الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
97 - (بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي ثُمَّ يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ)
294 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نُعيم بن عبد الله المُجْمر أنه سمع أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، ثُمَّ جَلَسَ (1) فِي مُصَلاهُ لَمْ تَزَلِ (2) الْمَلائِكَةُ (3) تصلِّي (4) عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ صلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمّ ارْحَمْهُ (5) ، فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلاهُ، فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ لَمْ يَزَلْ (6) فِي صَلاةٍ حتي يصلِّي.
(1) زاد البخاري ينتظر الصلاة.
(2)
قوله: لم تزل الملائكة، قال ابن بطال: من كان كثير الذنوب وأراد أن يحطَّها عنه بغير تعب فليهتمّ بملازمة مكان مصلاّه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم فهو مرجوّ إجابته لقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (سورة الأنبياء: الآية 28) . وقال المهلب في حديث "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاّه الذي صلَّى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث": معناه أن الحدث في المسجد خطيئة، يُحرم بها المحدث استغفارَ الملائكة ودعاءَهم المرجوَّ بركته، كذا في "الحبائك في أخبار الملائك" للسيوطي.
(3)
الحَفَظة، أو السيّارة، أو أعمّ من ذلك؟ كلٌّ محتمل.
(4)
أي تدعو له قائلين: اللهم
…
إلى آخره.
(5)
أي بقبول حسناته، زاد ابن ماجه: اللهم تُبْ عليه.
(6)
أي حكماً باعتبار الثواب
98 -
(بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ (1) بَعْدَ الْفَرِيضَةِ)
295 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي (2) قبلَ الظهرِ (3) ركعتين (4) ، وبعدها ركعتين (5) ،
(قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقاً سواء ثبت في مجلسه ذلك في المسجد أو تحوَّل إلى غيره. انظر فتح الباري 2/136. وفي أوجز المسالك 3/187: فالظاهر أن صلاة الملائكة تختصّ بالجلوس في مصلاّه الذي صلى فيه، وإذا جلس في مجلس آخر يكون في حكم الصلاة باعتبار الأجر، ولكن لا يتشرف بصلاة الملائكة. وهذا يخالف ما تقدم عن الحافظ، وتبعه جماعة من شُرّاح الحديث: أن لفظ "في مصلاه" الذي صلى فيه، خرج مخرج العادة وليس بقيد، فتأمل) .
(1)
أراد به السنن المؤكدة: وهي عشر ركعات عند الحنابلة وهو المرجح عند الشافعية، وعند الحنفية اثنتا عشرة ركعة، قال في "الدر المختار" وسن مؤكداً أربع قبل الظهر بتسليمة وركعتان قبل الصبح، وبعد الظهر والمغرب والعشاء، وعند المالكية لا توقيت للرواتب ولا تحديد لها، انظر عمدة القاري 3/66 وفتح الباري 3/48، وأما الصلاة قبل الصبح يعني ركعتيه رغيبة أي رتبتها دون السنة وفوق النافلة. أوجز المسالك 3/241.
(2)
في نسخة: كان يصلي.
(3)
قوله: قبل الظهر ركعتين، وفي حديث عائشة: كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، رواه البخاري وغيره.
قال الداودي: هو محمول على أن كل واحد وصف ما رأى، ويحتمل أن ابن عمر نسي من الركعتين.
قال الحافظ: وهذا الاحتمال بعيد، والأَوْلى أن يُحمل على حالين.
(4)
قال ابن جرير: الأربع قبل الظهر كانت في كثير من أحواله، والركعتان قليلها.
(5)
وللترمذي مرفوعاً: من حافظ على أربع قبل العصر حرّمه الله على النار.
وَبَعْدَ صلاةِ المغربِ رَكْعَتَيْنِ فِي بيتِه (1) ، وَبَعْدَ صلاةِ العشاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لا يصلِّي (2) بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى ينْصَرِف (3) فَيَسْجُدَ (4) سَجْدَتَيْن (5) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا تطوُّع وَهُوَ (6) حَسَنٌ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يصلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، فَسَأَلَهُ أَبُو أيوبَ (7) الأَنْصَارِيُّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنَّ أبوابَ السَّمَاءِ تُفتح (8) فِي هَذِهِ الساعة،
(1) يحتمل أن يكون ظرفاً للكل ولما يليه (إن أفضلية أداء النوافل في البيت مطلقاً مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور، وقال مالك والثوري: الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت، كذا في أوجز المسالك 3/245) .
