الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ محمدٌ: وَبِهَذَا (1) نأخذُ، وَهُوَ قولُ أَبِي حنيفةَ والعامةِ مِنْ فُقَهَائِنَا لأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يُجَامِعْهَا فَلا يحلُّ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا الثَّانِي.
17 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا)
582 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ الأَعْرَجُ، عَنْ عَمْرِو (2) بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيِّب: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يردُّ المتوفَّى عنهنَّ أَزْوَاجَهُنَّ مِنَ البَيْداءِ (3) يمنعهنَّ الحج (4) .
الحديث الذي فيه قصة العسيلة البخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي والشافعي وابن سعد والبزار والطبراني وأبو داود وغيرهم بألفاظ متقاربة بسطها السيوطي في "الدر المنثور".
(1)
قوله: وبهذا نأخذ، وبه قال جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم، بل قيل لم يخالف فيه أحد إلَاّ سعيد بن المسيب حيث حكم بكفاية النكاح الثاني للتحليل من غير وطء أخذاً بظاهر القرآن، والأحاديث الواردة في اشتراطه حجة عليه.
(2)
قوله: عن عمرو بن شعيب، هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي، وكثيراً ما يأتي في كتب الحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال ابن القطان: إذا روى عنه الثقات فهو ثقة يُحتجُّ به، وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، مات سنة 118، كذا في "إسعاف السيوطي".
(3)
هو طرف ذي الحُلَيْفة قريب المدينة.
(4)
في نسخة: من الحج.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا لا يَنْبَغِي لامْرَأَةٍ أَنْ تسافرَ فِي عدَّتِها حَتَّى تَنْقَضِيَ مِنْ طَلاقٍ كَانَتْ (1) أَوْ مَوْتٍ.
18 -
(بَابُ (2) الْمُتْعَةِ)
583 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (3) وَالْحَسَنِ
(1) العدَّة (قال الموفق: المعتدة من الوفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره، روي ذلك عن عمر وعثمان وبه قال ابن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيدة وأصحاب الرأي والثوري، وإن خرجت ومات زوجها في الطريق رجعت إن كانت قريبة وإن تباعدت مضت في سفرها. وقال مالك: تردُّ ما لم تحرم، والصحيح إن البعيدة لا تردُّ لأنه يضرُّ بها وعليها مشقة ولا بدَّ لها من سفر، ويحدُّ القريب بما لا تقصر فيه الصلاة، وهذا قول أبي حنيفة إلَاّ أنه لا يرى القصر إلَاّ في مسيرة ثلاثة أيام، فقال: إذا كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام فعليها الرجوع إليه، وإن كان فوق ذلك لزمها المضيُّ إلى مقصدها. وقال الشافعي: إن فارقت البنيان فلها الخيار بين الرجوع والتمام. انظر أوجز المسالك 10/252) .
(2)
قوله: باب المتعة، قال القاري: صورة نكاح المتعة أن يقول بحضرة الشهود: متَّعت نفسك بكذا وكذا ويذكر مدة من الزمان وقدراً من المال، وذلك لا يصح، لما روى مسلم عن إياس بن سلمة بن الأكوع قال: رخَّص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثم نهى عنها. قال البيهقي: وعام أوطاس وعام الفتح واحد، لأنه بعده بيسير. قال النووي: إنها أُبيحت مرتين وحُرِّمت مرتين، فكانت حلالاً قبل خيبر، وحُرِّمت يوم خيبر، ثم أُبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس وحُرِّمت بعد ذلك بعد ثلاثة أيام مؤبَّداً إلى يوم القيامة.
(3)
قوله: عن عبد الله، هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، وثقه العجلي وابن سعد والنسائي، مات سنة 98 هـ، وأخوه الحسن كان
ابنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ جَدِّهِمَا: أَنَّهُ (1) قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُتْعَة النساءِ يومَ خيْبَر (2) وعن أكل (3) لحوم الحُمْر الإِنسيَّة.
من أفاضل أهل البيت، وأعلم الناس بالاختلاف، وثَّقه العجلي، وقال الدارقطني: صحيح الحديث، مات سنة 95 هـ، وقيل: 101 هـ وأبوهما محمد المعروف بابن الحنفية وهي خولة من بني اليمامة زوجة علي رضي الله عنه، وثقه العجلي وغيره، ومات سنة 73 كذا في "إسعاف السيوطي".
