الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تؤمُّ يا أبا عبد الرَّحمن؟ قال: أوْم هذا المسجد في بني عمرو بن عوف، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى فيه كان كعدل (1) عمرة. رواه ابن حبان في صحيحه.
24 -
وعنْ جابر، يعني ابن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثاً: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصَّلاتين فعرف البشر فيوجهه. قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخَّيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. رواه أحمد والبزار وغيرهما، وإسناد أحمد جيِّد.
(الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها)
وفضل أُحُد، ووادي العقيق
(قال الحافظ) تقدم في الباب قبله مما ينتظم في سلكه، ويقرب منه حديث بلال بن الحارث رمضان (2) بالمدينة خيرٌ من ألفِ رمضانٍ فيما سواها من البلدان، وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعةٍ فيما سواها البلدان، وحديث جابر أيضا، وفيه: إلا المسجد الحرام.
1 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصبر على لأواء المدينة وشدَّتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة، أوْ شهيداً (3).
رواه مسلم والترمذي وغيرهما.
(1) يساوي ثواب عمرة.
(2)
إن تعبد الله وتطعمه، وتعمل صالحا في رمضان بالمدينة. يضاعف الثواب، ويزداد الأجر، وكذا زيادة ثواب إدراك الجمعة بالمدينة لأن الله تعالى فضلها، واختارها قبرا لحبيبه صلى الله عليه وسلم، وفيها أنواره وبهاؤه، وهناك يتجلى الإيمان، وتخشع القلوب لله جل وعلا، ثم استثنى صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام. فإن ثواب العبادة فيه مضاعفة الأجر.
(3)
قال النووي: قال القاضي: أو هنا للتقسيم، ويكون شهيدا لبعض أهل المدينة، وشفيعاً لبقيتهم. إما شفيعا للعاصين، وشهيداً للمطيعين، وإما شهيداً لمن مات في حياته، وشفيعاً لمن مات بعده أو غير ذلك. قال القاضي: وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعاملين في القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد:(أنا شهيد على هؤلاء) فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيد، أو زيادة منزلة وخطوة. =
2 -
وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصبر أحد على لأوائها إلا كنت له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً. رواه مسلم.
(اللأواء) مهموزا ممدودا: هي شدة الضيق.
2 -
وعن سعدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنِّي أحرِّمُ ما بين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها، وقال: المدينة خير لهمْ لوْ كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبتُ أحد لعى لأوائها وجهدها إلا كنتُ له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة.
زاد في رواية: ولا يريد أحد أهل (1) المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوْبَ الرَّصاص، أوْ ذوْب الملح في الماء. رواه مسلم.
= قال وقد تكون أو بمعنى الواو. فيكون لأهل المدينة شفيعاً وشهيداً إلى أن قال: فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها، وادخارها لجميع الأمة. إن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار، ومعافاة بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، أو بما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة كإيوائهم إلى ظل العرش، أو كونهم في روح وعلى منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض والله أعلم. أهـ ص 137 جـ 9.
رب إني أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأود أن أسكن المدينة. فهل تتفضل علي بإجابة طلبي؟ رب هب لي المتاب، واغفر ذنوبي، وأرني النبي صلى الله عليه وسلم لأحظى بمشاهدة محياه السني في حياتي صلى الله عليه وسلم. رب أنفعني بسنته، ووفقني للعمل بشريعته، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.
