الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه، على بابٍ من أبواب الجنَّةِ، وهذا عير: جبل يبغضنا ونبغضه، على بابٍ منْ أبواب النَّار. رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط.
33 -
وروي عنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحد ركن من أركان الجنَّة. رواه أبو يعلي والطبراني في الكبير.
34 -
وعنْ سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كُنتُ أرمي الوحش وأصيدها وأهدي لحمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما لوْ كنْتَ تصيدها بالعقيق لشيَّعْتك إذا ذهبتَ، وتلقيتك إذا جئت، فإنَّي أحبُّ العقيق (1). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
35 -
وعنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني آتٍ وأنا بالعقيق فقال: إنَّك بوادٍ مباركٍ (2). رواه البزار بإسناد جيد قويّ.
36 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حدَّثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة آتٍ من ربِّي، وأنا بالعقيق: أن صلِّ في هذا الوادي المبارك رواه ابن خزيمة في صحيحه.
(الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء)
1 -
عنْ سعدٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يكيد أهل المدينة أحد (3) إلا انماع (4) كما ينماع الملح في الملح. رواه البخاري ومسلم.
2 -
وفي رواية لمسلم: ولا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله في النَّارِ
(1) واد من أودية المدينة مسيل للماء، وإنه واد مبارك. أهـ نهاية.
(2)
كثير الخير تشمل أهله رحمة الله، وسبقته دعوة مستجابة من ساكنيه الصالحين، والعمل فيه مضاعف الثواب.
(3)
أي لا يفعل بهم كيدا من مكر وحرب وغير ذلك من وجوه الضرر بغير حق أهـ شرقاوي ص 140 جـ 2.
(4)
ذاب كما يذوب ملح الطعام في الماء. والمعنى أن الله تعالى تفضل فحفظ أهل المدينة من كل أذى، ووقاهم ربهم شر الأشرار، ورد كيدهم في نحرهم محبة في حبيبه صلى الله عليه وسلم. فيهنأ مجاوروه، وليسعدوا فالله عنهم راض وخير واق. ما أطيب هواءها، وما أعذب ماءها، وما أشد كرم أهلها. هذا إلى وعد الله بارتفاع سكانها، وعظم أمنهم، وطرد الباغي الظالم فيها.
ذوْبَ الرَّصاص، أوْ ذوْبَ الملح في الماء. وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة في الصحاح وغيرها.
3 -
وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أميراً من أمراء الفتنةِ قدم المدينة، وكان قد ذهب بصرُ جابرٍ، فقيل لجابر: لوْ تنحَّيْتَ عنه فخرج يمشي بين ابنيهِ فانكبَّ (1)، فقال: تعسَ من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابناه أوْ أحدهما: يا أبتاه: وكيف أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مات؟ فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبيَّ (2). رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
4 -
ورواه ابن حبان في صحيحه مختصرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أخاف أهل المدينة أخافه الله (3).
5 -
وعنْ عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهمَّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (4)،
ولا يُقبل منه صرف، ولا عدلٌ. رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد جيد.
(1) فانكب: أي عثر وانكب لوجهه. يقال تعس يتعس: وهو دعاء عليه بالهلاك، ومنه حديث الإفك: تعس مسطح.
(2)
الذي يؤلم أهل المدينة يؤلمه صلى الله عليه وسلم في قبره، ومن أدخل عليهم الرعب والفزع أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفزع قلبه، وأزال اطمئنانه، وأعلن الحرب عليه صلى الله عليه وسلم: أي خرج من الدين وضل وبغى فحاز غضب الرسول صلى الله عليه وسلم.
(3)
سلط عليه الأعداء، وأوجد عنده الرعب، وأصابه الفزع. فيه ترغيب الولاة والحكام باستعمال العدل والرأفة، والسي على منهج الله ورسوله، والحق يتبع، والظلم يجتنب.
(4)
استحق أن الله يطرده من رحمته، ويقصيه من جنته، ويبعده من رضوانه وكذا تلعنه الملائكة، وتطلب من الله عذابه وشدة عقابه. قال القاضي: واستدلوا بهذا على أن سذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في الكبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه، وكذا تلعنه الملائكة والناس أجمعون، والمراد باللعن العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنه الكفار الذي يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد، والله أعلم. أهـ ذووي ص 141 جـ 9.
