الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِثَوْبٍ ثُمَّ تَطُوفُ وَتَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ (1) الطَّاهِرَةُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
37 - (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَا يُستحبّ مِنَ الْغُسْلِ قَبْلَ الدُّخُولِ
(2))
471 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أنه كان إِذَا دَنَا (3) مِنْ مَكَّةَ بَاتَ (4) بِذِي (5) طُوى بين (6) الثنيَّتَيْن حتى (7) يصبح ثم
(1) من الصلاة والصيام وغير ذلك.
(2)
أي قبل دخول مكة.
(3)
أي قرب.
(4)
أي مكث ليلاً.
(5)
قوله: بذي طوى، مثلث الطاء، والفتح أشهر، مقصور، منوَّن وغير منوَّن، وادٍ بقرب مكة، يُعرف اليوم ببئر الزاهد، قاله الزرقاني. قال القاري: هو وادٍ بقرب مكة على نحو فرسخ يُعرف في وقتنا بالزاهر في طريق التنعيم وينزل فيه أمراء الحاج خروجاً ودخولاً، ومن نوّنه جعله اسما للوادي، ومن منعه جعله اسماً للبقعة مع العلمية.
(6)
قوله: بين الثنيتين، كل عقبة في جبل أو طريق يسمّى ثَنِيّة بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد الياء التحتية، والثنية التي بأعلى مكة هي التي يُنزل منها إلى المعلى، ومقابر مكة بجنب المحصب، وهي يقال لها الحَجُون بفتح الحاء وضم الجيم. وقد صح في "صحيح البخاري" وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى.
(7)
غاية للبيتوتة.
يُصَلِّيَ الصُّبْحَ (1) ، ثُمَّ يَدْخُلَ (2) مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَلا يَدْخُلَ (3) مَكَّةَ إِذَا خَرَجَ (4) حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ (5) قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي (6) طُوى، وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُوا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا.
472 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: أَنَّ أَبَاهُ الْقَاسِمُ كَانَ يَدْخُلُ (7) مَكَّةَ لَيْلا وهو معتمر فيطوف بالبيت وبالصفا
(1) أي بذي طوى.
(2)
أي في النهار اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه صح أنه بات بذي طوى ودخل مكة نهاراً.
(3)
أي ابن عمر.
(4)
أي من المدينة.
(5)
قوله: حتى يغتسل، قال ابن المندر: الغسل لدخول مكة مستحب عند جميع العلماء إلا أنه ليس في تركه فدية، وقال أكثرهم: الوضوء يُجزئ فيه، وهذا الغسل ليس لكونه مُحرماً بل هو لحرمة مكة، حتى يُستَحَبّ لمن كان حلالاً أيضاً، وقد اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم لدخولها يوم الفتح وكان حلالاً، أفاد ذلك الشافعي في "الأمّ" (وعند المالكية: هذا الغسل للطواف فيُندب لغير حائض ونفساء، وهما لا يدخلان المسجد ويغتسلان للإِحرام والوقوف، كما قاله الزرقاني في شرح الموطأ 2/227) كذا في "عمدة القاري".
(6)
متعلق بالاغتسال.
(7)
قوله: كان يدخل مكة ليلاً، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث دخل مكة ليلاً حين أحرم بالعمرة من الجعرّانة، كما أخرجه النسائي.
وَالْمَرْوَةِ وَيُؤَخِّرُ الحِلاق (1) حَتَّى (2) يُصْبِحَ، وَلَكِنَّهُ لا يَعُودُ (3) إِلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفُ بِهِ (4) حَتَّى يَحْلِقَ، وَرُبَّمَا دَخَلَ (5) الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ (6) فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ (7) فَلَمْ يَقْرَبِ الْبَيْتَ (8) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إِنْ (9) شَاءَ لَيْلا وَإِنْ شَاءَ نَهَارًا، فَيَطُوفَ وَيَسْعَى. وَلَكِنَّهُ (10) لا يُعْجِبُنَا له أن يعود في الطواف
(1) بالكسر أي حلق الرأس.
