الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحج
الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات
1 -
عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ العملِ أفضل (1)؟ قال: إيمانٌ بالله ورسولهِ (2). قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيلِ الله (3). قيل: ثمَّ ماذا؟ قال حجٌ مبرورٌ. رواه البخاريّ ومسلم.
ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضلُ الأعمالِ عندَ الله تعالى إيمانٌ لا شكَّ فيه، وغزوٌ لا غلول فيهِ (4)، وحجٌّ مبرورٌ. قال أبو هريرة: حجَّة تُكفِّرُ خطايا سنةٍ.
(المبرور): قيل هو الذي لا يقع فيه معصية، وقد جاء من حديث جابر مرفوعا:
إنَّ برَّ الحجِّ: إطعام الطَّعام، وطيب الكلام، وعندَ بعضهمْ: إطعام الطَّعام، وإفشاء السلام. وسيأتي.
= إلى الخير (وفي الآخرة حسنة) الثواب والرحمة (وقنا عذاب النار) بالعفو والمغفرة، وقال علي رضي الله عنه: الحسنة في الدنيا: المرأة الصالحة، وفي الآخرة الحوراء، وعذاب النار: المرأة السوء، وقال الحسن: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة، وقنا عذاب النار: احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى النار (أيام معدودات) ذكره في أدبار الصلاة، وعند ذبح القرابين ورمي الجمار، وغيرها من أيام التشريق (فمن تعجل) فمن استعجل النفر أهـ بيضاوي، وقال تعالى:
ثالثاً: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير 28 ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطفوا بالبيت العتيق 29 ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) الآية من سورة الحج.
رابعاً: قال تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون 36 لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الهل على ما هداكم وبشر المحسنين) 37 من سورة الحج.
(1)
أكثر ثوابا عند الله تعالى.
(2)
الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، والتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم، وعقد النية على الطاعة، وتجديد العزيمة على العمل بالكتاب والسنة.
(3)
حرب أعداء الدين لنصر دين الله وحده.
(4)
حرب الكفار ولا سرقة في المغنم، ولا طمع فيما يؤخذ من ديار الكفار.
2 -
وعنْهُ رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ حجَّ، فلمْ يرفثْ، ولم يفسُقْ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ. رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه والترمذي إلا أنه قال: غُفر له ما تقدَّم من ذنبهِ.
(الرَّفث) بفتح الراء والفاء جميعا. روي عن ابن عباس أنه قال: الرفث: ما روجع به النساء. وقال الأزهري: الرّفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.
(قال الحافظ) الرّفث: يطلق ويراد به الجماع، ويلق ويراد به الفحش، ويطلب ويراد به خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع، وقد نقل في معنى الحديث كل واحد من هذه الثلاثة عن جماعة من العلماء، والله أعلم.
3 -
وعنْهُ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمْرةُ إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليْس له جزاء إلا الجنة. رواه مالك والبخاريّ ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والأصبهاني.
وزاد: وما سبَّح منْ تسْبيحةٍ، ولا هلَّل من تهْليلةٍ، ولا كبَّر منْ تكبيرةٍ إلا بشِّرَ بها تبشيرةً.
4 -
وعن ابن شمَّاسة رضي الله عنه قال: حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقه الموْت فبكى طويلاً، وقال: فلمَّا جعل الله الإسلام في قلْبي أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسول الله: ابْسُطْ يمينك لأبايعك فبسط يده فقبضتُ يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ قال أردت أن أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قال: أن يغفر لي. قال: أما علمْتَ يا عمرو أنَّ الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يهدم ما كان قبله (1). رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مختصراً، ورواه مسلم وغيره أطول منه.
(1) يعني أن الحج يسبب غفران الذنوب، ويزيل الخطايا إلا حقوق الآدمي فإنها تتعلق في الذمة حتى يجمع الله أصحاب الحقوق ليأخذ كل حقه، ومن الجائز أن الله تعالى يتكرم فيرضي صاحب الحق بما أعده له من النعيم وحسن الجزاء فيسامح المدين المدين تفضلا وتكرما، ولابد من أداء حقوق الآدميين، وحقوق الله مبينة على تسامح الكريم الغفور الرحيم.
5 -
وعن الحسن (1) بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي جبانٌ، وإنِّي ضعيفٌ، فقال: هلمَّ إلى جهادٍ لا شوْكة فيه: الحجُّ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورواته ثقات، وأخرجه عبد الرازق أيضاً.
6 -
وعنْ عائشة رضي الله عنها، قالتْ: قُلْتُ يا رسول الله: نرى الجهاد أفضلَ الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال: لكنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور (2). رواه البخاري وغيره وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قالت:
قُلْتُ: يا رسول الله هلْ على النساء من جهادٍ؟ قال: عليهنَّ جهاد لا قتال فيه، الحجُّ العمرةُ.
7 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جهادُ الكبير والضَّعيف والمرأة: الحجُّ والعمرة. رواه النسائي بإسناد حسن.
8 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سؤال جبرائيل عليه السلام إيَّاه عن الإسلام؟ فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتحجَّ، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأنْ تُتِمَّ الوضوء، وتصوم رمضان. قال: فإذا فعلتُ ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعمْ. قال: صدقْتَ. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وهو في الصحيحين وغيرهما بغير هذا السياق.
وتقدم في كتاب الصلاة والزكاة أحاديث كثيرة تدل على فضل الحج، والترغيب فيه وتأكيد وجوبه لم نعدّها لكثرتها فليراجعها من أراد شيئاً من ذلك.
9 -
وعنْ أمِّ سلمة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجُّ جهاد كلِّ ضعيفٍ. رواه ابن ماجه عن أبي جعفر عنها.
10 -
وعنْ عمرو بن عبسةً رضي الله عنه قال: قال رجلٌ يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: أن يُسْلمَ لله قلبكَ، وأنْ يسلمَ المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأيُّ الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكتهِ
(1) وعن الحسن كذا ع ص 375، وفي ن ط عن الحسين.
(2)
يشير صلى الله عليه وسلم إلى زمن فيه هدنة وليس فيه جهاد لنصر الإسلام. فالكامل الصالح من جاهد نفسه وأدبها وحج وبعد الحج عمل صالحاً واستقام، ولم يفعل خطيئة صغيرة أو كبيرة. وتلزم السيدات بيتهن أو يحجبن عن طهورهن الرجال الأجانب.