(1)
أحد أهل. كذا ط وع ص 410، وفي ن د: لأهل. قال القاضي هذه الزيادة: وهي قوله في النار تدفع إشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها هذه الزيادة، وتبين أن هذا حكمه في الآخرة. قال: وقد يكون المراد به من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. كفى المسلمون أمره، واضمحل كيده كما يضمحل الرصاص في النار. قال: وقد يكون في اللفظ تأخير وتقديم: أي أذابه الله ذوب الرصاص في النار ويكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يهمله الله، ولا يمكن له سلطانا. بل يذهبه عن قرب كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم ابن عقبة فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك، وغيرهما ممن صنع صنيعهما. قال: وقيل قد يكون المراد من كادها اغتيالا، وطلباً لغرتها في غفلة. فلا يتم له أمره، بخلاف من أتى ذلك جهاراً كأمراء استباحوها. أهـ ص 138 جـ 9 شرح النووي، وذلك مشاهد. فإن الله تعالى حفظها من كيد الأعداء وأحاطها بسياح الأمن العام، والطمأنينة التامة، والبركة، وطيب الهواء العليل البليل، والصحة الكاملة، والنعمة الشاملة، ووالله زاملنا في الطريق أخ صالح وصاحبنا مدة أعمال الحج، ولما انتهينا فارقنا بجدة، وأراد الذهاب إلى المدينة المنورة، وإن به حمى شديدة، وبعينيه رمد وألم، وأخذ به الضعف كل مأخذ، ويبكي كثيرا شوقا =
(لابتا المدينة) بفتح الباب مخففة: هو حرّتاها، وطرفاها.
(والعضاه) بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة، وبعد الألف هاء، جمع عضاهة: وهي شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوك، وقيل: ما عظم منها:
4 -
وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتينَّ على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرَّخاء فيجدون رخاءً، ثمَّ يأتون فيتحمَّلون بأهليهم إلى الرَّخاء، والمدينة (1) خير لهمْ لو كانوا يعملون. رواه أحمد والبزار واللفظ له، ورجاله رجال الصحيح.
(الأرياف) جمع ريف، بكسر الراء، وهو: ما قارب المياه في أرض العرب، وقيل: هو الأرض التي فيها الزرع والخصب، وقيل غير ذلك.
5 -
وعن سفيان بن أبي زهيرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفتحُ اليمن، فيأتي قوم يبسُّون (2) فيتحمَّلون بأهْليهمْ، ومنْ أطاعهمْ، والمدينة خير لهمْ لوْ كانوا يعلمون، وتفتح الشَّام: فيأتي قوم يبسُّون فيتحملون بأهليهم ومنْ أطاعهمْ، والمدينة خير لهمْ لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم بيسُّون فيتحمَّلون بأهليهمْ ومن أطاعهم، والمدينة خيرٌ لهمْ لوْ كانوا يعلمون. رواه البخاري ومسلم.
(البسّ) السَّوْق الشديد، وقيل: البسّ: سرعة الذهاب.
6 -
وعن أبي أسيدٍ السَّاعديِّ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله
= إلى زيارة قبره الشريف عليه الصلاة والسلام. فأجاب الله بغيته، وأعانه على طلبته فتمتع بمشاهدة الأنوار المحمدية. وجاء لنا سليما معافي يحوطه البهاء، وتعلوه المهابة، ويزفه الفوز والنجاح، وشفي الله عينه وأصح جسمه، وأكسبه النضارة والهناء ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
الإقامة بالمدينة خير لهم، وفيه الترغيب بحب المدينة، واختيار المقام فيها حبا في كثرة الثواب، ومجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
يبسون بضم الباء وكسرها: أي ينتشرون في اليمن طالبين الخيرات الكثيرة، ويزجرون أهليهم على متابعتهم والسيل على منوالهم طمعاً في كثرة الرزق وسعة العيش، وفي النهاية يقال: بست الناقة، وأبسستها: إذا سقتها وزجرتها وقلت لها: بس بكسر الباء وفتحها، وفي المصباح: بس الإبل، وأبسها: زجرها، وقال لها: بس بس، ثم ذكر الحديث، والمعنى ستتسع أملاك السملمين، ويزداد العمران فتطمع الناس في الإقامة في غير المدينة جلباً للأموال الوفيرة، ويحثون أهليهم على اللحوق بهم ويزجرونهم، ولكن المدينة خير لهم مسكناً وجواراً، وطاعة وعبادة، ورزقا حلالا وقناعة، وأنواراً، وبهاء وجمالاً.