(2)
غاية للتأخير.
(3)
قوله: لا يعود، ليقع التوالي بين طواف العمرة والحلق من غير فصل بينهما وإن كان ذلك أيضاً جائزاً.
(4)
أي مرة ثانية.
(5)
أي في آخر الليل
(6)
أي صلَّى الوتر في المسجد الحرام.
(7)
أي عن المسجد.
(8)
أي للطواف والاستلام.
(9)
قوله: إن شاء ليلاً وإن شاء نهاراً، لأن كل ذلك ثبت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
(10)
قوله: ولكنه، الضمير للشأن، لا يعجبنا من الإعجاب، له أي لا يسُرُّنا ولا يستحب عندنا للداخل بمكة أن يعود في الطواف نفلاً، حتى يحلق رأسه أو يقصر شعر رأسه فيُتم أفعال عمرته، ثم يأتي بالطواف ما شاء، كما فعل متعلق بما فهم من السابق من عدم العود. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. ويؤيده ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة بعد
حَتَّى يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ كَمَا فَعَلَ الْقَاسِمُ، فَأَمَّا الْغُسْلُ حِينَ يَدْخُلُ (1) فَهُوَ حَسَنٌ (2) وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
38 -
(بَابُ السَّعْيِ (3) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ)
473 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر: أنه
طوافه حتى رجع من عرفة. وبوّب عليه البخاري "بباب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع"، قال الحافظ في الفتح (3/486) : هذا ظاهر فيما ترجم لكنه لا يدل على أن الحاج يُمنع من الطواف قبل الوقوف، فلعله صلى الله عليه وسلم ترك الطواف تطوّعاً خشية أن يظن أحد أنه واجب، وكان يحب التخفيف على أمته، وعن مالك أن الحاج لا يتنفل بطواف حتى يتم حجّه، وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد. انتهى.
(1)
أي عند دخول مكة.
(2)
أي مستحسن سنة أو مستحب.
(3)
قوله: باب السعي، أي المشي بين الصفا والمَرْوة - بالفتح - هما جبلان بمكة يجب المشي بينهما بعد الطواف في العمرة والحج سبعة أشواط مع سرعة المشي في ما بين الميلين الأخضرين. قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": الصفا مبدأ السعي، وهو مقصور، مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام، وهو أنف أي قطعة من جبل أبي قُبَيس، وهو الآن إحدى عشرة درجة، وأما المروة فلاطية جداً أي منخفضة، وهي أنف من جبل قعيقعان، وهي درجتان، ومن وقف عليها كان محاذياً للركن العراقي، وتمنعه العمارة من رؤيته، وإذا نزل من الصفا سعى حتى يكون بين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد وبينه نحو ستة أذرع فيسعى سعياً شديداً حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار
كَانَ إِذَا طَافَ (1) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَدَأَ بِالصَّفَا (2) فرَقِي (3) حَتَّى يبدُوَ (4) لَهُ الْبَيْتُ، وَكَانَ يُكَبِّرُ (5) ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ (6) : لا إِلَهَ إلا الله
العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة. انتهى. وفي "شرح جامع الترمذي" للحافظ زين الدين العراقي: اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاجّ والمعتمر على ثلاثة أقوال: أحداها: أنه ركن لا يصح إلا به، وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر، وبه قال الشافعي ومالك في المشهور عنه وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق وأبو ثور لقوله عليه السلام: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي، رواه أحمد والدارقطني والبيهقي. والثاني: أنه واجب يُجبر تركه بدم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك. والثالث: أنه سنة أومستحب وهو قول ابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية (انظر بذل المجهود 9/171 وذكر في هامشه: رجّح الموفّق في المغني 3/389 أنه واجب كقولنا، نعم عدَّ صاحب "الروض" السعي من الأركان) .
(1)
أي أراد السعي بينهما.