وكُتُبهِ ورسلهِ والبعثِ بعد الموت. قال: فأيُّ الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السُّوء. قال: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال أن تقاتل الكفَّار إذا لقيتهم. قال: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: منْ عقر جواده وأهريق دمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمَّ عملان هما أفضل الأعمال إلا منْ عمل بمثلهما: حجَّة مبرورة، أو عمرة مبرورة. رواه أحمد بإسناد صحيح، ورواته محتج بهم في الصحيح والطبراني وغيره، ورواه البيهقي عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه.
11 -
وعنْ ماعزٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: برَّة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشَّمس إلى مغربها. رواه أحمد والطبرانيّ، ورواة أحمد إلى ماعز رواة الصحيح، وما عز هذا: صحابي مشهور غريب منسوب.
12 -
وعنْ جابر رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنَّة. قيل: وما برُّه؟ قال: إطعام الطعام، وطيب الكلام. رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والحاكم مختصراً وقال: صحيح الإسناد.
وفي رواية لأحمد والبيهقيّ: إطعام الطَّعام، وإفْشاء السَّلام.
13 -
وعنْ عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحجِّ والعمرة (1)، فإنَّهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير (2) خبث الحديد والذَّهب والفضَّة (3)، وليس للحجَّة المبرورة ثواب إلا الجنَّة.
رواه الترمذيّ وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه والبيهقي من حديث عمر، وليس عندهما: والذَّهب إلى آخره. وعند البيهقي:
(1) أي أدوا حجة، ثم افعلوا عمرة.
(2)
منفاخ الحداد، وقيل: هو المبني من الطين، وقيل الزق الذي ينفخ به النار، والمبني: الكور أهـ نهاية.
(3)
ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أُذيبا، ومعناه أعمال الحج والعمرة تزيل الذنوب، وتنقي الصحائف، وتطهرها من أدر أن المعاصي كما تصبر النار معدني الذهب والفضة، وتزيل القذارة والأشياء العالقة بها.
فإنَّ متابعةً بينهما يزيدان في الأجل، وينفيان الفقر والذُّنوبَ كما ينفي الكير الخبيث.
14 -
وروي عن عبد الله بن جرادٍ الصَّحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حجُّوا (1)، فإنَّ الحجَّ يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدَّرن (2). رواه الطبراني في الأوسط.
15 -
وعنْ أبي موسى رضي الله عنه، رفعه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الحاجُّ يشفعُ في أربعمائةٍ من أهل بيتٍ (3)، أو قال: من أهل بيتهِ، ويخرج منْ ذنوبهِ كيومَ ولدته أمُّهُ. رواه البزار، وفيه راوٍ لم يستم.
16 -
وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ما ترفعُ إبل الحاجِّ رجلاً، ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنةً، أوْ محا عنْهُ سيئةً، أوْ رفع بها درجةً رواه البيهقي وابن حبان في صحيحه في حديث يأتي إن شاء الله.
17 -
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: من جاء يومُّ البيت الحرام فركب بعيره فما يرفع البعير خُفًّا، ولا يضع خفًّ إلا كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ عنه بها خطيئةً، ورفع له بها درجةً حتى إذا انتهى إلى البيت فطاف وطاف بين الصَّفا والمروة، ثمَّ حلق، أو قصَّر إلا خرج منْ ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ فهلمَّ نستأنف العمل فذكر الحديث، رواه البيهقي.
18 -
وعنْ زاذان رضي الله عنه قال: مرض ابن عبَّاس مرضاً شديدا، فدعا ولده فجمعهم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حجَّ من مكَّة ماشياً (4) حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكلِّ خطوة سبعمائة حسنةٍ، كلُّ حسنة مثل حسنات الحرم. قيل له: وما حسنات الحرم؟ قال: بكلِّ حسنةٍ مائة ألف حسنةٍ. رواه
(1) أدوا فريضة الحج.
(2)
الأقذار: أي يطهر الحج صحائف الحاج.
(3)
يتفضل عليه الله فيطلب المغفرة لجيرانه.
(4)
ذاهبا إلى مكة قاصداً السفر، والدين دين يسر. فإذا كان غنيا وأمكن أن يركب. فالأفاضل عند الله أن يركب، ويدفع أجرة راحته لصاحب الدابة أو السيارة، وأما الفقير غير القادر على الركوب فيضاعف الله ثوابه بقدر مشقته، وعزيمته القوية في تحمل الآلام ابتغاء رضاه. ففيه الترغيب بالذهاب إلى مكة لينال الحسنات الجمة راكباً، أو ماشياً.
ابن خزيمة في صحيحه والحاكم كلاهما من رواية عيسى بن سوادة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال ابن خزيمة: إن صحّ الخبر، فإن في القلب من عيسى بن سوادة.
(قال الحافظ) قال البخاريّ: هو منكر الحديث.
19 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ آدم عليه السلام أتى البيت ألف أتيةٍ لمْ يرْكب قطُّ فيهنَّ من الهند على رجليهِ (1). رواه ابن خزيمة في صحيحه أيضاً، وقال: في القلب من القاسم بن عبد الرحمن.
(قال الحافظ): القاسم هذا واهٍ.
20 -
وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجَّاج والعمَّارُ: وفد الله دعاهمْ فأجابوه، وسألوه فأعطاهم. رواه البزار، ورواته ثقات.
21 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الغازي في سبيل الله، والحاجُّ والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهمْ. رواه ابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب.
22 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجَّاج والعمَّار وفد الله، إنْ دعوهُ أجابهمْ، وإن استغفروه غفر لهمْ. رواه النسائي وابن ماجاه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، ولفظهما قال:
وفد الله ثلاثة: الحاجُّ، والمعتمر، والغازي. وقدّم ابن خزيمة: الغازي.
23 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفرُ للحاجِّ، ولمن استغفر له الحاجُّ. رواه البزار والطبراني في الصغير، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، ولفظها قال:
اللهمَّ اغفرْ للحاجِّ، ولمن استغفر له الحاجُّ (2)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، قال مسلم.
(قال الحافظ): في إسناده شريك القاضي، ولم يخرِّج له مسلم إلا في المتابعات، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله.
(1) سيدنا آدم أصح الله جسمه، وأعطاه قوة على المشي لعدم وجود وسائل الراحة حينئذ، والمدار الآن على إخلاص النية لله، وكثرة الإنفاق، وعقد التوبة، والرجوع إلى الله، وحسن الإنابة.
