المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادخار شحا - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٢

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلومن تصدق بما لا يجب

- ‌الترغيب في صدقة السر

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مالهفيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌(الترغيب في القرض وما جاء في فضله)

- ‌الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

- ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

- ‌ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماءوالترهيب من منعه

- ‌(الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له)وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم

- ‌الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله

- ‌الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

- ‌الترغيب في صوم ست من شوال

- ‌(الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها)وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا

- ‌الترغيب في صيام شهر الله المحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

- ‌(الترغيب في صوم شعبان)وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

- ‌(الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض)

- ‌(الترغيب في صوم الاثنين والخميس)

- ‌(الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد)وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

- ‌(الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام

- ‌(ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه)

- ‌(ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه)وترغيبه في الإفطار

- ‌(الترغيب في السحور سيما بالتمر)

- ‌(الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء)

- ‌الترغيب في إطعام الطعام

- ‌(ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده)

- ‌(الترغيب في الاعتكاف)

- ‌(الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها)

- ‌(كتاب العيدين والأضحية)

- ‌الترغيب في إحياء ليلتي العيدين

- ‌الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

- ‌الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته

- ‌(الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل)وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات

- ‌(الترغيب في النفقة في الحج والعمرة)وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

- ‌(الترغيب في العمرة في رمضان)

- ‌الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياباقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌(الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها)

- ‌(الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى)

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

- ‌(الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة)

- ‌الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

- ‌(الترغيب في حلق الرأس بمنى)

- ‌(الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله)

- ‌(ترهيب من قدر على الحج فلم يحج)(وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج)

- ‌الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينةوبيت المقدس وقباء

- ‌(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)وفضل أُحُد، ووادي العقيق

- ‌(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)

- ‌(كتاب الجهاد)

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌(الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى)

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلهاوالترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوموالصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌(الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه)

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهادوما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌(الترهيب من الفرار من الزحف)

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌(الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال)

- ‌(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)

- ‌التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمهوما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌(الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن)

- ‌(الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به)

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمرانوما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولهاأو عشر من آخرها

- ‌(الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها)

- ‌(الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر)

- ‌الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

- ‌(الترغيب في قراءة المعوذتين)

- ‌(كتاب الذكر والدعاء)

- ‌(الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى)

- ‌(الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها)

- ‌(الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

- ‌(الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه)

- ‌(الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

- ‌(الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)

- ‌(الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)

- ‌(الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات)

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل)

- ‌(الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما)

- ‌(الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها)

- ‌الترغيب في الاستغفار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلموالترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب البيوع وغيرها

- ‌الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيرهوما جاء في نوم الصبحة

- ‌(الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة)

- ‌الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيهوما جاء في ذمّ الحرص وحب المال

- ‌الترغيب في طلب الحلال والأكل منهوالترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

- ‌الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

- ‌(الترغيب في إقالة النادم)

- ‌(الترهيب من بخس الكيل والوزن)

- ‌الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

- ‌الترهيب من الاحتكار

- ‌ترغيب التجار في الصدقوترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

- ‌الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

- ‌الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

- ‌الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوجأن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

- ‌الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين

- ‌(الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور)

- ‌(الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس)

الفصل: ‌(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)والترهيب من الإمساك والادخار شحا

(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما)

والترهيب من الإمساك والادّخار شحا

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يومٍ يُصْبح العباد فيه إلا ملكانِ ينزلان فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقا (1) خلفاً ويقول الآخر: اللهمَّ أعط ممسكا (2) تلفاً (3). رواه البخاري ومسلم، وابن حبان في صحيحه، ولفظه:

إنَّ ملكاً بيابٍ من أبواب الجنَّة يقول: من يقرضِ (4) اليوم يجزَ غداً (5)، وملك بابٍ آخر يقول: اللهمّ أعطِ منفقاً خلفاً، وأعطِ ممسكا تلفاً. ورواه الطيراني مثل ابن حبان إلا أنه قال: ببابٍ من أبواب السماء.

