المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى) - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٢

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلومن تصدق بما لا يجب

- ‌الترغيب في صدقة السر

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مالهفيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌(الترغيب في القرض وما جاء في فضله)

- ‌الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

- ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

- ‌ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماءوالترهيب من منعه

- ‌(الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له)وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم

- ‌الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله

- ‌الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

- ‌الترغيب في صوم ست من شوال

- ‌(الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها)وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا

- ‌الترغيب في صيام شهر الله المحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

- ‌(الترغيب في صوم شعبان)وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

- ‌(الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض)

- ‌(الترغيب في صوم الاثنين والخميس)

- ‌(الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد)وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

- ‌(الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام

- ‌(ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه)

- ‌(ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه)وترغيبه في الإفطار

- ‌(الترغيب في السحور سيما بالتمر)

- ‌(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)

- ‌الترغيب في إطعام الطعام

- ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

- ‌(الترغيب في الاعتكاف)

- ‌(الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها)

- ‌(كتاب العيدين والأضحية)

- ‌الترغيب في إحياء ليلتي العيدين

- ‌الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

- ‌الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته

- ‌(الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل)وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات

- ‌(الترغيب في النفقة في الحج والعمرة)وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

- ‌(الترغيب في العمرة في رمضان)

- ‌الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياباقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌(الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها)

- ‌(الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى)

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

- ‌(الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة)

- ‌الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

- ‌(الترغيب في حلق الرأس بمنى)

- ‌(الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله)

- ‌(ترهيب من قدر على الحج فلم يحج)(وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج)

- ‌الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينةوبيت المقدس وقباء

- ‌(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)وفضل أُحُد، ووادي العقيق

- ‌(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)

- ‌(كتاب الجهاد)

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌(الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى)

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلهاوالترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوموالصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌(الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه)

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهادوما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌(الترهيب من الفرار من الزحف)

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌(الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال)

- ‌(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)

- ‌التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمهوما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌(الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن)

- ‌(الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به)

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمرانوما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولهاأو عشر من آخرها

- ‌(الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر)

- ‌الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

- ‌(الترغيب في قراءة المعوذتين)

- ‌(كتاب الذكر والدعاء)

- ‌(الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

- ‌(الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه)

- ‌(الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

- ‌(الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)

- ‌(الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)

- ‌(الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات)

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل)

- ‌(الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما)

- ‌(الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها)

- ‌الترغيب في الاستغفار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلموالترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب البيوع وغيرها

- ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيرهوما جاء في نوم الصبحة

- ‌(الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة)

- ‌الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيهوما جاء في ذمّ الحرص وحب المال

- ‌الترغيب في طلب الحلال والأكل منهوالترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

- ‌الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

- ‌(الترغيب في إقالة النادم)

- ‌(الترهيب من بخس الكيل والوزن)

- ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

- ‌الترهيب من الاحتكار

- ‌ترغيب التجار في الصدقوترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

- ‌الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

- ‌الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

- ‌الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوجأن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

- ‌الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور)

- ‌(الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس)

الفصل: ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

ليس يتحسَّر أهل الجنة إلا على ساعةٍ مرَّت بهمْ لمْ يذكروا الله تعالى فيها. رواه الطبراني عن شيخه محمد بن إبراهيم الصوري، ولا يحضرني فيه جرح ولا عدالة، وبقية إسناده ثقات معروفون، ورواه البيهقي بأسانيد أحدها جيدة.

28 -

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لمْ يكثر ذكر الله فقد برئ من الإيمان. رواه الطبراني في الأوسط والصغير وهو حديث غريب.

29 -

وروي عنه رضي الله عنه أيضاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله يقول: يا ابن آدم! إنَّك إذا ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني كفرْتني (1). رواه الطبراني في الأوسط.

30 -

وروي عن عائشة رضي الله عنها أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْ ساعةٍ تمرُّ بابن آدم لمْ يذكر الله فيها بخيرٍ إلا تحسَّر (2) عليها يوم القيامة. رواه أبي أبي الدنيا، والبيهقي وقال: في هذا الإسناد ضعف غير أن له شواهد من حديث معاذ المتقدم.