(2)
قوله: وكان لا يصلِّي....إلى آخره، أخرج ابن ماجه عن ابن عباس: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعاً، لا يفصل في شيء منهن، وزاد الطبراني: وأربعاً بعدها، وسنده واهٍ جداً. وروى الطبراني عن ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً، كذا في "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي.
(3)
من المسجد إلى بيته.
(4)
أي يصلي ركعتين.
(5)
ورد في "مصنف عبد الرزاق" عن ابن مسعود: أنه كان يصلِّي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً.
(6)
أي عمله مسنون مستحب.
(7)
خالد بن زيد.
(8)
لقبول الطاعة.
فأحبُّ أَنْ يصعدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ (1)، فَقَالَ: يا رسول الله، أ (2) يُفْصَلُ (3) بَيْنَهُنَّ بِسَلامٍ؟ فَقَالَ: لا.
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ بُكير بْنُ عَامِرٍ البَجَلي (4) عَنْ إِبْرَاهِيمَ والشَّعبي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه.
99 -
(بَابُ الرَّجُلِ يَمَسّ الْقُرْآنَ (5) وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ (6) عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ (7))
296 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بن حَزْم قال (8) :
(1) أي صالح، وفي رواية: خير.
(2)
بهمزة الاستفهام.
(3)
بصيغة المجهول.
(4)
بفتح الأول والثاني، نسبة إلى بجيلة بن أنمار، قبيلة نزلت بالكوفة،
قاله السَّمْعاني.
(5)
المراد به المصحف كما في نسخة.
(6)
أو للتنويع للإِيماء إلى أن حكم الجنب والمحدث في هذه المسألة سواء، وفي معنى الجنب الحائض والنُّفَساء.
(7)
في نسخة: وضوء.
(8)
قوله: قال، إنَّ في الكتاب الذي....إلى آخره، قال ابن عبد البَرّ: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد رُوي مسنداً من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السِّيَر معروف عند أهل العلم معرفةً يستغني بها في شهرتها عن الإِسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقِّي الناس له بالقبول.
إنَّ فِي الْكِتَابِ (1) الَّذِي كَتَبَهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (2) : لا يَمَسّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ (3) .
297 -
(4) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لا
يَسْجُدُ (5) الرَّجُلُ وَلا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلا وهو طاهر.
(1) قال الباجي: هذا أصل في كتابة العلم وتحصينه في الكتب.
(2)
بن زيد بن لوذان، قوله: لعمرو بن حزم، الأنصاري شهد الخندق فما بعدها، وكان عاملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على نَجْران، مات بعد الخمسين، كذا قال الزرقاني.
(3)
أي من النجاسة الكبرى والصغرى، وهو مستفاد من قوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إلَاّ المُطَهَّرُون} (سورة الواقعة: الآية 79) .
(4)
في نسخة: قال أخبرنا.
(5)
قوله: لا يسجد الرجل
…
إلى آخره، قد أخرجه البيهقي أيضاً من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر. ويخالفه ما أخرجه ابن أبي شيْبَة بسنده إلى سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر ينزل عن راحلته، فيهريق الماء، فيقرأ السجدة، فيسجد وما يتوضأ. وعلَّقه البخاري في "باب سجود المشركين مع المسلمين": وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء. وجمع الحافظ ابن حجر بأن المراد بالطهارة في قوله الطهارةُ الكبرى، أو هو محمول على حالة الاختيار، والثاني على الاضطرار. وذكر الحافظ أيضاً أنه لم يوافق ابن عمر على جواز سجود التلاوة بغير وضوء إلا الشَّعبي، أخرجه ابن أبي شَيْبَة بسند صحيح، وكذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كلِّه نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إِلا فِي خَصْلَةٍ (1) وَاحِدَةٍ، لا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ (2) الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ طُهر إلا أن يكون جنباً (3) .
(أنه كان يقرأ السجدة، ثم يسلّم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماءً. فتح الباري 2/554. وقال شيخنا: وظاهر ترجمة البخاري أنه ذهب أيضاً إلى جواز السجود بلا وضوء. لامع الدراري 4/50) .