خلاصة فضائل المدينة المنورة والأماكن المقدسة
أولا: مضاعفة الثواب في مساجدها وكثرة الحسنات فيها إلى ألف.
ثانياً: في حديث أحمد الصحيح المحفظة على أربعين صلاة في مسجد المدينة يكسب جائزة من النار، ونجاة من الأهوال، وسلامة من الخداع والكذب والذبذبة والإلحاد. =
6 -
وروي النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضي الله عنه عن رسول الله
= ثالثاً: الإقامة في المدينة تضمن شفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: انهزام من لم يعدل ويتبع الحق وكسر شوكته وردعه وزجره وإهلاكه وذهاب أثره (انماع).
خامساً: إخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة الفتوح وزيادة الخير. فيرغب المسلمون في النزوح عن المدينة ويحثون أهليهم على الهجرة معهم لزيادة وبسط العيش (يبسون).
سادساً: وضع البركة في محصولات المدينة وشفاء جوها، وحسن بيئتها وملاءمة مناخها صيفا وشتاء.
سابعاً: زيارتها يمن وسعادة، والإقامة فيها يسر وطاعة، وهناءة عيش وراحة ضمير، وشعور بسرور وحبور لفوزها بمسير الأنبياء والأولياء فيها، وقديماً عبدوا الله فيها وذكروه جل وعلا، وسبحوه وأطاعوه فيلزمنا أن نترسم خطاهم، ونتبع مشيهم، ونتبرك بآثارهم لتشملنا رحمة الله ونفوز برضاه.
ثامناً: تجنب الإقامة في الأمكنة الخبيثة كعير والجحفة، وكل أمكنة الدعارة والفسق وما فيها من المحارم والموبقات ودور الكفار والفجرة.
آداب الحج
الآداب:
أولاً: أن ينوي الحج ويؤديه خالياً من الرياء والسمعة، وأمور الدنيا كالتجارة وأشباعها.
ثانياً: أن يتوجه إلى الله يقلب خالص، ويقطع علائقه من وطنه وما فيه من أهل وولد وصحب ومال.
ثالثاً: أن يتوب إلى الله تعالى، ويرد المظالم إلى أهلها، ويهجر المعاصي.
رابعاً: أن يختار زادا من طيب حلال، وخير الزاد: التقوى.
خامساً: أن يسبح الله تعالى، ويشكره كلما صعد شرفا أو ركب مركباً أو دخل مكانا.
سادساً: أن يتذكر عند شرائه ثوبي الإحرام كفنه.
سابعاً: أن يلاحظ عند مفارقة وطنه امتثال أمر ربه وإجابة نداء خليله ورؤية بيته.
ثامناً: أن يستحضر بمخاوف طريق الحج مخاوف طريق الآخرة.
تاسعاً: أن يحمد الله عند دخوله مكة حرماً آمنا أن يؤمنه الله من النار.
عاشراً: أن يتذكر عظمة الله وعظمة بيته، ولا يتهاون بحرمة البيت. بل يخشع ويتضرع ويرجو المغفرة والرضوان.
الحادي عشر: أن يوقن عند طواف البيت أن المقصود طواف القلب بحضرة الرب متذكراً جلاله وهيبته.
الثاني عشر: أن يبايع الله عز وجل على التزام طاعته، وترك عصيانه عند استلام الحجر الأسود.
الثالث عشر: أن نقصد عند لزوم الملتزم، وتعلقه بأستار الكعبة التقرب من البيت وربه شوقاً إليهما واستعاذة بهما من النار، موقنا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ولا منجا من حرمانه إلا كرمه وفضله.
الرابع عشر: أن يتشبه في تردده بين الصفا والمروة بعبد طلب رضا مولاه وتردد مظهرا إخلاصه.
الخامس عشر: أن يذكره عند ازدحام عرفة بالناس: حشر الناس يوم القيامة، طالبا من الله النجاة في عرصات القيامة في الموقف الهائل، راجيا دخوله في شفاعة سيد الأنبياء والمرسلين، وحشره في عباد الله الصالحين وأو ليائه المقربين.
السادس عشر: أن ينوي يرمي الجمار: الانقياد لأمر الله تعالى، والتشبه بسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حين عرض له الشيطان ليفتنه ويلهيه عن القيام بأمر ربه فرماه بالحجارة.