24 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استمتعوا بهذا البيت (1) فقد هدم مرَّتينِ، ويرفعُ في الثَّالثةِ. رواه البزار والطبراني في الكبير، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، والحاكم، وقال صحيح الإسناد. قال ابن خزيمة قوله: ويرفع في الثالثة، يريد بعد الثالثة.
25 -
وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لما أهبط الله آدم عليه السلام من الجنَّة قال: إنِّي مُهْبط معك بيتاً، أو منزلاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي، فلمَّا كان زمن الطوفان رفع، وكان الأنبياء يحجُّونه، ولا يعْلمون مكانه فبوَّأه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فبناه من خمسة أجبلٍ: حراء، وثبير، ولبنان، وجبل الطُّورِ (2)، وجبل الخير، فتمتَّعوا منه ما استطعتم (3).
رواه الطبراني في الكبير موقوفاً، ورجال إسناده رجال الصحيح.
26 -
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعجَّلوا إلى الحجِّ (4)، يعني الفريضة، فإنْ أحدكمْ لا يدري ما يعرض له. رواه أبو القاسم الأصبهاني.
27 -
وروي عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوْحي الله تعالى آدم عليه السلام: أن يا آدم، حجَّ هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموتِ. قال: وما يحدث عليَّ يا ربهَ؟ قال: مالا تدري وهو الموْت. قال: وما الموت؟ قال: سوف تذوق. قال: ومن أستخلفُ في أهلي؟ قال: اعرضْ ذلك على السَّموات والأرض والجبال، فعرض ذلك على السَّموات فأبت، وعرض على الأرض فأبتْ، وعرض على الجبالِ فأبت، وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم عليه السلام: من أرض الهندِ حاجًّا، فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا صار عمراناً بعده وقرى
(1) انهضوا وحجوا وتمتعوا بهذه البنية الطاهرة قبل زوالها.
(2)
الطور: كذا د وع ص 378، وجبل الخمر، وفي ن ط: وجبل الطير وجبل الخير.
(3)
استطعتم. كذا د وع، وفي ن ط: اسطعتم.
(4)
اقصدوا السرعة في الذهاب إلى الحج خشية أن ي عرض ما يعوقكم، أو يأتي أجلكم، وفيه طلب البدار وعدم التسويف إذا سنحت الفرصة، ويسر الله للمستطيع، وأزال الموانع.
حتى قدم مكَّة فاستبلته الملائكة، فقالوا: السلام عليك يا آدم برَّ حجُّك، أما إنَّا قدْ حجبنا هذا البيت قبلك بألفي عامٍ. قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان من يطوف يرى منْ في جوف البيت، ومنْ في جوفِ البيتِ يرى من يطوف، فقضى آدم نسكه، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قضيتَ نسكك؟ قال: نعم يا ربِّ. قال: فسلْ حاجتك تعط؟ قال: جلُّ حاجتي: أتغفر لي ذنوبي وذنب ولدي، قال أمَّا ذنبك يا آدم فقد غ فرنا حين وقعت بذنبك، وأمَّا ذنب ولدك، فمن عرفني، وآمن بي، وصدَّق رُسلي وكتابي غفرنا له ذنبه. رواه الأصبهاني أيضاً.
28 -
وروي عنْ أبي جعفر مُحمَّد بن عليٍّ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ عبدٍ ولا أمةٍ يضنَّ بنفقةٍ ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها فيما يسْخط الله، وما من عبدٍ يدع الحجَّ لحاجٍ منْ حوائج الدنيا إلا رأي المخلفين (1) قبل أن يقضي تلك الحاجة (2) يعني حجَّة الإسلام، وما من عبدٍ يدع المثْنى في حاجة أخيه المسلمِ قضيتْ أوْ لمْ تُفْضَ إلا ابتلي بمعونة من يأثم عليه، ولا يؤجر فيه. رواه الأصبهاني أيضاً، وفيه نكارة.
(يضنُّ) بالضاد المعجمة: أي يبخل، ويشحّ.
29 -
وروي عنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الكعبة لها لسان وشفتان، ولقد اشتكتْ فقالتْ: يا ربِّ قلَّ عوَّادي، وقلَّ زوَّاري، فأوْحى الله عز وجل: إنِّي خالق بشراً خشعاً سُجداً يحنُّون إليك كما تحنُّ الحمامة إلى بيضها. رواه الطبراني في الأوسط.
30 -
وروي عنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ دواوَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إلهي ما لعبادك عليك إذا همْ زاروك في بيتك؟
(1) المخلفين. كذا د وع ص 397، وفي ن ط: محقه.
(2)
الحاجة. كذا ط وع، وفي ن د: الحجة.
قال: لكلِّ زائرٍ حقٌّ على المزورِ (1) حقا يا داود إنَّ لهمْ علىَّ أن أعافيهم (2) في الدنيا، وأغفر لهمْ إذا لقيتهمْ. رواه الطبراني في الأوسط أيضاً.
31 -
وروي عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما راح (3) مسلم في سبيل الله مجاهداً (4)، أوْ حاجا مهلاً (5)، أو ملبِّيا إلا غربتِ الشَّمسُ بذنوبهِ (6)، وخرج منها. رواه الطبراني في الأوسط أيضاً.
32 -
وروي ابن عمر رضي الله عنهما قال: كُنْتُ جالسا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيفٍ، فسلما ثمَّ قالا: يا رسول الله جئنا نسألك، فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه، فعلتُ، وإنْ شئتما أن أمسك وتسألاني فعلتُ؟ فقال أخبرنا يا رسول الله، فقال: الثَّقفيُّ للأنصاريِّ سلْ، فقال: أخبرني يا رسول الله، فقال: جئتني تسألني عن مخرجِكَ من بيتك تؤُّمُّ البيت الحرام، وما لك فيه، وعنْ ركعتيك بعد الطَّواف وما لك فيهما، وعنْ طوافك بين الصفا والمروة ومالك فيه، وعنْ وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعنْ رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة، فقال: والذي بعثك بالحقِّ لعنْ هذا جئت أسألك. قال: فإنَّك إذا خرجْتَ من بيتك تؤُّمُّ (7) البيت الحرام لا تضع ناقتك خُفا (8)، ولا ترْفعهُ إلا كتب الله لك به حسنةً، ومحا عنْكَ خطيئةً، وأمَّا ركعتاك بعد الطَّواف كعتقِ رقبةٍ منْ بنى إسماعيل عليه السلام، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشيَّة عرفة، فإنَّ الله يهبط (9) إلى سماء الدُّنيا فيباهي بكمُ الملائكة يقول: عبادي جاءوني شعثاً (10) من كلِّ فجٍّ (11) عميقٍ يرجونَ
(1) الذي يزار ويقصد، وليس على الله حق، وإنما تفضل جل وعلا أن يعلم عباده الصالحين زيادة فضله وبدائع كرمه، ولطيف حلمه أن يمتعهم بالصحة في الدنيا، ويزيدهم قوة وغنى وسعادة، ويحط خطاياهم يوم القيامة، ويتجلى عليهم بالرضوان.