عليه وسلم على قبر حمزة بن عبد المطلب فجعلوا يجرُّون النَّمرة على وجههِ فتنكشف قدماه ويجرُّونها على قدميهِ فينكشف وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها على وجههِ، واجعلوا على قدميه من هذا الشَّجرِ. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فإذا أصحابه يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصبون منها مطعماً (1) وملبساً ومركباً، أوْ قال: مراكب فيكتبون إلى أهليهمْ: هلمَّ إلينا، فإنَّكم بأرض حجازٍ جدوبة، والمدينة خيرٌ لهمْ لوْ كانوا يعلمون. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
(النمرة) بفتح النون، وكسر الميم: وهي بردة من صوف تلبسها الأعراب
7 -
وعنْ عمر رضي الله عنه قال: غلا السَّعرُ بالمدينة فاشتدَّ الجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصبروا وأبشروا، فإنَّي قد باركت على صاعكمْ ومدِّكمْ، وكُلوا ولا تتفرَّقوا، فإنَّ طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والسِّتَّة، وإن البركة في الجماعة، فمنْ صبر على لأوائها وشدَّتها كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة، ومنْ خرج عنْها رغبةً عمَّا (2) فيها أبدل الله به منْ هو خير منها فيها، ومنْ أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء رواه البزار بإسناد جيِّد.
(1) منها مطعما. كذا د وع ص 411، وفي ن ط: فيها مطعماً. تنبأ صلى الله عليه وسلم بالانتشار الإسلام، واتساع بلاده، وزيادة أرزاق أهله. فيحثون أهليهم على الهجرة من المدينة إلى حيث النعيم المقيم والخيرات الجمة، والنعم العديدة. صلى الله عليك يا رسول الله. نعم إن الإقامة بالمدينة خير. فيها أنوارك المشرقة والإيمان بالله ورسوله المتدفق، والطاعة التامة لله ورسوله، والنفس المطمئنة الراغبة عن الدنيا المائلة إلى تشييد الصالحات، المكثرة من ذكر الله تعالى واستغفاره، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم الدائبة في التحلي بالمكارم المجتهدة في التكميل والتجميل، والتحصيل المتشرفة بزيارة قبرك الشريف. المصلية في روضة من رياض الجنة كما أخبرت يا رسول الله. هذا إلى بعدهما من الشيطان وغوايته. قال تعالى:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) 24 من سورة هود (وأختبوا) أي أطمأنوا إليه وخشعوا له، من الخبت وهو الأرض المطمئنة (خالدون) دائمون. أهـ. بيضاوي.
ولا تجد أدعى إلى غرس الإيمان، والباعث على زيادة الطاعات مكانا غير المدينة المنورة المباركة.
(2)
كرها عما فيها وزهدا فيها، وانتظار مكان أحسن منها. ساق الله إلى المدينة من هو أحسن من الراحل وأفضل وأخيرا منه.
8 -
وعنْ أفلح موْلى أبي أيُّوب الأنصاري أنَّه مرَّ بزيد بن ثابتٍ، وأبي أيُّوب رضي الله عنهما، وهما قاعدان عند مسجد الجنائز، فقال أحدهما: لصاحبه تذكر حديثاً حدَّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد الذي نحن فيه؟ قال: نعمْ، عن المدينة سمعتهُ، بزعمُ أنه سيأتي على الناس زمانٌ تفتح فيه فتحات الأرض فتخرج إليها رجالٌ يصيبون رخاء وعيشا وطعاماً، فيمرُّون على إخوانٍ لهمْ حجَّاجاً، أو عمَّاراً، فيقولون: ما يقيمكمْ في لأواء العيش، وشدَّة الجوع؟ فذاهب وقاعد، حتى قالها مراراً، والمدينة خير لهم (1) لا يثبت بها أحد فيصبر على لأوائها وشدَّتها حتى يموت إلا كنتُ له يوم القيامة شهيداً أوْ شفيعاً. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد، ورواته ثقات.