(1)
قوله: إلَاّ في خصلة واحدة، كأنه حمل قول ابن عمر: إلَاّ وهو طاهر، على الطهارة المطلقة من الصغرى والكبرى، فاستثنى من قوله (وبهذا كله نأخذ) قراءَة القرآن على غير وضوء لثبوت جواز ذلك بالمرفوع والموقوف، فأخرج أصحاب السنن الأربعة وابن حبان، وصححه الحاكم والترمذي عن عليّ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يَحْجُبُه أو لا يَحْجُزُه عن القرآن شيْء ليس الجنابة. وأخرج مالك أن عمر كان في قوم يقرؤون القرآن، فذهب عمر لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: تقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال عمر: من أفتاك هذا؟ أمسيلِمة الكذاب؟ وورد عن عليّ أيضاً قراءة القرآن على غير وضوء (وأما قراءة المحدث القرآن قال ابن رشد: ذهب الجمهور إلى الجواز، أما مسّ المصحف فقال الجمهور - منهم الأئمة الأربعة - لا يَمَسّهُ إلا طاهر من الحَدَثين لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إلَاّ المُطَهَّرُون} ، خلافاً لداود وابن حزم وغيرهما من السلف. انظر الكوكب الدُّرِّي 1/186) ، أخرجه الدارقطني وغيره.
(2)
أي من غير مَسِّه.
(3)
أو من يحذو حذوه في النجاسة الكبرى
100 -
(بَابُ الرَّجُلِ يَجُرُّ (1) ثَوْبَهُ وَالْمَرْأَةُ تَجُرُّ ذَيْلها (2) فَيَعْلَقُ (3) بِهِ قَذَرٌ (4) وَمَا كُره (5) مِنْ ذَلِكَ)
298 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ (6) بْنُ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ (7) لإِبراهيم بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أنها (8) سألت أمَّ سلمةَ
(وفي "الكوكب" أيضاً: اتفق الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء على أن الجنب والحائض لا يقرءان القرآن، وقال بعض المبتدعة: يقرأ. وحديث عليّ دليل على ما قلنا، وأما الحائض ففي قراءتها عن مالك روايتان: إحداهما المنع حملاً على الجنب، ووجه الأخرى أن الحيض ضرورة يأتي بغير الاختيار ويطول أمرها فلو مُنعت من ذلك لنسيت ما تعلمت بخلاف الجنب، فإنه تأتي الجنابة باختياره ويمكن إزالتها في الحال وهو أصح. قلت: وعامة شرّاح البخاري على أن ميل البخاري إلى الجواز. فتأمّل.
(1)
من الجرّ.
(2)
بالفتح (دامن)(بالأردية) .
(3)
من باب عَلِم، يقال: عَلِق الشوك بالثوب تشبث به وتعلق بسببه.
(4)
بفتح القاف والذال المعجمة: ما يُتَقَذّر به من النجاسات.
(5)
وفي نسخة: وما يكره.
(6)
وثَّقه ابن معين، وليّنه أبو حاتم، كذا قال السيوطي.
(7)
قوله: عن أم ولد، نقل صاحب "الأزهار" عن "الغوامض" أن اسمها حميدة (قال الزرقاني: تابعيّة صغيرة مقبولة، شرح الموطأ 1/56، وذكر الحافظ في التقريب 2/595: حميدة عن أم سلمة، يقال هي أمُّ ولد إبراهيم، مقبولة، من الرابعة) ، ذكره السيد، وقال ابن حجر: مرّة أنها مجهولة، ومع ذلك الحديث حسن، وهو غير صحيح إلا أن يُقال إنه حسن لغيره، كذا في "مرقاة المفاتيح".
(8)
قوله: أنها سألت، قد أخرج هذا الحديث أبو داود، وسكت عليه، والدارمي والترمذي وأحمد أيضاً، ذكره القاري، وقد ذكرته في رسالتي "غاية المقال في ما يتعلق بالنعال" مع ما له وما عليه، وقد طُبعت تلك الرسالة في سنة (1287 هـ)، ووقع في النُّسَخ المطبوعة: روى أبو داود بإسناده عن أمِّ سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأةٌ أُطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقال
زوجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ:
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده إلى آخره، وهذا غلط وقع من مهتمِّي الطبع، والذي في مسودَّتي بخطي: روى أبو داود بإسناده إلى أم سلمة أن امرأة سألتها فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم....إلى آخره، فليُتنبه لذلك وليبلِّغ الشاهد الغائب.
