المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - (باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر) - التعليق الممجد على موطأ محمد - جـ ٢

[أبو الحسنات اللكنوي - محمد بن الحسن الشيباني]

فهرس الكتاب

- ‌76 - (بَابُ الْوِتْرِ)

- ‌77 - (بَابُ الْوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ)

- ‌78 - (بَابُ تَأْخِيرِ الْوِتْرِ)

- ‌79 - (بَابُ السَّلامِ فِي الْوِتْرِ

- ‌81 - (بَابُ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي)

- ‌82 - (بَابُ مَا يُستَحبّ مِنَ التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ)

- ‌84 - (بَابُ صَلاةِ المُغمى عَلَيْهِ)

- ‌85 - (بَابُ صَلاةِ الْمَرِيضِ)

- ‌92 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ يصلِّي وَبَيْنَ القِبلة وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ قَائِمَةٌ

- ‌94 - (بَابُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ فِي الصَّلاةِ

- ‌95 - (باب الصلاة على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌96 - (بَابُ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌97 - (بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي ثُمَّ يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ)

- ‌101 - (بَابُ فَضْلِ الجِهاد

- ‌102 - (بَابُ ما يكون من الموتِ شهادة

- ‌(أَبْوَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌2 - (بَابُ مَا يُكَفَّن بِهِ الْمَيِّتُ)

- ‌3 - (بَابُ الْمَشْيِ بِالْجَنَائِزِ وَالْمَشْيِ مَعَهَا)

- ‌4 - (بَابٌ الْمَيِّتُ لا يُتَّبَعُ بنارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ مِجْمَرة فِي جِنَازَتِهِ)

- ‌5 - (بَابُ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ)

- ‌6 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءِ)

- ‌7 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌8 - (بَابٌ يَحْمِلُ الرَّجُلُ الْمَيِّتَ أَوْ يحنِّطه أَوْ يُغَسِّلُهُ هَلْ يَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ

- ‌9 - (بَابُ الرَّجُلِ تُدْرِكُهُ الصَّلاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ

- ‌10 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَا يُدفن)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌1 - (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌3 - (بَابُ الْمَالِ مَتَى تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ)

- ‌4 - (بَابُ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْن هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ)

- ‌6 - (بَابُ العُشُر

- ‌8 - (بَابُ زَكَاةِ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ والبَراذين

- ‌9 - (بَابُ الرِّكَازِ

- ‌10 - (بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ)

- ‌11 - (بَابُ الْكَنْزِ

- ‌12 - (بَابُ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ)

- ‌13 - (بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌14 - (باب صَدَقَةِ الزَّيْتُونِ)

- ‌(أَبْوَابُ الصِّيَامِ

- ‌2 - (بَابُ مَتَى يَحْرُمُ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ)

- ‌3 - (بَابُ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ)

- ‌4 - (بَابُ الرَّجُلِ يَطْلُعُ لَهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ

- ‌5 - (بَابُ القُبلة لِلصَّائِمِ

- ‌6 - (بَابُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ)

- ‌8 - (بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ)

- ‌9 - (بَابُ قَضَاءِ رَمَضَانَ هَلْ يُفرَّق

- ‌10 - (بَابُ مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَفْطَرَ)

- ‌11 - (بَابُ تَعْجِيلِ الإِفطار)

- ‌15 - (بَابُ الأَيَّامِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الصَّوْمُ)

- ‌16 - (بَابُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ مِنَ اللَّيْلِ)

- ‌17 - (بَابُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الصِّيَامِ)

- ‌18 - (باب صوم يوم عَاشُورَاءَ

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌1 - (بَابُ الْمَوَاقِيتِ

- ‌7 - (بَابُ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا وَهُوَ مُقِيمٌ)

- ‌15 - (بَابُ المُحرم يَغْسِلُ رَأْسَهُ، أَيَغْتَسِلُ

- ‌16 - (بَابُ مَا يُكره لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ)

- ‌17 - (بَابُ مَا رُخِّص للمُحرم أَنْ يَقْتُلَ مِنَ الدَّوَابِّ

- ‌22 - (بَابُ المُحرم يَتَزَوَّجُ)

- ‌23 - (بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ)

- ‌26 - (بَابُ فَضْلِ الْعُمْرَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ)

- ‌27 - (بَابُ المتمتِّع مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الهَدْي)

- ‌29 - (بَابُ المكِّي وَغَيْرِهِ يَحُجُّ أَوْ يَعْتَمِرُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّمْل)

- ‌31 - (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ)

- ‌37 - (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَا يُستحبّ مِنَ الْغُسْلِ قَبْلَ الدُّخُولِ

- ‌41 - (بَابُ الصَّلاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَدُخُولِهَا)

- ‌42 - (بَابُ الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ أَوْ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ)

- ‌51 - (بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ رَاكِبًا)