2 -

وعن رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله تعالى يا عبدي: أنفق أنفق عليك. وقال: يد (6) الله ملأى لا يغيضها نفقه سحاء الليل والنَّار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنَّه لم يغضْ ما بيدهِ، وكان عرشهُ على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفعُ. رواه البخاري ومسلم.

(لا يغيضها) بفتح أوله: أي لا ينقصها.

(1) جواداً كريما. قال النووي قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات، ومكارم الأخلاق، وعلى العيال والضيفان والصدقات، ونحو ذلك بحيث لا يذم، ولا يسمى سرفا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا أهـ ص 95 جـ 7.

(2)

بخيلا مقصرا شحيحا في حقوق الله.

(3)

خرابا وعدم بركة.

(4)

يعط لله في حياته.

(5)

ينل ثوابه يوم القيامة. في ع بلا يا عبيدي.

(6)

خزائنه لا تنفد، والسح: الصب الدائم. قال النووي شارحا قوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم (يد الله ملأى). قال القاضي قال الإمام المازوري: هذا مما يتأول لأن اليمين إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها البارئ سبحانه وتعالى لأنها تتضمن إثبات الشمال، وهذا يتضمن التحديد، ويتقدس الله سبحانه عن التجسيم والحد، وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه، وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، جل الله عن ذلك، وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه. قال: ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى عل الأشياء على وجه أحد لا يختلف ضعفاً وقوة، وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة لا تختلف قوة واضعفا كما يختلف فعلنا باليمين والشمال، تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين أهـ ص 80 جـ 7.

ص: 48

3 -

وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن آدم: إنك أن تبذلَ الفضلَ (1) خير لك، وأن تمسكهُ شر لك، ولاتلام على كفافٍ (2)، وابدأ بمن تعول (3)، واليد العليا خير من اليد السُّفلى. رواه مسلم والترمذي.

(الكفاف) بفتح الكاف ما كف عن الحاجة إلى الناس مع القناعة لا يزيد على قدرا لحاجة.

(والفضل): مازاد على قدر الحاجة.

4 -

وعنْ أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما طلعت شمسُ قطُّ إلا وبجنبيْها ملكان يناديان: اللهمَّ من أنفق فأعقبه خلفاً، ومنْ أمْسك فأعقبه تلفاً. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي من طريق الحاكم، ولفظه في إحدى رواياته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ يومٍ طلعت شمسهُ إلا وبجنبيها ملكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلُّهمْ غير الثَّقلين (4): يا أيها الناس: هلمُّوا (5) إلى ربِّكم إنَّ ما قلَّ وكفِى خير مما كثر وألهى، ولا ابتِ الشمس إلا وكان بجنبيها ملكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلُّهُمْ غير الثَّقلين: اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً، وأنزل الله في ذلك قرآنا في قول الملكين: يا أيها الناس هلمُّوا إلى ربكم، في سورة يونس: والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم: وأنزل في قولهما: اللهمَّ أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً: والليل إذا يغشى والنَّهار إذا تجلَّى وما خلق الذكر الذكر والأنثى إلى قوله (6) للعسرى.

5 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنَّتان من حديدٍ من ثديِّهما إلى تراقيهما، فأمَّا المنفق: فلا ينفق إلا سبغتْ، أو وفرت على جلده حتى تخفى بنانه وتعفو

(1) الزائد عن حاجتك، وأهل بيتك، وإنفاقه خير لك لبقائه لك ثوابا جزيلا عند ربك جل وعلا، والبخل به تعب وكدر في حفظه، ويسألك الله عن عدم إتفاقه. في ع بلا قط.

(2)

لا عتاب ولا حساب على الفقير الذي لا يملك شيئاً، والكفاف: القلة فيه الدعوة إلى الإحسان والصدقة، واطمئنان الفقير من العذاب على وجود النعم (ولتسألن يومئذ عن النعيم).

(3)

تجب نفقته عليك من أن وزوجة وأهل. قال النووي. فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه، بخلاف نفقة غيرهم أهـ ص 125 جـ 7.

(4)

الإنس والجن.

(5)

أقبلوا على ربكم بطاعته.

(6)

إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى.

ص: 49

أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزمت كلُّ حلقةٍ مكانها فهو يوسِّعها فلا تتَّسع. رواه البخاري ومسلم.

