الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(والنمرة) بفتح النون، وكسر الميم: بردة من صوف تلبسها الأعراب.
وقوله (فدرع) بالدال المهملة المضمومة: أي جعل له درع مثلها من نار.
10 -
وعنْ ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاء يوم القيامة بريئاً من ثلاثٍ دخل الجنَّة: الكبر (1)، والغلول (2)، والدين (3). رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
11 -
وعنْ أبي حازمٍ رضي الله عنه قال: أتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بنطعٍ (4) من الغنيمة، فقيل: يا رسول الله هذا لك تستظلُّ به من الشَّمس؟ قال: أتحبُّون أن يستظلَّ نبيكمْ بظلٍ من نارٍ؟. رواه أبو داود في مراسيله، والطبراني في الأوسط وزاد: يوم القيامة.
12 -
وعنْ يزيد بن معاوية رضي الله عنه أنَّه كتب إلى أهل البصرة: سلامٌ عليكمْ، أمَّا بعد: فإنَّ رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زماماً (5) من شعرٍ منْ مغنمٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألتني زماماً من نارٍ لمْ يكنْ لك أن تسألنيهِ ولمْ يكن لي أن أعطيه. رواه أبو داود في المراسيل أيضاً.
13 -
وعنْ سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: أما بعد. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يكتمْ غالاً فإنَّه مثله. رواه أبو داود.
(يكتم غالا): أي يستر عليه.
(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)
1 -
عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدٌ يدخل الجنَّة يحبُّ أنْ يرجع إلى الدنيا، وإنَّ له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد (6) فإنَّه
(1) الخيلاء والغطرسة والتجبر.
(2)
السرقة في الغنائم.
(3)
أخذ أموال الناس ولا يسدها، ويريد عدم أدائها.
(4)
أخذ أموال الناس ولا يسدها، ويريد عدم أدائها.
(5)
حبل من ليف كزمام الناقة تقاربه.
(6)
المجاهد الميت في ساحة الحرب.
يتَمَنَّى أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا فَيقْتل عشر مَرَّات لما يرى من الْكَرَامَة (1)
وَفِي رِوَايَة: لما يرى من فضل الشَّهَادَة. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
2 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله يُؤْتى بلرجل من أهل الْجنَّة فَيَقُول الله لَهُ يَا بن آدم كَيفَ وجدت مَنْزِلك فَيَقُول أَي رب خير منزل فَيَقُول سل وتمنه فَيَقُول وَمَا أَسأَلك وأتمنى أَسأَلك أَن تردني إِلَى الدُّنْيَا فأقتل فِي سَبِيلك عشر مَرَّات لما يرى من فضل الشَّهَادَة
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
3 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَن أغزو فِي سَبِيل الله فأقتل ثمَّ أغزو فأقتل ثمَّ أغزو فأقتل
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي حَدِيث تقدم
4 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يغْفر للشهيد كل ذَنْب إِلَّا الدّين (2)
رَوَاهُ مُسلم
5 -
وَعَن أبي قَتَادَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فيهم فَذكر أَن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَالْإِيمَان بِاللَّه أفضل الْأَعْمَال فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله تكفر عني خطاياي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نعم إِن قتلت فِي سَبِيل الله وَأَنت صابر (3) محتسب (4) مقبل (5) غير مُدبر (6) ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَيفَ قلت قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله أتكفر عني خطاياي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نعم
إِن قتلت وَأَنت صابر محتسب مقبل غير مُدبر إِلَّا الدّين فَإِن جِبْرَائِيل قَالَ لي ذَلِك
رَوَاهُ مُسلم وَغَيره
6 -
وَعَن ابْن أبي عميرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ
(1) فضل الله ونعيمه وزيادة إحسانه.
(2)
حقوق الناس فتستقر في ذمته حتى يفصل الله يوم القيامة.
(3)
متحمل الشدائد لله.
(4)
طالب الثواب من الله.
(5)
هاجم.
(6)
فار من الجهاد: تعطيهم ظهرك. وفيه أن الجهاد يغسل الذنوب، ويطهر صحيفة المجاهد، ويكثر من الحسنات ورفع الدرجات.
مَا من نفس مسلمة يقبضهَا (1) رَبهَا تحب أَن ترجع إِلَيْكُم وَإِن لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا غير الشَّهِيد قَالَ ابْن أبي عميرَة رضي الله عنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِأَن أقتل فِي سَبِيل الله أحب إِلَيّ من أَن يكون لي أهل الْوَبر والمدر
رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
(أهل الْوَبر) هم الَّذين لَا يأوون إِلَى جِدَار من الْأَعْرَاب وَغَيرهم
(وَأهل الْمدر) أهل الْقرى والأمصار والمدر محركا هُوَ الطين الصلب المستحجر
7 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ غَابَ عمي أنس بن النَّضر عَن قتال بدر فَقَالَ يَا رَسُول الله غبت عَن أول قتال قَاتَلت الْمُشْركين (2) لَئِن أشهدني الله قتال الْمُشْركين ليرين الله مَا أصنع فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد وانكشف الْمُسلمُونَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أعْتَذر إِلَيْك مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ
يَعْنِي أَصْحَابه وَأَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ
يَعْنِي الْمُشْركين ثمَّ تقدم فَاسْتَقْبلهُ سعد بن معَاذ رضي الله عنه فَقَالَ يَا سعد بن معَاذ الْجنَّة وَرب النَّصْر إِنِّي أجد رِيحهَا دون أحد
قَالَ سعد فَمَا اسْتَطَعْت يَا رَسُول الله أصنع مَا صنع
قَالَ أنس فَوَجَدنَا بِهِ بضعا وَثَمَانِينَ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَو طعنة بِرُمْح أَو رمية بِسَهْم ووجدناه قد قتل وَقد مثل بِهِ الْمُشْركُونَ فَمَا عرفه أحد إِلَّا أُخْته ببنانه (3) فَقَالَ أنس كُنَّا
(1) يتوفاها.
(2)
يذكر أسفه على عدم مشاهدة حرب بدر، وأبلى بلاء حسنا في غزوة أحد، وهكذا يكون الإخلاص لله.