- ‌53 - (بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ

- ‌60 - (بَابُ المُحْصَر

- ‌61 - (بَابُ تَكْفِينِ الْمُحْرِمِ

- ‌65 - (بَابُ الرَّجُلِ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُفيض

- ‌66 - (بَابُ تَعْجِيلِ الإِهلال

- ‌70 - (بَابُ النُّزُولِ بالمحصَّب

- ‌73 - (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِسِلاحٍ)

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌3 - (بَابُ لا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وعمَّتها فِي النِّكَاحِ)

- ‌5 - (باب الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)

- ‌7 - (بَابُ مَا يُوجِبُ الصَّدَاق

- ‌8 - (بَابُ نِكَاحِ الشِّغار

- ‌10 - (بَابُ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ)

- ‌15 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ فِي عِدّتها

- ‌16 - (باب العزل

- ‌(كِتَابُ الطَّلاقِ)

- ‌3 - (بَابُ مَا يُكره للمطلَّقة الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنَ الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا)

- ‌6 - (بَابُ الْخُلْعِ كَمْ يَكُونُ مِنَ الطَّلاقِ)

- ‌8 - (بَابُ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَتَتَزَوَّجُ زَوْجًا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا الأَوَّلُ)

- ‌9 - (بَابُ الرَّجُلِ يَجْعَلُ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا أَوْ غَيْرِهَا)

- ‌11 - (بَابُ الأَمَةِ تَكُونُ تحت العبد فَتُعْتَقُ)

- ‌13 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تطلَّق أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ)

- ‌17 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا)

- ‌22 - (بَابُ مَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ مِنَ الزِّينَةِ فِي الْعِدَّةِ)

- ‌27 - (بابُ المرأةِ تُسْلِمُ قَبْلَ زوجِهَا)

- ‌28 - (بَابُ انْقِضَاءِ الْحَيْضِ)

- ‌30 - (بَابُ عِدَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌31 - (بَابُ الرَّضاع

- ‌1 - (بَابُ مَا يُكره مِنَ الضَّحَايَا)

- ‌2 - (بَابُ لُحُومِ الأَضَاحِي)

- ‌4 - (بَابُ مَا يُجْزِئ مِنَ الضَّحَايَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ)

- ‌5 - (بَابُ الذَّبَائِحِ)

- ‌7 - (بَابُ أَكْلِ الضَبّ

- ‌9 - (بَابُ السَّمَكِ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ)

- ‌11 - (بَابُ أَكْلِ الجرَاد

- ‌13 - (بَابُ مَا قَتَل الْحَجَرُ

- ‌16 - (بَابُ صَيْدِ الْكَلْبِ المعلَّم)

الفصل: ‌23 - (باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر)

مَيْمُونَةَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ (1) ابْنُ أُخْتِهَا، فَلا نَرَى بِتَزَوُّجِ الْمُحْرِمِ بَأْسًا وَلَكِنْ لا يُقَبِّل (2) وَلا يَمَسَّ حَتَّى يَحِلَّ (3) ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تَعَالَى.

‌23 - (بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ)

438 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَير الْمَكِّيُّ: أَنَّهُ كان يرى البيتَ (4)

وسابعها: أنه قد يجيء المحرم بمعنى الداخل في الشهر الحرام فيحتمل أن يكون هو المراد ههنا، وفيه بُعد أيضاً نظراً إلى تقابل الحلال.

وثامنها: أنه قد تقرر في الأصول أن الحديث القولي مقدّم على الحديث الفعلي، وقد أخذ بهذه القاعدة أصحابنا أيضاً في كثير من المواضع، فبعد ثبوت رواية ابن عباس وقوّته وترجحه على رواية غيره وكون المحرم فيه بمعنى صاحب الإحرام يقال: إنه حكاية للفعل النبوي، وهو مع أنه لاعموم له يُقدِّم عليه حديث المنع القولي، والقول بأن التقدُّم إنما يكون عند التعارض والتعارض إنما يكون بالتساوي ولا تساوي ههنا كما صدر عن العيني في "عمدة القاري" مما لا يعبأ به، فإنه لا شبهه في ثبوت التساوي، والكلام في سند حديث المنع وكذا الكلام في سند روايات يزيد وميمونة وأبي رافع إن كان فهو قليل لا يرتفع به قابلية الاحتجاج به فافهم واستقم.

(1)

أي والحال أن ابن عباس ابن أخت ميمونة فإنّ أمّه أمَّ الفضل أخت لها.

(2)

لأن التقبيل والمس ونحو ذلك من دواعي الجماع، وهو مع دواعيه ممنوع عنه في الإحرام.

(3)

أي يخرج من الإحرام.

(4)

أي الكعبة أي حوله ومطافه.