9 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع أن يموت (2) بالمدينة فليمتْ بها، فإنِّي أشفع (3) لمن يموت بها. رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والبيهقي، ولفظ ابن ماجه:
من استطاع منكمْ أن يموت بالمدينة فليفعلْ، فإنِّي أشهد لمن مات بها.
10 -
وفي رواية للبيهقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكمْ أن يموت بالمدينة فليمتْ فإنَّه من مات بالمدينة شفعتُ له يوم القيامة.
11 -
وعن الصُّميتة امرأةٍ من بني ليثٍ رضي الله عنها أنَّها سمعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استطاع منكمْ أن لا يموت إلا بالمدينة فليمتْ بها فإنه من يمتْ بها نشفع له، أو نشهد له، رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.
12 -
وفي رواية للبيهقي: أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمتْ، فمن مات بالمدينة كنتُ له شفيعاً أو شهيداً.
13 -
وعن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع منْكمْ أن يموت بالمدينة فليمتْ، فإنَّه لا يموت بها أحد إلا كنت له
(1) في ن د زيادة (لو كانوا يعلمون).
(2)
استطاع أن يموت. كذا د وع ع، وفي ن ط: زيادة منكم.
(3)
أرجو له النجاة من الأهوال، وأتضرع إلى المولى جل وعلا أن يغفر له.
شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير، ورواته محتجّ بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عكرمة، روي عنه جماعة ولم يخرجه أحد، وقال البيهقي: هو خطّاءٌ، وإنما هو عن صميتة كما تقدم.
14 -
وعن امرأةٍ يتيمةٍ كانتْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيفٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع منْكمْ أن يموت بالمدينة فليمتْ، فإنَّه من مات بها كنْتُ له شهيداً، أو شفيعاً يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
15 -
وعنْ حاطبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ زارني بعد موتي فكأنَّما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين (1) بُثَ من الآمنين يوم القيامة: رواه البيهقي عن رجل من آل حاطب له يسمه عن حاطب.
16 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زار قبري، أو قال: من زارني كنت له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة، ومنْ مات في أحدِ الحرمين بعثه الله في الآمنين (2) يوم القيامة. رواه البيهقي وغيره عن رجل من آل عُمر لم يسمه عن عمر.
17 -
وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين. بعث من الآمنين يوم القيامة، ومنْ زارني مُحتسباً (3) إلى المدينة كان في حواري يوم القيامة. رواه البيهقي أيضاً.
(قال المملي) الحافظ رحمه الله، وقد صح من غير ما طريقٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوباء والدّجال لا يدخلانها، اختصرت ذلك لشهرته.
(1) بمكة أو المدينة أحياء الله آمنا من الأهوال، ناجيا مطمئنا لأن الله تعالى غفر له ذنوبه، وعفا عنه إكراما لهذه الأراضي المقدسة.
(2)
في الآمنين. كذا ط وع ص 413، وفي ن د: من الآمنين، وفيه الترغيب في الإقامة بمكة أو المدينة وجاء حسن الخاتمة، وإخلاص العمل لله، والانتفاع بطهارة هذه البقع المباركة التي وطئتها أقدام الأنبياء والأولياء.
(3)
طالبا الأجر من الله تعالى، مشتاقا لمشاهدة أنواري، مهاجراً لله ورسوله: طلب محبتي.
18 -
وعنْ أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ، ثمَّ صلى بأرض سعدٍ بأرض الحرَّة عند بيوت السُّقيا، ثمَّ قال: اللهمَّ إنَّ إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكَّة، وأنا محمَّدٌ عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك به إبراهيم لمكَّة، ندعوك أن تبارك لهمْ في صاعهم ومدِّهمْ وثمارهم (1). اللهمَّ حبِّبْ إلينا المدينة كما حبَّبْت إلينا مكَّة، واجعل ما بها من وباء نجمٍ. اللهمَّ إني حرَّمت (2) ما بين لا بتيها (3) كما حرَّمت على لسان إبراهيم الحرم. رواه أحمد، ورجال إسناده رجال الصحيح.