(3)
بأصبعه.
قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. 21 ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما 22 من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) 24 من سورة الأحزاب.
(أسوة) خلصة (حسنة) من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب، ومقاساة الشدائد، أو هو في نفسه قدوة يحسن التأسي به لمن يرجو ثواب الله أو لقاء ونعيم الآخرة (صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقاتلة لإعلاء الدين (نحبه) نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير، وأنس ابن النضر. والنحب: النذر، واستعير للموت (ومنهم من ينتظر) الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما، وما بدلوا العهد، وما غيروه.
روي أن طلحة ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه الصلاة والسلام أوجب طلحة، وفيه تعريض لأهل النفاق، ومرض القلب بالتبديل.
نرى أَو نظن أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِيهِ وَفِي أشباهه {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} إِلَى آخر الْآيَة
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ
(الْبضْع) بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا أفْصح وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع وَقيل مَا بَين الْوَاحِد إِلَى أَرْبَعَة وَقيل من أَرْبَعَة إِلَى تِسْعَة وَقيل هُوَ سَبْعَة
8 -
وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْت اللَّيْلَة رجلَيْنِ أتياني فصعدا بِي الشَّجَرَة فأدخلاني دَارا (1) هِيَ أحسن وَأفضل لم أر قطّ أحسن مِنْهَا قَالَا لي أما هَذِه فدار الشُّهَدَاء
رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي حَدِيث طَوِيل تقدم
9 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ جِيءَ بِأبي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد مثل بِهِ فَوضع بَين يَدَيْهِ فَذَهَبت أكشف عَن وَجهه فنهاني قومِي فَسمع صَوت صائحة (2) فَقيل ابْنة عَمْرو أَو أُخْت عَمْرو فَقَالَ لم تبْكي أَو لَا تبْكي مَا زَالَت الْمَلَائِكَة تظله بأجنحتها
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
10 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ لما قتل عبد الله بن عَمْرو بن حرَام يَوْم أحد، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا جَابر أَلا أخْبرك مَا قَالَ الله لابيك قلت بلَى
قَالَ مَا كلم الله أحدا إِلَّا من وَرَاء حجاب وكلم أَبَاك كفاحا (3) فَقَالَ
(1) قصرا فخما.
(2)
صائحة. كذا د وع ص 462، وفي ن ط: صارخة.
(3)
مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول، وفيه أعطيت محمدا صلى الله عليه وسلم كفاحا: أي كثيرا من الأشياء من الدنيا والآخرة. أهـ نهاية.
قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170 يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين 171 الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتفقوا أجر عظيم 172 الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل 173 فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم 174 إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) 175 من سورة آل عمران نزلت في شهداء أحد، وقيل في شهداء بدر والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(يرزقون) من الجنة، فرحين بشرف الشهادة، والفوز بالحياة الأبدية القرب من الله تعالى، والتمتع بنعيم الجنة.
روي أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا فبلغوا الروجاء ندموا وهموا بالرجوع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج في طلبه، وقال: لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج عليه الصلاة والسلام =
يَا عبد الله تمن عَليّ أعطك
قَالَ: يَا رب تحييني فأقتل فِيك ثَانِيَة
قَالَ: إِنَّه سبق مني أَنهم إِلَيْهَا لَا يرجعُونَ
قَالَ: يَا رب فأبلغ من ورائي،
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} آل عمرَان 961 الْآيَة كلهَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن أَيْضا وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
11 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب رضي الله عنه ملكا يطير فِي الْجنَّة ذَا جناحين يطير مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ مقصوصة (1) قوادمه بالدماء
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا حسن
= مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت:(الذين قال لهم الناس) يعني الركب الذين استقبلوهم من عبد قيس، أو نعيم بن مسعود الأشجعي، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم (فاخشوهم) يعني أبا سفيان وأصحابه. روي أنه نادى عند انصرافه من أحد: يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت. فقال عليه الصلاة والسلام: إن شاء الله تعالى، فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل بمر الزهران فأنزل الله الرعب في قلبه، وبدا له أن يرجع فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين.
وقيلي لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فسأله ذلك، والتزم له عشرا من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريدا فترون أن تخرجوا، وقد جمعوا لكم ففتروا فقال عليه الصلاة والسلام، والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون: حسبنا الله (فزادهم إيمانا) والمعنى أنهم لم يلتفتوا إليه، ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله، وازداد إيمانهم وأظهروا حمية الإسلام، وأخلصوا النية عنده، وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما:(قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص؟ قال: نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة، وينقص حتى يدخل صاحبه النار)(وقالوا حسبنا الله) محسبنا، وكافينا من أحسبه إذا كفاه (ونعم الوكيل) ونعم ألموكول إليه (فانقلبوا) فرجعوا من بدر (نعمة من الله) عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه (وفضل) وربح في التجارة فإنهم لما أتوا بدرا وافوا بها سوقا فاتجروا وربحوا (لم يمسسهم سوء) من جراحة وكيد عدو (واتبعوا رضوان الله) الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم (والله ذو فضل عظيم) قد تفضل عليهم بالتثبيت، وزيادة الإيمان، والتوفيق للعبادة، والمبادرة إلى الجهاد، والتصلب في الدين، وإظهار الجراءة على العدو، وبالحفظ عن كل ما يسوءهم، وإصابة النفع مع الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل، وفيه تحسير للمتخلف، وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به (الشيطان) يريد به المثبط نعيما أو أبا سفيان - أو إنما ذلكم قول الشيطان، يعني إبليس عليه اللعنة (يخوف أولياءه) القاعدين عن الخروج مع الرسول، أو يخوفكم أولياءه الذين هم سفيان وأصحابه (إن كنتم مؤمنين) فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس. أهـ بيضاوي ص 122.
(1)
مقصوصة. كذا د وع ص 463، وفي ن ط: مضرجة، والقوادم للطير: مقاديم الريش في كل جناح عشر، الواحدة قادمة وقدامى 172: 4 قاموس.