(قال الحافظ): وسيأتي باب فيمن جلس مجلسا لم يذكر الله فيه إن شاء الله تعالى.

(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة (3) يطوفو (4) في الطُّرُق يلتمسون أهل الذِّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكمْ فيحفُّونهمْ (5) بأجنحتهمْ إلى السَّماء الدُّنيا. قال

(1) جحدت نعمي وأنكرت إحساني.

(2)

ندم على ضياعها لا ذكر الله تعالى.

(3)

قال العلماء: زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر.

(4)

يتبعون مجالس الذكر.

(5)

يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين، وفي رواية سهل: قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئواما بينهم، وبين سماء الدنيا. قال الشرقاوي: في الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين، وفضل الاجتماع على ذلك، وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم إكراما لهم، ولو لم يشاركهم في أصل الذكر، وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتناؤهم بهم، وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم =

ص: 401

فيسألهمْ ربهُّمْ، وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال يقولون: يُسبحون ويكبرونك ويحمدونك ويمجِّدونك. قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا والله يا ربِّ ما رأوك قال فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون: فما يسألوني؟ قال يقولون: يسألونك الجنَّة، قال فيقول: هل رأوها؟ قال فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو أنَّهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال. ثم يتعوَّذون؟ قال: يتعوَّذون من النار. قال فيقول: هل رأوها؟ قال يقولون: لا والله ما رأوها. قال فيقولون: فكيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا (1)، وأشدَّ لها مخافةً. قال فيقول: أشهدكم أني قد غفرت (2) لهمْ، قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهمْ إنما جاء لحاجةٍ (3). قال: هُمُ القوْمُ لا يشقى (4) بهم جليسهمْ. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. ولفظه قال:

إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاء (5) يبتغون مجالس الذِّكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهمْ، وحفَّ بعضهمْ بعضاً، بأجنحتهمْ حتى يملئوا ما بينهمْ وبين السماء، فإذا تفرَّقوا عرجوا (6) وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهلِّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: فما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنَّتك. قال:

= بالمسؤول عنه من المسؤول لإظهار العناية بالمسؤول عنه، والتنويه بقدره، والإعلان بشرف منزلته، وقيل إن في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة إلى قولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فكأنه قيل لهم: انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان، وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس، وقيل إنه يؤخذ من هذا الحديث أن الذكر الحاصل من بني آدم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الآدميين مع كثرة، الشواغل، ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله، وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقة أنه يرى الله تعالى جهرة في دار الدنيا. أهـ ص 166 جل وعلا.

(1)

نفورا وهروبا.

(2)

سترت ذنوبهم ومحوتها تفضلا منه جل وعلا.

(3)

لطلب قضاء مصلحة من ذاكر.

(4)

لا يعد شقيا مبعداً من رحمة الله جل وعلا.

(5)

عددهم وفير زائدون على الحفظة يبحثون عن الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ليدعوا لهم ويستغفروا.

(6)

ذهبوا إلى أعلى.

ص: 402

وهل رأواجنَّتي؟ قال: يا ربِّ. قال: وكيف لو رأوا جنَّتي؟ قالوا: ويستجيرونك (1) قال: وممَّ يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا ربِّ. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا يا ربِّ. قال: فكيف لوْ رأوا ناري؟ قال: ويستغفرونك قال فيقول: قد غفرتُ لهمْ وأعطيتهم ما سألوا، وأجرْتهمْ مما استجاروا قال يقولون: ربِّ فيهمْ فلان عبد خطَّاء (2) إنما مر فجلس معهم؟ قال فيقول: وله غفرتُ (3) هم القوم لا يشقى بهم جليسهمْ.

2 -

وعنْ معاوية رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقةٍ من أصحابه، فقال: ما أجْلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: أما إنِّي لمْ أستحلفكم تهمةً لكمْ، ولكنَّه أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكم. رواه مسلم والترمذي والنسائي.