(الجنة) بضم الجيم: ما أجنّ وستره، والمراد به هنا: الدرع، ومعنى الحديث أن المنفق كلما أنفق طالت عليه، وسبغت حتى تستر بنان رجليه ويديه، والبخيل كلما أراد أن ينفق لزمت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع، شبه صلى الله عليه وسلم تعالى ورزقه بالجنة، وفي رواية: بالجبة، فالمنفق كلما أنفق اتسعت عليه النعم وسبغت، ووفرت حتى تستره سترا كاملا شاملا. والبخيل: كلما أراد أن ينفق منعه الشح، والحرص، وخوف النقص فهو بمنعه يطلب أن يزيد ما عنده، وأن تتسع عليه النعم فلا تتسع ولا تستر منه ما يروم ستره، والله سبحانه أعلم.

6 -

وعنْ قيس بن سلعٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أنَّ إخوته شكوهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنَّه يبذِّر (1) ماله، وينبسط (2) فيه. قُلْتُ: يا رسول الله آخذ نصيبي من التَّمرة فأنفقه في سبيل الله، وعلى من صحبني، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: أنْفِقْ يُنْفقِ الله عليك، ثلاث مرَّاتٍ، فلما كان بعد ذلك خرجت في سبيل الله، ومعي راحلة، وأنا أكثر أهل بيتي اليوم وأيسره (3). رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرد به سعيد بن زياد أبو عاصم.

7 -

وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخلاء ثلاثة. فأمَّا خليل فيقول: أنا معك حتى تأتي قبرك، وأما خليل فيقول: لك ما أعطيت وما أمسكت فليس لك فذلك مالك، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت، وحيث خرجتَ، فذلك عمله، فيقول: والله لقد كنْتَ من أهونِ الثلاثة عليَّ. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، ولا علة له.

8 -

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُكم مال وارثهِ أحبُّ إليه من ماله. قالوا يا رسول الله: ما منَّا أحد إلا ماله أحبُّ

(1) يسرف فيه.

(2)

ينفق بسعة.

(3)

إنفاقه جلب له الرزق: الرغد، والمال الوفير.

ص: 50

إليه من مال وارثهِ؟ قال: فإنَّ ماله ما قدَّم (1)، ومال وارثهِ ما أخَّر (2). رواه البخاري والنسائي.

9 -

وعنْهُ رضي الله عنه قال: دخل النَّبي صلى الله عليه وسلم على بلالٍ وعنده صبر (3) من تمرٍ، فقال: ما هذا يا بلال (4)؟ قال: أعدُّ ذلك لأضْيافك. قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار (5) جهنَّم، أنفق يا بلالُ (6)، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً (7)، رواه البزار بإسناد حسن، والطبراني في الكبير، وقال:

أما تخشى أن يفور له بخارٌ في نار جهنَّمَ.

10 -

وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عاد بلالاً، فأخرج له صبرا من تمرٍ، فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: ادَّخرته لك يا رسول الله. قال: أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنمَّ، أنفق يا بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً. رواه أبو يعلي، والطبراني في الكبير، والأوسط بإسناد حسن.

11 -

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توكي فيوكأ عليكِ.

وفي رواية: أنفقي، أو انفحي (8) أو انضحي، ولا تُحْصي فيحصي الله عليك، ولا تُوعي فيوعى الله عليك. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود.

(1) من إنفاقه في طاعة الله، وعمل البر، وتشييد الصالحات الباقي جزاؤها.

(2)

التركة المقسمة بعده.

(3)

كذا ع 312 ون د، وفي ن ط، وهي الطعام المجتمع كالكومة.

(4)

استفهام منه صلى الله عليه وسلم ليعلم سبب ادخارها.

(5)

أي ربما تموت ولا تنفقها في طاعة الله، فيبقى سؤال الله عنها، ولها دخان في نار جهنم يحيط بك ويمر عليك عذابا وجزاء عدم إنفاقها.

(6)

جد يا بلال.