(خم) بضم الخاء المعجمة، وتشديد الميم: اسم غيضة بين الحرمين قريباً من الجحفة لا يولد بها أحد فيعيش إلى أن يحتلم إلا أن يرتحل عنها لشدة ما بها من الوباء والحمى بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأظن غدير خمْ مضافاً إليها.
19 -
وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: كان الناس إذا رأوا أوَّل الثَّمر جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا (4)، وبارك لنا في صاعنا ومدِّنا.
(1) يطلب صلى الله عليه وسلم وضع البركة في زراعة أهل المدينة ومحصولاتها: وأثمارها وقوتها، وقد أجاب الله الدعاء: رزق أهلها القناعة والرضا، وبارك في خيراتها، وجعلها شفاء من كل داء. قال النووي: هذا دليل لمن يقول إن تحريم مكة إنما هو كان في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه كان يوم خلق الله السماوات والأرض، وذكروا في تحريم إبراهيم:
أ - حرمها بأمر الله تعالى له بذلك لا باجتهاده.
ب - دعا لها فحرمها الله تعالى بدعوته فأضيف التحريم إليه لذلك. أهـ ص 134 جـ 9.
(2)
قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني حرمت) قال النووي: هذه الأحاديث حجة ظاهرة للشافعي ومالك وموافقيهما في تحريم صيد المدينة وشجرها، وأباح أبو حنيفة ذلك، واحتج له بحديث:(يا أبا عمير ما فعل النغير) وأجاب أصحابنا بجوابين: أحدهما: يحتمل أن يحديث النغير كان قبل تحريم المدينة، والثاني: يحتمل أنه صاده من الحل لا من حرم المدينة. والمشهور من مذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا ضمان في صيد المدينة وشجرها. بل هو حرام بلا ضمان. أهـ ص 134 جـ 9.
(3)
يريد المدينة. واللابتان الحرتان، واحدتهما لابة ولوبة ونوبة، وجمع القلة لابات، والكثرة لاب ونوب. أهـ نووي ص 135 جـ 9، والمراد تحريم المدينة ولايتيها.
(4)
قال العلماء: كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم في الثمر، وللمدينة والصاع، والمد، وإعلاما له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها، وتوجيه الخالصين. أهـ نووي ص 146 جـ 9. =
اللهمَّ إنَّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإنِّي عبدك ونبيك وإنَّه دعاك لمكة، وإنِّي أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكَّة ومثله معه. قال: ثمَّ يدعو أصغر وليدٍ يراه فيعطيه ذلك الثَّمر (1). رواه مسلم وغيره.
(قوله في صاعنا ومدّنا) يريد في طعامنا المكيل بالصاع والمد، ومعناه أنه دعا لهم بالبركة في أقواتهم جميعاً.
20 -
وعنْ عائشة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ حبِّبْ إلينا المدينة كحُبِّنا مكَّة أو أشدَّ، وصصْها لنا، وبارك لنا في صاعها ومدِّها، وانقلُ حمَّاها فاجعلها بالجحفة (2). رواه مسلم وغيره، قيل إنما دعا بنقل الحمى إلى الجحفة لأنها كانت إذ ذاك دار اليهود.
21 -
وعنْ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنَّا عند السُّقيا التي كانت لسعدٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
= وماذا نصنع الآن؟ نكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ونقبل على العمل بشريعته صلى الله عليه وسلم ونكثر من ذكر الله وطاعته، ونزكي ليضع لنا البركة في مدنا وصاعنا وبلدنا:
أ - (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون).
ب - (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) 30 من سورة الرعد.