السابع عشر: أن يتخير هديه الذي يقربه امتثالا لأمر ربه. =
صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخِفْهُ، وعليه لعنةُ الله
= الثامن عشر: أن يخشع عند رؤية المدينة المنورة ويتذكر أنها دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أعز الله فيها الإسلام، ويستحضر في ذهنه قيامه عليه الصلاة والسلام بين أصحابه الأعلام آمرا بما أمر الله ناهيا عما نهى، شارحا ما أوحي إليه من ربه جل وعلا، ويزداد خشوعه عند زيارة قبره عليه الصلاة والسلام بدون أن يقترب من القبر الشريف ممثلا في خياله صورته الكريمة إزاءه في اللحد محضراً في قلبه عظيم رتبته وجليل قدره.
التاسع عشر: أن يكثر خوفه من الله جل وعلا بعد أداء الحج خشية رد حجه عليه، ويزداد رغبة ورهبة. أهـ ص 144 من أسرار الشريعة الإسلامية باختصار.
أسرار الحج
أولا: حمل النفس على تذكر الله تعالى وخشوعها لعظمته وجلاله.
ثانياً: تذكير المؤمنين بيوم الحشر الأكبر.
ثالثاً: إيجاد أسباب نيل الرحمة من الله تعالى بكثرة تضرع الصالحين ووجود المحسنين.
رابعاً: نيل الموحدين فضل الرهبانية لمفارقة الحجاج لذاتهم وترك شهواتهم.
خامساً: تقليل ظلم النفوس، وكبح جماحها بما تتركه أعمال الحج في نفوس الحج من حب العدل، وخوف الله جل وعلا.
سادساً: إرشادهم بما يعانونه من ألم البع، وعناء السفر، ومزايلة اللذات إلى نعم الله عليهم من رفاهة الإقامة والأنس بالأوطان والأهل والأخدان.
سابعاً: غرس الرقة والرحمة في قلوب الحجاج بما يقاسونه أثناء ذهابهم من مشاق السفر ووحشة الغربة.
ثامناً: إيجاد التعاضد والتآلف للمسلمين. أهـ من أسرار الشريعة.
زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
أولا: أعتقد أن زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة جالبة للحسنات، مكفرة للسيئاتوسبب الأنوار وزيارة الإيمان، ومصدر الإحسان، ومعين اليمن والسعادة لقوله تعالى:
أ - (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) 64 من سورة النساء.
أي بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه، وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمة وإن أظهر الإسلام كان كافراً مستوجب القتل (ظلموا أنفسهم بالنفاق) أو التحاكم إلى الطاغوت (جاءوك) تائبين من ذلك (فاستغفروا الله) بالتوبة والإخلاص (واستغفروا لهم الرسول) واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعاً (لوحدوا الله) لعلموه قابلا لتوبتهم متفصلا عليهم بالرحمة. أهـ بيضاوي. فالاستغفار يبعد العذاب.
إن الذين يقصدون زيارته صلى الله عليه وسلم قلوبهم مشتاقة للمثول أمام قبره الشريف متضرعين إلى الله جل وعلا أن يقبلهم سبحانه، وأن يغفر ذنوبهم، وأن يزيل آلامهم، وأن يزيد إيمانهم، وأن يحفظ إسلامهم، وأن يشملهم برحمته وعطفه، وأن يوفقهم للعمل بمنهج صاحب الشريعة الغراء رسول الهداية السمحاء، ونور الحق ومصدر الخير والبركات صلى الله عليه وسلم. قال الشوكاني في نيل الأوطار ص 80 جـ 5: ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث: (الأنبياء أحياء في قبورهم) وقد صححه البيهقي =
والملائكة والنَّاس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
= وألف في ذلك جزءا. قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا: إن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته. انتهى. ويؤيد ذلك ما ثبت أن الشهداء أحياء ويرزقون في قبورهم، والنبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجيء إليه بعد الموت كالمجيء إليه قبله، ثم ذكر حديث:(من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي) واستدلوا ثانياً بقوله تعالى:
ب - (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) الآية، والهجرة إليه في حياته: الوصول الى حضرته، كذلك الوصول بعد موته لكن في الوصول الى حضرته:
أ - النظر إلى ذاته الشريفة.
ب - تعلم أحكام الشريعة.
