الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا (1) كَانَ الرَّجُلُ (2) قَدْ رُخِّص لَهُ أَنْ يُجَامِعَ، وَيَبْتَغِي (3) الْوَلَدَ، وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ (4) فَمَتَى يَكُونُ الْغُسْلُ إلَاّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَهَذَا لا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - والعامَّة.
5 - (بَابُ القُبلة لِلصَّائِمِ
(5))
351 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أسلم، عن عطاء بن
الخيط الأبيض والأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له الفرق بينهما، فأنزل الله قوله {من الفجر} وبيَّن أن المراد من الخيط الأبيض الفجر أي الصبح الصادق، ومن الأسود الليل، كذا أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما (انظر عمدة القاري 5/292) .
(1)
قوله: فإذا كان
…
إلى آخره، شروع في وجه دلالة كتاب الله على ما ذكره، وحاصله أن الآية المذكورة أباحت الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر فيكون كلٌّ منها مباحاً في آخر جزء من أجزاء الليل متَّصلٍ بأول جزء الفجر أيضاً بنص هذه الآية، وهو يقتضي بالضرورة أن يقع الغسل - إذا جامع في آخر الجزء - بعد طلوع الفجر، فدلَّ ذلك على أنه لا بأس به.
(2)
الذي يريد الصوم.
(3)
هذا قيد اتفاقي.
(4)
أي لا يتحقَّق ولا يمكن غسله إلَاّ بعد طلوع الفجر.
(5)
قوله: باب القبله للصائم (لا بأس بالقبلة للصائم إذا أمِنَ على نفسه الجماع مثل الشيوخ، وتُكره إذا لم يأمن على نفسه كالشبان، وهذا هو مذهب أبي حنيفة والشافعي والثوري والأَوْزاعي، وحكاه الخطابي عن مالك، وكرهها قوم مطلقاً، وإليه ذهب مالك في المشهور عنه، وأباحها قوم مطلقاً، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وداود. ومنهم من أباحها في النفل ومنعها في الفرض، ومنهم من منعها مطلقاً وذهب إليه طائفة من التابعين، فالأقوال خمسة، وانظر تفصيلها في عمدة القاري 6/9. قلت: ما حُكي عن أحمد هو رواية عنه، وإلَاّ ففي "الروض المربع" تُكره القبلة. الأوجز 5/44) ، اختلف أهل العلم في جواز القبلة
يَسَار (1) : أنَّ رَجُلا (2) قَبَّل امْرَأَةً وَهُوَ صَائِمٌ،
للصائم، فرخَّص عمر بن الخطاب وأبو هريرة وعائشة فيها، وقال الشافعي: لا بأس بها إذا لم تحرِّك القبلة شهوته، وقال ابن عباس: يُكره ذلك للشبان، ويرخَّص فيه للشيوخ، كذا في "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبي رحمه الله.
(1)
مرسل عند جميع الرواة، ووصله عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء، عن رجل من الأنصار.
(2)
قوله: أن رجلاً
…
إلى آخره، حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّل بعض نسائه وهو صائم وكان أَمْلَكَكُم لإِرْبه. متفقٌ عليه. وله عندهما ألفاظ، وفي رواية لأبي داود: كان يقبِّلني وهو صائم، ويمصُّ لساني هو صائم. وفي إسناده أبو يحيى المعرقب، وهو ضعيف وقد وثقه العِجْلي، ولابن حبان في صحيحه عنها: كان يقبِّل بعض نسائه وهو صائم في الفريضة والتطوع. ثم ساق بإسناده أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يمس شيئاً من وجهها وهي صائمة، وقال: ليس بين الخبرين تضادٌّ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يملك إربه ونبَّه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثل حاله، وترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة علماً منه بما رُكِّب في النساء من الضعف. وفي رواية البخاري: أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُقَبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت تعجُّباً من نفسها حيث ذكرت هذا الحديث الذي يُستحى من ذكره، لكن غلب عليها مصلحة التبليغ، وقيل: ضحكت سروراً منها، وقيل: أرادت أن تنبِّه بذلك أنها صاحبة القصة. وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه أبو داود عن الأغرِّ، عنه: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخَّص له وسأله آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب، كذا في "التلخيص الحبير تخريج أحاديث الشرح الكبير" للحافظ ابن حجر.