ص: 324

يَخْلُو (1) بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ، مَا (2) يَطُوفُ بِهِ أَحَدٌ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّمَا كَانَ يَخْلُو لأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلاةَ (3) تَيْنك (4) السَّاعَتَيْنِ. وَالطَّوَافُ لا بُدّ لَهُ (5) مِنْ صَلاةِ رَكْعَتَيْنِ، فَلا بَأْسَ (6) بِأَنْ يطوف سبعاًولا يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَتَبْيَضَّ (7) ، كَمَا

(1) قوله: يخلو، قال الزرقاني: هذا إخبار عن مشاهدة من ثقة لا إخبار عن حكم، فسقط قول أبي عمر (في الأصل أبو عمرو والصواب أبو عمر) أي ابن عبد البر: هذا خبر منكر، يدفعه من رأى الطواف بعدهما وتأخيره الصلاة كمالك وموافقيه، ومن رأى الطواف والصلاة معاً بعدهما.

(2)

نافية.

(3)

لعموم الأحاديث الواردة بذالك كما مرَّ ذكرها.

(4)

أي بعد العصر وبعد الصبح.

(5)

أي وجوباً (وفي "المحلى" سنة مؤكدة على أصح القولين من الشافعية وهو مذهب الحنابلة. وأوجبهما الحنيفة والمالكية. لكن قال الحنفية: تُجبران بدم وهو القول الآخر للشافعي ويجزئ عنهما المكتوبة عند الشافعي وأحمد. ولا تجزئ عند المالكية. انظر أوجز المسالك 7/126) ويستحب عدم فصلٍ إلا من ضرورة.

(6)

قوله: فلا بأس بأن يطوف، تصريح بعدم كراهة الطواف في هذه الأوقات التي كُرهت الصلاة فيها. وتأخير ركعتي الطواف، فسقط ما قال ابن عبد البر: كره الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح فإن فعل فلتؤخر الصلاة. انتهى. قال الحافظ ابن حجر: لعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور عند الحنفية أن الطواف لا يُكره وإنما تُكره الصلاة.

(7)

أي تذهب حُمرته وهو كالتفسير للارتفاع.

ص: 325

صنع (1) عمر بن الخطاب، أويصلي (2) الْمَغْرِبَ. وَهُوَ قَوْلُ (3) أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.

(1) على ما يأتي.

(2)

قوله: أو يصلي المغرب، أي أو حتى يصلي المغرب في الطواف بعد العصر وإنما قيد بالصلاة لأن النوافل قبل صلاة المغرب بعد الغروب مكروه عندنا لكونه مؤدياً إلى تأخير المغرب، وكذا ركعتا الطواف وإن كانت واجبة لأن إيجابه بفعل العبد لا بإيجاب من الله تعالى. نعم. ينبغي أن تؤدَّى قبل سُنّة المغرب لقوتها بالنسبة إليها إلا من ضرورة.

(3)

قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري والثوري وأبو يوسف ومالك في رواية. واحتجوا بعموم الأخبار الواردة في كراهة الصلاة في هذه الأوقات، وقد وافقهم: أثرُ عمر حيث صلى بذي طوى، ولم يصلِّ في الفور مع أن الموالاة مستحبة. وأثرُ ابن عمر أخرجه الطحاوي عن نافع أن ابن عمر: قدم عند صلاة الصبح فطاف ولم يصل إلا بعد ما طلعت الشمس. وأخرج ابن المنذر وسعيد بن أبي عروبة عن أيوب قال: كان ابن عمر لا يطوف بعد صلاة العصر ولا بعد الصبح. وأثرُ جابر قال: كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة ولم نكن نطوف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تطلع الشمس بين قرني شيطان، أخرجه أحمد. وأثرُ أبي سعيد الخدري انه طاف بعد الصبح، فجلس حتى طلعت الشمس أخرجه ابن أبي شيبة. وأثرُ عائشة قالت: إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخّر الصلاة حتى تغيب أو تطلع. وذهب عطاء وطاوس وعروة والقاسم والشافعي وأحمد وإسحاق إلى جواز ركعتي الطواف في هذه الأوقات، ويوافقهم حديث جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد مناف، من وَلِييَ منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعنّ أحداً طاف بهذا البيت وصلّى أي ساعةٍ شاء من ليل أو نهار، أخرجه الشافعي وأصحاب السنن وصححه

ص: 326

439 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (1) أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ طَافَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ بِالْكَعْبَةِ (2) فَلَمَّا قَضَى (3) طوافَه نَظَر (4) فَلَمْ يرَ الشمس، فركب (5)