3 -

وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل يوم القيامة: سيعلمُ أهل الجمع من أهل الكرم، فقيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذِّكر. رواه أحمد وأبو يعلي، وابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهم.

4 -

وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرَّجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربِّنا ساعةً، فقال ذات يومٍ لرجلٍ فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عنْ إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة إنَّه يحبُّ المجالس التي تتباهى بها الملائكة. رواه أحمد بإسناد حسن.

5 -

وعنه أيضا رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ قومٍ اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهمْ منادٍ من السماء أو قوموا مغفوراً لكمْ قدْ بُدِّلتْ سيِّئاتكمْ حسناتٍ رواه أحمد ورواته محتج بهم

(1) يطلبون منك سبحانك الاستعاذة والنجاة.

(2)

كثير الذنوب فاسق عاص.

(3)

عفوت عنه، فمنحه رضاه وصادفته العناية وحفته الرحمة.

ص: 403

في الصحيح إلا ميمون المرائي، وأبو يعلي والبزار والطبراني، ورواه البيهقي من حديث عبد الله ابن مغفل.

6 -

ورواه الطبراني عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل فيه فيقومون حتى يقال لهمْ: قوموا قد غفر الله لكمْ، وبدَّلت سيِّئاتكم حسناتٍ.

7 -

وروي عنْ أنس رضي الله عنه أيضا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفُّوا بهمْ، ثم يقفون وأيديهم إلى السماء إلى ربِّ العزة تبارك وتعالى، فيقولون: ربنا أتينا على عباد منْ عبادك يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلُّون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويسألونك لآخرتهم ودنياهمْ، فيقول الله تبارك وتعالى: غشُّوهمْ رحمتي، فهم الجلساء لا يشفى بهم جليسهمْ. رواه البزار.

8 -

وروي عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة وهو يذكِّرُ أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنَّكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر (1) نفسي معكمْ، ثم تلا هذه الآية: واصبرْ نفسك مع الذين يدعون ربِّهُمْ بالغداة والعشيِّ (2)

إلى قوله وكان أمره فرطاً. أما إنَّه ما جلس

(1) أحبس نفسي تعبد الله في هذه المجالس.

(2)

في جميع أوقاتهم أو في طرفي النهار (يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) 28 من سورة الكهف.

(وجهه) رضا الله وطاعته (ولا تعد) ولا تجاوز نظرك إلى غيرهم (أغفلنا) جعلنا قلبه غافلا كأمية بن خلف في دعائه إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش، وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة (فرطا) أي تقدما على الحق ونبذا له وراء ظهره. أهـ بيضاوي ص 418.

كلام جميل يدعو العاقل إلى اليقظة والانتباه إلى ذكر الله ليجد له في الصالحات مكانا مكينا، وليتبوأ جنة الله مع المهتدين العاملين، وليذم العصاة على ترك ذكر الله، وهجرهم واجباته سبحانه وتعالى.

وإني أعجب للاستمرار على اتباع اللهو واللعب والتسويف في الطاعة، والصلاة. والحياة فانية، ولا بد من يوم يسأل فيه المرء عما اقترفت يداه قال الله تعالى:

أ - (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) 13 من سورة القيامة. =

ص: 404

عدَّتُكمْ إلا جلس معهمْ عدَّتهمْ من الملائكة إنْ سبحوا الله تعالى سبَّحوه، وإن حمدوا الله حمدوه، وإن كبروا الله كبروه، ثمًّ يصعدون إلى الرَّبِّ جلَّ ثناؤه وهو أعلم بهم، فيقولون: يا ربنا عبادك سبَّحنا، وكبَّروك فكبَّرْنا، وحمدوك فحمدنا، فيقول ربنا جل جلاله: يا ملائكتي أشهدكمْ أني قد غفرتُ لهم، فيقولون فيهم فلان وفلان: الخطَّاء، فيقول: همُ القوم لا يشقى بهم جليسهمْ. رواه الطبراني في الصغير.

9 -

وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: ما غنيمة (1) مجالس الذكر؟ قال: غنيمة مجالس الذِّكر الجنَّة. رواه أحمد بإسناد حسن.