جـ - الجهاد بين يديه، واستدلوا بالأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل في ذلك دخولا أوليا، وكذا الأحاديث الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم في زيارتها ومنها: أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم، أخرج الدارقطني.
أولا: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي).
ثانياً: وعن ابن عمر حديث آخر عن الدارقطني بلفظ (من زار قبري وجبت له شفاعتي).
ثالثاً: وعن ابن عمر عند ابن عدي والدرقطني: (من حج ولم يزرني فقد جفاني).
رابعاً: وعن أنس عند ابن أبي الدنيا بلفظ: (من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعاً وشهيدا يوم القيامة).
خامساً: وعن عبد الله بن مسعود عن أبي الفتح الأزدي بلفظ: (من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه).
سادساً: وعن ابن عباس في مسند الفردوس بلفظ: (من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان).
سابعاً: وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عند ابن عساكر: (من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جواره) ولكن درجات هذه الأحاديث ضعيفة.
ثامناً: قال الحافظ: وأصح ما ورد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا: (ما من أحد يسلم على إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام.
تاسعاً: روي عن بلال أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بداريا يقول: (ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني. قال العلماء: والجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم محرم، فتجب الزيارة لئلا يقع في المحرم.
عاشراً: قال عبد الحق: زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من السنن الواجبة، واحتج أيضاً من قال: بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار، واختلاف المذاهب الوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته، ويعدون ذلك من أفضل الأعمال، ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا.
الحادي عشر: سيدنا مالك في الموطأ، رودي عن عبد الله بن عمر (أنه كان إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام ع ليك يا أبت ثم ينصرف).
الثاني عشر: في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني). =
7 -
وفي رواية للطبراني قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله يوم القيامة
= الثالث عشر: لما كره الصحابة أن يتخذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا دفنوه في حجره السيدة عائشة، بخلاف ما اعتادوا من الدفن في الصحراء لئلا يصلى أحد على قبره ويتخذه مسجدا ويتخذ قبره وثنا. أهـ من نيل الأوطار بتصرف ص 82 جـ 5.
ذكرت ذلك لا ميلا لرأي الجمهور أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم مندوبة بل يعجبني رأي بعض المالكية أنها واجبة، والحنفية أنها قريبة من الواجبات، وأميل إلى رأي الرجوب للقادر المستطيع يحج ويزور أو يزور ويحج صنوان لا زمان، وأمران محتمان ليكمل دين المرء، ويتم إيمانه بالله ورسوله، وتقوي أركان إسلامه وعزيمته في طاعة الله، وأنعم بأرض وطئتها أقدام خير الخلق. النبي صلى الله عليه وسلم متواضع، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أن ذكر فضل مدينته، وكثرة ثواب الأعمال فيها، والصلاة في مسجد صلى الله عليه وسلم.
وفي الأحاديث الصحيحة:
أ - (كنت له شفيعاً) رواه مسلم والترمذي.
ب - (فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم) رواه أحمد والبزار.
جـ - صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواء إلا المسجد الحرام، متفق عليه. قال الغزالي: وكذا كل عمل بالمدينة بألف. وبعد مدينته صلى الله عليه وسلم الأرض المقدسة، فإن الصلاة فيما بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام، وكذلك سائر الأعمال. أهـ.
د - لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. قال الغزالي: وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد، وقبور العلماء والصلحاء. وما تبين لي أن الأر كذلك، بل الزيارة مأمور بها. قال صلى الله عليه وسلم:(كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجراً). والحديث إنما ورد في المساجد، وليس في معناها المشاهد لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة، ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل. نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه، فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد، وينتقل إليه بالكلية إن شاء، ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام: (مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام، فالمنع من ذلك في غاية الإحالة. فإذا جوز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها. فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد. أهـ ص 219 جـ 1.