(7)

ولا تخف من المولى جل وعلا قلة وضيق رزق، فهو المعطي الوهاب ذو الجلال والإكرام. والعرش كما قال علماء التوحيد: جسم عظيم نوراني غلوي محيط بجميع الأجسام، والتحقيق أنه قبة فوق العالم ذات أعمدة أربعة، تحمله الملائكة في الدنيا تأربعة، وفي الآخرة ثمان لزيادة إحلال والعظمة، رءوسهم عند العرش في السماء السابعة، وأقدامهم في الأرض السفل. أهـ كتابي (النهج السعيد في علم التوحيد) ص 140.

قال تعالى في بيان عظمته: (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) أي محدقين به ملتبسين بحمده.

(8)

أي أعطى: قال النووي: والنفح والنضح: العطاء، ويطلق النضح على الصب أيضاً، ومعناه الحث على النفقة في الطاعة، والنهي عن الإمساك والبخل والإحصاء، وعن ادخال المال في العطاء ص 119 - 7

ص: 51

(افنحي) بالحاء المهملة، وانضحي، وأنفقي الثلاثة معنى واحد، وقوله: لا توكي، قال الخطابي: لا تدخري، والإيكاء: شدّ رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط به، يقول: لا تمنعي ما في يدك فتنقطع مادة بركة الرزق عنك انتهى.

12 -

وعنْ بلالٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال: مُتْ فقيرا (1) ولا تمتْ غنيًّا. قلت: وكيف لي بذلك؟ قال: ما رُزقتَ فلا تخْبأ (2)، وما سُئلْت فلا تمنعْ، فقلتُ: يا رسول الله وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النَّار (3). رواه الطبراني في الكبير، وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وعنده: قال لي: ألق الله فقيراً، ولا تلقهُ غنيًّا، والباقي بنحوه.

13 -

وعنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتينِ: رجل آتاه الله مالاً فسلطهُ على هلكتهِ في الحقِّ (4)، ورجل آتاه الله حكمة (5) فهو يقضي بها (6) ويعلِّمها (7).

وفي روايةٍ: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو ييقوم به آناء الليل، وآناء النَّهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه (8) آناء الليل، وآناء النهار، رواه البخاري ومسلم، والمراد بالحسد: هنا الغبطة، وهو تمنى مثل ما للمغبط، وهذا لا بأس به، وله نيته، فإن تمنى زوالها عنه فذلك حرام، وهو الحسد المذموم.

14 -

وعنْ طلحة بن يحيى عنْ جدَّتهِ سُعدى قالت: دخلت يوماً على طلحة تعْني ابن عبيد الله: فرأيت منه ثقلاً (9)، قلت له: مالك (10) لعلَّه رابك (11) منَّا

(1) كثير الإنفاق تصرف مالك كله في الصالحات.

(2)

تكنز أو تذخر، والخبء: كل شيء مستور غائب، من خبأ.

(3)

إما الإنفاق فتؤجر أو للكنز فتمنع حقوق الله وتشح فتدخل النار، فدخول النار متوقف على حساب الله كيف أنفقت مالك؟.

(4)

أعمال الخير.

(5)

القرآن والسنة.

(6)

يحكم بين الناس بما أنزل الله.

(7)

ويفقه الناس بالكتاب والسنة، ويدعو إلى الله، ويرشد للحق.

(8)

يجود به في الأوقات كلها ابتغاء حب الله.

(9)

مرضا وشدة ألم.

(10)

أي شيء أصابك.

(11)

شكك: يقال: رابني وأرابني: شككني، ومنه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك: أي اترك ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه

ص: 52

شيء فنعتبك (1)؟ قال: لا، ولنعْمَ حليلةُ (2) المرء المسلم أنت، ولكن اجتمع عندي مال، ولا أدري كيف (3) أصنعن به. قالت: وما يغمُّك (4)

منه، ادْعُ قومك فاقسمهُ بينهمْ، فقال يا غلام: عليَّ بقومي (5)، فسألتُ الخازن كمْ قسم؟ قال: أربعمائة ألفٍ.

رواه الطبراني بإسناد حسن.