الترمذي وابي خزيمة وغيرهم، وما أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند ضعيف عن مجاهد قال: قدم أبو ذر فأخذ بعضادة باب الكعبة، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصلين أحد بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب إلا بمكة. وفي المقام أبحاث من الطرفين مبسوطة في "فتح الباري" و"عمدة القاري" وقد أطال الكلام في المقام الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ورجَّع جوازَ ركعتي الطواف بعد العصر وبعد الصبح قبل الطلوع والغروب من غير كراهة، وكراهتَهما في غيرهما من الأوقات المكروهة كوقت الطلوع والغروب والزوال. وروي ذلك عن ابن عمر ومجاهد والنَّخَعي وعطاء. ولعل المنصف المحيط بأبحاث الطرفين يعلم أن هذا هو الأرجح الأصح، وعليه كان عملي في مكة حين تشرَّفْتُ مرة ثانية بزيارة الحرمين في السنة الثانية والتسعين بعد الألف والمائتين، ولما طفت طواف الوداع بعد العصر حضرتُ المقام مقام إبراهيم لصلاة ركعتي الطواف فمنعني المطوِّفون من الحنفية فقلت لهم: الأرجح الجواز في هذا الوقت وهو مختار الطحاوي من أصحابنا، وهو كافٍ لنا، فقالوا: لم نكن مطَّلعين على ذلك وقد استفدنا منك ذلك.

(1)

ابن عبدٍ القارِّيّ.

(2)

قيد به احترازاً عن الطواف بين الصفا والمروة.

(3)

أي أتمّ.

(4)

أي إلى جانب المشرق.

(5)

قاصداً المدينة.

ص: 327

وَلَمْ يُسَبِّحْ (1) حَتَّى أَنَاخَ (2) بِذِي طُوى (3) فسبَّح رَكْعَتَيْنِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، يَنْبَغِي أَنْ لا يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَبْيَضَّ (4) . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.

24 -

(بَابُ الْحَلالُ (5) يَذْبَحُ الصيد أويصيده: هَلْ يَأْكُلُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ أَمْ لا؟)

440 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْب (6) بْنِ جَثَّامة اللَّيْثِ: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بالأبواء

(1) أي لم يصل ركعتي الطواف. يقال سبّح بمعنى صلى السُّبْحة - بالضم - وهي ركعتا النافلة.

(2)

أي أجلس بعيرَه.

(3)

بالضم اسم موضع بين مكة والمدينة.

(4)

ليذهب وقت الكراهة.

(5)

أي غير المحرم.

(6)

قوله: عن الصَّعب، بالفتح (ابن جَثّامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة، ابن قيس بن ربيعة الليثي، من أجلّة الصحابة، مات في خلافة عثمان على الأصح، (أنه) أي الصعب أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وهو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالأبْواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة: جبل بينه وبين الجُحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً (أو) شك من الراوي (بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة موضع قريب من الجُحفة بينهما ثمانية أميال، كذا قال الزرقاني.

ص: 328

أوبودّان، فَرَدَّهُ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِي (2) قَالَ (3) : إِنَّا (4) لَمْ نَرُدَّه عَلَيْكَ إِلا (5) أَنَّا حُرُم.

441 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: أَنَّهُ مَرَّ بِهِ (6) قومٌ (7) مُحْرِمون بالرَّبَذَة (8) فاستفتَوْه فِي لَحْمِ صَيْدٍ وجدوا أحِلّةً يأكلونه،

(1) أي الحمار الوحشي.

(2)

أي من التغيُّر والملال بسبب عدم قبوله الهدية.

(3)

أي معتذراً أو كاشفاً عن وجه الردّ.

(4)

قوله: إنا، بكسر الهمزة، لم نردَّه، بفتح الدال روايةً وضمِّه قياساً، قال القاضي عياض في"شرح صحيح مسلم" ضبطناه في الروايات بالفتح، وردّه محققوا أشياخنا من أهل العربية وقالوا: بضم الدال، وكذا وجدته بخط بعض أشياخنا أيضاً، وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه في مثل هذا في المضاعف إذا دخله الهاء أن يُضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم مراعاةً للواو التي توجبها ضمة الهاء، هذا في المذكَّر. وأما في المؤنث مثل (لم نردَّها) فمفتوح.

(5)

قوله: إلَاّ أنّا، بفتح الهمزة بحذف لام التعليل أي لا نرده لعلة من العلل إلا لأنّا حُرُم بضمتين جمع حرام بمعنى المحرم، قاله الكرماني. وقيل: إنا بكسر أوله ابتدائية.

(6)

أي بأبي هريرة.

(7)

قوله: قوم محرمون، هم من أهل العراق، وكان أبو هريرة عند ذلك جاء من البحرين واستقر بالرَّبّذة فطلبوا منه الحكم في لحم صيد وجدوا ناساً من أهل الربذة يأكلونه وهم أحِلَّة - بفتح الهمزة وكسر الحاء وتشديد اللام - جمع الحلال بمعنى غير المحرم.

(8)

بفتحات: قرية قريب المدينة.

ص: 329

فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ قَدِمَ (1) عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ (2)، فَقَالَ عُمَرُ: بِمَ أفتيتَهم (3) ؟ قَالَ: أفتيتُهم بِأَكْلِهِ، قَالَ عُمَرُ: لَوْ أفتيتَهم بِغَيْرِهِ لأوجعتُك (4) .