(1)
قوله: أنه قال لابن عباس، في رواية عبيد الله، عن ابن شهاب بإسناده عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء، فقال: مهلاً يا ابن عباس، فإن رسول الله نهى عنها.
(2)
قوله: يوم خيبر، هكذا اتفق مالك وسائر أصحاب الزهري، وروى عبد الوهاب الثقفي عن يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث. فقال: حُنين. أخرجه النسائي والدارقطني، وقالا: وهم فيه القطان، وزعم ابن عبد البر: أن ذكر يوم خيبر غلط، وقال السهيلي: إنه شيء لا يعرفه أحد من أهل السير، وقال ابن عيينة، إن تاريخ خيبر في حديث علي: إنما هو في النهي عن لحوم الحُمُر الإِنسية، قال البيهقي: يشبه أنه كما قال، وتُعُقِّب هذا كله بأنه بعد اتفاق أصحاب الزهري عنه على ذلك لا ينبغي أن يقال نحو ذلك، وهم حفّاظ، ولهذا قال القاضي عياض: تحريمها يوم خيبر صحيح لا شك فيه، كذا في شرح الزرقاني.
(3)
قوله: وعن أكل لحوم الحُمُر، بضمتين جمع حمار، والإِنسية رواه الأكثر بفتح الهمزة والنون، وقيل: بكسر الهمزة وهو احتراز عن الوحشية، وقد كان أكل الحمر الأهلية جائزاً، ثم نُسخ، قال كمال الدين الدَّميري محمد بن عيسى في كتابه "حياة الحيوان": يحرم أكله عند أكثر أهل العلم، وإنما رُويت الرخصة عن
584 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ خَوْلة (1) بِنْتِ حَكِيمٍ دخلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: إنَّ رَبِيعَةَ (2) بْنَ أميَّة اسْتَمْتَعَ بامرأةٍ موَلَّدةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَزِعاً (3) يجرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ المُتْعَة لَوْ كنتُ تقدَّمتُ (4) فِيهَا لرجمتُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: المُتْعَة مكروهةٌ (5) ، فَلا يَنْبَغِي، فَقَدْ (6) نَهَى (7) عَنْهَا
ابن عباس، وقال أحمد: كره أكلَه ستة عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وادَّعى ابن عبد البر الإِجماع الآن على تحريمه، ولو بلغ ابن عباس أحاديث النهي الصريحة الصحيحة في تحريمه لما صار إلى غيره.
(1)
يقال لها أم شريك السلمية الصحابية زوجة عثمان بن مظعون، ذكره السيوطي.
(2)
أسلم يوم الفتح، وشهد حَجَّة الوداع، ثم إن عمر غرَّبه في الخمر إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصَّر، فقال: لا أغرب بعده أبداً (وفي أوجز المسالك: لا أغرب بعده أحداً أبداً 4/307 ط. الهند) ، كما ذكره ابن حجر في "الإِصابة".
(3)
أي خائفاً بالجملة.
(4)
أي لو تقدمتُ فيها بالنهي والحكم العام، ثم فعله أحد بعد ذلك لرجمته.
(5)
قوله: مكروهة، أي محرمة فإن عند محمد كل مكروه حرام.
(6)
وفي نسخة: وقد.
(7)
قوله: فقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء في غير حديث ولا اثنين، أي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا اثْنَيْنِ، وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ تقدمتُ فِيهَا لرجمتُ إِنَّمَا نَضَعُهُ (1) مِنْ عُمَرَ عَلَى التَّهْدِيدِ (2) ، وَهَذَا (3) قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
جاء نهيه في أحاديث كثيرة: فعن سبرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو قائم بين الركن والباب أيها الناس إني كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع ألا وإن الله حرَّمها إلى يوم القيامة، أخرجه أحمد ومسلم. وعن مسلمة بن الأكوع: رخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى بعده. أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم. وأخرج البيهقي عن علي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة، وإنما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعِدَّة والميراث نُسخ. وعن أبي ذر: إنما أُحلَّت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ثم نهى عنها، أخرجه البيهقي. وأخرج الطبراني في الأوسط عن سالم بن عبد الله قال: قيل لعبد الله بن عمر: إنَّ ابن عباس يأمر بنكاح المتعة، فقال: سبحان الله؟ ما أظنه يفعل هذا، قالوا: إنه يأمر به، قال: وهل كان ابن عباس إلَاّ غلاماً صغيراً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة وما كنا مسافحين. وعن عمر أنه خطب حين استُخلف فقال: إن رسول الله أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنه، أخرجه ابن المنذر والبيهقي. وفي الباب أخبار وآثار كثيرة مبسوطة في "الدر المنثور" وغيره (انظر مجمع الزوائد للهيثمي 4/264) ، ويُعلم من مجموعها أن المتعة أُحِلَّت مرات وحُرِّمت مرات ثم دام التحريم من زمن فتح مكة.