10 -

وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس: إنَّ الله سرايا من الملائكة تحلُّ وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنَّة، قالوا: وأين رياض الجنَّة؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا (2)، أوْ روحوا في ذكر الله، وذكروه (3) أنفسكمْ، من كان يحبُّ أن يعلم منزلته (4) عند الله فلينظر كيف منزلة الله (5) عنده، فإنَّ الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسهِ رواه ابن أبي الدنيا، وأبو يعلي والبزار، والطبراني والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(قال المملي) رضي الله عنه: في أسانيدهم كلها عمر مولى عفرة، ويأتي الكلام عليه، وبقية أسانيدهم ثقات مشهورون محتجّ بهم، والحديث حسن، والله أعلم.

= وقال تعالى:

ب - (علمت نفس ما قدمت وأخرجت) وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره ربه جل وعلا بالثبات على ذكر الله، والمداومة على تسبيح الله وتنزيهه، وقد تكرم سبحانه فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلتقتد به أيها المسلمون، ونكثر من ذكر الله رجاء الفلاح.

(1)

فوز وأجر وكسب. إنك تكد في هذه الحياة لتنال عيشاً رغدا فيرشدك صلى الله عليه وسلم إلى أن أجرة ذكر الله دخول الجنة، والتمتع بنعيمها ورضوان الله عز شأنه.

(2)

بكروا وأقبلوا، واذهبوا وتعالوا.

(3)

اجعلوا أنفسكم دائما في ذكره سبحانه.

(4)

درجته.

(5)

بحسب كثرة ذكره، وانشغال القلب به عز شأنه.

تمثيل بديع: يبين لك صلى الله عليه وسلم رحمة الله بك بقدر استذكارك له جل وعلا: (من أحب شيئاً أكثر من ذكره) ولقد تفانى الصوفيون في ذكر ربهم ومعرفتهم.

ص: 405

(الرتع): هو الأكل والشرب في خصب، وسعة.

11 -

وعنْ عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عنْ يمين الرَّحمن، وكلتا يديه يمين: رجال ليسوا بأنبياء، ولا شهداء يغشى (1) بياض وجوههمْ نظر النَّاظرين يغبطهم (2) النبيُّون والشهداء، بمقعدهمْ وقربهمْ من الله عز وجل. قيل: يا رسول الله من همْ؟ قال: همْ جمَّاع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التَّمرِ طايبهُ. رواه الطبراني، وإسناده مقارب لا بأس به.

(جماع) بضم الجيم، وتشديد الميم: أي أخلاط من قبائل شتى، ومواضع مختلفة.

(ونوازع): جمع نازع، وهو الغريب، ومعناه أنهم لم يجتمعوا لقرابة بينهم، ولا نسب، ولا معرفة، وإنما اجتمعوا لذكر الله لا غير.

12 -

وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليبعثنَّ (3) الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء، ولا شهداء. قال: فجثا (4) أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله: حلَّهم (5) لنا نعرفهمْ؟ قال هم المتحابُّون (6) في الله من قبائل شتَّى، وبلادٍ شتَّى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه. رواه الطبراني بإسناد حسن.

13 -

وعن أبي هريرة، وأبي سعيدٍ رضي الله عنهما أنَّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لا يقعد قومٌ يذكرون الله إلا حفَّتهمُ (7) الملائكة وغشيتهم (8) الرَّحمة، ونزلتْ عليهم السَّكينة (9)، وذكرهم الله فيمن عنده (10)

رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.

(1) يغطي ويعم.

(2)

يتمنون أن يكونوا مثلهم في النعيم.

(3)

ليحيين وليخرجن.

(4)

جلس.

(5)

صفهم وعرفنا نزلهم.

(6)

الذين يتواددون ابتغاء طاعة الله جل وعلا.

(7)

أحاطت بهم يدعون لهم.

(8)

عمتهم.

(9)

الوقار والرضوان.

(10)

من الملائكة المقربين. =

ص: 406

14 -

وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

= (فوائد ذكر الله جلّ وعلا من فقه الأحاديث)

أولا: شمول الذاكر برحمة الله وإعانته، وطلب حسن الظن به سبحانه مع العمل الصالح المتقن:(أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه).