(1)
من الإِطالة.
(2)
قوله: في المكان القذر، قال النوويّ: أراد بالقذر نجاسة يابسة.
(3)
أي النجس، وهو بكسر الذال أي في مكان ذي قذر.
(4)
قوله: فقالت....إلى آخره، أفتت أم سلمة في هذه المسألة بمثل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما روي أن امرأة من بني عبد الأشهل قال: قلت: يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مُطرنا؟ قالت: فقال: أليس بعدها طريق أطيب منها؟ قالت: بلى، قال: فهذه بهذه، أخرجه أبو داود وسكت عليه. وقد اختلفت أقوال العلماء في هذين الحديثين، فقال الطيِّبي في "حواشي المشكوة": الحديثان متقاربان، ونقل الخطَّابي (معالم السنن 1/118) عن أحمد ليس معناه أنه إذا أصابه بول، ثم مرّ بعده على الأرض أنها تطهره، ولكنه يمرّ بالمكان القذر، فيقذره، ثم يمرّ بمكان أطيب فيكون هذا بذلك، وقال مالك في ما روي أن الأرض يطهر بعضها بعضاً: إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة، فإن بعضها يطهر بعضاً، وأما النجاسة مثل البول وغيره يصيب الثوب أو بعض الجسد، فإن ذلك لا يطهره إلا الغسل إجماعاً. انتهى ملخصاً (يستفاد من تفسير مالك وأحمد أن النجاسة الرطبة ذات جرم كالقذر دون الرقيق كالبول لا كما يزعمه النووي عامَّاً في كل رطبة، انظر "المجموع" 1/96) وقال القاري في
إِنِّي امرأةٌ أُطيل (1) ذَيْلي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ (2) القَذِر (3)، فَقَالَتْ (4) أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ (5) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُطَهِّرُهُ (6) مَا بَعْدَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يعلق بالذيل قذر، فيكون أكثر
"المرقاة" قلت: الحديثان متباعدان لا كما قيل إنهما متقاربان، فإنَّ الأول مطلق قابل لأن يتقيد باليابس، وأما الثاني فصريح في الرطب، وما قاله أحمد ومالك التأويل لا يشفي الغليل، ولو حمل على أنه من باب طين الشارع وأنه طاهر أو معفوّ عنه لعموم البلوى لكان له وجه وجيه لكن لا يلائمه قوله: أليس بعدها إلى آخره، فالمخلص ما قاله الخطابي من أن في إسناد الحديثين معاً مقالاً لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل مجهولتان لا يُعرف حالهما في الثقة والعدالة فلا يصح الاستدلال بهما، انتهى، وقال أيضاً: من الغريب قول ابن حجر: وزَعْمُ أن جهالة تلك المرأة تقتضي رد حديثها ليس في محله لأنها صحابية وجهالة الصحابة لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول فإنه عدول عن الجادَّة لأنها لو ثبت أنها صحابية لما قيل إنها مجهولة (مرقاة المصابيح 2/77)، انتهى. أقول: هذا عجيب جداً فإن الحديث الثاني عنوانه ينادي على أن تلك المرأة السائلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابية حيث شافهته وسألته بلا واسطة، لكن لما لم يطَّلعوا على اسمها ونسبها قالوا إنها مجهولة، فهذا لا يقدح في كونها صحابية، ولا يلزم من كونها صحابية أن يُعلم اسمها ورسمها، وهذا أمر ظاهر لمن له خبرة بالفن، وقد صرح به القاري نفسه في مواضع بأن جهالة الصحابي لا تضر، فكيف يعتقد ههنا المنافاة بين الجهل وبين الصحابية، فظهر أن ما ذكره من المخلص ليس بمخلص، بل المخلص أن يُحمل حديث أم سلمة على القذر اليابس كما حمله عليه جماعة، والثاني على تنجُّس النعل والخف ونحو ذلك مما يطهر بالدلك في موضع طاهر إذ ليس فيه تصريح بالذيل.
(5)
أي في جواب مثل هذا السؤال.
(6)
أي الذيل.