(1)
أي نحمله على أنه قال ذلك زجراً لا أنه يرجم فاعلها لأن الحدود تُدرأ بالشبهات.
(2)
ليرتدع الناس عن ذلك.
(3)
قوله: وهذا قول أبي حنيفة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد والليث
19 -
(باب الرجل تكون عند امْرَأَتَانِ فَيُؤثِرُ (1) إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى)
585 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ رَافِعِ (2) بْنِ خَدِيج (3) : أَنَّهُ تزوَّج ابْنَةَ (4) مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمة، فَكَانَتْ تحته، فتزوّج
والأَوْزاعي وغيرهم من فقهاء الأمصار، وما نُقل في "الهداية" عن مالك أنه أجاز ذلك فهو سهو تعقَّبه عليه شُرّاحُها، وقال الخطّابي في "المعالم": كان ذلك مباحاً في صدر الإِسلام ثم حُرِّم، ولم يبقَ فيه خلاف لأحد إلَاّ بعض الروافض، وكان ابن عباس يجوِّزه للمضطر ثم أمسك عنه كذا في "البناية". ونسب ابن حزم إلى جابر وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وأبي سعيد الخدري وغيرهم الحكم بتحليلها، وتُعُقِّب بأنه لم يصح عنهم ذلك، والمشهور عن ابن عباس هو الحلُّ، لكن ثبت أنه رجع عنه، والقول الفيصل أنَّ من أفتى بحلِّه لم تبلغه أحاديث النهي، فهو معذور في ذلك ولا اعتداد، بقول أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصة إنكار عليّ وابن عمر وابن الزبير على ابن عباس مشهورة مروية في كتب الأئمة (انظر المنتقى للباجي 3/334، وأوجز المسالك 9/401) .
(1)
من الإِيثار بمعنى الاختيار أي يفضِّلها ويحبُّها.
(2)
صحابي مشهور شهد أحداً وما بعدها، مات في أول سنة 74، ذكره السيوطي.
(3)
بفتح الخاء.
(4)
قوله: ابنة محمد بن سلمة، كذا في نسختين، ولعله محمد بن مسلمة كما في نسختين وهو معدود في الصحابة، مات سنة 46 أو سنة 47 أو غير ذلك، ذكره في "أسد الغابة".
عَلَيْهَا امْرَأَةً شابَّة فَآثَرَ (1) الشابَّة عَلَيْهَا، فناشَدَتْه (2) الطَّلاقَ فطلَّقها وَاحِدَةً، ثُمَّ أَمْهَلَهَا (3) حَتَّى إِذَا كَادَتْ (4) تَحِلُّ ارْتَجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ، فَآثَرَ (5) الشابَّة، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلاقَ، فطلَّقها وَاحِدَةً، ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تحلَّ ارْتَجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشابَّة، فناشدته الطلاق، فقال:
(1) أي اختار (آثر: بالمد والفتح، اختار ومال بنفسه إليها، وذكر الباجي: أن الإِيثار على أربعة أضرب:
أحدها: الإِيثار بمعنى المحبة لأحدهما، فهذا لا يملك أحد دفعه ولا الامتناع عنه.
والثاني: إيثار إحداهما في سعة الإِنفاق والكسوة وسعة المسكن، ولكن ذلك بحسب ما تستحقه كل واحدة منهما نفقة مثلها ومؤونة مثلها ومسكن مثلها على قدر شرفها وجمالها وشبابها وسماحتها، فهذا الإِيثار واجب، ليس للأخرى الاعتراض فيه، ولا للزوج الامتناع منه، ولو امتنع لحكم به عليه.