15 -

وروى عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نشر (6) الله عبدين منْ عبادهِ أكثر لهما من المال والولد، فقال لأحدهما: أيْ فلان ابن فلان؟ قال: لبَّيك (7) ربِّ وسعديكَ. قال: ألم أكثر لك من المال والولد؟ قال: بلى (8) أي ربِّ. قال: وكيف صنعت فيما آتيتك؟ قال: تركته لولدي مخافة العيلةِ. قال: أما إنَّك لو تعلم العلم لضحكت قليلاً، ولبكيت كثيرا، أما إنَّ الذي تخوَّفت عليهم قد أنزلت بهمْ، ويقول للآخر: أي فلان ابن فلانٍ، فيقول: لبَّيك أي ربِّ وسعديك؟ قال له: ألم أكثر لك من المال والولد؟ قال: بلى. أي ربِّ قال: فكيف صنعت فيما آتيتك؟ فقال: أنفقتُ في طاعتك، ووثقتُ لولدي من بعدي بحسن طولك (9)

قال: أما إنَّك لو تعْلم العِلْمَ لضحكت كثيراً، ولبكيت قليلاً، أما

(1) فتقدم لك العتبي، ونزيل ما علق بك من جهتنا.

(2)

زوجة، ونعم: كلمة مدح وثناء.

(3)

لا أعلم على أي حال أوزعه خشية سؤال الله عنه يوم القيامة.

(4)

أي شيء جلب لك الغم والهم من وجوده.

سيدنا طلحة بن عبيد الله يخاف من وجود مائة، ففرقه على أقاربه لله رجاء ثواب الله ليقابل ربه فقيراً، فيخف سؤاله، وينعم باله، ويهنأ عيشه، ويدوم صفاؤه (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه).

(5)

ائت بأقاربي وأهلي.

(6)

هكذا ط وع ص 313، وفي ن د: يسر بمعنى أنشرهما الله: أي أحياهما، ويقال: نشر الميت: أي عاش بعد الموت، ومعنى يسر: أي أغناها.

(7)

إجابة بعد إجابة.

(8)

حرف جواب لإثبات النفي: أي أغنيتنا على أي حال أنفقت.

(9)

فضلك ونعمك، وعلمت أنك الرزاق المعطي، فاعتمدت عليك سبحانك وأطعتك، واتقيت الله فيه هذا درس لأولئك الذين تكالبوا على الدنيا، وطمعوا في تراثها، وجشعوا فيها.

الأول: رجل أعطاه الله المال، ورزقه البنين، فازداد جشعاً في جمع المال، وحرم الفقراءأ وبخل وشح في حقوق الله، فأخطأ طريق الهدى، فمات وترك لأولاده الحسرة والندامة إذ نزع الله البركة من ماله ففنى، وافتقر أولاده.

الثاني: خاف مقام ربه، وأطاع الله في أوامره، واجتناب مناهيه، وزكى وتصدق. وأقام مشروعات الخير أو ساهم فيها، وترك لأولاده تقوى الله، فبارك الله في ماله فنما، ورزقهم الله لسعادة، والرزق الكثير والعيش الرغد، وذلك مصداق قوله تعالى: =

ص: 53

إنَّ الذي قدْ وثقت به أنزلتُ بهمْ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط.

(العيلة) بفتح العين المهملة، وسكون الياء: هو الفقر.

(والطول) بفتح الطاء: هو الفضل والقدرة والغنى.

16 -

وعن مالك الدَّار أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أخذ أرْبعمائة دينارٍ فجعلها في صرَّةٍ (1)، فقال للغلام: اذْهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح (2) ثمَّ تلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصْنعُ فذهب بها الغلام إليه، فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمَّ قال: تعالى يا جارية اذهبي بهذه السَّبْعةِ إلى فلانٍ، وبهذه الخمسة إلى فلانٍ، وبهذه الخمسة إلى فلانٍ حتى أنفذها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبرهُ قدْ أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبلٍ (3)، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبلٍ، وتلهَّ في البيت حتى تنظر ما يصنع فذهب بها إليه، فقال يقول لك

= أ - (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا). قال البيضاوي: أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى، ويتقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاته، أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض، ويشفقوا عليهم، ثم أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبدأ أو المنتهى. وشاهدنا: الأمر بالتقوى، وقول الحق. هذان ينفعان الذرية كما قال تعالى:

ب - (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) 82 من سورة الكهف.

قال البيضاوي: كنز من ذهب أو فضة، روى ذلك مرفوعاً، والذم على كنزهما في قوله:(والذين يكنزون الذهب والفضة): لمن لا يؤدي زكاتهما، وما تعلق بهما من الحقوق. واسمهما: أصرم وصريم.