نحن الآن في زمن يذهب به المترفون إلى أوروبا ترويحاً للنفس واستنهاضا للهمم، وهكذا من دواعي البذخ والإنفاق فيما لا يبقى ثوابه، ولكن المتقين الصالحين يذهبون إلى المدينة المنورة، ويشدون الرواحل إلى الصلاة في مسجدها، وزيارة الساعد الأشد، والسراج المنير، والكوكب المتلألئ صلى الله عليه وسلم ليجمع بين نضرة النعيم، وسعادة الحياة في الدنيا والآخرة. فقد روي لنا البخاري رحمه الله عن أبي حميد رضي الله عنه قال أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك (غزوة سنة تسع من هجرته صلى الله عليه وسلم حتى أشرفنا على المدينة فقال صلى الله عليه وسلم هذه طابة أهـ قال الشرقاوي: وفي رواية طيبة ولها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وسميت بذلك لطيب رائحتها، وأمورها كلها، ولطهارتها من الشرك، وحلول الطيب بها صلى الله عليه وسلم، ولطيب العيش بها، ولكونها تنفي خبثها وينصع طيبها، ولطيب شرابها وهوائها. كما هو مشاهد من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا يكاد يجدها في غيرها، ومن أسمائها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) أي من المدينة لاختصاصها به اختصاص =
وغضب عليه، ولم يقبلْ منه صرفاً، ولا عدلاً.
= البيت بسكانه، والحرم لتحريمها، والحبيبة لحبه صلى الله عليه وسلم لها ودعائه به، وحرم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه الذي حرمها. وروي الزبير في أخبار المدينة أن لها أربعين اسما أهـ ص 138 جـ 2. وهل غاب عن أهل المدينة الحديثة في عصرنا هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال). الله أكبر حراس حفظه مهرة مؤيدون بروح الله، محاطون بعناية الله، مزودون بتقوى الله، واقفون على مداخل المدينة وأبوابها، وفوهات طرقها يمنعون الموت الذريع الفاشي (الطاعون) ويصدون الهواء القذر الذي يجلب التخمة ومباءة الحميات. قال الشرقاوي: أي لا يكون بها مثل ما يكون بغيرها كالذي وقع في طاعون عمواس، وهو أول طاعون وقع في الإسلام في خلافة عمر (قرية من قرى بيت المقدس) والعياذ بالله، ووقع بعده طاعون الجاروف، وقد أظهر الله تعالى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم ينقل قط أنه دخلها الطاعون ولا يدخلها (الدجال) الكذاب الضال الفتان لطرد الملائكة التي على الأنقاب له. أهـ ص 140 جـ 2. لقد اندحرت مصايف لبنان ورأس البر، واسكندرية وأوروبا إزاء هذه النعمة الجليلة التي وهبها الله لمددينة الرسول صلى الله عليه وسلم من طيب الإقامة، وعليل النسيم، وهضم طعامها، ولذة عيشها، وحسن بيئتها على أنها مبعث الإيمان اللصحيح، ووطنه القديم الذي أسس على تقوى من الله ورضوان. كما روي البخاري رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها. قال الشرقاوي: (ليأرز) لينضم ويجتمع أي إن أهل الإيمان لتنضم وتجتمع (كما تأرز الحية) أي كما أن الحية تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به. فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك أهل الإيمان انتشروا من المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إليها لمحبته في ساكنها، وهذا شامل لجميع الأزمنة. أما زمنه عليه الصلاة والسلام فللتعلم منه، وأما زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم فللاقتداء بهم، وأما ما بعدهم فلزيارة قبره المنيف، والصلاة في مسجده الشريف، والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه. رزقنا الله الرجوع إلى هناك مرة أخرى بمنه وكرمه آمين. أهـ ص 140 جـ 2.
يا أخي يسألونك عن اشتداد الأزمة. قل للمسلمين لضعف إيمانكم بالله، ولضياع التوكل على الله، ولنزع البركة في العمل. والدواء الشافي: التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما فعل، وتوطيد العزيمة على حب الله ورسوله، وأعني بذلك:
أ - العمل بكتابه.
ب - وسنة حبيبه.