(2)
قوله: بدأ بالصفا، لحديث ابدأوا بما بدأ الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعائر الله} (سورة البقرة: الآية 158) . وهذه البداية بالصفا سنة وقيل واجب (قال ابن قدامة: إن الترتيب شرط في السعي وهو أن يبدأ بالصفا، فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط، فإذا صار إلى الصفا اعتدّ بما يأتي به بعد ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا وقال:"نبدأ بما بدأ الله به" وهذا قول الحسن ومالك والشافعي والأوزافي وأصحاب الرأي، المغني 3/388.
(3)
بكسر القاف أي صعد على الصفا.
(4)
بضم الدال بعده الواو أي يظهر له البيت فيعاينه ويستقبله وهو مستحب.
(5)
أي يقول الله أكبر ثلاثاً على الصفا.
(6)
أي بعد التكبير.
وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلك (1) وَلَهُ الْحَمْدُ يُحيي ويُميت، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَفْعَلُ ذَلِكَ (2) سَبْعَ مَرَّاتٍ فَذَلِكَ (3) إِحْدَى وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً وَسَبْعُ تَهْلِيلاتٍ (4) ، وَيَدْعُو فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَيَسْأَلُ (5) اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ يَهْبِطُ (6) ، فَيَمْشِي (7) حَتَّى إِذَا جَاءَ بطنَ (8) الْمَسِيلِ سَعَى (9) حَتَّى يَظْهَرَ (10) مِنْهُ، ثُمَّ يَمْشِي (11) حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فيرقَى (12) فيصنع عليها مثل
(1) بضم الميم.
(2)
أي التكبير ثلاثاً مع التهليل المذكور.
(3)
أي مجموع ما ذكر.
(4)
في نسخة: تهليلة.
(5)
قوله: ويسأل الله، عطف تفسيريّ أو يُقال أحدهما بالجنان، وثانيهما باللسان، والمراد أنه كان يدعو الله تعالى ويطلب حاجاته فيما بين المذكور من المرات السبع.
(6)
بكسر الباء أي ينزل من الصفا.
(7)
أي على هيأته من غير عَدْو.
(8)
قوله: بطن المسيل، أي بطن الوادي وهوالموضع المنخفض مسيل المياه والأمطار بين الميلين الأخضرين.
(9)
أي أسرع في مشيه.
(10)
أي يرتفع من المسيل ويخرج منه.
(11)
أي على هيأته.
(12)
بفتح القاف.
مَا صَنَعَ (1) عَلَى الصَّفَا، يَصْنَعُ ذَلِكُ (2) سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَعْيِهِ. وسمعتُه (3) يَدْعُو عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قلتَ ادُّعُونِي أستجبْ لَكُمْ وَإِنَّكَ لا تُخلفُ (4) الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هديتَني لِلإِسْلامِ (5) أَنْ لا تنزِعَه (6) مِنِّي حتى توفّاني و (7) أنا مُسْلِمٌ.
474 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ حِينَ هَبَط (8) مِنَ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ (9) قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ المَسيل سَعَى حَتَّى ظَهَرَ (10) مِنْهُ، قَالَ (11) : وَكَانَ يُكبّر عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثَلاثًا، وَيُهَلِّلُ وَاحِدَةً. يفعلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
(1) من التكبير وغيره.
(2)
أي ما ذُكر من السعي والمشي بين الصفا والمروة.
(3)
هذا قول نافع يقول: سمعتُ ابن عمر.
(4)
لا تخلف بالضم، الميعاد أي الوعد.
(5)
في نسخة إلى الإسلام.
(6)
أي لا تخرج الإسلام مني.
(7)
الواو حالية.
(8)
بفتح الباء أي نزل.
(9)
أي انحدرت: غارت قدماه في الوادي.
(10)
أي صعد من بطن الوادي.