(صالحا) تنبيه علي أن سعيه ذلك كان لصلاحه، قيل: كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء، وكان سياحا، واسمه كاشح (أشدهما) الحلم وكمال الرأي:(رحمة): مرحومين من ربك، وقال تعالى

جـ - (إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) 196 من سورة الأعراف. قال البيضاوي: ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلا عن أنبيائه.

(1)

شيء حافظ للدراهم. صر الصرة: شدها، وصر الناقة: شد عليها.

(2)

هازم جيوش الفرس، والقائد الماهر، وأمير الجند، وأمين الأمة في زمن سيدنا عمر رضي الله عنهما.

(3)

صحابي جليل، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. هذا درس، يأخذ هذان الصحابيان المال فيوزعانه على الفقراء.

هل لك أيها المسلم أن ترغب في الصالحات، وفي الإنفاق لله رجاء أن تتقرب إلى ربك بالرضا والكرم.

ص: 54

أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتكَ (1)، فقال: رحمه الله ووصله، تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلانٍ بكذا، اذهبي إلى بيت فلانٍ بكذا، اذهبي إلى بيت فلانٍ بكذا فاطَّلعتِ امرأةُ معاذٍ وقالتْ: نحن والله مساكين فأعطنا فلمْ يبق في الخرقة إلا ديناران فدحى بهما إليها، ولغلام إلى عمر فأخبره فسُرَّ بذلك، فقال إنَّهم إخوة بعضهم من بعض. رواه الطبراني في الكبير، رواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدارلا أعرفه. (تله) هو بفتح التاء المثناة فوق واللام أيضاً، وتشديد الهاء: أي تشاغل.

(فدحى بهما) بالحاء المهملة: أي رمي بهما.

17 -

وعن سهيل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة، فلمَّا كان عند مرضهِ. قال يا عائشة: ابعثي بالذهب إلى عليّ، ثمَّ أغمي عليه (2)، وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك مرارا، كل ذلك يغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشغل (3) عائشة ما به فبعث إلى عليِّ فتصدق بها وأمْسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد (4)، الموت ليلة الاثنين، فأرسلتْ عائشة بمصباحٍ لها إلى امرأةٍ من نسائها، فقالتْ: أهدى لنا في مصباحنا منْ عُكَّتِكِ (5) السَّمنِ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْسى في حديد الموت. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة بمعناه.

18 -

وعنْ عبد الله بن الصَّامت قال: كُنت مع أبي ذرٍّ رضي الله عنه تفخرج عطاؤه، ومعه جارية له قال: فجعلتْ تقضي حوائجه ففضل (6) معها سبْعة فأمرها أن

(1) كذا ع ص 314، وفي ن ط ود: حاجاتك.

(2)

أي غشي عليه، وأصابه إغماء.

(3)

كذا ط وع ص 314، وفي ن: وتشتغل.

(4)

وفي ن د: حديدة شديد، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يعاني سكراته. قال تعالى:(فبصرك اليوم حديد): أي قوي، مأخوذ من حد السيف.

(5)

وعاء من جلود مستدير يختص بالسمن أو العسل، إن رجلا كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العمل هو بالسمن أخص أهـ نهاية. والمعنى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتضر ويقاسي آلام الموت لتتأسى به أمته، فتعمل صالحاً، ويتبع منهجه، والسيدة عائشة رضي الله عنها تمرضه وتلازمه، وتعتني به صلى الله عليه وسلم، ثم في حالة الشدة ينظر إلى سبعة دنانير كان حفظها لحاجة الفقراء. ولإنفاقها في مصالح المسلمين، يأمر بارسالها إلى الإمام علي كرم الله وجهه ليتصد بها.

(6)

بقي.

ص: 55

تشتري به فلوساً (1): قال قلْتُ: لو أخَّرْتهُ للحاجة تنوبك أو للضَّيفِ ينزل بك. قال: إنّ خليل عهد إليَّ أنَّ أيُّما (2) ذهبٍ، أوْ فضَّةٍ أوكئ عليه (3)، فهو جمر (4) على صاحبه حتى يفرغهُ (5) فيسبيل الله عز وجل. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

ورواه أحمد أيضاً والطبراني باختصار القصة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أوْكى على ذهبٍ أو فضةٍ، ولمْ ينفقهُ في سبيل الله (6) كان جمراً يوم القيامة يُكوى به (7). هذا لفظ الطبراني، ورجاله أيضاً رجال الصحيح.