(تطمئن) تكن إليه (طوبى) فعل من الطيب كبشرى وزلفى، ولهم خير عاقبة وأحسن نتيجة.
ذكرت هاتين الآيتين استدلالا على أن العمل بكتاب الله وسنة رسوله يجلبان الخير، ويدفعان الضر ويسوقان البركة في الذرية والرزق، كما كان الصحابة يتبركون برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته نتبرك به صلى الله عليه وسلم وسلم أيضاً الآن، ونتقرب إلى الله تعالى ورسوله بالعكوف على الاستقامة كما استقامة أصحابه صلى الله عليه وسلم في عصره، واتباع تعاليمه، والعمل بإرشاده. فهو صلى الله عليه وسلم حي في قبره يفرحه صلاحنا، ويسره إقامة شرعه كما أمر الله تعالى.
(1)
فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق، وكمال الشفقة والرحمة، وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه، وأكثر تطلعاً إليه، وحرصاً عليه. أهـ نووي.
(2)
طلب صلى الله عليه وسلم من الله جل وعلا أن يحول أمراضها في مكان بعيد من المدينة رأفة بسكانها ومحبة فيهم. قال النووي: فيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض، والأسقام والهلاك، وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة، وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة.
وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. فإن الجحفة من يؤمئذ مجتنبه، ولا يشرب أحد من مائها إلا حم أهـ ص 150 جـ 9.
وسلَّم: اللهمَّ إنَّ إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهلِ مكَّة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك، وإنِّي أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهمْ في صاعهم ومدِّهم مثل ما باركت لأهل مكَّة، واجعل مع البركة بركتينِ. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد قوي.
22 -
وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ بارك لنا في مدينتنا. اللهمَّ اجعلْ مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده ما من المدينة شيء، ولا شعْبٌ (1) ولا نقْبٌ (2) إلا عليه ملكان يحرسانها. رواه مسلم في حديث.
23 -
وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ اجعَلْ بالمدينة ضعفي ما جعلتَ بمكَّةَ من البركة. رواه البخاري ومسلم.
24 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: دعا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهمَّ بارك لنا في صاعنا ومدِّنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجلٌ من القومِ: يا نبيَّ الله وعراقنا؟ قال: إن بها قرن الشَّيطان، وتهيُّج الفتنِ، وإنَّ الجفاء بالمشرق. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات.
(قرن الشيطان) قيل معناه: أتباع الشيطان، وأشياعه، وقيل: شدته وقوته، ومجل ملكه وتصريفه، وقيل: غير ذلك.
25 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في المنام امرأةً سوداء ثائرة الرَّأس خرجتْ حتى قامتْ بمهيعة، وهي: الجحفة، فأوَّلتُ أنَّ وباء المدينة نقل إلى الجحفة. رواه الطبراني في الأوسط، ورواة إسناد ثقات.
(1) فرجة نافذة بين الجبلين.
(2)
طريق في الجبل. قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها: قال النووي: فيه بيان فضيلة المدينة وحراستها في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكثرة الحراس، واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أهـ ص 148 جـ 9.
وأقول: إن الله حافظها وحارسها إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يزال يتفضل بحراستها سبحانه من كيد الأعداء، ويحيطها برعايته ولن يصيبها - والحمد لله ضير، ولن يلحقها أذى ما دامت السماوات والأرض وكثيرا ما صد عنها هجمات الملحدين، وأبعدها عن حملات الزنادقة الطاغين الظالمين. (فالله حافظاً وهو أرحم الراحمين).
(مهيعة) بفتح الميم، وإسكان الهاء بعدها ياء مثناة تحت، وعين مهملة مفتوحتين: اسم لقرية قديمة قديمة كانت بميقات الحج الشامي على اثنين وثلاثين ميلا من مكة، فلما أخرج العماليق بني عبيل إخوة عاد من يثرب نزولها فجاءهم سيل الجحاف بضم الجيم فجحفهم، وذهب بهم فسميت حينئذ الجحفة، بضم الجيم، وإسكان الحاء المهملة.