جـ - شد الرحال إلى بيته الحرام ومسجده صلى الله عليه وسلم، ووالله ما ضيع المسلمين إلا هجر آداب الدين والتقليد الأعمى للأفرنج، وإنفاق المال في الملذات، وخلو الصحيفة من حسنات، ومكرمات ومحامد. لماذا؟ لانشغال القلب عن الله، ولغفلة الناس عن قائد الشرع، وعدم معرفة السيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم التعلق بزيارة قبره، وشد الرحال لمسجده صلى الله عليه وسلم، ويعجبني معنى حديث تقدم في الحج أن الذي لا ينفق ماله في وجوه البر يفتح الله على ما له أبواب الشرور، ويسلط على هلكته المصائب فيصرف في الأمراض والقضايا والمشاكسة، ومن أنفق في طاعة الله أبعد الله عنه الأضرار والسوء. وأنا أسلم أن موقع المدينة في المنطقة الحارة، والشمس في الصيف شديدة الحرارة جدا، وهذا حسن. فليستكن الإنسان في عقر داره نهاراً أو يستظل بظله إذا مشى، ويحذر وهج الشمس بقد ما استطاع، وبذا يأمن على نفسه، ولا يخشى أضرار الحر، وبعد العصر وفي الليل وفي الصبح. وما أبدع هواها وما أطيبه، وأعد هذا من كرامة الله ورضوانه لساكنها عليه أفضل الصلاة وأجل السلام، والحمد لله لا يزال أهلها وزوارها يتمتعون بهذه المبرة والميزة مدى الحياة، ويشعرون =
(الصرف): هو الفريضة. (العدل): التطوع. قال سفيان الثوري، وقيل: هو
= بلذة العيش هناك، ورخائه وهناءته، ويثنون الجميل ويشكرون الشكر الجزيل للذي أنارها وأضاء ربوعها، وشرف ديارها، وأزال وباءها، ومحبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:(اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة) وقالت السيدة عائشة: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله. قالت: فكان بطحان يجري نجلا: تعني ماء آجنا أهـ بخاري. قال الشرقاوي: (بطحان) واد في صحراء المدينة (نجلا) على وجه الأرض (آجنا) متغيرا، وغرض عائشة بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة لأن الماء الذي هذا صفته يحدث عنه المرض، والله تعالى أعلم. أهـ. قال البوصيري يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
محمد سيد الكونين والثقلين
…
والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الآمر الناهي فلا أحد
…
أبر في قول لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
…
لكل هول من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به
…
مستمسكون بجبل غير منفصم
فاق النبيين في خلق وفي خلق
…
ولم يدانوه في علم ولا كر
وكلهم من رسول الله ملتمس
…
غرفا من البحر أو رشفاً من الديم
وواقفون لديه عند حدهم
…
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
زيارة المدينة المنورة كما قال النووي رحمه الله تعالى
ومما جاء في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجده والسلام عليه وعلى صاحبيه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا). رواه البخاري ومسلم، وهذا ما قاله شراح هذا الحديث فما قاله العيني على البخاري ذكر معنى حديث أبي هريرة قوله:(لا تشد الرحال) على صيغة المجهول بلفظ النفي: بمعنى النهي بمعنى لا تشدوا الرحال، ونكتة العدول عن النهي إلى النفي لإظهار الرغبة في وقوعه أو لحمل السامع على الترك أبلغ حمل بألطف وجه، وقال الطبري: النفي أبلغ من صريح الهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذا البقاع لاختصامها بما اختصت به، ووقع في رواية لمسلم:(تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد) فذكره من غير حصر، وليس في هذه الرواية منع شد الرحال لغيرها إلا على القول بحجية مفهوم العدد، والجمهور على أنه ليس بحجة، ثم التعبير بشد الرحال خرج مخرج الغالب في ركوب المسافر وكذلك في بعض الروايات (لا يعمل المطي) وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل، والبغال والحمير، والمشي في هذا المعنى، ويدل عليه قوله في بعض طرقه في الصحيح:(إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد) والرحال بالحاء المهملة جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس، وهو أصغر من القتب، وشد الرحل كناية عن السفر لأنه لازم للسفر، والاستثناء مفرغ. فتقدير الكلام لا تشد الرحال إلى موضع أو مكان. فإن قيل فعل هذا يلزم أن لا يجوز السفر إلى مكان غير المستثنى حتى لا يجوز السفر لزيارة إبراهيم الخليلي صلوات الله تعالى وسلامه عليه ونحوه لأن المستثنى منه في المفرغ لابد أن يقدر أعم العام وأجيب بأن المراد بأعم العام ما يناسب المستثنى نوعا ووصفا. كما إذا قلت: ما رأيت إلا زيدا كان تقديره ما رأيت رجلا، أو واحدا إلا زيدا، لا ما رأيت شيئاً، أو حيوانا إلا زيداً، فههنا تقديره: لا تشد إلى مسجد إلا إلى الثلاثة. انتهى المقصود من الحديث بالجزء السابع صحيفة 252. وهذا ما قاله ابن حجر في فتح الباري الجزء صحيفة 42.