12 -
وَعَن سَالم بن أبي الْجَعْد رضي الله عنه قَالَ أريهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم فَرَأى جعفرا ملكا ذَا جناحين مضرجين (1) بالدماء وَزيد مُقَابِله
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَهُوَ مُرْسل جيد الْإِسْنَاد
(قَالَ الْحَافِظ) كَانَ جَعْفَر رضي الله عنه قد ذهبت يَدَاهُ فِي سَبِيل الله يَوْم مُؤْتَة فأبدله بهما جناحين فَمن أجل ذَلِك سمي جعفرا الطيار
13 -
وَعَن عبد الله بن جَعْفَر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَنِيئًا لَك يَا عبد الله أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن
14 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَنه كَانَ فِي غَزْوَة مُؤْتَة قَالَ فالتمسنا جَعْفَر بن أبي طَالب رضي الله عنه فوجدناه فِي الْقَتْلَى فَوَجَدنَا بِمَا أقبل من جسده بضعا وَتِسْعين بَين ضَرْبَة ورمية وطعنة
وَفِي رِوَايَة فعددنا بِهِ خمسين طعنة وضربة لَيْسَ مِنْهَا شَيْء فِي دبره
رَوَاهُ البُخَارِيّ
15 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وجعفرا وَعبد الله بن رَوَاحَة وَدفع الرَّايَة إِلَى زيد فأصيبوا جَمِيعًا
قَالَ أنس فنعاهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل أَن يَجِيء الْخَبَر فَقَالَ أَخذ الرَّايَة زيد فأصيب ثمَّ أَخذهَا جَعْفَر فأصيب ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فأصيب ثمَّ أَخذ الرَّايَة سيف من سيوف الله خَالِد بن الْوَلِيد
قَالَ فَجعل يحدث النَّاس وَعَيناهُ تَذْرِفَانِ (2)
وَفِي رِوَايَة قَالَ وَمَا يسرهم أَنهم عندنَا
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره
16 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَي الْجِهَاد أفضل قَالَ أَن يعقر (3) جوادك ويهراق (4) دمك
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن عبسة قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت فَذكره
17 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ملطخين به.
(2)
تدمعان.
(3)
يجرح. عقر البعير: ضرب قوائمه، عقره: نحره فهو عقير، وجمال عقري، وعقرت المرأة: انقطع حملها (وامرأتي عاقر).
(4)
يسيل.
مَا يجد الشَّهِيد من مس الْقَتْل إِلَّا كَمَا يجد أحدكُم من مس القرصة (1)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح
18 -
وَعَن كَعْب بن مَالك رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أَرْوَاح (2) الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر تعلق من ثَمَر الْجنَّة أَو شجر الْجنَّة
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح
(تعلق) بِفَتْح الْمُثَنَّاة فَوق وَعين مُهْملَة وَضم اللَّام أَي ترعى من أعالي شجر الْجنَّة
19 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الشَّهِيد (3) يشفع فِي سبعين من أهل بَيته
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
20 -
وَعَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ رضي الله عنه وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْقَتْلَى ثَلَاثَة رجل مُؤمن جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو وَقَاتلهمْ حَتَّى يقتل فَذَلِك الشَّهِيد الممتحن (4) فِي جنَّة الله تَحت عَرْشه لَا يفضله النَّبِيُّونَ إِلَّا بِفضل دَرَجَة النُّبُوَّة وَرجل فرق على نَفسه من الذُّنُوب والخطايا جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو قَاتل حَتَّى يقتل فَتلك ممصمصة محت ذنُوبه وخطاياه إِن السَّيْف محاء للخطايا وَأدْخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شَاءَ فَإِن لَهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب ولجهنم سَبْعَة أَبْوَاب وَبَعضهَا أفضل من بعض وَرجل مُنَافِق جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو قَاتل فِي سَبِيل الله
(1) ضغط الأصبعين أي لسعهما الجرح، والمعنى أن الله تعالى يحفظ الشهيد فلا يتألم من القتل ولا يصيبه أي أذى إلا بمقدار جرح بسيط في جسمه، وفيه إظهار كرامة الله للمجاهدين لله.
(2)
جمع روح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة.
(3)
الذي يموت مجاهدا في حومة الوغي تكون له كرامة عند ربه يرجو نجاة سبعين من أقاربه وأحبابه.
(4)
المختبر الذي أبلى بلاء حسنا، وأسفرت النتيجة بنجاحه وإخلاصه لله. قال تعالى:(إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) 3 من سورة الحجرات.
(امتحن الله) جرب الله قلوبهم للتقوى ومرنها عليها، أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها. فإن الامتحان سبب المعرفة، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها، أو أخلصها للتقوى، من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه (لهم مغفرة) لذنوبهم (يغضون) يخفضون أصواتهم مراعاة للأدب، أو مخافة من مخالفة النهي. قيل كان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسران حتى يستفهما. أهـ بيضاوي.
عز وَجل حَتَّى يقتل فَذَلِك فِي النَّار إِن السَّيْف لَا يمحو النِّفَاق
رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ
(الممتحن) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة هُوَ المشروح صَدره وَمِنْه {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى} أَي شرحها ووسعها
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: فَذَلِك المفتخر فِي خيمة الله تَحت عَرْشه وَلَعَلَّه تَصْحِيف
(وَفرق) بِكَسْر الرَّاء أَي خَائِف وجزع
(والممصمصة) بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَكسر الثَّالِثَة وبصادين مهملتين هِيَ الممحصة المكفرة
21 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشُّهَدَاء ثَلَاثَة (1) رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله لَا يُرِيد أَن يُقَاتل وَلَا يقتل يكثر سَواد الْمُسلمين فَإِن مَاتَ أَو قتل غفرت لَهُ ذنُوبه كلهَا وأجير من عَذَاب الْقَبْر ويؤمن من الْفَزع ويزوج من الْحور الْعين وحلت عَلَيْهِ حلَّة الْكَرَامَة وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار والخلد وَالثَّانِي خرج بِنَفسِهِ وَمَاله محتسبا يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل فَإِن مَاتَ أَو قتل كَانَت ركبته مَعَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عليه السلام بَين يَدي الله تبارك وتعالى {فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} وَالثَّالِث خرج بِنَفسِهِ وَمَاله
(1) بيَّن صلى الله عليه وسلم أصناف المجاهدين، ودرجاتهم في الثواب بحسب نياتهم.