فَوَجَدَ (1) مِنْ ذَلِكَ وَجْداً شَدِيدًا، فَأَرْسَلَ امرأتَه تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ (2) ، فَدَخَلَتْ عَلَى أمِّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَتْهَا أمُّ سَلَمَةَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّل (3) وَهُوَ صَائِمٌ. فرجعتْ إِلَيْهِ فأخبرتْه بِذَلِكَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ (4) شَرًّا (5) فَقَالَ: إِنَّا لَسْنَا مثلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُحلُّ (6) اللَّهُ لِرَسُولِهِ (7) مَا شاء، فرجعت
(1) قوله: فوجد، أي فاغتمَّ له كثيراً ولم يعدّه أمراً حقيراً، واستحيى أَنْ يَسأل رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم توقيراً.
(2)
أي هل يضرُّ صومه ذلك؟
(3)
قوله: كان يقبّل، أي بعض أزواجه أو بنفسها كما يُعلم من رواية البخاري عن زينب بنت أم سلمة عنها أنها كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان في إناء واحد وكان يقبِّلها وهو صائم. ويخالفه ما أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، نا صالح بن عبد الرحمن، نا عبد الله بن يزيد، نا موسى بن عليّ: سمعت أبي يقول: ثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص قال: بعثني عبد الله بن عمرو إلى أمِّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سَلْها أكان رسول الله يقبل وهو صائم؟ فإن قالت: لا، فقل: إنَّ عائشة تخبر (في الأصل: "يخبر"، وهو خطأ. انظر شرح معاني الآثار 1/346 ط الهند) الناس أنه كان يقبّل وهو صائم، فأتيت أم سلمة فأبلغتها السلام عن عبد الله بن عمرو، وقلت: أكان رسول الله يقبّل وهو صائم فقالت: لا، فقلت: إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبل، فقالت: لعله لم يكن يتمالك عنها حبّاً، أما أنا فلا. والذي يظهر أن الاختلاف محمول على اختلاف الأحوال.
(4)
قال الباجي: يعني استدامة الوَجْد إذا لم تأته بما يقنعه.
(5)
قوله: شرّاً، أي محنة وبليَّة حيث ظن أنَّ أم سلمة أفتتْ من عندها.
(6)
أي يُبيح. اعتقد أن ذلك من خصائصه.
(7)
كصوم الوصال والزيادة على أربع في النكاح.
الْمَرْأَةُ إِلَى أمِّ سَلَمَةَ، فَوَجَدَتْ عِنْدَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ (1) هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟ فأخبَرَتْه (2) أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: أَلا (3) أخبرتِها أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ (4) ؟ قَالَتْ: قَدْ أخبرتُها، فذهبتْ إِلَى زَوْجِهَا، فأخبرَتْه، فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا، وَقَالَ: إِنَّا لَسْنَا مثلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُحلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ (5) ، فَغَضِبَ (6) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ (7) : وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ (8) لِلَّهِ، وَأَعْلَمُكُمْ بحدوده.
(1) أي ما شأنها وأي شيء جاء بها.
(2)
أي بأنها تسأل عن القبلة للصائم.
(3)
فيه تنبيه على الإِخبار بأفعاله، ويجب عليهن أن يُخبرن بها ليقتدي به الناس.
(4)
قال الباجي: فيه إيجاب العمل بخبر الواحد.
(5)
قال عياض: لأن السائل جوَّز وقوع النهي عنه منه، لكن لا حرج عليه إذ غُفر له.
(6)
قوله: فغضب، لعل سبب غضبه أن الأصل هو العمل بما ثبت عنه حتى يثبت دليل على تخصيصه.
(7)
قوله: وقال: والله
…
إلى آخره، قال ابن عبد البر: فيه دلالة على جواز القبلة للشاب والشيخ لأنه لم يقل للمرأة: زوجُك شيخ أو شاب؟ فلو كان بينهما فرق لسألها لأنه المبيِّن عن الله، وقد أجمعوا على أن القبلة لا تُكره لنفسها، وإنما كرهها من كرهها خشية ما تَؤُول إليه، وأجمعوا على أن من قبَّل وسَلِم فلا شيء عليه. فإن أمذى فكذلك عند الحنفية والشافعية، وعليه القضاء عند مالك، وعن أحمد يفطر، وإن أمنى فسد صومه اتفاقاً.
