغبة: الجرعة، والتهمام الهم.
(23)
ذرفت: زدت اهـ شرح الشيخ محمد عبده.