الأول: خرج بنفسه وماله ولكن يريد السلامة لنفسه، والنجاة من القتل، والرجوع إلى وطنه، ولي إطاعة لله سبحانه وتعالى، وموافقة للجمهور، يكثر جملتهم ويساعدهم ولا يقصر ولا يجبن، ولايتأخر ولا يرى أو يفل من عزيمته كان ثوابه عند الله تعالى:
أ - غفران ذنوبه.
ب - سلم من عذاب القبر.
جـ - لا يخشى أهوال القيامة.
د - تزف له النساء الحسان.
هـ - يغمر بكرامة الله ورضوانه.
و- يتوج بتاج القبول، ويتسم بنضارة ألنعم.
الثاني: خرج بنفسه وماله بنية أن يقتل، ويخوض غ مار الحرب مجاهداً مقاتلا، ويتمنى النجاة، ويود السلامة والرجوع إلى أهله قرير العين مثلوج الفؤاد كان جزاؤه:
أ - قربه لسيدنا إبراهيم الخليل، ومجاورة مكانه له عليه السلام يتجلى عليه رضوان الله، ويتمتع برؤية جلال الله وعظمته.
الثالث: خرج بنفسه وماله ووهب نفسه لله مستعدا للشهادة في الحرب مستبسلا شجاعا لا يخشى الموت كان جزاؤه حياة صحيحة بعيدة عن كل سؤال آمنا من الأهوال. يبعث فيرى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (جاثون على الركب) ولكن يمر عليهم كالكوكب المتلألئ وضاح الجبين ينادي نداء الظافر والفائز (ألا افسحوا لنا) هذا أفضل الثلاثة. لماذا؟ لأنه أخلص لربه في جهاده، وكان مثلا أعلى في التضحية، وإنكار الذات، واستعداده لتكون نفسه فداء لنصر دين الله وإعلاء كلمة الله.
محتسبا يُرِيد أَن يقتل وَيقتل فَإِن مَاتَ أَو قتل جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة شاهرا سَيْفه وَاضعه على عَاتِقه وَالنَّاس جاثون على الركب يَقُول أَلا أفسحوا لنا فَإنَّا قد بذلنا دماءنا وَأَمْوَالنَا لله تبارك وتعالى
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قَالَ ذَلِك لإِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عليه السلام أَو لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء لزحل لَهُم عَن الطَّرِيق لما يرى من وَاجِب حَقهم حَتَّى يَأْتُوا مَنَابِر من نور تَحت الْعَرْش فيجلسوا عَلَيْهَا ينظرُونَ كَيفَ يقْضى بَين النَّاس لَا يَجدونَ غم (1) الْمَوْت وَلَا يغتمون فِي البرزخ (2) وَلَا تفزعهم الصَّيْحَة (3) وَلَا يهمهم الْحساب وَلَا الْمِيزَان وَلَا الصِّرَاط ينظرُونَ كَيفَ يقْضى بَين النَّاس وَلَا يسْأَلُون شَيْئا إِلَّا أعْطوا وَلَا يشفعون فِي شَيْء إِلَّا شفعوا فِيهِ ويعطون من الْجنَّة مَا أَحبُّوا ويتبوؤون (4) من الْجنَّة حَيْثُ أَحبُّوا
رَوَاهُ الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني وَهُوَ حَدِيث غَرِيب
(زحل) بالزاي والحاء الْمُهْملَة كَذَا فِي رِوَايَة الْبَزَّار وَقَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي رِوَايَته لتنحى لَهُم عَن الطَّرِيق وَمعنى زحل وَتَنَحَّى وَاحِد
22 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا وقف الْعباد لِلْحسابِ جَاءَ قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دَمًا فازدحموا على بَاب الْجنَّة فَقيل من هَؤُلَاءِ قيل الشُّهَدَاء كَانُوا أَحيَاء مرزوقين
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث يَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَإِسْنَاده حسن
23 -
وَعَن نعيم بن عمار رضي الله عنه أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي الشُّهَدَاء أفضل قَالَ الَّذين إِن يلْقوا (5) فِي الصَّفّ لَا يلفتون (6) وُجُوههم حَتَّى
(1) شدائده وسكراته.
(2)
ولا يحصل لهم كدر في قبرهم.
(3)
ولا تقلق مضاجهم نفخة الحشر. قال تعالى، (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) 87 من سورة النمل.
الصور أو القرن. قيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق (إلا من شاء الله) أي لا يفزع من الهول أولئك الذين استثناهم سبحانه وتعالى، والشهيد منهم، وقيل لهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وقيل الحور والخزنة وحملة العرش، وقيل الشهداء، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأه صعق مرة (داخرين) صاغرين. أهـ بيضاوي.
(4)
يملكون أمكنة.
(5)
في رواية: إن تلقوا.
(6)
لا يلفتون. كذا ط وع ص 446، وفي ن د: لا يلتفتون.