قال: واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا، وإلى المواضع الفاضلة =
النافلة، والعدل: الفريضة، وقيل: الصرف التوبة، والعدل: الفدية. قال مكحول، وقيل:
= لقصد التبرك بها والصلاة فيها. فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار نضرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له لو أدركت قبل أن تخرج ما خرجت، واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة، والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها، فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد بلفظ لا ينبغي للمعطي أن تعمل وهو لفظ ظاهر في غير التحريم. ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة. فإنه لا يجب الوفاء به. قاله ابن بطال، وقال الخطابي: اللفظ لفظ الخبر، ومعناه الإيجاب فيما نذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها. أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة. ومنها أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب علم، أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي ويؤيده ما روي أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد، وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى ومسجدي) وشهر حسن الحديث، وإن كان فيه بعض الضعف. ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاة الخطابي عن بعض السلف أنه قال: لا يعتكف في غيرها، وهو أخص من الذي قبله: ولم أر عليه دليلا واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك وأحمد الشافعي والبويطي، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقاً، ثم ذكر بعد تحقيق في النذر، وأقوال المذاهب فيه ما وقع من ابن تيمية، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاء غبره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نقل من مالك أنه كره أن يقول: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب. قال بعض المحققين قوله: إلا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف. فأما أن يقدر عاما فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة، أو أخص من ذلك، لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم، وطلب العلم وغيره، فتعين الثاني، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثاثة فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين، والله أعلم.
ثم قال النووي رضي الله عنه: واعلم أن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهم القربات، وأنجح المساعي. فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة استحب لهم استحبابا متأكداً أن يتوجهوا إلى المدينة لزيارته صلى الله عليه وسلم، وينوي الزائر مع الزيارة التقرب، وشد الرحل إلى المسجد والصلاة فيه، وإذا توجه فليكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة، وأن يقبلها منه، ويستحب أن يغتسل قبل دخوله، ويلبس أنظف ثيابه، ويستحضر في قلبه شرف المدينة، =
الصرف الاكتساب، والعدل: الفدية، وقيل: الصرف الوزن، والعدل: الكيل،
= وأنها أفضل الأرض بعد مكة عند بعض العلماء، وعند بعضهم أفضلها مطلقا، وأن الذي شرفت به صلى الله عليه وسلم خير الخلائق، وليكن من أول قدومه إلى أن يرجع مستشعرا لتعظيمه ممتلئ القلب من هيبته كأنه يراه فإذا وصل باب مسجده صلى الله عليه وسلم. فليقل الذكر المستحب في دخول كل مسجد، وهو: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم الحمد لله، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يقول: بسم الله ويقدم رجله اليمنى في الدخول ويقدم اليسرى في الخروج. ذكر هذا الدعاء في كتابه الأذكار، وعزا حديثه إلى مسلم وأبي داود، والنسائي وابن ماجه وغيرهم، ثم قال: فإذا دخل قصد الروضة الكريمة وهي ما بين القبر والمنبر فيصلى تحية المسجد بجنب المنبر. وفي إحياء علوم الدين أنه يستحب أن يجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن، ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه. فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وسع المسجد بعده صلى الله عليه وسلم. وفي كتاب المدينة أن ذرع ما بين المنبر ومقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى توفي أربعة عشر ذراعا وشبرا، وأن ذرع ما بين القبر والمنبر ثلاثة وخمسون ذراعا وشبرا فإذا صلى التحية في الروضة أو غ يرها شكر الله تعالى على هذه النعمة وسأله إتمام ما قصده، وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر، ويبعد من رأس القبر نحو أربع أذرع، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه، ويقف ناظراً إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال، فارغ القلب من علائق الدنيا، مستحضرا في قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته، ثم يسلم ولا يرفع صوته. بل يقتصد فيقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك وأزاجك وأصحابك أجمعين السلام عليك وعلى سائر النبيين وجميع عباد الله الصالحين، جزاك الله يا رسول الله عنها أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته، وصل عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، وأكمل ما صلى على أحد من الخلق أجمعين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده. اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمود الذي وعدته وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، ومن طال عليه هذا كله اقتصر على بعضه، وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء عن ابن عمر وغيره من السلف الاقتصار جدا، فعن ابن عمر ما ذكرناه قريباً، وعن مالك يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإن كان قد أوصى بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم. قال السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، وفلان بن فلان يسلم عليك يا رسول الله ونحو هذه العبارة، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول السلام عليك يا أبا بكر صفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار جزاك الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على عمر رضي الله عنه، ويقول السلام عليك يا عمر الذي أعز الله به الإسلام جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقال ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله. سمعت الله يقول: =
وقيل غير ذلك.