19 -

وعنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهديتْ للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر فأطعم (8) خادمه طائراً: فلمَّا كان من الغد أتتْهُ بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألمْ أنهكِ أن ترْفعي شيئاً (9) لغدٍ: فإن الله يأتي برزق غدٍ. رواه أبو يعلي والبيهقي، ورواه أبي يعلي ثقات.

20 -

وعن أنس أيضا رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدًّخر (10) شيئاً لغدٍ. رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي كلاهما من رواية جعفر ابن سليمان الضبعي عن ثابت عنه.

21 -

وعنْ سمرة بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنِّي لألج هذه الغرفة ما ألجها إلا خشية أن يكون فيها مال فأتوفَّى، ولمْ أنفقه. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.

(1) معنى هذه العبارة أن تنفق ما معها فلا يبقى شيء فتفلس: أي تذهب دراهمها. من أفلس الرجل: صار مفلسا كأنما صارت دراهمه فلوساً وزيوفاً، وقيل: صار إلى حال ليس معه فلس فأفلس، إذ لم يبق له مال.

(2)

إلى أن أيما كذاع، وفي ن ط ود: إلي أيما.

(3)

أي حفظ وشد عليه للكنز.

(4)

نار.

(5)

ينفقه في مشروعات الخير، وفي الجهاد لنصر دين الله، وفي تحفيظ القرآن الكريم، أو على طلبة العلم، أو مساعدة المساكين، وهكذا من أعمال البر.

(6)

ولم ينفقه في سبيل الله. كذاع ود، وفي ن ط حذفها.

(7)

الله تعالى يجمع ما كنزه: ولم ينفقه في الصالحات، ويجعله ناراً متقدة حامية، فيعذب بها عذابا يعم جميع جسمه بالكي واللسع والأذى.

وفي حث الأغنياء على الجواد، والترغيب في الإنفاق لله.

(8)

كذا ع ود، وفي ن ط: فأعطى.

(9)

يحذرها صلى الله عليه وسلم أن لا ندخر شيئاً جاء، ولا تحفظه للمستقبل، ويأمر صلى الله عليه وسلم بالإنفاق رجاء انتظار إعطاء المخلف الوهاب المعطي سبحانه وتعالى.

(10)

لا يكنز، ولا يحزن، ولا يحفظ شيئاً للمستقبل بل ينفقه من وقته ثقة بالله سبحانه الرزاق القوي القادر.

ص: 56

(لألج). أي لأدخل. (والغرفة) بضم الغين المعجمة: هي العلية.

22 -

وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أحبُّ أنَّ لي أحداً ذهباً أبقى صبح ثالثةٍ، وعندي منه شيء إلا شيئاً أعدُّهُ لدينٍ (1). رواه البزار من رواية عطية عن أبي سعيد، وهو إسناد حسن، وله شواهد كثيرة.

23 -

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي أبو ذرٍ يا ابن أخي كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بيده، فقال لي: يا أبا ذرٍ! ما أحبُّ أنَّ لي أحداً ذهباً وفضَّة أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت أدع منه قيراطاً. قلت: يا رسول الله: قنطاراً. قال يا أبا ذرٍّ: أذهب إلى الأقلِّ وتذهب إلى الأكثر، أريد الآخرة، وتريد الدنيا، قيراطاً فأعادها على ثلاث مرَّاتٍ. رواه البزار بإسناد حسن.

24 -

وعنه رضي الله عنه أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم التفت إلى أحدٍ، فقال والذي نفسي بيدهِ: ما يسُرُّني أنَّ أحداً تحوَّل (2) لآل مُحمَّدٍ ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين إلا دينارينِ أُعدُّهما للدين إن كان. رواه أحمد، وأبو يعلي، وإسناد أحمد جيِّد قوي.

25 -

وعن قيْس بن أبي حازمٍ قال: دخلت على سعيد بن مسعودٍ نعوده (3) فقال ما أدْري ما يقولون، ولكنْ ليْتَ ما في تابوتي هذا جمر (4)، فلما مات نظروا، فإذا فيهِ ألف أو ألفانِ: رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.