(11)
أي جابر بن عبد الله.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ، إِذَا صَعِد (1) الرَّجُلُ الصَّفَا كبَّر (2) وهلَّل وَدَعَا، ثُمَّ هَبَطَ مَاشِيًا (3) حَتَّى يَبْلُغَ بَطْنَ الْوَادِي، فَيَسْعَى (4) فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمْشِيَ مَشْيًا عَلَى هِيْنَتِه (5) حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا، فَيُكَبِّرَ ويهلّل ويدعوه، يَصْنَعُ ذَلِكَ (6) بَيْنَهُمَا سَبْعًا، يَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ (7) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ.
39 -
(بَابُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ رَاكِبًا (8) أَوْ مَاشِيًا)
475 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الرحمن بن نوفل
(1) قوله: صعد الرجل، قال القاريّ: وكذا المرأة، ولا يبعد أن يُقال: المرأة لا ينبغي لها أن تصعد لأنّ مبنى أمرها على الستر.
(2)
أقله مرة من كل واحدة، وأوسطه ثلاث، وأعلاه سبع.
(3)
أي إذا لم يكن معذوراً وإلاّ فراكباً.
(4)
أي يسرع في مشيه.
(5)
قوله: على هِينَتِه، أي على سكون ووقار، يقال: سار على هينته أي عادته في السكون والوقار والرفق، مِنْ امش على هِينتك أي على رِسْلك، ذكره في "النهاية"، قال القاري: هو بكسر الهاء وسكون الياء التحتية وفتح النون وكسر الفوقية.
(6)
أي ما ذُكر من المشي والسعي.
(7)
قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال الجمهور خلافاً للطحاوي من الحنفية وبعض الشافعية حيث ذهبوا إلى الذهاب من الصفا إلى المروة، ثم منها إلى الصفا، مجموع ذلك شوط، فيكون الدور عنده أربعة عشر مرة ويردّه الأحاديث الصحيحة (انظر أوجز المسالك 7/152) .
(8)
قوله: راكباً أو ماشياً، قال القاري: المشي واجب إلا لضرورة فيجوز
الأَسَدِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ (1) بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمة زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: اشتكيتُ (2) فذكرتُ (3) ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: طوفي من (4) وراء الناس و (5) أنت راكبة (6)، قالت: فطفتُ (7)
الركوب، فكان الأَوْلى تقديم ماشياً، وقد يقال: قدّم راكباً لورود الحديث الآتي على صفة الركوب. انتهى. والأوجه أن يُقال لمّا كان المشي أصلاً والركوب رخصة إذا وقعت ضرورةٌ قُدِّم ذكر الركوب اهتماماً به.
(1)
قوله: عن زينب، هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، أمّها أمّ سلمة أمّ المؤمنين، وأبوها أبو سلمة عبد الله بن أسد المخزومي الصحابي، كذا في "الاستيعاب" وغيره، ولم تذكر في رواية البخاري بل فيها من طريق يحيى عن هشام عن أبيه عروة عن أمّ سلمة، وتعقّبه الدارقطني بأنه منقطع. فإن عروة لم يسمع عن أم سلمة، وردّه الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" بأن سماعه منها ممكن فإنه أدرك من حياتها نيّفاً وثلاثين سنة.
(2)
أي مرضت.
(3)
قوله: فذكرت ذلك، أي أنها مريضة، وأنها لم تطف لمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج، وكان ذلك في طواف الوداع، كما ورد في رواية هشام.
(4)
قوله: من وراء الناس، أي من خلفهم متباعدة منهم وهو مستحب للنساء.
(5)
الواو الحالية.
(6)
أي على البعير.
(7)
قوله: قالت فطفت، أي راكبة على بعير، وقد ثبت مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بِمحْجن بالكسر أي بعصا، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وكان ذلك لشكوى عَرَضت له، فلم يقدر على
ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي (1) إلى جانب البيت، ويقرأ بالطور (2) وكتابٍ مَسْطُورٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لا بَأْسَ لِلْمَرِيضِ وَذِي الْعِلَّةِ (3) أَنْ يطوفَ بِالْبَيْتِ مَحْمُولا (4) وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (5) . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا.
