الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في إخلاص النية في الجهاد
وما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا
1 -
عنْ أبي موسى رضي الله عنه أنَّ أعرابيا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرَّجل يقاتل للمغنم (1)، والرَّجل يقاتل ليذكر (2)، والرَّجل يقاتل ليرى مكانه (3) فمنْ في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
2 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلا قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد، وهو يريد عرضاً من الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجر له فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرَّجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلَّك لمْ تُفهمه (4)، فقال الرَّجل: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرض الدُّنيا (5)؟ قال: لا أجر (6) له، فأعظم ذلك الناس، وقالوا: عد (7) لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الثالثة: رجلٌ يريد الجهاد وهو يبتغي عرضاً من الدُّنيا؟ فقال لا أجر له. رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه والحاكم باختصار وصححه.
(العرض) بفتح العين المهملة والراء جميعاً: هو ما يقتني من مال وغيره.
3 -
وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد (8) والغزو (9)؟ فقال: يا عبد الله بن عمرو إنْ قاتلتَ صابراً (10)
(1) ليأخذ غنيمة.
(2)
ليتحدث الناس بشجاعته وسيرته.
(3)
ليتبوأ مركزه اللائق به، وليظهر عظمته بين أصحابه، وقوته بين قببيلته.
(4)
أفصح قولك وبين طلبك.
(5)
عرضاً، من الدنيا. كذا د وع ص 451، وفي ن ط: من عرض الدنيا.
(6)
لا ينال شيئا من الثواب لأن نيته أخذ شيء من الغنيمة.
(7)
عد في ن د وع، وط: أعد: أي أرجع.
(8)
الحرب لنصر دين الله وإعلاء كلمته.
(9)
الحرب والهجوم على الأعداء.
(10)
متحملا شدائد الحرب متكلفا الصبر لله.
مُحتسبا (1) بعثك الله صابرا محتسباً، وإنْ قاتلتَ مرائياً (2) مكاثراً (3) بعثك الله مرائيا مكاثراً، يا عبد الله بن عمرو على أيِّ حال قاتلت، أوْ قُتلت بعثك الله على تلك الحال. رواه أبو داود.
4 -
وعنْ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الآمال بالنِّيَّة (4).
وفي روايةٍ: بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى (5) فمن كانت هجرته (6) إلى الله ورسولهِ (7)، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا (8) يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها (9)
(1) طالباً الثواب من الله وحده.
(2)
مظهراً الرياء والإشراك في عملك.
(3)
طالباً الكثرة من الغنيمة والفوز بحطام الدنيا.
(4)
بحسب الاعتقاد الثابت في القلب. ففيه من يقاتل لإعلاء كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ترفرف على ربوع الناس، وتنطق بها ألسنتهم، وتقر بها قلوبهم.
وفيه من يقاتل للشهرة ولإظهار العظمة والحمية، والغضب بدفع المضرة وجلب المنفعة.
قال الشرقاوي: نعم لو حصل الغير مناً لا أصلا ومقصودا لم يخل.
قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إن كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه أهـ.
والأعمال تشمل الأقوال وأفعال الأعضاء. والنية: القصد، وعرفت في الشرع بأنها الإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا الله وامتثال حكمه.
(5)
قصد.
(6)
أي نية عمله، واستعملت في لسان الشرع في ترك دار الخوف إلى دار الأمن كما فعل بعض الصحابة في تركهم مكة إلى الحبشة أول الأمر، وفي ترك الكفر إلى دار الإسلام فرارا بالدين كما فعل المسلمون في مغادرتهم مكة إلى المدينة لما انتشر الإسلام فيها وهاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ترك ما نهى الله عنه.
(7)
يقصد بهذه خدمة الدين وإعلاء كلمة الله بتعلم كتابة، وسنة رسوله والعمل بهما.
(8)
طلبه نيل سعة الرزق أو إدراك شيء.
(9)
يتزوجها. والمعنى: الناس مختلفون في طلب أعمالهم.
أ - هذا يحسن ليحظى بمكانه عند الناس.
ب - وآخر يحسن ليمتثل أمر الله فقط، ويبتغي ثواب الله جل وعلا. فاختلف الباعث، فالأول قصد منفعة دنيوية شخصية، والثاني قصد حب الله وملأ قلبه إيمانا به ومحبة خير للناس ابتغاء مرضاة ربه جل وعلا.
وقد كتب الشيخ عبد العزيز الخولي رحمه الله في معنى هذا: شخص يصل ليرائى الناس فيسموه بالصلاح، أو يكلوا له عملا ماليا يطلق فيه يده بالاختلاس، وآخر يصل قياما بالواجب، وتطهيرا لنفسه، وإرضاء لربه أصلاتهما بدرجة واحدة؟ لا: بل كاتب أو شاعر، أو خطيب يدعو إلى مصلحة عامة والباعث له وظيفة يرجوها، أو حظوة عند ذي سطان. أتكون درجته كآخر يدعو إلى ذلك؟ لأن فيه خير الأمة، ولأن هذا وحي قلبه المخلص لبلده، لا يستويان. فإن الأول إذا لم يصل لبغيته حطم قلمه، أما الثاني فإنه دائب على الدعوة، ولولا في سبيل ذلك الصعاب، وقيل صحة الأعمال بالنية: أي إنها لا تكون معتبرة في نظر الشارع مترتبة عليها آثارها إلا بالنية، =
فهجرته إلى ما هاجر إليه (1). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي.
5 -
وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجرَ (2)، والذِّكر ماله (3)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرَّاتٍ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثمَّ قال: إنَّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه (4). رواه أبو داود والنسائي.
(قوله) يلتمس الأجر والذكر: يعني يريد أجر الجهاد، ويريد مع ذلك أن يذكره الناس بأنه غاز أو شجيع، ونحو ذلك.