يقتلُوا أُولَئِكَ ينطلقون فِي الغرف الْعلَا من الْجنَّة ويضحك إِلَيْهِم رَبهم (1) وَإِذا ضحك رَبك إِلَى عبد فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَاب عَلَيْهِ
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى ورواتهما ثِقَات
24 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الْجِهَاد عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يلتقون (2) فِي الصَّفّ الأول فَلَا يلفتون وُجُوههم حَتَّى يقتلُوا أُولَئِكَ يتلبطون فِي الغرف من الْجنَّة يضْحك إِلَيْهِم رَبك وَإِذا ضحك إِلَى قوم فَلَا حِسَاب عَلَيْهِم
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن
(يتلبطون) مَعْنَاهُ هُنَا يضطجعون وَالله أعلم
25 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
يَقُول أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ (3) الْجنَّة الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرُونَ الَّذين تتقى بهم المكاره (4) إِذا أمروا (5) سمعُوا وأطاعوا وَإِن كَانَت لرجل مِنْهُم حَاجَة (6) إِلَى السُّلْطَان لم تقض لَهُ حَتَّى يَمُوت وَهِي فِي صَدره (7) وَإِن الله عز وجل ليدعو يَوْم الْقِيَامَة الْجنَّة فتأتي بزخرفها وَزينتهَا فَيَقُول أَيْن عبَادي الَّذين قَاتلُوا فِي سبيلي وَقتلُوا وأوذوا وَجَاهدُوا فِي سبيلي ادخُلُوا الْجنَّة فيدخلونها بِغَيْر حِسَاب وَتَأْتِي الْمَلَائِكَة فيسجدون فَيَقُولُونَ رَبنَا نَحن نُسَبِّح بحَمْدك اللَّيْل وَالنَّهَار ونقدس لَك من هَؤُلَاءِ الَّذين آثرتهم (8) علينا فَيَقُول الرب عز وجل هَؤُلَاءِ عبَادي الَّذين قَاتلُوا فِي سبيلي وأوذوا فِي سبيلي فَتدخل عَلَيْهِم
(1) كناية عن الرضا والإحسان إليهم، والضحك من صفات الحادث، والله منزه عنه، وهذا التعبير ليوضح صلى الله عليه وسلم للناس أن الله تعالى يغدق نعيمه على الشهيد، ويكرمه ويزيد في رفاهته.
(2)
ويلتقون. كذا د وع، وفي ن ط: يلقون. معناه يزجون أنفسهم في الصف الأول، المحارب المجاهد وهمهم الدفاع عن الدين ولو قتلوا.
(3)
يدخلون. كذا ع، وفي ن ط: يدخل، ود: تدخل.
(4)
يجتنب بهم السوء، ويدفع بسببهم الشر.
(5)
أمرهم الحكام وأولياء الأمور.
(6)
طلب من ذوي النفوذ فلا يعتنون بقضاء حاجاتهم فيصبرون لله ولا يحركون فتنا، ولايكونون أداة فساد وإجرام، ويكلون أمرهم لله سبحانه وتعالى مع التفويض المطلق له عز شأنه.
(7)
لم يشك لأحد.
(8)
اخترتهم وفضلتهم. قال تعالى: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) 195 من سورة آل عمران.
(هاجروا) هجروا الشرك أو الأوطان، والعشائر للدين (في سبيلي) بسبب إيمانهم بالله (وقاتلوا) الكفار (وقتلوا) في الجهاد (لأكفرن) لأمحونَّ ذنوبهم، إثابة من عند الله وتفضلا منه على الطاعات وهو قادر على ذلك سبحانه.
الْمَلَائِكَة من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار
رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ بِإِسْنَاد حسن لَكِن مَتنه غَرِيب
26 -
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أخْبركُم عَن الأجود الأجود الله الأجود الأجود وَأَنا أَجود ولد آدم وأجودهم من بعدِي رجل علم علما فنشر علمه (1) يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة أمة وَحده وَرجل جاد بِنَفسِهِ لله عز وجل حَتَّى يقتل
رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ
27 -
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثل حَدِيث قبله وَمَتنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن للشهيد عِنْد الله سبع خِصَال أَن يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويحلى حلَّة الْإِيمَان ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج ثِنْتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين إنْسَانا من أَقَاربه (2)
رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَإسْنَاد أَحْمد حسن
28 -
وَعَن الْمِقْدَام بن معديكرب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين من أَقَاربه
رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث صَحِيح غَرِيب
الدفعة بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وَهِي الدفقة من الدَّم وَغَيره
29 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ
(1) عممه، وألف فيه وألقى نفائسه على الناس، ووعظ وأرشد.
(2)
يبين صلى الله عليه وسلم ميزات الشهيد:
أولا: غفران ذنوبه
ثانيا: مشاهدة مكانه في الجنة
ثالثا: يتكمل بلباس التقوى
رابعا: يأمن عذاب القبر
خامسا: يمتع بالحسان
سادسا: على مفرقه إكليل الهيبة والجلال
سابعا: ينفع وقت الشدة، ويرجو الله أن ينجي من يحب من عذابه سبحانه
شَيْء أحب إِلَى الله من قطرتين وأثرين قَطْرَة دموع من خشيَة الله وقطرة دم تهراق فِي سَبِيل الله وَأما الأثران فأثر فِي سَبِيل الله وَأثر فِي فَرِيضَة من فَرَائض الله
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
30 -
وَعَن مُجَاهِد عَن يزِيد بن شَجَرَة وَكَانَ يزِيد بن شَجَرَة رضي الله عنه مِمَّن يصدق قَوْله فعله خَطَبنَا فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم مَا أحسن نعْمَة الله عَلَيْكُم ترى من بَين أَخْضَر وأحمر وأصفر وَفِي الرِّجَال مَا فِيهَا وَكَانَ يَقُول إِذا صف النَّاس للصَّلَاة وصفوا لِلْقِتَالِ فتحت أَبْوَاب السَّمَاء وأبواب الْجنَّة وغلقت أَبْوَاب النَّار وزين الْحور الْعين واطلعن فَإِذا أقبل الرجل قُلْنَ اللَّهُمَّ انصره وَإِذا أدبر احْتَجِبْنَ مِنْهُ وقلن اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ فانهكوا وُجُوه الْقَوْم فدى لكم أبي وَأمي وَلَا تخزوا الْحور الْعين فَإِن أول قَطْرَة تنضح من دَمه تكفر عَنهُ كل شَيْء عمله وَينزل إِلَيْهِ زوجتان من الْحور الْعين يمسحان التُّرَاب عَن وَجهه ويقولان فدانا لَك (1) وَيَقُول فدانا لَكمَا ثمَّ يكسى مائَة حلَّة من نسج (2) بني آدم وَلَكِن من نبت الْجنَّة لَو وضعن بَين أصبعين لوسعن وَكَانَ يَقُول نبئت أَن السيوف مَفَاتِيح الْجنَّة
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيقين إِحْدَاهمَا جَيِّدَة صَحِيحَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْبَعْث إِلَّا أَنه قَالَ فَإِن أول قَطْرَة تقطر من دم أحدكُم يحط الله عَنهُ (3) بهَا خطاياه كَمَا يحط الْغُصْن من ورق الشّجر وتبتدره اثْنَتَانِ من الْحور الْعين وتمسحان التُّرَاب عَن وَجهه ويقولان فدانا لَك وَيَقُول فدانا لَكمَا فيكسى مائَة حلَّة لَو وضعت بَين أُصْبُعِي هَاتين لوسعتاهما لَيست من نسج بني آدم وَلكنهَا من نَبَات الْجنَّة مكتوبون عِنْد الله بأسمائكم وسماتكم
الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَن يزِيد بن شَجَرَة مَرْفُوعا مُخْتَصرا وَعَن جدان أَيْضا مَرْفُوعا وَالصَّحِيح الْمَوْقُوف مَعَ أَنه قد يُقَال إِن مثل هَذَا لَا يُقَال من قبل الرَّأْي فسبيل الْمَوْقُوف فِيهِ سَبِيل الْمَرْفُوع وَالله أعلم
(وَيزِيد بن شَجَرَة) بالشين الْمُعْجَمَة وَالْجِيم مفتوحتين قيل لَهُ صُحْبَة وَلَا يثبت وَالله أعلم
(1) فدانا لك فدانا لكما: كذا من ن د، وفي ط وع ص 468: قد أنالك، قد أنالكما.