ثانيا: يذكر الله اسمه في الجو الهادئ أمام العباد الأصفياء المخلصين (ذكرته في الملأ الأعلى).

ثالثا: أن يشغل الذاكر قلبه دائما بربه: (لسانك رطب من ذكر الله).

رابعاً: أن العكوف على ذكر الله أفضل من كثرة الإنفاق، ومن الدفاع عن الوطن بلا إخلاص (وأنجى من عذاب الله).

خامساً: ذكر الله وقاية من وساوس الخناس، وحصن متين من الوقوع في المعاصي (العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله).

سادساً: ذكر الله أحد الأربعة التي تجلب سعادة الدنيا والآخرة، وتعطي الذاكر الثقة التامة، وتحليه بالاستقامة وحب الخير، والسداد في عمله والصواب في تفكيره:(ولسانا ذاكرا)

سابعاً: ذكر الله يوصل إلى الدرجات السامية في الجنة، ويرفع الذاكر إلى أعلى عليين وهو في الفرش الممهدة.

ثامناً: ذكر الله ينير القلب، ويحييه ويزيل رانه، ويهديه إلى الحق، ويجعل الذاكر حيا، وغير الذاكر قلبه خرب ومظلم وهو ميت (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر).

تاسعاً: الذاكر اتبع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وحظي بالسعادة (أكثروا ذكر الله).

عاشراً: الذاكر الله يأتي يوم القيامة معززا مبجلا مكرما (لا يأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذكره).

الحادي عشر: من لم يذكر الله يندم ويتألم من التقصير (ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة لا ذكر فيها).

الثاني عشر: صفوة من الأخبار حراس الذاكرين، وجملة من الأبرار يبحثون عنهم اصطفاهم الله، وهذه منتهم (إن لله ملائكة).

الثالث عشر: يتباهى الله بالذاكرين أما السفر البررة (فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم).

الرابع عشر: يسعد العاصي بصحبة الذاكرين، وينعم الشقي بمحبتهم، ويتجلى الله على الفاجر الذي يودهم ويحضر مجالسهم، ولو سأل شيئا من عرض الدنيا يعطاه (هم القوم لا يشقى جليسهم).

الخامس عشر: الذاكرون أهل الإحسان أصحاب السعادة جماع الخير فعال البر (أهل مجالس الذكر).

السادس عشر: الذاكرون يضمنون الغفران، ويعتقدون برضا الله جل وعلا، ولا ينصرفون عن الذكر إلا إذا امتلئت صحائفهم حسنات، وتجلى الله عليهم بإنعامه (قوموا مغفورا لكم)(غشوهم رحمتي).

السابع عشر: الغافلون عن ذكر الله فجار فساق عصاة يجب نبذ صحبتهم وترك مودتهم، وبذا أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم لتتأسى به أمته (ولا تطع عن أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه).

الثامن عشر: الأذكار دوحة ثمرتها النعيم (غنيمة مجالس الذكر الجنة).

التاسع عشر: من رام أن يعرف درجته عند ربه فليسبر غور قلبه بمقدار ذكر الله جل وعلا له (وذكروه أنفسكم).

العشرون: الذاكرون في درجات سامية قريبة من رحمة الله واحسانه يود النبيون والمجاهدون أن يدركوها مبالغة في إرضاء الله عز وجل، تتلألأ وجوهم نورا ونفوسهم بشراً وسروراً (يغبطهم النبيون والشهداء). =

ص: 407

إذا مررتمْ برياض افارتفعوا. قالوا: وما رياض الجنَّة؟ قال: خلق الذِّكر. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.

= (الآيات الوارد في الذكر)

قال تعالى:

أ - (يا أيها الذين آمنوا ذكروا الله ذكرا كثيرا 41 وسبحوه بكرة وأصيلا 42) من سورة الأحزاب.

ب - وقال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله زلا بذكر الله تطمئن القلوب 28 الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) 29 من سورة الرعد.

جـ - وقال تعالى: (أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) 45 من سورة العنكبوت - أي وللصلاة أكثر من سائر الطاعات -.