26 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينة قبَّة الإسلام (1)، ودار الإيمان، وأرض الهجرةِ (2) ومثوى الحلال والحرام. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به.
27 -
وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُ ما ركبتْ إليه الرَّواحل مسجد إبراهيم (3) صلى الله عليه وسلم، ومسجدي (4). رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: مسجدي هذا، والبيت المعمور. وابن حبان في صحيحه، ولفظه:
إنَّ خير ما ركبتْ إليه الرَّواحل مسجدي هذا، والبيت العتيق.
(قال الحافظ). وقد صح من غير ما طريقٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشدُّ الرَّواحل إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى.
28 -
وعنْ سعدٍ رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك تلقَّاه رجالٌ من المتخلِّفين من المؤمنين فأثار غباراً فخمَّر (5) بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفه، فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللِّثام عن وجههِ، وقال: والذي نفسي بيدهِ إنَّ في غبارها (6) شفاء من كلِّ داء. قال: وأراه ذكر، ومن الجذم، والبرص. ذكره رزين العبدري في جامعة، ولم أره في الأصول.
29 -
وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: التمس لي غلاماً من غلْمانكم يخدمني، فخرج أبو طلحة يرد فني وراءه
(1) بيت مستدير، والمراد أنها مأوى الأعمال الصالحة، وفيها تقام أركان الإسلام ويتمثل فيها العمل الصالح.
(2)
مكان إقامة.
(3)
البيت الحرام.
(4)
مسجد المدينة.
(5)
فغطى.
(6)
معناه استنشاق نسيمها يشفي العليل، وبريحها يبرأ السقيم، وجوها صحي، وغبارها مسكي.
فكنت أخدمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّما نزل. قال: ثمَّ أقبل حتى إذا بدا له أحد قال: هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه (1)
فلما أشرف على المدينة قال: اللهمَّ إني أحرِّم ما بين جبليها مثل ما حرَّم إبراهيم مكَّة ثمَّ قال: اللهمَّ بارك لهمْ في مدِّهم وصاعهمْ. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.
(قال الخطابي): في قوله: هذا جبل يحبنا ونحبه، أراد به أهل المدينة وسكانها، كما قال تعالى: واسئل القرية: أي أهل القرية. قال البغوي: والأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء، وأهل الطاعة كما حنت الاسطوانة على مفارقته صلى الله عليه وسلم، حتى سمع القوم حنينها إلى أن سكنَّها، وكما أخبر أن حجراً كان يسلم عليه قبل الوحي، فلا ينكر عليه، ويكون جبل أحد، وجمع أجزاء المدينة تحبه، وتحنّ إلى لقائه حالة مفارقته إياها.
(قال الحافظ) وهذا الذي قال البغوي حسن جيِّد، والله أعلم.
30 -
وقد روي الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور، عن السدي عن عبادة ابن أبي يزيد، عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكِّة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجرٌ إلا وهو يقول: السَّلام عليك يا رسول الله. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
31 -
وعنْه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحدٌ جبلٌ
(1) الصحيح المختار أن معناه أن أحداً يحبنا حقيقة، جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به كما قال سبحانه وتعالى (وإن منها لما يهبط من خشية الله) وكما حن الجذع اليابس، وكما سبح الحصى، وكما فر الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم:(إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي)، وكما دعا الشجرتين المفترقتين فاجتمعتا، وكما رجف حراء فقال:(اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق) الحديث.
وكما كلمه ذراع الشاة، وكما قال سبحانه وتعالى:(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) والصحيح في معنى هذه الآية كل شيء يسبح حقيقة بحسب حاله ولكن لا نفقه، وقيل يحبنا أهله. أهـ ص 140 جـ 9.