(2)
نسج. كذا د وع، وفي ن ط: نسيج.
(3)
عنه. كذا د وع. وط: منه.
(انهكوا وُجُوه الْقَوْم) هُوَ بِكَسْر الْهَاء بعد النُّون أَي أجهدوهم وابلغوا جهدهمْ والنهك الْمُبَالغَة فِي كل شَيْء
31 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ ذكر الشَّهِيد عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا تَجف الأَرْض من دم الشَّهِيد حَتَّى تبتدره زوجتاه كَأَنَّهُمَا ظئران أظلتا فصيليهما فِي براح من الأَرْض وَفِي يَد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حلَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة شهر بن حَوْشَب
(الظِّئْر) بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا همزَة سَاكِنة هِيَ الْمُرْضع وَمَعْنَاهُ أَن زوجتيه من الْحور الْعين تبتدرانه وتحنوان عَلَيْهِ وتظلانه كَمَا تحنو النَّاقة الْمُرْضع على فصيلها وَيحْتَمل أَن يكون أضلتا بالضاد فَيكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم شبه بدارهما إِلَيْهِ باللهفة والحنو والشوق كبدار النَّاقة الْمُرْضع إِلَى فصيلها الَّذِي أضلته وَيُؤَيّد هَذَا الِاحْتِمَال قَوْله فِي براح من الأَرْض وَالله أعلم
(والبراح) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة هِيَ الأَرْض المتسعة لَا زرع فِيهَا وَلَا شجر
32 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الشُّهَدَاء أَرْبَعَة رجل مُؤمن جيد الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَاك الَّذِي يرفع النَّاس إِلَيْهِ أَعينهم يَوْم الْقِيَامَة هَكَذَا وَرفع رَأسه حَتَّى وَقعت قلنسوته فَلَا أَدْرِي قلنسوة عمر أَرَادَ أم قلنسوة النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ وَرجل مُؤمن جيد الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَكَأَنَّمَا ضرب جلده بشوك طلح من الْجُبْن أَتَاهُ سهم غرب فَقتله فَهُوَ فِي الدرجَة الثَّانِيَة وَرجل مُؤمن خلط عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَلِك فِي الدرجَة الثَّالِثَة وَرجل مُؤمن أسرف على نَفسه لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَلِك فِي الدرجَة الأولى
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب
(القلنسوة) هُوَ مَا يلبس فِي الرَّأْس
(والطلح) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام نوع من الْأَشْجَار ذِي الشوك
(والجبن) بِضَم الْجِيم وَإِسْكَان الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ الْخَوْف وَعدم الْإِقْدَام
(وَسَهْمٌ غربٌ) و (سهمُ غربٍ) بِالْإِضَافَة أَيْضا وبسكون الرَّاء وتحريكها فِي كليهمَا أَيْضا أَرْبَعَة وُجُوه هُوَ الَّذِي لَا يدرى راميه وَلَا من أَيْن جَاءَ
33 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشُّهَدَاء على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة فِي قبَّة خضراء يخرج عَلَيْهِم رزقهم من الْجنَّة بكرَة وعشيا (1)
رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
34 -
وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما أُصِيب إخْوَانكُمْ جعل الله أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة تَأْكُل من ثمارها (2) وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ (3) قَالُوا من يبلغ إِخْوَاننَا عَنَّا أَنا أَحيَاء فِي الْجنَّة نرْزق لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب فَقَالَ الله تَعَالَى أَنا أبلغهم عَنْكُم
قَالَ فَأنْزل الله عز وجل {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا}
إِلَى آخر الْآيَة
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(ينكلُوا) مُثَلّثَة الْكَاف أَي يجبنوا ويتأخروا عَن الْجِهَاد
35 -
وَعَن رَاشد بن سعد رضي الله عنه عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون (4) فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد؟
(1) صباحا ومساء.
(2)
هذا نعيم لا يكيف، يحيي الله الشهداء حياة تستلذ بالنعم، وتتمتع بصنوف الخير.
(3)
مكان القيلولة، واستراحة الظهر، بمعنى أن الله تعالى يظهر للشهداء أصناف التمتع ظهرا وليلا كما كانوا في الدنيا.
- مكان القيلولة، واستراحة الظهر، بمعنى أن الله تعالى يظهر للشهداء أصناف التمتع ظهرا وليلا كما كانوا في الدنيا.