476 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، عن
المشي كما في رواية أبي داود أو ليشرف فيراه الناس ويسألونه كما ورد عن جابر عند مسلم ويحتمل أن يكون كلٌّ منهما باعثاً له، ودلَّ هذا كلُّه على جواز الطواف راكباً بعذر، فإن كان بغير عذر جاز بلا كراهة، لكنه خلاف الأَوْلى أو بكراهة قولان للشافعية، وعند أبي حنيفة ومالك المشي (4/620. ومذهب الشافعي وأحمد: أنه مستحب، وجزم جماعة من الشافعية بكراهة الطواف راكباً من غير عذر كما ذكره العيني) واجب، فإن تركه بغير عذر فعليه ذم، وفيه أيضاً جواز إدخال الدابّة في المسجد إذا أمن التلويث، واستنبط منه طائفة طهارة بول مأكول اللحم وبعره، وتحقيقه في موضع آخر، كذا في "عمدة القاري" وغيره.
(1)
أي صلاة الصبح بالجماعة.
(2)
أي بسورة الطور.
(3)
قوله: وذي العِلّة، بكسر أوله وتشديد ثانيه أي ذي المرض، والعطف تفسيري. وفسّر القاري المريض بضعيف البدن، وذا العلة بالأعرج والزَّمِن ومَنْ به وجع الرِّجْل ونحوه.
(4)
أي على إنسان أو دابّة.
(5)
أي لا يجب عليه دم لأن الضرورات تبيح المحظورات.
ابْنِ أَبِي مُلَيكة (1)، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ (2) تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ: يَا أَمَة اللَّهِ، اقْعُدِي (3) فِي بَيْتِكِ، وَلا تُؤْذِي النَّاسَ (4) . فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَتَتْ (5)، فَقِيلَ لَهَا: هَلَكَ (6) الَّذِي كَانَ ينهاكِ عَنِ الْخُرُوجِ (7)، قَالَتْ: واللَّهِ لا أُطيعه (8) حيّاً وأعصيه مَيّتاً.
(1) قوله: عن ابن أبي مُلَكية، بالتصغير هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية اسمه زهير التيمي كان ثقة فقيهاً، مات سنة سبع عشر ومائة، قاله الزرقاني.
(2)
أي أصابها مرض الجذام.
(3)
أي اجلسي ولا تطوفي وفي رواية يحيى: لو جلست في بيتك أي لكان خيراً.
(4)
قوله: ولا تؤذي الناس، أي بريح الجذام، قال ابن عبد البر: فيه أنه يُحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى، وهو لا يجوز. وإذا مُنع آكلُ الثوم من المسجد وكان ربما أُخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام؟ وهو عند بعض الناس يُعدي وعند جميعهم يؤذي، وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه رحمها للبلاء الذي بها، وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئاً لا يُعدي، وكان يجالس مُعَيْقيباً الدَّوْسي ويؤاكله ويشاربه، وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله. ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكفي بإشارته، ألم تَرَ إلى أنه لم تخطئ فراسته فيها فأطاعته حياً وميتاً.
(5)
أتت مكة.
(6)
أي مات.
(7)
للطواف.
(8)
لأنه أَمَر بحقّ.
40 -
(بَابُ اسْتِلامِ (1) الرُّكْنِ)
477 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبَري (2) ، عَنْ عُبَيد (3) بْنِ جُرَيج، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: با أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ (4)، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا (5) مَا (6) رأيتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا! قَالَ: فَمَا هُنَّ (7) يَا ابْنَ جُرَيج؟ قَالَ: رأيتُك لا تَمَسُّ (8) من الأركان إلَاّ اليمانِيَيْن (9) ،
(1) قوله: استلام الركن، أي لمس ركن الكعبة، وهي مشتملة على أربعة أركان، في أحدها: الحجر الأسود الذي ينبغي لمسُه وتقبيلُه، وثانيها: الركن اليماني ويستحب لمسُه أيضاً، وثالثها ورابعها: الركنان الشاميّان وهما بجانب الحَطيم.