26 -

وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رجلاً توفِّي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمْ يوجد له كفن، فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى داخلةِ إزارهِ فأصيب دينار، أو ديناران، فقال: كيَّتانِ (5).

(1) يبين صلى الله عليه وسلم للمسلمين أنه لا يحب أن يكون له مال يوازي جبل أحد الذي بالمدينة. ولو أعطي ما يساويه لأنفقه كله في طاعة الله، ولم يبق إلا قليلا يترصده لدين، أو يدفع به ملمة، أو يزيل به حادثة.

(2)

كذا ط وع ص 315، وفي ن د: يحول.

(3)

نزوره في مرضه.

(4)

أتمنى أنه لا يوجد في صندوقي نار كأن الناس يظنون وجود المال عنده، وقد تحقق فوجدوا أن عنده ألفاً أو ألفين في صندوقه الذي يحرز فيه متاعه: أي لا أحب ناراً، أو يكون ما في الصندوق ناراً أعذب به في الدنيا ولا أعذب به في الآخرة من جراء مالي الذي أدخره المسكنون في الصندوق. ليست حرف تمن: وما: أي أرجو أن لا يكون شيء مدخراً في خزانة بيتي أصطلي به ناراً.

(5)

أي لذعة علي كل دينار كنز.

ص: 57

وفي روايةٍ: توفِّي رجلٌ من أهل الصُّفَةِ فوجد في مئزرهِ دينارٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيَّة، ثمَّ توفِّي آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيَّتان. رواه أحمد والطبراني من طرق، ورواة بعضها ثقات أثبات غير شهر بن شوحب.

27 -

وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: تُوفِّي رجلٌ من أهل الصُّفَّةِ فوجدوا في شملتهِ دينارين، فذكروا ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: كيَّتانِ.

رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.

(قال الحافظ): وإنما كان كذلك لأنه ادَّخر مع تلبسه بالفقر ظاهراً، ومشاركته الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة، والله أعلم.

28 -

وعنْ سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: كُنْتُ جالساً عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأتى بجنازةٍ، ثمَّ أتى بأخرى، فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال فهلْ ترك شيئاً؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير، فقال: بأصابعهِ (1) ثلاثُ كيَّاتٍ، الحديث.

رواه أحمد بإسناد حسن جيد، واللفظ له والبخاري بنحوه، وابن حبان في صحيحه.

29 -

وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ أعْرابيَّا فجعلهما في عباءةٍ فخيَّط عليهما ولف عليهما فمات الأعرابي فوجد الدِّيناران، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيَّتانِ. رواه أحمد، وإسناده حسن لا بأس به في المتابعات.

(1) كذا ع ود، وفي ن ط: بأصبعه. إن هذا الميت ادخر ثلاثة، فعاقبه الله تعالى بلذعة، وأذاقه النار بسببها.

أيها الأغنياء: أقيموا صروح الأعمال الصالحة بالإنفاق لله لتنالوا المحامد كما قال صلى الله عليه وسلم.

أولاً: تكتسبون دعاء الملائكة بزيادة الرزق.

ثانياً: الإعطاء. خير.

ثالثاً: الصدقة درع يقي المصائب، وتجعل لك حصونا من المحبة والمساعدة والألفة والمودة حتى لا تجد لك كارهاً أو ضدا.

رابعاً: قلة الحساب على المال في الآخرة، وزيادة ثواب الإنفاق. خامساً: وضع البركة في الذرية، وحفظ الله لأولاد المنفق والتكرم بالسعة عليهم:(وثقت لولدي من بعدي بحسن طولك).

سادساً: السلف الصالح كثير الإنفاق فنقتدي بهم.

سابعاً: ادخال شيء يعذب به يوم القيامة. ثامناً: ادخار شيء يعذب به يوم القيامة. ثامناً: من خلقه صلى الله عليه وسلم الإنفاق: (ما أحب أن لي أحدا ذهبا).

تاسعاً: لذعات النار وكيها عقاب البخلاء. عاشراً: سيدنا سعيد تألم من خزن النقود، وتمنى أن تصبح رمادا فلا يحاسب عليها.

إحدى عشر: ليس الغرض من المال إلا قضاء المصالح، وسداد الدين، وفعل الخير فقط.

ص: 58