442 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ (5) مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ (6) رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى (7) إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ تَخَلَّفَ (8) مِنْ أَصْحَابٍ لَهُ مُحرمين، وَهُوَ غَيْرُ

(1) أي أبو هريرة بالمدينة.

(2)

أي عن حكم أكل المحرم لحمَ صيد وُجد عند الحلال.

(3)

أي بأي شيء أفتيتَ الذين سألوا عنك.

(4)

قوله: لأوجعتك، أي لو أفتيتهم بالحرمة أو الكراهية لأدّبتُك وضربتُك وأوجعتُك بالملامة على فتواك بخلاف الشريعة. ودل هذا الأثر على جواز أكل المحرم لحم صيد ذبحه الحلال لا بأمر المحرم وإعانته.

(5)

قوله: عن نافع، هو ابن عباس بموحدة وسين مهملة أو عياش بياء تحتية وشين معجمة: أبو محمد الأقرع المدني، ثقة وهو مولى أبي قتادة حقيقةً، كما ذكره النسائي والعِجْلي، وقال ابن حبان: قيل له ذلك للزومه به وإلا فهو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، كذا في "شرح الزرقاني".

(6)

في السفر عام الحديبية كما في رواية للبخاري، وفي رواية عام عمرة القضاء.

(7)

قوله: حتى إذا كان ببعض الطريق، كان ذلك في قرية تُعرف بالقاحة على ثلاثة أميال من المدينة كما صرح به في روايات البخاري وابن حبان. وعند الطحاوي أن ذلك بعُسفان وفيه نظر.

(8)

أي بقي خلفاً متخلفاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

ص: 330

مُحْرِمٍ (1) فَرَأَى حِمَارًا (2) وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى (3) عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُناولوه سَوْطَهُ (4) ، فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ أن يناولوه رُمحه (5) ، فأبَوْا (6) ،

(1) قوله: وهو غير محرم، استشكل كونه غير محرم مع أنه لا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام لا سيما لمن يريد الحج أو العمرة، وأجيب عنه بوجوه ذكرها العيني في "عمدة القاري" وغيره، منها: أنه لم يخرج من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بعثه إليه أهلها بعد خروجه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة، ورُدّ بمخالفته صريح بعض الروايات. ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدوٍّ لهم بجهة الساحل، ولقيه في الطريق بعد مجاوزة الميقات، وفي رواية الطحاوي: أنه بعثه على الصدقة فلقيه بعسفان وهو غير مُحرم، ويردّه أيضاً ظاهر بعض الروايات. ومنها: ما ذكره القاضي عياض وغيره أن المواقيت لم تكن وُقِّتت بعد، فإنها عُيِّنت في حجة الوداع. ومنها ما ذكره عليّ القاري أنه لم يُحرم بقصد الإحرام من ميقات آخر وهو الجُحفة فإن المدني مخيّر بين أن يحرم من ذي الحُليفة وبين أن يُحرم من الجحفة.

(2)

قوله: حماراً وحشياً، وهو مقابل الحمار الأهلي، وقد مرّ في باب المتعة حكم الحمار الأهلي، وأنه حرام عند العامة، وفيه خلاف لا يُعتدّ به. وأما الحمار الوحشي، ويقال له بالفارسية (كَورخر) فحلال بالإجماع وكذا إذا صار أهلياً يوضع عليه الإكاف. وقد ثبت في أخبار متعددة أكل الصحابة بل أكل النبي صلى الله عليه وسلم لحمه، كذا في "حياة الحيوان" للدَّميري، ومختصره "عين الحياة" لتلميذه محمد بن أبي بكر الدَّماميني.

(3)

أي ركب عليه مستوياً متهيئأً لصيده.

(4)

في رواية فسقط سوطه من يده فسأل أن يعطوه سوطه.

(5)

بالضم.

(6)

قوله: فأبَوا، أي أنكروا أو امتنعوا من مناولة السوط والرمح لعلمهم بأن المحرم لا يجوز له الدلالة على الصيد، ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه.

ص: 331

فَأَخَذَهُ (1) ثُمَّ شَدَّ (2) عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بعضُ أَصْحَابِ (3) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَى بَعْضُهُمْ (4) فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ الله وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ (5) فَقَالَ: إِنَّمَا (6) هِيَ طُعمة أطعمَكُمُوها اللَّهُ.

443 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن كَعْبَ الأَحْبَارِ أَقْبَلَ (7) مِنَ الشَّامِ فِي رَكْب (8) مُحرمين (9) حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَدُوا لحم صيد (10) فأفتاهم كعب بأكله، فلما

(1) أي السوط.

(2)

أي حمل عليه.

(3)

ممن كان مع أبي قتادة.

(4)

قوله: وأبى بعضهم، أي امتنعوا من أكله ظنّاً منهم أن المحرم لا يجوز له أكل لحم الصيد مطلقاً.

(5)

أي عن هذه الواقعة.