(2)
بضم الباء وفتحها.
(3)
قوله: عن عبيد، مصغَّراً، ابن جريج مصغَّراً التيمي مولاهم المدني من ثقات التابعين، ذكره الحافظ ابن حجر.
(4)
كنية ابن عمر.
(5)
أي أربع خصال.
(6)
قوله: ما رأيتُ أحداً من أصحابك يصنعها، أي أحداً من أقرانك وأمثالك ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد نفي الرؤية عن الأكثر، وبالغ فيه فقال: ما رأيت أحداً، أو المراد نفي رؤية أحد يفعل مجموع هذه الخصال الأربعة، أو المراد نفي رؤية أحد يفعل هذه على سبيل الالتزام كما كان ابن عمر يلتزمها.
(7)
أي تلك الخصال.
(8)
بفتح الميم وتشديد السين أي لا تلمس باليد.
(9)
قوله: اليمانيين، قال السيوطي في "تنوير الحوالك"، بتخفيف الياء لأنَّ
ورأيتُك تَلْبَس (1) النِّعالَ (2) السِّبْتية، ورأيتُكَ تصبُغُ (3) بالصُّفْرة، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كنتَ بمكَّة أَهلَّ (4) الناسُ (5) إِذَا رأَوْا
الألف بدل من إحدى يائَيْ النسب، ولا يُجمع بين البدل والمُبْدل منه، وفي لغة قليلة تشديدها على أنَّ الألف زائدة، والمراد بهما الركن اليَماني والذي فيه الحجر الأسود على جهة التغليب.
(1)
بفتح الباء.
(2)
قوله: النِّعال السِّبتية، النِّعال بالكسر جمع نعل، وهو ما يُلبس في الرجل لوقاية القدم، والسِّبْتية بالكسر منسوب إلى سبت، وهي جلود البقر المدبوغةُ يُتخذ منها النعال، سُمِّيت بذلك لأن شعرها سُبِتَ عنها أي حُلِقَتْ، أو لأنها انْسَبتَ (هكذا في الأصل والظاهر انسَبَتَتْ بالدباغ أي لانت، كما في مجمع البحار 3/11) بالدباغ أي لانت، وكان من عادة العرب لبس النعال من الجلود الغير (هكذا في الأصل، والصواب بدون "ال" كما نبهنا على ذلك سابقاً) مدبوغة بشعرها، وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره، وكان يلبسها أهل الرفاهية، وقيل: إنه منسوب إلى سوق السَّبْت بالفتح، وقيل: إلى السُّبت بالضم: نبت يُدبغ به، ويلزم عليهما أن يكون السبتية في الرواية بالفتح أو الضم، ولم يرد في الحديث على ما أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم إلَاّ الكسر، كذا حققه أحمد بن محمد المقرئ المغربي في كتابه " فتح المتعال في مدح خير النعال"، وفصَّلتُ ما يتعلق بهذا الحديث في رسالتي "غاية المقال في ما يتعلق بالنعال"، وتعليقاتها المسماة بظفر الأنفال.
(3)
قوله: تصبُغُ، أي ثوبَك أو شعرَك، وهو بضم الموحدة، وحُكي فتحُها وكسرُها. بالصُّفرة بالضم أي اللون الأصفر بالزعفران أو غيره، وقيل: الصفرة نبت يُصبغ به أصفر.
(4)
أي رفعوا أصواتهم بالتلبية وأحرموا بالحج.
(5)
أي أكثرهم ممن هو بمكة.
الْهِلالَ (1) وَلَمْ تهلِّلْ أنتَ حَتَّى يكونَ (2) يومُ التَّرْوِيَةِ (3) ! قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَ إلَاّ اليمانِيَيْن (4) . وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتية فَإِنِّي رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي (5) لَيْسَ فِيهَا (6) شَعْرٌ ويتوضَّأُ (7) فِيهَا، فَإِنِّي أحبُّ أَنْ أَلْبَسَها (8) . وَأَمَّا الصُّفْرة
(1) أي هلال ذي الحجة.
