الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ محمدٌ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا أَنَّ عدَّتها عَلَى أَقْرَائِهَا (1) الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ فِيمَا مَضَى، وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ نَأْخُذُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا، أَلا تَرَى (2) أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ لأَنَّهَا فيهنَّ حَائِضٌ؟ فَكَذَلِكَ تعتدُّ بِهِنَّ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلاثَةُ قُرُوءٍ منهنَّ (3) بَانَتْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ أقلُّ مِنْ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ.
31 - (بَابُ الرَّضاع
(4))
614 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أخبرنا نافع: أن عبد الله بن عمر كان
الدمين فسنة. وإن ميَّزت فبالأقراء، ذكره الزرقاني (3/212) .
(1)
قوله: أقرائها، بالفتح أي أيام حيضها التي كانت اعتادت الحيض فيها قبل أن تبتلى بالاستحاضة (قال الموفق: في عدة المستحاضة لا تخلو إما أن يكون لها حيض محكوم به بعادة أو تمييز أولا تكون؟ فإن كان لها حيض محكوم به بذلك فحكمها فيه حكم غير المستحاضة إذا مرّت لها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها، قال أحمد: المستحاضة تعتدُّ أيام أقرائها التي كانت تعرف وإن علمت أن لها في كل شهر حيضة ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر، وإن شكَّت في شيء تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت، وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها أو ناسية لا تعرف لها وقتاً ولا تمييزاً فعن أحمد فيها روايتان إحداهما: أن عدتها ثلاثة شهور، والرواية الثانية: تعتدُّ سنة لا تدري ما رفعها وهو قول مالك وإسحاق. 1 هـ. انظر المغني 7/467) .
(2)
تأييد لكون العدَّة بالأيام المعتادة.
(3)
أي من تلك الأيام.
(4)
قوله: باب الرضاع، بفتح الراء وكسرها لغة، وقال القاضي عياض:
يَقُولُ: لا رَضَاعَةَ إلَاّ لِمَنْ أُرضِعَ (1) فِي الصٍّغَر (2) .
615 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ (3) ، عَنْ عَمرة بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا، وَإِنَّهَا سَمِعَتْ رَجُلا يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فقلتُ (4) :
الرضاع والرضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما، وأنكر الأصمعيّ الكسر في الرضاعة، وهو مصُّ الرضيع من ثدي الآدمية في وقت مخصوص وهو يفيد التحريم قليلاً كان أو كثيراً إذا حصل في مدة الرضاع، كذا روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس، وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومكحول والزهري وقتادة وعمرو بن دينار والحكم وحماد والأَوزاعي والثوري وابن المبارك والليث بن سعد ومجاهد والشعبي والنخعي، وقال ابن المنذر: هو قول أكثر الفقهاء، وقال النووي: هو قول جمهور العلماء وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية، وقال الشافعي: لا يثبت التحريم إلَاّ بخمس رضعات، وبه قال أحمد في رواية وإسحاق، وعن أحمد ثلاث، ومدة الرضاع ثلاثون شهراً عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: سنتان، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال: زفر ثلاث سنين (بسط في البذل 10/42 في تقدير المدة التي يقتضي الرضاع فيه التحريم تسعة مذاهب للعلماء فارجع إليه لو شئت التفصيل) ، كذا في "البناية".
(1)
بصيغة المجهول.
(2)
أي لا يثبت الرضاعة في الكِبَر حكمها.
(3)
ابن محمد بن عمرو بن حزم.
(4)
كأنها استبعدت استئذان الأجنبي في بيت حفصة، فأخبرت مريدةً الاطِّلاعَ على حقيقة الأمر.
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ (1)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُراه (2) فُلانًا لعمٍّ (3) لِحَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَتْ (4) عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ عمِّي فُلانٌ مِنَ الرَّضَاعَةِ حَيًّا دَخَلَ علَيَّ؟ قال (5) : نعم (6) .
(1) الذي فيه حفصة.
(2)
أي أظنه.
(3)
قوله: لعمٍّ لحفصة، تفسير لفلاناً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سماه أو ذكره بما تعرفه، ولم تذكر عائشة اسمه، ولا ما يعرف به في روايتها، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (فتح الباري 9/141) و"مقدمته": لم أقف على اسم عمِّ حفصة المذكور في هذه الرواية، وكذا على اسم عم عائشة المذكور في قوله: لو كان عمي فلاناً حياً، ووهم من فسره بأخي أبي القعيس والد عائشة من الرضاعة، فإنَّ أفلح وإن كان عمَّها من الرضاعة لكنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فامتنعت، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأذن له، والمذكور ههنا عمُّها أخو أبيها أبي بكر من الرضاعة أرضعتهما امرأة واحدة، ويحتمل أنها ظنت أنه مات لبُعد عهدها به، ثم قدم بعد ذلك فاستأذن.
(4)
كأنها أرادت استكشاف أن هذا الحكم خاصّ بعمِّ حفصة أم عامّ.
(5)
قوله: قال: نعم، زاد في "موطأ يحيى" بعده: إن الرضاعة تحرِّم ما تحرِّم الولادة، وكذا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك. وفي رواية للبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة، وأحمد ومسلم والنسائي والبخاري عن ابن عباس، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، ذكره القاري.
(6)
أي كان يجوز أن يدخل عليك
616 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ (1) سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحرِّم مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يُحرِّم مِنَ الْوِلَادَةِ (2) .