(6)

قوله: إنما هي طُعمة، بالضم أي طعام أطعمكموه الله بفضله ورحمته، وفي رواية للبخاري ومسلم: قال: هل منكم أحد أمره أوأشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها، وفي رواية للبخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معكم منه شيء؟ فقلت: فناولته العضد فأكلها وهو محرم.

(7)

إلى مكة.

(8)

بالفتح: جمع راكب أي جماعة.

(9)

وكانوا قد أحرموا من بيت المقدس كما ورد في رواية.

(10)

أوصاده حلال.

ص: 332

قَدِمُوا (1) عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرُوا ذَلِكَ (2) لَهُ، فَقَالَ: مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا؟ فَقَالُوا: كَعْبٌ، قَالَ: فَإِنِّي أمّرتُه (3) عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرجعوا. ثُمَّ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ (4) - طَرِيقِ (5) مَكَّةَ - مرَّت بِهِمْ رِجْلٌ (6) مِنْ جَرَادٍ (7) ، فَأَفْتَاهُمْ (8) كَعْبٌ بِأَنْ يَأْكُلُوهُ وَيَأْخُذُوهُ فَلَمَّا قَدِموا (9) عَلَى عُمَرَ ذَكَرُوا

(1) أي بالمدينة وهي ممرّ ركب الشام الذاهبين إلى مكة.

(2)

أي أكْلَهم لحمَ الصيد في الإحرام.

(3)

قوله: فإني أمّرته، من التأمير أي جعلته أميراً عليكم لتقتدوا به في سفركم لعلمه وفضله حتى ترجعوا من نُسُككم.

(4)

أي بين مكة والمدينة.

(5)

بيان لبعض الطريق.

(6)

بكسر الراء: أي قطيع وطائفة.

(7)

بالفتح يقال له في الفارسية (ملخ) وهو حلال بالإجماع من غير ذبح.

(8)

قوله: فأفتاهم، هذه الفتوة المذكورة في هذه الرواية مخالفة لما ورد عنه أنه حَكَم بالجزاء في قتل الجراد كما في رواية مالك على ما يأتي، وفي رواية الشافعي بسند حسن عن عبد الله بن أبي عمار، قال: أقبلتُ مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس مُحرمين من البيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي مرت به رِجْلٌ من جرادتين فقتلهما، وكان قد نسي إحرامه ثم ذكر إحرامه فألقاهما، فلما قدمنا المدينة قصَّ كعب على عمر فقال: ما جعلتَ على نفسك يا كعب؟ فقال: درهمين، فقال عمر: بخ بخ، درهمان خير من مائة جرادة. وهذا يثبت أن كعباً رجع عن فتواه بعدم الجزاء، ويحتمل العكس، ولا يُجزم بأحدهما إلا إذا ثبت تأخُّر أحدهما، فيكون ذلك مرجوعاً إليه، ويمكن أن يكون ذلك الاختلاف للاختلاف في الجراد البري والبحري.

(9)

أي بالمدينة بعد الفراغ من النسك.

ص: 333

ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ (1) عَلَى أَنْ تُفْتِيَهم بِهَذَا (2) ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنْ (3) هُوَ إِلا نَثْرة حُوتٍ ينثره في كل عام مرتين.

(1) أيْ: أيّ شيء بعثك عليه.

(2)

أي بأكل الجراد وهم محرمون.

(3)

قوله: إن هو، نافية أي ليس هو أي الجراد إلا نَثْرة حوت - بفتح النون وسكون الثاء المثلثة - هو كالعطسة للإنسان يعني هو شيء يخرج من نثرة حُوت ينثُره بضم الثاء وكسرها أي يرميه متفرقاً مثل ما يخرج من عطس الإنسان من المخاط في كل عام - أي كل سنة - مرتين. يعني فهو صيد بحري وهو حلال بنصّ قوله تعالى:{أحلّ لكم صيد البحر وطعامه} (سورة المائدة: الآية 96) قال الدَّميري: اختلف أصحابنا وغيرهم في الجراد هل هو صيد بحري أو برّي؟ فقيل: بحري لما روى ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الجراد، فقال: اللهم أهلكْ كباره وأفسد صغاره واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء، فقال رجل كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ فقال: إن الجراد نثرة الحوت من البحر، وفيه عن أبي هريرة: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة، فاستقبلنا رِجْلٌ من جراد، فجعلنا نضربهُنُ بنعالنا وأسواطنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوه، فأنه من صيد البحر. والصحيح أنه بري لأن المحرم يجب عليه فيه الجزاء، وبه قال عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وعطاء، قال العبدري: وهو قول الكافة من أهل العلم (قال العيني في "شرح الهداية": الصحيح أنه من صيد البر فيجب الجزاء بقتله وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله الصحيح المشهور، كذا في "البذل"، قلت: وصرح ذوو فروع الحنابلة أيضاً بالجزاء. الكوكب الدري 2/108) إلا أبا سعيد الخدري، وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار. واحتج لهم

ص: 334

444 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلا سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أصبتُ (1) جَرَادَاتٍ بسَوْطي، فَقَالَ: أطْعِم (2) قَبْضَةً (3) مِنْ طَعَامٍ (4) .