(2)
أي يوجد، فهي تامة وما بعده فاعلُه، ويمكن أن يكون ناقصة وما بعده مفعولُة وفاعله ضمير راجع.
(3)
هو الثامن من ذي الحجة.
(4)
قوله: إلا اليمانيين، أي الركن اليماني الذي بجهة اليمن والركن الذي بجهة أكثر بلاد الهند الذي فيه الحجر الأسود، ولا يستلم الركنين الآخَرَيْن، وهذا عن النبي صلى الله وعليه وسلم متفق عليه، وأما أصحابه فذهب ابن عمر وعمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة قَصْرُ الاستلام عليهما، ورُوي عن معاوية وابن الزبير مسُّ الكل، وعللوا بأنه ليس شيء من البيت مهجوراً. والآثار عنهم مخرجة في "مصنَّف ابن أبي شيبة"، و"مسند أحمد" وغيرهما، وهذا الخلاف قد ارتفع وأَجمع مَن بعدهم على أنه لا يُستلم إلا اليمانيين.
(5)
هذا تفسر للسبتية.
(6)
في نسخة: لها.
(7)
قوله: يتوضأ فيها، الظاهر أن معناه يتوضأ ويغسل الرجلين حال كون النعلين فيهما ولا بأس به إذا كان النعلان طاهرين، ووصل الماء إلى الرِّجْل بتمامه، وقال النووي: معناه أنه يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان.
(8)
ليحصل الاقتداء به.
فَإِنِّي رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصبُعُ (1) بها فأنا أحبُّ أن أصبُعَ بِهَا. وَأَمَّا الإِهلال فَإِنِّي لَمْ أرَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حَتَّى (2) تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا (3) كلُّه حَسَن، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَلِمَ مِنَ الأَرْكَانِ، إلَاّ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ والحَجَر (4) ، وَهُمَا اللَّذَانِ اسْتَلَمَهُمَا ابْنُ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ.
478 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ (5) بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصدِّيق رضي الله عنه
(1) قوله: يصبُغ بها، قال الزرقاني: قال المأزري: قيل: المراد صبغ الشعر، وقيل: صبغ الثوب والأشبه هو الثاني. قال عياض: هذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتجّ بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران. رواه أبو داود. وذكر أيضاً في حديث آخر احتجاجه بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصبُغُ بها ثوبه حتى عمامته.
(2)
قوله: حتى تنبعث به، أي تستوي قائمة إلى طريقه يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يُحرم حين التوجُّه إلى مكة والشروع في الأعمال فقاس عليه الإحرام بمكة يوم التروية لأنه يوم التوجُّه إلى منى ويوم الشروع في أفعال الحج، والمراد بانبعاث الراحلة انبعاثها به من ذي الحليفة لا من مكة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحرم في حجته من مكة، وقد ذكرنا سابقاً ما يتعلَّق بهذا المقام فتذكَّر.
(3)
أي ما ذُكر في هذه الرواية.
(4)
أي الحجر الأسود.
(5)
قوله: أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر، هو أخو القاسم بن محمد من ثقات التابعين قُتل بالحَرَّة سنة 63. أخبر هو عبدَ الله بن عمر بنصب عبد الله على أنه مفعول أخبر، فالمُخْبِر هو عبد الله بن محمد والمُخْبَر له ابن عمر، "عن" متعلِّق بأخبر عائشة: وظاهره أن سالماً كان حاضراً لذلك، فتكون من رواية نافع عن
أَخْبَرَ عبدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَمْ (1) تَرَي أَنَّ قومَك (2) حِينَ بَنَوا (3) الكعبة اقتصروا عن قواعد (4) إبراهيم عليه
عبد الله بن محمد، وأخرجه مسلم من رواية نافع عن عبد الله بن محمد، عن عائشة، كذا ذكره الحافظ ابن حجر وغيره.