(2)
إن لهم على أن أعافيهم. كذا ع، وفي ن ط: إن لهم علي حقاً، وفي ن د: حذف علي.
(3)
ذهب.
(4)
محاربا في سبيل الله.
(5)
يكثر التهليل والتكبير والتلبية.
(6)
تذهب ذنوبه مع بياض النهار.
(7)
تقصد.
(8)
خطواتها لك حسنات وذهاب سيئات.
(9)
تنزل رحمته.
(10)
شعورهم متفرقة متلبدة عليهم علائم الزهد والورع، ولم يحلقوا شعورهم.
(11)
طريق واسع.
جنَّتي (1)، فلو كانتْ ذنوبكمْ كعدد الرَّمل، أوْ كقطْرِ المطر، أوْ كزبد البحرِ لغفرتها
(1) في ن د: رحمتي.
(الحج والعمرة)
كما قال الفقهاء
وبيان الأركان والواجبات وما يحرم، والدماء الواجبة. ذكر السنن والأدعية.
يجبان في العمر مرة. قال الله تعالى: (وأتِموا الحجَّ والعمرة لله). أي ائتوا بهما تامين، وقال تعالى:(ولله على النَّاس حجُّ البيتِ من استطاعَ إليه سبيلاً)(1) وهو يكفر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن مات قبل تمكنه من أدائها. أما إن عاش بعد التمكن فلا تسقط عنه فيجب عليه قضاء الصلاة، وأداء الدين الذي عليه ونحو ذلك، والتكفير بالنسبة للآخرة. أما بالنسبة لأمور الدنيا فلا حتى لو ثبت عليه الزنا ثم حج لا تقبل شهادته إلا بعد الاستبراء بسنة، ولا يحد قاذفه، والحج المكفر لما ذكر هو المبرور وهو المستوفي للأركان والشروط الذي لم يخالطه ذنب من الإحرام إلى التحلل.
(2)
وهو لغة القصد، وشرعاً قصد البيت الحرام للنسك الذي هو الأركان الآتية مع الإتيان بها، والعمرة لغة الزيارة لأي مكان، وشرعاً كتعريف الحج، وشروط وجوبهما خمسة: الإسلام والعقل والبلوغ، والحرية والاستطاعة، وتتحقق بأمن الطريق، وإمكانالسير، ووجود الزاد والراحة، وأن يكون ذلك فاضلا عن دنه ومؤنة عياله مدة ذهابه وإيابه.
(أركان الحج ستة)
والمراد بالركن: ما لا يتم الحج أو العمرة إلا به، ولا يجبر تركه بشيء.
أولاً: الإحرام: وهو نية الدخول في الحج، ويشترط فيه أن يقع في أشهر الحج، وهي من شوال إلى فجر يوم النحر وهي:(الميقات الزماني للحج).
ثانيا: الوقوف بعرفة: أي المكث بها، ويشترط فيه أن يكون في لحظة من زوال اليوم التاسع من ذوي الحجة إلى فجر اليوم العاشر منه، وأن يكون الواقف أهلا للعبادة فلا يجزيء من مجنون، أو مغمي عليه، أو سكران.
ثالثاً: طواف الإفاضة، ويشترط فيه أن يبدأ بالحجر الأسود، وأن يجعل البيت عن يساره، وأن يمر تلقاء وجهه، وأن يكون داخل المسجد، وأن يكون طاهراً من الحدث الأكبر والأصغر والبدن والثوب والمكان من النجاسة، وأن يستر عورته، ؤأن يوكن بعد الوقوف بعرفة، وأن يطوف سبع طوفات، وأن يجعل جميع بدنه خارجا من جميع البيت. فلو طاف ويده على حائط حجر إسماعيل أو علي الشاذروان الذي في جدار البيت. أو دخل من إحدى فتحتى الحجر لم يصح طوافه، ويشترط في الطواف أيضاً النية إن كان مستقلا بأن لم يكن في ضمن نسك من حج أو عمرة.
(تنبيه): من قبل الحجر الأسود أو اسمل الركن اليماني يوكن جزء بدنه في هواء الشاذروان فيلزمه أن يقر قدميه في محلهما حال التقبيل أو الاستلام حتى يفرغ منهما، ويعتدل قائما ثم يجعل البيت عن يساره ثم يسير.
رابعاً: السعي بين الصفا والمروءة، ويشترط فيه أن يكون بعد طواف قدوم أو إفاضة، وأن يبدأ بالصفا وهو طرف جبلي أبي قبيس ويختم بالمروة، وهو طرف جبل قينقاع بمكة، ومقدار ما بين الصفا والمروة سبعمائة وسبعة وسبعون ذراعا بذراع اليد، وأن يكون سبع مرات ويحسب الذهاب مرة والعود مرة أخرى. =
_________
(1، 2) حذفت هنا حديثين لوجودهما في الترغيب
أفيضو عبادي مغفوراً لكمْ، ولمنْ شفعتمْ له، وأمَّا رميك الجمار فلك بكلِّ حصاةٍ
= خامساً: إزالة شعر بأن يزيل شعوات من رأسه بحلق أو غيره بشرط أن يكون بعد الوقوف بعرفة، وبعد النصف من ليلة النحر.
سادساً: ترتيب معظم الأركان بأن يقدم النية على جميع الأركان، ويقدم الوقوف بعرفة على إزالة الشعر. وأما أركان العمرة فكأركان الحج ما عدا الوقوف، ولكن يجب الترتيب في جميع أركانها بأن يأتي بالإحرام أولا، ثم بالطواف، ثم بالسعي، ثم الحلق أو التقصير.
(واجبات الحج)
واجبات الحج خمسة، والمراد بالواجب: ما يتم النسك بدونه ويجب بتركه الفدية.