6 -
وعنْ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشِّرْ هذه الأمَّة بالتَّيسير (5)، والسَّناء، والرِّفعة بالدين، والتَّمكين في البلاد والنَّصر، فمنْ عمل منهمْ بعمل الآخرة للدُّنيا فليْس له في الآخرة من نصيبٍ (6). رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي واللفظ له، وتقدم في الرياء هو وغيره.
7 -
وتقدم أيضا حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ عبدٍ يقوم في الدُّنيا مقام سُمعةٍ ورياءٍ إلا سمع الله به على رؤوس.
= فالوضوء أو التيمم مثلا لا يعتبران شرعا بحيث تؤدي بها الصلاة، أو يباح بهما مس المصحف إلا إذا سبقتهما أو صاحبتهما النية. أما بدون النية فلا عبرة بهما. فالنية على هذا التقدير لابد منها في المقاصد: كالصلاة والحج والوسائل: كالضوء والتيمم. أهـ ص 6.
(1)
يطلب صحة ورفاهية، أو مناخا طيبا يريد الإقامة فيه، أو يف من غريم أو من شرير أثيم، أو من حاكم ظلوم، أو ملك غشوم، فليس له إلا ما قصده، ولا ثواب له عند الله تعالى. وفي الحديث:
أ - الرغبة في معالي الأمور.
ب - الإخلاص في العمل لله تعالى.
جـ - الحث على خدمة الدين والتحلي بالمكارم.
د - الهجرة للإرشاد والدعوة إلى الله تعالى.
(2)
حارب يطلب الثواب والسيرة.
(3)
أي شيء له؟ فنفى صلى الله تعليه وسلم أي أجر له.
(4)
قصد به وجه الله وثوابه، وبعد عن الرياء والصيت.
(5)
الرخاء وزيادة الأرزاق، والسعة في العيش الرغد.
(6)
أجر.
الخلائق يوم القيامة (1). رواه الطبراني بإسناد حسن.
8 -
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغزو غزوان: فأمَّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة (2)، وياسر الشَّريك، واجتنب الفساد، فإنَّ نومه وتنبُّهه أجرٌ كله، وأمَّا من غزا فخرا ورياء، وسمعةً وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنَّه لن يرجع بالكاف رواه أبو داود وغيره. (قوله) ياسر الشريك، معناه عامله باليسر والسماحة.
9 -
وعن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من غزا في سبيل الله ولمْ ينو إلا عقالا فله ما نوى. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.
10 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى موطني فلمْ يردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: فمن كان يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
11 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ أوَّل الناس يقضي عليه يوم القيامة رجل استشهد (3)، فأتى به فعرَّفه نعمته فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكن قاتلتَ لأن يقال هو جريء (4)، فقد قيل: ثمَّ أمر به فحسب على وجهه حتى ألقى في النَّار، الحديث. رواه مسلم واللفظ له والنسائي والترمذي وابن خزيمة في صحيحه.
12 -
وعند الترمذي حدَّثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله تبارك وتعالى: إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهمْ، وكلُّ جاثية فأوَّل من يدعو به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجلٌ كثير المال، فذكر الحديث إلى أنْ قال، ويؤتي بالذي قتل في سبيل الله، فيقول الله له فيما ذا قتلتَ؟
(1) يفضحه تعالى أمام الناس لأنه عمل رياء ونفاقا.
(2)
أجاد بيده السخية نفائس ما عنده.
(3)
مات في حومة الوغي.
(4)
شجاع، وقد حرمه من الأجر لأن نيته الرياء، وأن يتحدث الناس ببسالته، ولم يخطر بباله حب ثواب الله.
فيقول: أي ربِّ أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذلك، ثمَّ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيَّ، فقال: يا أبا هريرة أولئك الثَّلاثة أوَّل خلق اله تسعَّر بهم النَّار يوم القيامة. وتقدم بتمامه في الرياء.
(جريء): هو بفتح الجيم، وكسر الراء، وبالمد: أي شجاع.
13 -
وعنْ شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه أنَّ رجلاً من الأعراب جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فآمن به واتَّبعه، ثمَّ قال: اهاجر معك فأوصي به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلمَّا كانت غزاته (1) غنم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهمْ، فلمَّا جاء دفعوه إليه، فقال ما هذا؟ قالوا: قسم قسمة لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه، فجاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: قسمْتهُ لك. قال: ما على هذا اتَّبعتك، ولكن اتَّبعتك على أنْ أرْمي إلى هاهنا، وأشار إلى حلقهِ بسهمٍ. فأموت فأدخل الجنَّة، فقال: إنْ تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلاً، ثمَّ نهضوا (2) إلى قتال العدوِّ، فأتى به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قال: نعمْ. قال: صدق الله فصدقه، ثمَّ كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبَّتِه التي عليه، ثمَّ قدَّمه فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاته، اللهمَّ هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك. رواه النسائي.
14 -
وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ غازيةٍ، أو سريَّةٍ تغزو في سبيل الله يسلمون (3)، ويصيبون (4) إلا تعجلوا ثلثي أجرهم (5)، وما من غازيةٍ، أوْ سريَّة تخفق وتخوَّف، وتصاب إلا تمَّ أجرهمْ (6).
(1) غزاة. كذا د وع ص 454، وفي ن ط: غزاته.
(2)
نهضوا إلى. كذا د ع و، وفي ن ط: نهضوا في.
(3)
ينالون السلامة.
(4)
يكسبون الغنائم.
(5)
أي أخذوا ثلثي الأجر:
أ - السلامة.
ب - النفائس.
(6)
أخذوا الأجر كاملا إذ صبروا في الحروب، ونالوا الشدائد، ورجعوا بلا غنيمة.