(1)
بهمزة الاستفهام وفتح التاء والراء وسكون الياء وبحذف النون للجزم أي ألم تعلمي.
(2)
بكسر الكاف خطاب إلى عائشة وقومها المراد به قريش.
(3)
قوله: حين بنوا الكعبة، أن أرادوا بناءها، وذلك قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وكانت الكعبة قبل ذلك مبنيَّة بالرضم (الرضم واحدته "رضمة" الصخور العظيمة) . ليس فيها مدر ولم تكن جدرانها مرتفعة، وكان لها بابان فتساقط بناؤها ووصلها الحريق فأرادت قريش تسقيفَها ورفعَ جدرانها، ولم تكن قبل ذلك مسقَّفة فبَنوْا الكعبة وسقفوها بالخشب والحجارة وجعلوا لها باباً واحداً ليُدخلوا فيها من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، وقد كانوا تعاهدوا أن لا يُصرف في بنائها إلا المال الطيب، فجمعوه وشرعوا في بنائها فقصرت بهم النفقة، فأخرجوا قَدْر الحَطيم من الكعبة، ولم يزل ذلك البناء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يغيِّره لأن قريشاً كانوا قريبي عهد بالكفر والجاهلية، فخاف أن يطعنوا عليه بهدم الكعبة من غير ضرورة وبقي كذلك إلى عهد الخلفاء حتى جاء عهد عبد الله بن الزبير وكان قد سمع هذا الحديث من عائشة فهدم الكعبة في عهد خلافته وبناها على قواعد إبراهيم، ثم لما قُتل ابن الزبير لم يرضَ الحجاج الأمير من عبد الملك بن مروان إبقاء بناء ابن الزبير فهدمها وأعادها إلى وضع قريش فكان ما كان كما هو مبسوط في تواريخ البلد الأمين (وانظر أوجز المسالك 7/ 93) .
(4)
جمع قاعدة بمعنى الأساس.
السَّلامُ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا تَرُدَّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: لَوْلا (1) حِدثانُ (2) قومِك بِالْكُفْرِ، قَالَ (3) : فَقَالَ (4) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ (5) كَانَتْ عائشةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَرَى رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ (6) اسْتِلامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَان الحِجر إلَاّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يتمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبراهيم عليه السلام
(1) قوله: فقال: لولا
…
إلى آخره، وفي رواية: لولا أنَّ قومَك حديث عهد بالجاهلية لأمرت بالبيت فهُدم، فأدخلت فيه ما أخرج وألزقته بالأرض وجعلت له بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً فبلغتُ به أساس إبراهيم. واستُنبط من الحديث جواز ترك ما هو صواب خوف وقوع مَفسدة أشد منه.
(2)
بالكسر بمعنى الحدوث والقرب.
(3)
أي عبد الله بن محمد.
(4)
حين سمع هذا الحديث.
(5)
قوله: لئن، قال الحافظ ابن حجر والقاضي عياض: ليس هذا شكاً من ابن عمر في صدق عائشة، لكن يقع في كلام العرب كثيراً صورة التشكيك والمراد به التقرير.
(6)
قوله: ترك استلام الركنين، أي لمسَهما وتقبيلَهما. اللذين يليان أي يقربان الحِجْر (وهو المعروف على هيئة نصف الدائرة وقدره تسع وثلاثون ذراعاً. تنوير الحوالك ص 263) . بالكسر وهو الحطيم: الموضع الذي أخرجته قريش من الكعبة، وهما ركنان شاميان. ويعرف اليوم أحدهما بالركن العراقي والآخر بالشامي، إلا أن البيت أي الكعبة لم يتم على قواعد إبراهيم فليس الركنان بحسب بناء الخليل طرفين للكعبة، ولذا ورد أن ابن الزبير لما بنى الكعبة على قواعد الخليل استلم الأركان كلَّها.