أولا: كون الإحرام من الميقات المكاني، وأما الإحرام نفسه فركن. والميقات نوعان: زماني ومكاني فالزماني للحج ما تقدمه ذكره في أركانه، وللعمرة جميع السنة، والمكاني للحج في حق من بمكة، ولو غريباً نفس مكة، وللمتوجه من المدينة المنورة (ذو الحليفة) وهو المحل المعروف بأبيار علي، ولأهل مصر والشام والمغرب (الجحفة) وهي المشهورة الآن برابغ، وإنما تكون الجحفة ميقاتا لأهل الشام حيث لم يمروا على المدينة فإن مروا عليها كما هي عادتهم الآن فميقاتهم ميقات أهلها، وللمتوجه من تهامة اليمن (يلملم) وهو موضع على مرحلتين من مكة، وللمتوجه من نجد اليمن ونجد الحجاز (قرن) وهو جبل على مرحلتين من مكة، وللمتوجه من المشرق الشامل للعراق وغيره (ذات عرق) وهي قرية على مرحلتين من مكة، ومن مر بميقات من هذه المواقيت من غير أهلها فهو ميقاته، ومن كان مسكنه بين ميقات من هذه المواقيت فميقاته مسكنه، ومن لم يكن في طريقه ميقات. فإن حاذى في سيره ميقاتا فميقاته الموضع الذي حاذى فيه الميقات، وإن حاذى ميقاتين فميقاته موضع محاذاة الأقرب إليه منهما، وإن لم يحاذ في طريقه ميقاتا أصلا فميقاتا الموضع الذي بينه وبين مكة مرحلتان، والمكاني للعمرة لمن كان خارج الحرم (ميقات الحج) ولمن بالحرم أدنى الحل فيلزمه الخروج له، والإحرام بها منه.
ثانياً: المبيت بالمزدلفة بأن يستقر فيها بعد نصف ليلة النحر، ولو ساعة يسيرة
ثالثاً: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
رابعاً: رمي الجمار الثلاث.
خامساً: اجتناب محرمات الإحرام.
وأما واجبات العمرة، فكون الإحرام من الميقات المكاني، والتحرز عن محرمات الإحرام.
(فصل)
ويحرم بالإحرام عشر أشياء:
أولها: لبس المحيط لرجل مما يعتاد لبسه ولو لعضو، بخلاف غير المخيط كإزار ورداء، وله أن يأتزر ويشتمل بعباءة، وأن يتلقد بسيف، وأن يشد على وسطه الهميان أو المنطقة، وأن يلبس الخاتم، وأن يربط على ذكره نحو خرقة للاستبراء، وأن يشد إزاره بنحو تكة.
وثانيها: ستر الرأس أو بعضه لرجل بما يسمى ساتراً سواء كان من مخيط وغيره كقلنسوة أو خرقة أو عصابة أو طين، بخلاف ما لا يعد ساتراً كاستظلال بمظلة أو محمل وإن مسه، وتغطية رأسه بكفيه أو بكف غيره فإنه لا يضر. =
رميتها تكفير كبيرةٍ من الموبقات، وأمَّا نحرْك فمذخور عند ربك، وأما حلاقك
= وثالثها: ستروجه المرأة ولو بعضه بما يعد ساترا، ويحرم عليها لبس القفازين في يديها كما يحرم على الرجل ولها ستر رأسها ولبس المخيط، وأن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً منه بنحو خشبة أو عود. فلو أصاب الساتر وجهها بغير اختيارها ودفعته حالا لا يحرم. أما لو كان عمداً فعليها الفدية. فلو خالف الرجل فلبس المخيط أو ستر رأسه، أو خالفت المرأة فسترت وجهها، أو لبست القفازين بغبر عذر حرم عليهما ولزمتهما الفدية، فإن كان لعذر كبرد أو حر أو مرض فلا حرمة، وعليهما الفدية.
ورابعها: التطييب عن كل من الرجل والمرأة لبدنه أو ثوبه أو فراشه بما يعد طيبا، وهو ما يظهر فيه قصد التطيب كالمسك والعنبر والكافور، والعود والصندل، والزعفران والورس، والياسمين والريحان، بخلاف ما لا يظهر فيه قصد ذلك كالسفرجل والتفاح، والأترج والدار صيني والقرنفل وسائل الأبراز. فلا يحرم شيء منها، ولا فدية عليه، ولو تطيب ناسياً لإحرامه، أو جاهلا أو مكرها فلا حرمة ولا فدية عليه، ولا يكره غسل بدنه أو ثوبه بنحو صابون لإزالة الأوساخ.
وخامسها: دهن شعر الرأس واللحية، وباق شعور الوجه على كل من الرجل والمرأة بدهن كزيت وسمن وزبد ودهن جوز ولوز ونحوها، ولو دهن الأقرع رأسه بالدهن، وليس فيه شعر، والأمرد وجهه فلا إثم ولا فدية عليهما، ولو دهن محلوق شعر الرأس حرم عليه وعليه الفدية، ويجوز استعمال الأدهان في جميع البدن غير الرأس والوجه، ولو كان في رأسه شجة فجعل الدهن في باطنها فلا يضر.
وسادسها، وسابعها: إزالة الشعر من الرأس وغيره، وتقليم الأظفار على كل من الرجل والمرأة ولو بعض شعرة أو ظفر، ويحرم تمشيط لحيته ورأسه إن أدى إلى نتف شيء من الشعر. فإن لم يؤد كره. فإن تمشط فانتتفت ثلاث شعرات فأكثر لزمه الفدية، وتلزم الفدية الناسي والجاهل، أما إذا كان لعذركما لو كثر قمل رأسه أو كان به جراحة فأدى إلى حلق الشعر فلا حرمة وعليه الفدية، ولو نبتت له شعرة فأكثر داخل جفنه وتأذى بها جاز له نتفها ولا فدية عليه، أو طال شعر حاجبيه وغطى عينيه قطع المغطي ولا فدية، أو انكسر بعض ظفره قطع المنكسر ولا فدية، وفي إزالة شعرة أو بعضها أو ظفراً وبعضه مد، وفي اثنين من كل منهما مدان، وفي ثلاثة فأكثر ولاء فدية كاملة.
وثامنها: عقد النكاح على كل منهما: بأن يزوج أو يتزوج، وكل نكاح كان الولي فيه محرما أو الزوج فهو باطل، وتجوز الرجعة للمحرم مع الكراهة، ويجوز أن يكون الشاهد محرما في نكاح الحلالين، وفكر خطبة المرأة في الإحرام.
وتاسعها: الجماع على كل منهما في قبل أو دبر أوبهيمة، وكذا مقدماته بشهوة كالمفاخذة والتقبيل واللمس ولو كان جائزاً كما لو كان ليد حليلته، والاستمناء، ويفسد النسك بالجماع فقط إن كان قبل التحلل الأول، ومع العلم والعمد والاختيار.