(8)
فكيف تجوزون (في شرح الزرقاني 2/162، فكيف تجوزون وقوع ما نُهِي عنه مني) ما نُهِيَ عنه مني؟
352 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَائِشَةَ (1) ابْنَةَ طَلْحَةٍ (2) أخبَرَتْه أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهَا (3) زوجُها (4) هُنَالِكَ (5) وَهُوَ (6) عبدُ اللَّهِ (7) ابنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ أَبِي بَكْرٍ (8)، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ (9) إِلَى أَهْلِكَ تُقَبِّلُهَا (10) وَتُلاعِبُهَا؟ قَالَ: أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ؟! قالت (11) : نعم (12) .
(1) القرشية، كانت فائقة الجمال، ثقة، روى لها الستة، كذا ذكره الزُّرقاني.
(2)
أحد العشرة المبشرة.
(3)
أي على عائشة الصدِّيقة.
(4)
أي زوج ابنة طلحة.
(5)
أي وكونها عَمَّتَه سبب ذلك.
(6)
أي زوجها.
(7)
تابعي، روى له الشيخان وغيرهما.
(8)
الصدِّيق.
(9)
أي تقرب.
(10)
قوله: تقبَّلها، لعلها قصدت إفادته الحكم وإلا فمعلوم أنه لا يقبلها بحضور عمته أم المؤمنين، وقال أبو عبد الملك: تريد ما يمنعك إذا دخلتما، ويحتمل أنها شكت لعائشة قِلَّة حاجته إلى النساء، وسألتها أن تكلِّمه. فأفْتَتْه بذلك، إذ صح عندها ملْكَه لنفسه، قاله الزرقاني.
(11)
هذا حديث موقوف، حكمه مرفوع.
(12)
قوله: نعم، في هذا دلالة على أنها لا ترى تحريمها ولا أنها من
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ (1) بالقُبلة لِلصَّائِمِ إِذَا ملك نفسه عن
الخصائص، وأنه لا فرق بين شاب وشيخ، لأن عبد الله كان شابّاً، ولا يعارض هذا ما للنسائي عن الأسود: قلت لعائشة أيباشر الصائم؟ قالت: لا، قلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: كان أملَكَكُم لإِربه. لأن جوابها للأسود بالمنع محمول على من تحرّكت شهوته لأن فيه تعريضاً لإِفساد العبادة كما أشعر به قولها: وكان أملككم لإِربه، فحاصل ما أشارت إليه إباحة القُبلة والمباشرة بغير جماع لمن ملك إربه دون من لا يملكه، أو يُحمل النهي على التنزيه، فقد رواه أبو يوسف القاضي بلفظ: سئلت عائشة عن المباشرة للصائم؟ فكرهتها، فلا ينافي الإِباحة المستفادة من حديث الباب، ومن قولها: الصائم يحلّ له (في "الأصل: "لها"، وهو تحريف) كلُّ شيء إلا الجماع. رواه الطحاوي، كذا ذكره الزرقاني.
(1)
قوله: لا بأس
…
إلى آخره، هذا الذي ذكره هو طريق الجمع بين الأخبار والآثار المختلفة، فإن بعضها تدل على الجواز، وبعضها على الامتناع، وبعضها على الفرق بين الشاب والشيخ. فمنها حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها، وحديث زيد بن أسلم عن عطاء، المذكُورَيْن في الباب، وهما يدلاّن على الجواز مطلقاً من غير فرق بين الشاب والشيخ، وأثر ابن عمر المذكور في الباب يدل على المنع مطلقاً، وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل نساءه وهو صائم المخرَّج في الصحيحين وغيرهما يدل على الجواز، وحديث أبي هريرة عند أبي داود نصّ في الفرق، وقال مالك في "الموطأ": قال عروة بن الزبير: لم أرَ القُبلة للصائم تدعو إلى خير، وأخرج عن ابن عباس أنه رخَّص للشيخ وكرهها للشاب، وروى البيهقي بسند صحيح عن عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم رخّص في القبلة للشيخ وهو صائم، ونهى الشاب وقال: الشيخ يملك إربه والشاب يفسد صومه، وأجمع أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عمر أنه قال: هششتُ فقبلت وأنا صائم؟ فقلت: يا رسول الله صنعتُ اليوم أمراً عظيماً قبّلتُ وأنا صائم، قال: أرأيتَ لو مضمضتَ من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به، قال: فَمَهْ، وأخرج مالك أن سعد بن أبي وقاص وأبا هريرة كانا يرخِّصان في القبلة للصائم،