(4)
يسألهم منكر ونكير عن ربهم عز وجل ونبيهم صلى الله عليه وسلم ابتلاء وامتحانا، فالمؤمن الصالح يجيب جوابا حسنا. (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) 27 من سورة إبراهيم.
(الثابت) الذي ثبت بالحجة عندهم، وتمكن في قلوبهم (في الحياة الدنيا) فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحيى عليهما السلام، وجرجيس وشمعون، والذين فتنهم أصحاب الأخدود (وفي الآخرة) فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف، ولا تدهشم أهوال يوم القيامة.
وروي (أنه صلى الله عليه وسلم ذكر روح المؤمن فقال: ثم تعاد روحه في جسده. فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟ فيقول ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينادى مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قولي: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)(الظالمين) الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق، ولا يثبتون في مواقف الفتن. سبحانه لا اعتراض عليه يثبت بعضها ويضل آخرين. رب إني آمنت بك وبنبيك وأعترف بدينك الحق فثبتني والمسلمين وأجرني والمسلمين من الخزي والهوان والعذاب الأليم، فإني ضعيف وعاجز ومقصر، ولكن أحب الله ورسوله حبا جما وهذه المحبة بضاعتي أرجو أن تربح فأظفر برضاك إنك غفور رحيم.
قَالَ كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة (1)
رَوَاهُ النَّسَائِيّ
36 -
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رجلا أسود أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنِّي رجل أسود منتن الرّيح قَبِيح الْوَجْه لَا مَال لي (2) فَإِن أَنا قَاتَلت هَؤُلَاءِ حَتَّى أقتل فَأَيْنَ أَنا قَالَ فِي الْجنَّة فقاتل حَتَّى قتل فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قد بيض الله وَجهك (3) وَطيب رِيحك وَأكْثر مَالك وَقَالَ لهَذَا أَو لغيره لقد رَأَيْت زَوجته من الْحور الْعين نازعته جُبَّة لَهُ من صوف تدخل بَينه وَبَين جبته
رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
37 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر بخباء أَعْرَابِي وَهُوَ فِي أَصْحَابه يُرِيدُونَ الْغَزْو فَرفع الْأَعرَابِي نَاحيَة من الخباء (4) فَقَالَ من الْقَوْم فَقيل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه يُرِيدُونَ الْغَزْو فَقَالَ هَل من عرض الدُّنْيَا يصيبون قيل لَهُ نعم يصيبون الْغَنَائِم ثمَّ تقسم بَين الْمُسلمين فَعمد إِلَى بكر (5) لَهُ فاعتقله وَسَار مَعَهم فَجعل يدنو ببكره إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجعل أَصْحَابه يذودون (6) بكره عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دعوا لي النجدي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه لمن مُلُوك (7) الْجنَّة قَالَ فَلَقوا الْعَدو فاستشهد فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ فَقعدَ عِنْد رَأسه مُسْتَبْشِرًا أَو قَالَ مَسْرُورا يضْحك ثمَّ أعرض عَنهُ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك مُسْتَبْشِرًا تضحك ثمَّ أَعرَضت عَنهُ فَقَالَ أما مَا رَأَيْتُمْ من استبشاري أَو قَالَ سروري (8) فَلَمَّا رَأَيْت من كَرَامَة روحه على الله عز وجل
(1) يتحمل الجهاد، ولا يخشى القتل وثبت في دفاعه فثبته الله، ووقاه فتنة القبر.
(2)
لا مال لي. كذا د وع ص 470، وفي ن ط: الله لي.
(3)
جعل الله وجهه أبيض ناصعا، ورائحته زكية طيبة، وأكثر حسناته، وبارك فيما أنفقه، إذ نال هذا النعيم ألمقيم، والسيدة الحسناء تمازحه وتداعبه ونتسابق للتحلي بمحبته بهاء وصفاء وجمالا، وفيه الترغيب في الجهاد وقد بدل الله حال ذلك الأسود المنتن إلى جمال وبداعة ورشاقة.
(4)
الخباء: ما يعمل من وبر أو شعر أو صوف، والجمع أخبية، ويكون على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت.
(5)
فتي من الإبل، ومنه أبو بكر الصديق، والجمع أبكر، والأنثى بكرة والجمع أبكار.
(6)
يدفعون.
(7)
عظمائها.
(8)
في ن ط: من سروري. رجل يسكن في البادية، ويبتعد عن مظاهر المدينة فيمر عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع راية الجهاد، وقائد الخ ير وفاتح البر فيطمع ذلك الأعرابي في الغنائم، وتشرف =
وَأما إعراضي عَنهُ فَإِن زَوجته من الْحور الْعين الْآن عِنْد رَأسه
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن
38 -
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن أم الرّبيع بنت الْبَراء رضي الله عنها وَهِي أم حَارِثَة بنت سراقَة أَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا تُحَدِّثنِي عَن حَارِثَة وَكَانَ قتل يَوْم بدر فَإِن كَانَ فِي الْجنَّة صبرت وَإِن كَانَ غير ذَلِك اجتهدت عَلَيْهِ بالبكاء فَقَالَ يَا أم حَارِثَة إِنَّهَا جنان فِي الْجنَّة وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الْأَعْلَى (1)
رَوَاهُ البُخَارِيّ
39 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عجب رَبنَا (2) تبارك وتعالى من رجل غزا فِي سَبِيل الله فَانْهَزَمَ يَعْنِي أَصْحَابه فَعلم مَا عَلَيْهِ فَرجع حَتَّى أهريق دَمه فَيَقُول الله عز وجل لملائكته انْظُرُوا إِلَى عَبدِي رَجَعَ رَغْبَة فِيمَا عِنْدِي وشفقة مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أهريق دَمه (3)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَطاء بن السَّائِب عَن مرّة عَنهُ
40 -
وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَتقدم لَفظهمْ فِي قيام اللَّيْل
وَتقدم فِيهِ أَيْضا حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله ويضحك إِلَيْهِم (4) ويستبشر بهم الَّذِي إِذا انكشفت فِئَة (5) قَاتل وَرَاءَهَا بِنَفسِهِ لله عز وجل فإمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن ينصره الله ويكفيه فَيَقُول انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا كَيفَ صَبر لي بِنَفسِهِ (6)
الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن
= بالصحبة فنظر له صلى الله عليه وسلم نظرة إجلال واحترام، وتفرس في وجهه نصر دين الله، وإخلاص النية لربه في الغزو فأخبر أنه من فضلاء الجنة، وقد صدق الله رسوله إذ حارب حتى استشهد فأحاط الله روحه برضوانه، وزفت إليه الحور العين تنعما وتكرما.