وعاشرها: التعرض لكل صيد بري وحشي مأكول، ولكل مستولد منه ومن غيره ولو لجزئه كبيضه ولبنه في الحرم وغيره بصيد أو تنفير أو دلالة عليه أو نحوها، فإن تلف بتعرضه له ضمنه كما يأتي، وما ذبحه منه فهو ميتة يحرم عليه وعلى غيره، ولا يجوز أكل المحرم مما صيد له من ذلك ولو كان الصائد حلالا. أما إذا صاده حلال لا لأجل محرم فيجوز للمحرم الأكل منه، وإذا عم الجراد المسالك جاز له المشي عليه ولا ضمان وإذا تلف البيض لزمه قيمته، ويحرم على الحلال التعرض لما ذكر في الحرم، ويلزم بإتلافه ضمانه، ويحرم على المحرم والحلال التعرض لشجر الحرم وحشيشه، وهو كل نبات رطب شأنه أن ينبت بنفسه بقطع أو قلع أو غيره، ويجوز أخذه لعلف الدواب، ويحرم تسريحها في شجره وحشيشه، وأخذ ما يصلح منه للغذاء أو الدواء كالرجلة والسنا المكي، وإزالة ما يؤذي من شجر وحشيش، وأخذ الإذخر ولو لبيع، ومن أتلف ما حرم التعرض له =
رأسك فلك بكلِّ شعرة حلقتها حسنة، ويمحى عنك بها خطيئة، وأمَّا طوافك بالبيت
= مما ذكر فعليه ضمانه، وحرم المدينة ووج، وهو واد بالطائف كحرم مكة في حرمة التعرض للصيد وما بعده، مما مر لا في ضمانه.
(فائدة)
اعلم أن الحج والعمرة يؤديان على ثلاثة أوجه.
الأول: وهو الأفضل الإفراد: بأن يحرم بالحج ثم بعد الفراغ منه يأتي بالعمرة في عامه.
الثاني: التمتع بأن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويأتي بها ثم يحج.
الثالث: القرآن، وهو أن يحرم بهما معا أو بالعمرة، ثم قبل الشروع في طوافها يحرم بالحج في أشهره، وعلى كل من المتمتع والقارن دم.
(فصل)
والدماءا لواجبة في الحج على أربعة أنواع.
الأول: دم تقدير وترتيب، وله تسعة أسباب: التمتع بأن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من عامه، والقرآن بأن يحرم بالحج والعمرة إن لم يعد كل من المتمتع والقارن إلى ميقات ولم يكن مسكنه دون مرحلتين من الحرم، وفوات الوقوف بعرفة، وترك الرمي، وترك المبيت بمنى، وترك المبيت بمزدلفة، وترك الميقات من غير إحرام، وترك طواف الوداع، ومخالفة النذر كأن نذر المشي إلى الحج فركب، ففي كل واحد منها شاة تفرق بعد ذبحها في الحرم، فإن لم يجدها صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى وطنه.
الثاني: دم ترتيب وتعديل وله سببان: الإحصار والجماع المفسد للنسك فمن أحصر عن دخوله مكة يتحلل بذبح شاة حيث أحصر، فإن لم يجدها قومها واشترى بقيمتها طعاما وأطعمه للفقراء حيث أحصر فإن لم يجد صام حيث شاء عن كل مد يوما. ومن أفسد حجه أو عمرته بجماع يجب عليه إتمام ذلك النسك وقضاؤه فورا فرضا كان أو نفلا، وعليه بدنة، فإن لم يجدها فبقرة، فإن لم يجدها فسبع شياه، فإن لم يجدها قوم البدنة بسعر مكة، واشترى بقيمتها طعاما، وتصدق به على فقراء الحرم. فإن لم يجد صام عن كل مد يوما.
الثالث: دم تخيير وتعديل، وله سببان أيضا (إتلاف) الصيد المحرم، وهو صيد المحرم للحيوان البري الوحشي المأكول مطلقا، وصيد الحلال لذلك في الحرم، وقطع شيء من أشجار الحرم أو حشيشه فيجب على من فعل واحداً منهما أحد ثلاثة أشياء. أن يذبح مثله من النعم بأن كان المتلف مما له مثله أو لا مثل، وفيه نقل فيتصدق به على مساكين الحرام، أو يقومه بقيمة مثله بمكة فيشتري بقيمته طعاماً ويتصدق به على مساكين الحرم، أو يصوم حيث شاء عن كل مد يوما. ففي إتلاف النعامة بدنة، وفي بقر الوحش أو حماره بقرة، وفي الغزال معز، وفي اليربوع جفرة، وفي الضبع كبش، وفي الحمامة شاة، وفي الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة. فإن كان الذي أتلفه لا مثل له ولا نقل فيه كالجراد والحشيش الرطب أخرج بقيمته طعاما، أو صام عن كل مد يوماً.
الرابع: دم تخيير وتقديره، وله ثمانية أسباب: حلق الرأس، وتقليم الظفر، ولبس المخيط، ودهن الشعر والتطيب، ومقدمات الجماع كتقبيل ولمس بشهوة، والوطء الذي يقع بعد الوطء المفسد والوطء بعد التحلل الأول أي بعد فعل اثنين من ثلاثة أشياء، وهي: ر مي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة، فيجب في كل منها شاة أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين من مساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، والصاع قدحان بالكيل المصري، وتكمل الفدية بإزالة ثلاث شعرات ولاء، أو بثلاثة أظفار ولاء، وفي شعرة أو ظفر مد، وفي شعرتين =
بعد ذلك، فإنَّك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول:
= أو ظفرين مدان، ولا فرق بين الناس وغيره فيهما، بخلاف لبس المخيط وستر الرأس والدهن والتطيب والجماع، ونحو التقبيل، فلا شيء على الناسي.