الثالث: من الإِيثار أن يُعطي كل واحدة منهما من النفقة والكسوة ما يجب لها، ثم يؤثر إحداهما بأن يكسوها الخز والحرير والحلي، ففي "العُتبية" من رواية ابن القاسم عن مالك، أن ذلك له، فهذا الضرب من الإِيثار ليس لمن وفيت حقها أن تمنع الزيادة لضرّتها، ولا يجبر عليه الزوج، وإنما له فعله إذا شاء.
الرابع: أن يؤثر إحداهما بنفسه، مثل أن يبيت عند إحداهما أكثر، ويجامعها ويجلس عندها في يوم الأخرى أو ينقص إحداهما من نفقة مثلها ويزيد الأخرى، أو يجري عليها ما يجب لها، فهذا الضرب من الإِيثار لا يحل للزوج فعله إلَاّ بإذن المؤثر لها، فإن فعله كان لها الاعتراض فيه والاستعداء عليه. انظر المنتقى 3/353، والأوجز 9/460) الشابة في الاستمتاع.
(2)
أي طلبته منه بالمبالغة.
(3)
أي تركها منتظراً قرب العدَّة.
(4)
أي قاربت أن تخرج من العدَّة.
(5)
بيان للعود.
مَا شئتِ (1) إِنَّمَا بقيتْ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ (2) عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الأَثَرَة (3) وَإِنْ شئتِ طَلَّقْتُكِ، قَالَتْ: بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الأَثَرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ رافعٌ أَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِثْمًا حِينَ رَضِيَتْ أَنْ تَسْتَقِرَّ عَلَى الأَثَرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا رَضِيَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ (4) عَنْهُ إِذَا بَدَا لَهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
20 -
(بَابُ (5) اللِّعان)
586 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا (6) نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أن
(1) أي أنت مخيَّرة في أمرك.
(2)
أي أقمت عندنا على ما ترينه من اختياري للشابة.
(3)
بفتح الهمزة والثاء، وبالكسر والسكون: بمعنى الاختيار.
(4)
أي عن الرضاء إلى طلب حقها إذا ظهر له ذلك.
(5)
قوله: باب اللِّعان، بالكسر من اللعن وهو الطرد والإِبعاد، وفي الشرع عبارة عن كلمات معروفة حجَّة للمضطر إلى قذف زوجته بالزنا. سُمِّي به لاشتماله على اللعن. واختير هذا اللفظ على لفظ الشهادة والغضب مع اشتماله (في الأصل:"اشتمالها"، وهو خطأ) عليهما أيضاً لأن اللعن واقع في جانب الرجل، والغضب في جانب المرأة، وجانب الرجل أقوى وأقدم، واللعن بالنسبة إلى الشهادة لفظ زاجر فاختص به.
(6)
قوله: أخبرنا نافع، هكذا أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن من طريق مالك، وتابعه عبيد الله بن عمر عن نافع في الصحيحين وغيرهما، وتابعه في شيخه نافع سعيد بن جبير، عن ابن عمر عند الشيخين وغيرهما بنحوه، كذا قال الزرقاني.
رَجُلا (1) لاعَنَ امرأَته فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَفَى (2) مِنْ وَلَدِهَا، ففرَّق (3) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ (4) الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. إِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ ولاعَنَ فُرِّق بَيْنَهُمَا، وَلَزِمَ الْوَلَدُ (5) أمَّه. وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى.
(1) قوله: أن رجلاً، هو عُوَيْمِر العجلاني وزوجته خولة بنت قيس العجلانية كما ذكره الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري"، وقد وقع اللعان فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من صحابيين: أحدهما عويمر بن أبيض - وقيل ابن الحارث - الأنصاري العجلاني رمى زوجته بشريك بن سحماء، فتلاعنا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة. وثانيهما: بلال بن أمية بن عامر الأنصاري، وخبرهما مرويّ في صحيح البخاري، ومسلم وغيرهما.
(2)
أي أنكر الرجل انتساب الولد إليه.
(3)
قوله: ففُرِّق، قال القاري: فيه تنبيه على أن التفرقة بينهما لا تكون إلَاّ بتفريق القاضي والحاكم، وقال زُفَر: تقع الفرقة بنفس تلاعنهما، وهو المشهور من مذهب مالك والمرويّ عن أحمد (وقال الشافعي: تقع الفرقة بلعان الزوج. الكوكب الدري 2/275) .