د - وقال تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا 29 ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) 30 من سورة النجم.

فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه. فان من غفل عن الله وأعرض عن ذكره، وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته، ومبلغ علمه لا تزيده الدعوة إلا عنادا، وإصرارا على الباطل (ذلك مبلغهم) أي أمر الدنيا أو كونها شهية. لا يتجاوز علمهم (بمن ضل) إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب. فلا تتعب نفسك في دعوتهم، إذا ما عليك إلا البلاغ، وقد بلغت. إن شاهدنا المثل السوء للاحجام عن ذكر الله، وطلب الله تعالى إعراض الرسول عن أولئك الطغاة الغافلين عن عبادة الله وذكره.

وقد مر الحديث: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت) فكما أن الحي يتزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه، وبالتصرف التام فيما يريده، وباطنه بنور العلم والمعرفة فقلبه مستقرة في حظيرة القدس، وسره في مخدع الوصل، وغير الذاكر عاطل ظاهره، وباطل باطنه، قاله في شرح المشكاة. أهـ شرقاوي ص 369 ولذا روي في سبب نزول قول الله تبارك وتعالى:(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) أن أهل مكة كانوا مجدين، ولما هاجر المؤمنون منهم أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت هذه الآية: أي لم يأت وقته (الحق) القرآن. قال البيضاوي: ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله تعالى أهـ.

وفي غريب القرآن: ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى:

هـ - (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) وقوله تعالى: (فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم).

قال بعض العلماء في الفرق بين قوله: (فاذكروني أذكركم، وبين قوله: اذكروا نعمي: إن قوله اذكروني مخاطبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين حصل لهم فضل قوة بمعرفته تعالى فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة وقوله تعالى: (اذكروا نعمتي مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا الله إلا بآلائه فأمرهم أن يتصروا نعمته فيتوصلوا بها إلى معرفته. أهـ ص 179.

و- وقال تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي بالليل والنهار في البر والبحر، والسفر والحضر، والغني والفقر، والمرض والصحة، والسر والعلانية، وقال تعالى في ذم المنافقين:(ولا يذكرون الله إلا قليلا) وقال عز وجل: (واذكروا ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) 205 من سورة الأعراف. =

ص: 408

الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

1 -

عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوْمٌ مجلسا لمْ يذكروا الله فيه ولمْ يصلُّوا على نبيِّهم إلا كان عليهم ترةٌ، فإن شاء عذَّبهمْ، وإنْ شاء غفر لهمْ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي.

ولفظ أبو داود قال: من قَعدَ مقعداً لمْ يذكر الله فيه، كان عليه من الله ترةٌ، ومن اضطجع (1) مضجعا لا يذكر الله فيه كانتْ عليهِ من الله ترةٌ، وما مشى أحدٌ

= قال الغزالي: ولأجل شرف ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا، والقدوم على الله تعالى والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق من غيره. فإن قدر عبد على أن يجعله همه مستغرقا بالله عز وجل، فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال، فإنه قطع الطمع من مهجته وأهله وماله وولده. بل من الدنيا كلها فإنها يريدها لحياته، وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطلب مرضاته، فلا تجرد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشهادة، ولما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر:(ألا أبشرك يا جابر؟ قال: بلى، بشرك الله بالخير. قال: إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر. فقال تعالى: (تمن عليَّ عبدي ما شئت أعطيكه. فقال يا رب أن تردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك وفي نبيك مرة أخرى فقال عز وجل: سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون) ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة. أهـ ص 273 جـ 1.

يذكرني هذا قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض قواده: (أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال. فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، وأن تكون أنت ومن معك أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم) فكر في هذا الكلام العذب البديع والنصائح الثمينة الغالية.

يدعو عمر رضي الله عنه إلى ذكر الله وخشيته رجاء غوثه ورحمته، وتلك لعمري غاية الفوز وثمرة النجاح وقد بين الله المؤمنين (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) وذكر صلى الله عليه وسلم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله (رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه).

(1)

نام على مضجعه عد مقصرا غافلا عن ذكر الله، وحرم من ثواب الذكر

ص: 409