(سننه)
أن يتجرد عن المخيط قبل النية، وأن يغتسل، وإذا تعسر عليه تيمم، ويلبس إزارا، ورداء أبيضين أو مغسولين، ويصلي ركعتين سنة الإحرام، وأن يتلفظ بالنية، فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأن يكثر من التلبية سرا وجهرا، جماعة وفرادى، وإذا أراد الإحرام بالعمرة قال: نويت العمرة وأحرمت بها لله تعالى، لبيك اللهم لبيك الخ، فإذا فرغ من التلبية صلى الله عليه وسلم وسلم، وسأل الله تعالى رضوانه والجنة، واستعاذ به من النار، وإذا رأى ما يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة، وإذا أراد الدخول لمكة استحب له أن يغتسل، فإذا تعسر عليه الغسل تيمم، والأفضل أن يدخل نهاراً، فإذا رأى الكعبة قال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيما وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريما وبرا، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، وأن يطوف طواف القدوم، ويقف على جانب الحجر الأسود الذي لجهة الركن اليماني بحيث يكون الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر، ثم يقول: نويت أن أطوف سبع مرات طواف القدوم، الله أكبر، ويستلم الحجر الأسود بيده أول طوافه، وأن يقبله، ويضع جبهته عليه فإن عجز عن التقبيل لزحمة استلمه بيده، وإلا فبنحو عود، ثم يقبله، وأن يقول عند استلامه أول طوافه: باسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباع السنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعند الباب مواجهة الباب: اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار، وعند الانتهاء إلى الركن العراقي يقول: اللهم إني أعوذك بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق، وسوء الأخلاق في الأهل والمال والولد، وعند الانتهاء إلى الميزاب يقول: اللهم إني أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، واسقني بكأس نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هنيئا مريئا لا أظمأ بعده أبداً يا ذا الجلال والإكرام، وبين الركن الشامي واليماني يقول: اللهم اجعله حجا مبروراً وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً وعملا مقبولا، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور، وبين اليمانيين:(ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ويسن أن يرمل الذكر في الأشواط السبعة في طواف فيه الرمل بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على منكبه الأيسر، وأن يقرب الرجل في طوافه من البيت، وأن يوالي طوافه، وأن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف المقام إن تيسر، وإلا ففي الحجر، وإلا ففي بقية المسجد، فإذا فرغ من الصلاة رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه وقبله، ووضع جبهته عليه، ثم يقول: الله أكبر ثلاثاً، ثم ينتقل إلى الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة ويضع صدره عليه، ويدعو بما شاء لأن الدعاء مستجاب في هذا الموضع ثم يخرج إلى السعي من باب الصفا فيرقى عليها الذكر قدر قامة، بخلاف الأنثى والخنثى، فإذا رقي استقبل القبلة، ثم قال: نويت أن أسعى بين الصفا والمروة سعي الحج أو العمرة سعبة أشواط لله تعالى، الله أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحانه الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون اللهم صلى الله على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى =
اعملْ فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى. رواه الطبراني في الكبير والبزار واللفظ له، وقال: وقد
= أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، ثم يدعو بما يحب من أمر الدنيا والآخرة، ثم ينزل إلى المسعى، ويمشي على هينة قائلا: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره قد ستة أذرع فيسعى سعياً شديداً حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين: أحدهما بركن المسجد والآخر متصل بدار العباس، ثم يمشي على هينة حتى يصل إلى المرورة، فيفعل عليها ما فعل على الصفا، فهذه مرة، ثم يعود من المروة إلى الصفا ويمشي في موضع مشيه في مجيئه، ويسعى في موضع سعيه. فإذا وصل إلى الصفا فعل كما فعل أولا، وهذه مرة ثانية، وهكذا حتى تكمل سبع مرات بخلاف الأنثى فإنها تسعى على هينة، ومثلها الخنثى. فإذا فرغ من سعيه فإذا كان معتمراً حلق رأسه أو قصر، وصار حلالا، وإذا أراد الحج بعد ذلك أحرم به كما تقدم، وإن كان حاجا استمر على حاله، ويخرج في اليوم الثامن من ذي الحجة إلى منى، ويستحب أن يبيت بها ويستمر حتى تطلع الشمس. فإذا طلعت سار متوجها إلى عرفات، فإذا وصل نمرة أقام بها حتى تزول الشمس، ثم يذهب إلى مسجد إبراهيم فيصلي به الظهر والعصر جمع تقديم، ويقصرهما إن كان مسافرا سفر قصر، ثم يسير إلى الموقف (وعرفات كلها موقف) والأفصل موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عند الصخرات الكبار المفروشة في أسفل جبل الرحمة، ويتأكد الإكثار من الاستغفار، والتوبة من جميع المخالفات، وأن يكثر الذكر والدعاء والابتهال، والخضوع والخشوع، والتذلل والبكاء، والتلبية والتهليل، ومن قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومن قراءة قل هو الله أحد. وعن ابن عباس مرفوعاً:(من قرأ: قلْ هو الله أحد. ألف مرةٍ يوم عرفة أعطي ما سأل) ويستمر إلى الغروب. فإذا غربت الشمس أخر صلاة المغرب إلى المزدلفة بنية الجمع مع العشاء، ثم سلك في طريقه إلى المزدلفة بين المأزمين، وهو مضيق بين الجبلين ملبياً ماشياً على هينة بسكينة ووقار. فإن وجد فرجة أسرع وحرك دابته، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل مزدلفة بادر بالصلاتين قبل عشائه وحط رحلات وبات بها، ويسن أن يأخذ منها سبع حصيات ليلا لجمرة العقبة بقدر نواة، ويأخذ الباقي، وهو ثلاث وستون حصاة من وادي محسرة، أو من منى، ولا يأخذ من المرمى لأنه قيل إن ما بقي من الحصيات في المرمى مردود غير مقبول، ويسن تقديم الضعفاء بعد نصف الليل، ويبقى غير من ذكر حتى يصل الصبح ثم يسير إلى المشعر الحرام، وهو جبل في آخر المزدلفة، يقال له قرح، ويقف هناك ويستقبل القبلة ويذكر اسم الله تعالى إلى طلوع الشمس، ثم يسير إلى منى بسكينة ووقار، فإذا وصل وادي محسر أسرع هناك حتى يقطع عرض الوادي، ويدخل منى بعد طلوع الشمس، ويبدأ برمي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة ويقول: الله أكبر ثلاثا، لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، ثم يذبح إن كان معه هدي منذور، ثم يحلق رأسه أو يقصر، ثم يسير إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة، ثم يسعى إن لم يكن سعي بعد طواف القدوم، وقد حل له كل شيء حتى النساء، ثم يرجع للمبيت إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق، ويرمي في أيامها كل يوم الجمرات الثلاث سبع حصيات، ويجب أن يرمي بما يسمي حجراً، وأن يكون بحيث يسمى رمياً، فلا يكفي وضع الحجر في المرمى بغير رمي، وأن يكون الرمي بعد الزوال، ويبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم العقبة، ومن فاته شيء من الرمي نهاراً تداركه ليلا، وفي باقي أيام التشريق. فإذا فرغ من أعمال الرمي رجع إلى مكة فيطوف طوال الوداع عند إرادة سفره ولا يمكث بعده، ويحرم عليه أن يصحب شيئاً من فخار مكة الذي يعمل من طين الحرم، ويسن أن يشرب من ماء زمزم، ويدخل البيت بسكينة ووقار. فإن لم يتيسر دخل الحجر. فإذا فرغ من نسكه سار إلى المدينة المنورة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مؤكدة مطلوبة كزيارته حياً، وهو في حجرته حي، =
روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن عن هذا الطريق.