هذه حال رجال الصدر الأول لتعرف مقدار شجاعتهم واستبسالهم.
(1)
أعلى درجة في الجنة.
(2)
عظم ذلك عنده وكبر لديه، وقيل رضي وأثاب، والمعنى أنه دافع دفاع الأبطال ولم يكترث بالموت.
(3)
استشهد.
(4)
يحبهم ويرضي عن فعلهم.
(5)
ظهرت مولية أمام العد.
(6)
حارب معتمدا علي ولم يخش الموت.
41 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ جَاءَ أنَاس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن ابْعَثْ (1) مَعنا رجَالًا يعلمونا الْقُرْآن وَالسّنة فَبعث إِلَيْهِم سبعين رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُم الْقُرَّاء فيهم خَالِي حرَام يقرؤون الْقُرْآن وَيَتَدَارَسُونَهُ (2) بِاللَّيْلِ يتعلمون وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يجيئون بِالْمَاءِ فيضعونه فِي الْمَسْجِد ويحتطبون (3) فيبيعونه ويشترون بِهِ الطَّعَام لاهل الصّفة (4) وللفقراء فبعثهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم فعرضوا لَهُم فَقَتَلُوهُمْ قبل أَن يبلغُوا الْمَكَان فَقَالُوا اللَّهُمَّ أبلغ عَنَّا نَبينَا أَنا قد لقيناك فرضينا عَنْك ورضيت عَنَّا (5)
قَالَ وأتى رجل حَرَامًا خَال أنس من خَلفه فطعنه بِرُمْح حَتَّى أنفذه فَقَالَ حرَام فزت وَرب الْكَعْبَة (6) فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن إخْوَانكُمْ قد قتلوا وَإِنَّهُم قَالُوا اللَّهُمَّ أبلغ عَنَّا نَبينَا أَنا قد لقيناك فرضينا عَنْك ورضيت عَنَّا
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ
42 -
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ قَالَ أنس رضي الله عنه أنزل فِي الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة قُرْآن قرأناه ثمَّ نسخ بعد بلغُوا قَومنَا أَنا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا ورضينا عَنهُ
43 -
وَعَن مَسْرُوق رضي الله عنه قَالَ سَأَلنَا عبد الله عَن هَذِه الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَقَالَ أما أَنا فقد سَأَلنَا عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَرْوَاحهم (7) فِي جَوف طير
(1) أرسل.
(2)
يشرحون معناه ويفسرون مبهمه.
(3)
يجمعون الحطب.
(4)
قوم عكفوا على عبادة الله.
(5)
استشهدنا فرأينا نعيم الشهداء.
(6)
نلت الشهادة والله، وقد أطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فأخبر أصحابه صلى الله عليه وسلم، وهذه معجزة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(7)
المعنى أن الله تعالى أحياهم وأعطاهم القدرة على التمتع بثمار الجنة، والتفكة بها، والتنقل من زهرة إلى زهرة، ومن شجرة إلى شجرة (في جوف طير خضر). قال تعالى:(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) 154 من سورة البقرة.
هم أموات بل هم أحياء (ولكن لا تشعرون) ما حالهم، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد، ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات وإنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي. وعن الحسن إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا =
خضر لَهَا قناديل معلقَة بالعرش تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطلع عَلَيْهِم رَبهم اطلاعة
فَقَالَ هَل تشتهون شَيْئا قَالُوا أَي شَيْء نشتهي وَنحن نَسْرَح من الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا فَفعل ذَلِك بهم ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لن يتْركُوا من أَن يسْأَلُوا
قَالُوا يَا رب نُرِيد أَن ترد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة أُخْرَى فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حَاجَة تركُوا
رَوَاهُ مُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا
44 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه سَأَلَ جِبْرَائِيل عليه السلام عَن هَذِه الْآيَة {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} من الَّذين لم يشإ الله أَن يصعقهم قَالَ هم شُهَدَاء الله
رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
44 -
ورواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن عياش أطول منه، وقال فيه:
"هم الشهداء يَبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فأَتاهم ملائكة من المحشر بنجائب (1) من ياقوت، أَزِمَّتُها الدرُّ الأَبيض، برحال الذهب (2)، أعنَّتُها (3) السندس والإِستبرق، ونمارقها (4) أَلْيَنُ من الحرير، مَدُّ خُطاها مدّ أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يَقضي الله بين خلقه (5)، يضحك الله إليهم (6)، وإذا ضحك الله إلى عبدٍ في موطنٍ فلا حساب عليه".
46 -
وَعَن عَامر بن سعد رضي الله عنه عَن أَبِيه أَن رجلا جَاءَ إِلَى الصَّلَاة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَقَالَ حِين انْتهى الصَّفّ اللَّهُمَّ آتني أفضل مَا تؤتي عِبَادك
= وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع.
والآية نزلت في شهداء بدر، وكانوا أربعة عشر، وفيه دلال على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تتبقي بعد الموت داركة، وعليه جمهور الصحابة والتابعين، وبه نطقت الآيات والسنن، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب عن الله تعالى، ومزيد البهجة والكرامة. أهـ بيضاوي ص 53.
(1)
نوق مسرعة لونها مثل الياقوت بديعة المنظر.
(2)
لجامها ومدير حركتها اللؤلؤ، ورحلها مصبوغ من الذهب.
(3)
بطائنها.
(4)
مساندها
(5)
نرى: نتمتع برؤية الله تعالى حين يحكم بين عباده.
(6)
يرضى عنهم.