8 -
وروي عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ آذى أّل المدينة آذاه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، ولا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ رواه الطبراني في الكبير.
= (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
…
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
…
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف فغلبتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبى الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له) ثم يتقدم إلى رأس القبر الشريف فيقف بين الاسطوانة ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى، ويمجده. ويدعو لنفسه بما شاء ولوالديه، ومن شاء من أقاربه ومشايخه وإخوانه وسائر المسلمين، ثم يرجع إلى الروضة فيكثر فيها من الدعاء والصلاة ويقف عند المنبر ويدعو. أهـ من المجموع شرح المهذب ص 272 جـ 8 نقلها لنا الأخ الصالح (محمد أفندي الشرنوبي).
وصف المدينة المنورة مقتبس من الرحلة الحجازية
كانت المدينة في القرن الأول للهجرة في غاية الرقي، بساتينها تملأ الفضاء المحيط بها، وكان للقوم بها رياض ظاهرة، وقصور باهرة في وادي العقيق الذي كان يفور ماؤه، ويبهر رواؤه، وتزهو أرجاؤه، ويكثر زهره، ويفوح عطره، ويجني ثمره، وأسواقها مشحونة بالمتاجر الواردة إليها من الهند والسند والشام وبلاد العجم من ثياب القطن والحرير والصوف والبسط.
وتجارة التمر فيها أكبر التجارات وأوسعها، لأن أرضها فيها كثير من المزارع والبساتين، ونخيلها تنتج نحو سبعين صنفا من التمر، ممتاز بينها العنبري بشدة حلاوته. وكانت أبنية المدينة في أول القرن الثامن الهجري محصورة في سور بناه حولها الأمير جمال الدين وزير صاحب الموصل في منتصف القرن السادس وهو باقي إلى الآن، وعلى محيطه المزاغل والأبراج المشحونة بالمدافع والذخائر الحربية لصد هجمات الأعراب الذين كثيرا ما كانوا ولا يزالون يعتدون على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخارج هذا السور سور آخر درست معالمه ولم يبق منه إلا جدر مقوضة مهدمة، وينزل ركب المحمل المصري بين السورين في فضاء اسمه المناخة.
وفي المدينة وأرباضها أماكن أثرية ألبستها ذكرى مجدها الغابر شرفا وجلالا وهيبة تكاد تتنزه عن النظير، وأشهرها مسجد قباء ويبعد عن المدينة بمسافة خمسة كيلومترات، وهو أول مسجد بني في الإسلام. بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وفد إليها في هجرته.
وأهل المدينة يشربون من الآبار والماء يجري إليها من العيون الزرقاء في أنابيب تتفرع وتتشعب في أنحاء البلد. ومناخها معتدل، وهواؤها طيب، ولعل ذلك كان من الأسباب التي ساعدت على رقة أهلها، ولطافة أمزجتهم مع ما هم عليه من الصلاح والتقوى، والأدب وحسن المعاشرة. حتى قيل إنهم أحسن أهل بلاد العرب في مكارم الأخلاق، ولا عجب فجاورتهم للسيد الرسول صلى الله عليه وسلم ألبستهم كثيراً من أخلاقه الكاملة. على أن من ييفكر في أنه عليه الصلاة والسلام اختصهم بالهجرة إلى بلدهم يحكم بأن مكارم الأخلاق فيهم من زمن بعيد، وحسبك أنه أعلن في حجة الوداع أنه لا يود الموت إلا بين أظهر الأنصار، وهؤلاء أعقابهم اليوم على سنتهم فرضي الله عنهم أجمعين. أهـ. قال البوصيري رحمه الله يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب المدينة: =