(قال المملي) رضي الله عنه: وهي طريق لا بأس بها، رواتها كلهم موثَّقون، ورواه ابن حبان في صحيحه، ويأتي لفظه في الوقوف إن شاء الله تعالى.
33 -
ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عبادة بن الصامت، وقال فيه: فإن لك من الأجر إذا أمَّمت (1) البيتَ العتيق ألا ترفع قدماً، أو تضعها أنت ودابَّتك إلا كتبتْ لك حسنة، ورفعتْ لك درجة، وأمَّا وقوفك بعرفة (2)، فإنَّ الله عز وجل يقول لملائكته: يا ملائكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاءوا يلتمسون رضوانك والجنَّة، فيقول الله عز وجل: فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرتْ لهمْ، ولوْ كانتْ ذنوبهمْ عدد أيَّام الدَّهر (3)، وعدد رمل عالجٍ (4)، وأمَّا رميك الجمار. قال الله عز وجل: فلا تعْلم نفس ما أخفى لهمْ من قرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون (5). وأمَّا حلقك رأسك، فإنَّه ليس من شعرك شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة (6) وأمَّا طوافك بالبيتِ: إذا ودَّعت فإنَّك تخرجُ من ذنوبك كيومَ ولدتك أمُّك (7).
= ويرد على من سلم عليه السلام، وهي من أنجح المساعي وأهم القربات، وأفضل الأعمال، وأزكي العبادات.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (منْ زار قبري، وجبت له شفاعتي). وأن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه. فإذا دخل المسجد قصد الروضة الشريفة، وهي ما بين قبره ومنبره، وصلى تحية المسجد بجانب المنبر، ثم يقف تجاه المقصورة مستدبرة القبلة مستقبل الوجه الشريف، ويبعد عنه قدر أربعة أذرع فارغ القلبم من تعلقات الدنيا، ويسلم بلا رفع صوت، وأقله: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، ثم يتأخر صوب عينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر: ثم يتأخر قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه، وإذا أراد السفر ودع المسجد بركعتين، وأتى القبر الشريف وأعاد نحو الأول أهـ تنوير القلوب ص 244.
(1)
قصدت التوجه إلى أداء الحج أو العمرة.
(2)
تتوجه في اليوم التاسع من ذي الحجة، وتلبي وتذكر الله هناك في هذا الفضاء الواسع فتشعر بالسرور وتظللك رحمة الله تعالى ورعايته.
(3)
الله تعالى يغفر ذنوب الواقفين بعرفة ولو كثرت.
(4)
ما تراكم من الرمل ودخل بعض في بعض.
(5)
الله تعالى يمده بنعيم وخيرات لا عداد لها، ولا تقدير لحسنها جزاء أعمالهم الصالحة.
(6)
تكون له نبراسا مضيئا، يبعد عنه العذاب، ويقيه شر الأهوال والظلمات، وتنجلي عنه الكروب.
(7)
تنقي صحيفتك من كل ذنب.
ورواه أبو القاسم الأصبهاني من حديث أنس بن مالك نحوه إلا أنه قال فيه:
وأمَّا وقوفك بعرفاتٍ، فإنَّ الله تعالى يطلع على أهل عرفاتٍ فيقول: عبادي أتوني شعثاً (1) غبرا (2) أتوني من كلِّ فجٍ عميقٍ (3)، فيباهي بهم الملائكة، فلوْ كان عليكَ من الذنوب مثل رمل عالجٍ، ونجوم السَّماء، وقطر البحر والمطر غفر الله لك، وأمَّا رميك الجمار: فإنه مدخور لك عند ربك أحوج ما تكون إليه (4)، وأما حلقك رأسك: فإن لك بكل شعرة تقع منك نورا يوم القيامة، وأما طوافك بالبيت: فإنَّك تصدر، وأنت من ذنوبك كهيئة يوم ولدتك أمُّك.
34 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاجِّ إلى يوم القيامة، ومنْ خرج معتمراً فمات كتب له أجرُ المعتمر إلى يوم القيامة، ومنْ خرج غازيا فمات كتب له أجرُ الغازي إلى يوم القيامة (5). رواه أبو يعلي من رواية محمد بن إسحاق، وبقية رواته ثقات.
35 -
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ خرج في هذا الوجهِ لحجٍ أو عمرةٍ، فمات فيه لمْ يعرضْ ولمْ يحاسبْ، وقيل له: ادخلِ الجنة قالتْ: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله يباهي بالطائفين. رواه الطبراني وأبو يعلي، والدارقطني، والبيهقي.
36 -
وروي عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ هذا البيت دعامة من دعائم الإسلام، فمنْ حجَّ البيت، أو اعتمر فهو ضامن على الله، فإنْ مات أدخله الجنَّة، وإنْ ردَّه أهله ردَّه بأجر وغنيمةٍ. رواه الطبراني في الأوسط.
(1) غير معتنين بملابسهم، وحلق شعورهم المتلبدة، وفي المصباح: شعث الشعر شعثا فهو شعث، من باب تعب: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن، ورجل أشعث، وامرأة شعثاء أهـ.
(2)
عليهم أثر الغبار، وبقايا التراب من عدم عنايتهم بأنفسهم، وميلهم إلى الترف. أي جاءوا وقصدهم رضاي غير ملتفتين إلى ملذات أنفسهم، وأنواع الزينة والتراف والذبح. وفي النهاية في حديث أويس:(أكون في غير الناس أحب إلي). أي أكون مع المتأخرين لا المتقدمين المشهورين، وهو من الغابر: الباقي، وجاء في رواية في (غبراء الناس) بالمد: أي فقرائهم ومن قيل للمحاويج بنو غبراء، كأنهم نسبوا إلى الأرض والتراب. أ. هـ.
(3)
من كل جهة.
(4)
يكنز حسنات هذا العمل عند الله عند الحاجة.