أي أخي إذا كان الجبل ميزة الله بإدراك يحب خير الخلق صلى الله عليه وسلم. فما بالك أيها العاقل تقصر في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن علامة المحبة أن تعمل بشريعته، وتكثر من ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتشوق لزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم مع أداء فريضة الحج، وتقبل على طاعة الله سبحانه وتعالى.
يُحبُّنا ونُحبهُ، فإذا جئتموه فكلوا من شجرهِ (1) ولوْ منْ عاضهِ. رواه الطبراني في الأوسط من رواية كثير بن زيد.
32 -
ورواه ابن ماجة من رواية محمد بن اسحق عن عبد الله بن مكنف عن أنس، وهذا إسناد واهٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ جبل (2)
أحدٍ يُحبنا ونحبُّه، وهو على ترعةٍ من ترع الجنَّة، وعير على ترْعةِ من ترعِ النَّار.
(قال المملي) رضي الله عنه: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ما طريقٍ وعن جماعة من الصحابة أنه قال لأحدٍ: هذا جبلٌ يُحبنا ونحبُّه. والزيادة على هذا عند الطبراني غريبة جدا.
(العضاه) تقدم (والترعة) بضم التاء المثناة فوق، وسكون الراء بعدها عين مهملة مفتوحة: هي الروضة، والباب أيضا، وهو المراد في هذا الحديث. فقد جاء مفسرا في حديث أبي عنبس ابن جبر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحدٍ:
(1) أي خذوا من أشجاره بركة عسى الله أن يشملكم برضاه، ويرحمكم تفضلا جزاء، تبرككم به. فلا مانع من التبرك بالصالحين، واقتفاء آثارهم ومصاحبتهم، وأخذ شيء منهم تبركا ومحبة لله المعطي، وقد صح عن الترمذي رحمه الله تعالى: تسليم الجبل والشجر عليه صلى الله عليه وسلم. لا شك أن كل شيء خلقه الله يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرح صدره لذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل مشاهدة محياه، ورؤية طلعته البهية، والمسلمون الآن مقصرون في واجب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعرفوا عظيم مقداره، وأرجوا أن نوفق للعمل بشريعته، والإكثار من الصلاة عليه عسى أن نبلغ بمحبته الدرجات العالية إن شاء الله تعالى.
(2)
الجبل الذي بالمدينة، وفي النهاية (إذا أراد الله بعد شر أمسك عليه بذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة كأنه عير). بالعير: الحمار الوحشي، وقيل أراد الجبل الذي بالمدينة اسمه عير، شبه عظم ذنوبه به. أهـ.
فأنت ترى أمكنة مباركة يتيمن بها، وأمكنة قذرة خبيثة يتباعد عنها. وفي الحديث (حرم ما بين عير إلى ثور) أي جبلين بالمدينة، وقيل ثور بمكة، وفي النهاية، وقيل بمكة جبل يقال له عبر أيضاً.
ولقد صدقت أن فيه أمكنة طاهرة صالحة للتبرك بها، وأنها لا تضر ولا تنفع. بل تكسبني مهابة في الله، وإجلالا في الله ومحبة في الله. لأنها شرفت بأقدام الأنبياء والمرسلين، والأولياء المتقين مشوا فيها وساروا فيها وجلسوا فيها، وحاربوا فيها، وعبدوا الله فيها. ودفنوا فيها مثل جبل أحد. كما أن فيه أمكنة فيها الشر، ومنبع الضير، ومعين الضرر، والبعد عنها غنيمة، وهجرها نجاح مثل عير والجحفة وأمثالهما، وأعتقد أن أرضاً ضمت: جدث ولي صالح وعابد متق لمباركة لأن الله تعالى كما وعد بإكرام عباده المتقين يكرم من التجأ إليه زائرا قبره متبعاً سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، وأعتقد أن أضرحة الصالحين والمساجد التي يذكر فيها اسم الله يبقى أثرها في الجنة (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) فعليك أخي بزيارة الصالحين والجلوس في مجلس العلم لتربح.