(4)
قوله: وأُلحق الولد بالمرأة، أي في النسب والوراثة فيرث ولد الملاعنة منها، وترث منه، ولا وراثة بين الملاعن وبينه، وبه قال جمهور العلماء. وفي حديث مكحول قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث ولد الملاعنة لأمِّه ولورثتها من بعده وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن واصلة مرفوعاً: تحرز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت فيه.
(5)
فيكون نسبه منها لا منه.
21 -
(بَابُ مُتْعَةِ (1) الطَّلاقِ)
587 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لِكُلِّ مطلِّقة مُتْعة إلَاّ الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرض لَهَا صَدَاق وَلَمْ تُمَسّ فحسبُها (2) نصفُ مَا فُرض لَهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ (3) . وَلَيْسَتِ (4) الْمُتْعَةُ الَّتِي يُجبر عليها
(1) هي ما تُعطى المرأة عند الطلاق تتمتع بها حالاً.
(2)
أي كافيها نصف مهرها.
(3)
أي بل هي مستحبة جبراً لإِيحاش المرأة بالطلاق.
(4)
قوله: وليست المتعة
…
إلى آخره، المطلقة لا يخلو إما أن تكون مدخولةَ أو غير مدخولة وعلى كل تقدير لا يخلو من أن يكون المهر مسمَّىً في العقد أو لم يكن مسمى فإن كانت غير مدخولة والمهر غير مسمى وجبت المتعة عندنا لقوله تعالى:{ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسُّوهن أو تفرضوا لهن فرضة ومتِّعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} (سورة البقرة: الآية 236) . فإن ظاهر الأمر للوجوب، وبه قال ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشَّعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي في رواية، وعنه أنه يجب نصف مهر المثل. وقال مالك والليث وابن أبي ليلى: ليست بواجبة، بل مستحبة. وإن كانت غير مدخولة والمهر مسمى فلا متعة لقوله تعالى:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسُّوهُنَّ وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} (سورة البقرة: الآية 237) ، وفي الصورتين الباقيتين تُستحب المتعة. وعند الشافعي تجب المتعة لكل مطلقة إلَاّ لغير المدخولة، والمهر غير مسمى، وقال مالك: إنها مستحبة في الجميع، كذا في "البناية" وغيرها.
صَاحِبُهَا إلَاّ مُتْعَةً وَاحِدَةً، هِيَ مُتْعَةُ الَّذِي يطلِّق امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، وَلَمْ يَفرض (1) لَهَا، فَهَذِهِ لَهَا الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ، يُؤْخَذُ بِهَا فِي الْقَضَاءِ، وَأَدْنَى (2) الْمُتْعَةِ لِبَاسُهَا فِي بَيْتِهَا: الدِّرْعُ (3) والملحَفة والخِمار. وَهُوَ قولُ أَبِي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله.
(1) أي لم يعين لها مهراً عند العقد.
(2)
قوله: وأدنى المتعة (قال الموفق: إن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره، نص عليه أحمد وهو وجه لأصحاب الشافعي، والوجه الآخر قالوا: معتبرة بحال الزوجة
…
ثم اختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه أعلاها خادم، هذا إذا كان موسراً، وإن كان فقيراً متَّعها كسوتها درعاً وخماراً وثوباً تصلي فيه ونحو ذلك.
قال الثوري: والأَوْزاعي وعطاء ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا: درع وخمار وملحفة، والرواية الثانية يُرجع إلى تقدير الحاكم وهو أحد قولي الشافعي، انظر أوجز المسالك 10/161) ، التقدير بثلاثة أثواب مرويّ عن عائشة وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي، وهي درع وملحفة وخمار، فالدرع بالكسر هو القميص، والخمار ما تغطي به رأسها، والمِلْحفة - بكسر الميم - الملاءة، تلتحف به المرأة، وقال في "المغني": أعلاها خادم، يُروى ذلك عن ابن عباس وأدناها كسوة تجوز فيها الصلاة، فإن كان فقيراً يمتِّعها درعاً وخماراً وثوباً تصلّي فيه، كذا في "البناية".
(3)
بيراهن زن