445 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ (5) بْنِ الْعَوَّامِ كَانَ يتزود (6) صفيف الظِّباء في الإحرام.

بحديث أبي المهزّم عن أبي هريرة: أصبنا رِجْلاً من جراد، فكان الرّجُل منا يضربه بسوطه وهو محرم، فقيل: إن هذا لا يصلح، فذُكر ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو من صيد البحر، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما. واتفقوا على ضعفه بضعف أبي المهزّم، اسمه يزيد بن سفيان. انتهى. وقال الدَّماميني: ذكر بعض الحذّاق من المالكية أن الجراد نوعان: برّي وبحري، فيترتب على كلٍّ حُكْمُه وتتفق الأخبار بذلك.

(1)

أي وجدتُ واصطدتُ في الإحرام.

(2)

أمر من الإطعام.

(3)

بالفتح ما حمل كفُّ يدك من الطعام.

(4)

أي حنطة أو غيرها.

(5)

قوله: الزبير، هو الزبير بالتصغير ابن العوّام - بتشديد الواو - ابن خويلد أبوعبد الله، ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية. قال النووي في "التهذيب": أسلم بعد إسلام أبي بكر بقليل وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدراً وأحُداً والمشاهد كلها، وقتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين.

(6)

قوله: كان يتزود، أي يجعله زاداً لسفره في حالة الإحرام. صفيف الظباء، قال القاري: بكسر الظاء جمع الظبي، والصفيف - مهملة وفائين بينهما تحتية -: ما يصفّ من اللحم على اللحم يشوى.

ص: 335

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كلِّه نَأْخُذُ، إِذَا صَادَ (1) الحلالُ الصيدَ

(1) قوله: إذا صاد الحلال الصيد، اختلفوا في أكل المُحرم لحم الصيد الذي صاده حلال على أقوال:

الأول: أنه لا يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقاً صاده حلال أو غيره لعموم قوله تعالى: {وحُرِّم عليكم صَيْدُ البر مادُمْتُمْ حُرُماً} (سورة المائدة: الآية 96) . وهو قول ابن عمر وابن عباس أخرجه عبد الرزاق، وبه قال طاوس وجابر بن زيد والثوري وإسحاق بن راهويه والشَّعبي والليث بي سعد ومجاهد، وروي نحوه عن علي. واحتج لهم بما مرّ من حديث الصَّعب بن جثّامة حيث امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قبول لحم صيده وعلله بإحرامه وأجاب الجمهور بأنه تركه على التَّنزه أوعلم أنه صِيد من أجله. ومعنى قوله:{حُرِّم عليكم صيد البر} حُرّم عليكم اصطياده بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم} (سورة المائدة: الآية 95) وقد ورد في أخبار كثيرة إجازة المحرم في أكل لحم الصيد، بل وأكل النبي صلى الله عليه وسلم لحمه في إحرامه.

القول الثاني: إنّ الصيد الذي صيد لأجل المحرم وإن لم يأمره ولم يُعِنْه إذا علم المحرم ذلك حرام عليه، وما ليس كذلك فهو حلال إذا لم يُعِنْه، وهو قول عثمان وعطاء والشافعي ومالك وأبي ثور وأحمد وإسحاق في رواية، واحتجوا بحديث صيد البر لكم حلال مالم تصيدوه أو يُصاد لكم، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان والطبراني وابن عدي والطحاوي من حديث جابر، وفي سنده من تُكُلِّم فيه.

القول الثالث: أنه حلال للمحرم صِيد له أو لم يُصَد له مالم يُعِنْ عليه ولم يَدُلّ عليه، وهو مرويّ عن عمر وأبي هريرة والزبير وكعب الأحبار ومجاهد

ص: 336

فَذَبَحَهُ (1) فَلا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ مِنْ لَحْمِهِ إِنْ كَانَ (2) صِيد مِنْ أَجْلِهِ أَوْ لَمْ يُصَد مِنْ أَجْلِهِ لأَنَّ (3) الْحَلالَ صَادَهُ وَذَبَحَهُ، وَذَلِكَ (4) لَهُ حَلالٌ فَخَرَجَ مِنْ حَالِ الصَّيْدِ (5) وَصَارَ لَحْمًا (6) فَلا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ مِنْهُ وَأَمَّا الْجَرَادُ فَلا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصِيدَهُ فَإِنْ فَعَلَ كفَّر (7)، وَتَمْرَةٌ (8) خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ: كَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فقهائنا رحمهم الله تعالى.

وعطاء في رواية وسعيد بن جبير وبه قال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه. وحجتهم حديث أبي قتادة فإن فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم هل أحد منكم أمره أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا، حيث اكتفى فيه على الاستفسار عن الإعانة ولم يقل هل صِيد لأجلكم، ودعوى كونه منسوخاً بحديث الصعب بسندِ أنّ حديث أبي قتادة عام الحديبية وحديث الصعب عام حجة الوداع لا يُسمع فإنه إنما يُصار إليه عند تعذُّر الجمع. وأما قوله أو يصد لكم فمعناه يصد لكم أو بأمركم وإعانتكم. هذا ملخص ما في "عمدة القاري" و"نصب الراية".

(1)

أي الحلال وقيد به لأن ذبح المحرم الصيد يُحرّمه عليه وعلى غيره.

(2)

أي سواء صاده الحلال من أجل المحرم أي لإطعامه وهديّته إليه بغير أمره وإعانته.

(3)

علة للحِلِّيَّة.

(4)

أي الذبح والصيد للحلال حلال فلا يحرم لا عليه ولا على المحرم.

(5)

أي للمحرم.

(6)

كسائر اللحوم التي يجوز أكلها للمحرم.

(7)

أي أدَّى الكفارة بما شاء ولو قبضة من طعام أو تمرة واحدة.

(8)

قوله: وتمرة خير من جرادة، يعني تمرة واحدة خير من جرادة قتلها

ص: 337

25 -

(بَابُ الرَّجُلِ يَعْتَمِرُ فِي أَشْهُرِ (1) الْحَجِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ (2) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُجَّ (3)

446 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ (4) بْنَ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ، فَأَذِنَ لَهُ، فَاعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ ثم قَفَل (5) إلى أهله ولم يحجّ (6) .

فيوديها بدلها، قال العيني في "البناية" قصته أن أهل حمص أصابوا جراداً كثيراً في إحرامهم وجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم فقال عمر: إن دراهمكم كثيرة، تمرة خير من جرادة، وروى مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سأل عن جرادة قتلها وهو محرم؟ فقال عمر لكعب: تعال حتى نحكم، فقال كعب: درهم، فقال عمر لكعب: إنك تجد الدراهم، تمرة خير من جرادة.

(1)

أي شوال وذي القعدة وأوائل ذي الحجة.

(2)

أي إلى وطنه.

(3)

أي في تلك السنة.

(4)

هو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أمّ المؤمنين، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الله الأسدي المخزومي، روى أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه جمع، مات سنة 83، قاله القاري.

(5)

أي رجع من مكة.

(6)

قوله: ولم يحج، قال الزرقاني: فيه دليل على جواز العمرة في أشهر الحج، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: كانوا - أي أهل الجاهلية - يَرَوْن أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، قال العلماء: هذا من مبتدعاتهم الباطلة التي لا أصل لها، ولابن حبان عن ابن عباس قال: والله ما أعمر

ص: 338

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَلا مُتْعَةَ (1) عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

447 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لئنْ (2) أعتمرَ قَبْلَ الْحَجِّ، وَأُهْدِيَ أحبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الْحَجِّ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: كلُّ (3) هَذَا حسنٌ وَاسِعٌ (4) إن شاء فعل (5) وإن شاء

رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر المشركين، فإن هذا الحيّ من قريش ومن دان دِينَهم كانوا يقولون

فذكر نحوه.

(1)

قوله: ولا مُتعة، بالضم أي لا يجب عليه دم التمتع لأنه مشروط باجتماع العمرة والحج في أشهر الحج بنص الكتاب.

(2)

قوله: لئن أعتمر قبل الحج، أي في أشهر الحج بأن أكون قارناً. وهو أن يحرم من الميقات بالحج والعمرة معاً، فإذا دخل مكة يعتمر، ولا يخرج من الإحرام إلى أن يحج، أو يكون متمتعاً بأن يحرم من الميقات بالعمرة فيتحلَّل بأفعال العمرة ويحلق أو يقصر، ثم يحرم بالحج من مكة، وأهدي أي أؤدِّي هدياً واجباً وهو دم القران والتمتّع شكراً لأداء النسكين في سفر واحد في موسم واحد أحبُّ إليّ من أن أعتمر في ذي الحجة بعد الحج وإن كان هو أيضاً جائزاً. وذلك لأن في الاعتمار قبل الحج في أشهر الحج إبطالاً لقول المشركين، ومخالفةً تامة لهم حيث كانوا يمنعون عنه. وفيه إيماء إلى الرد على من منع من التمتع من الصحابة، فإن قلت: قد منع عنه عمر وعثمان ومعاوية وقولهم أحرى بالقبول، قلت: قد أنكر عليهم في عصرهم أجلّة الصحابة وخالفوهم في فعلها، والحق مع المنكرين.

(3)

قوله: كل هذا، أي مما ذُكر من الاعتمار قبل الحج وبعد الحج.

(4)

أي جائز فعله.

(5)

أي ما ذُكر من التمتع.

ص: 339