617 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ (3) ، عَنْ عَائِشَةَ أنَّه كَانَ يَدخُلُ عَلَيْهَا (4) مَنْ أَرْضَعَتْهُ أخواتُها وبناتُ أَخِيهَا، وَلا يدخل عليها من أرضعته نساء (5) إخواتها.
(في رواية يحيى زيادة: "إن الرضاعة تُحرّم ما تحرّم الولادة"، فإذا أرضعت المرأة رضيعاً يحرم على الرضيع وعلى أولاده من أقارب المرضعة كل من يحرم على ولدها من النسب، ولا تحرم المرضعة على أبي الرضيع ولا على أخيه، ولا يحرم عليك أم أختك من الرضاع إذا لم تكن أمك ولا زوجة أبيك. ويتصوَّر هذا في الرضاع ولا يتصور في النسب. أوجز المسالك 10/296) .
(1)
قوله: عن سليمان، في "موطأ يحيى": عن سليمان بن يسار، وعن عروة بن الزبير، عن عائشة، قال ابن عبد البر: هذا خطأ من يحيى: أي زيادة الواو، ولم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه، والحديث محفوظ في "الموطأ" وغيره عن سليمان، عن عروة، عن عائشة.
(2)
أي مثل ما يحرم من النسب.
(3)
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
(4)
أي في بيتها من غير حجاب.
(5)
قوله: نساء إخوتها، لأن المرضع إنما هو المرأة دون الرجل فلا يحرم عند جماعة كابن عمر وجابر وجماعة من التابعين وداود وابن (في الأصل: داود بن علية، سقط الواو بين داود وبين ابن) علية، كما حكاه ابن عبد البر وقال: حجتهم أنَّ عائشة كانت تفتي بخلاف ما روي من قصة أفلح وهو ما روى مالك وغيره أن عمَّها أفلح أخا أبي القعيس والدها من الرضاعة جاء يستأذن عليها بعد ما أُنزل الحجاب، فأبت عائشة أن تأذن له، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأذن
618 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو (1) بْنِ الشَّريد: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئل عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ (2) ، فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلامًا، وَالأُخْرَى جَارِيَةً، فسُئل هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلامُ الْجَارِيَةَ؟ قَالَ: لا، اللَّقاح (3) واحد.
له، فقلت: إنما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرجل، فقال: تربت يمينك يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. ومن المعلوم أن العبرة عند قوم برأي الصحابي إذا خالف مرويَّه. قال ابن عبد البر: ولا حجة لهم في ذلك لأن لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها وتحجب ممن شاءت، ولكن لم يعلم أنها حجبت عمن ذُكر إلَاّ بخبر واحد كما علِمنا المرفوع بخبر واحد، فوجب علينا العمل بالسنَّة إذ لا يضر من خالفها. انتهى. وقد نسب المازري إلى عائشة القول بأن لبن الفحل لا يحرّم. واستبعده بعضهم مع مشافهة النبي صلى الله عليه وسلم إياها في حديث أفلح بأنه يحرّم، وقيل: الإِسناد إليها صحيح، وكثيراً ما يخالف الصحابيُّ مرويَّه لدليلٍ قام عنده، فيحتمل أنها فهمت أن ترخيصه لها في أفلح لا يقتضي تعميم الحكم في كل ذكر، كذا في شرح الزرقاني (انظر شرح الزرقاني 3/242؛ والأوجز 10/304) . وبه يظهر خطأ القاري حيث كتب تحت قوله نساء إخواتها أي إذا كان لبنُهنَّ من غير إخواتها.
(1)
قوله: عن عَمرو، بفتح العين بن الشَّريد - بفتح المعجمة - الثقفي الطائفي، من ثقات التابعين، قاله الزرقاني وغيره.
(2)
وفي رواية: جاريتان.
(3)
قوله: اللَّقاح واحد، بفتح اللام أي ماء الفحل يعني أن سبب العلوق واحد، كذا قال ابن الأثير في "النهاية"، وفيه إخبار بأن لبن الفحل يُحَرِّم، وبه قال جمهور الصحابة ومَن بعدهم، وبه قال أبو حنيفة وتابعوه والأَوزاعي وابن جريج
619 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (1)، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (2) بْنُ عُقبة (3) : أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ المسيَّب عَنِ الرَّضَاعَةِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ فِي الحَولين (4) وَإِنْ (5) كَانَتْ مصَّة (6) وَاحِدَةً فَهِيَ تحرِّم (7) وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فإنما (8) طعام يأكله.
ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. وحجتهم حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس، وحُكي خلافه عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة، ونقله ابن بطال عن عائشة، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي وأبو قلابة وإياس بن معاوية وغيرهم، ولا يخفى على ذوي العقول أن القول ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم والبحث مبسوط في شرح "مسند الإِمام"(هو كتاب "تنسيق النظام في مسند الإِمام" للعلَاّمة محمد حسن السنبهلي ص 142) لبعض الأعلام.
(1)
وفي بعض النسخ: أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، عن إبراهيم بن عقبة.
(2)
قال في "الإِسعاف": وثقه أحمد ويحيى والنسائي.
(3)
بضم العين، المدني.
(4)
هو مدة الرضاع.
(5)
في نسخة: ولو.
(6)
أي وإن كانت قطرة واحدة دخلت في جوف الطفل بمصة واحدة وقوله: مصة، في نسخة: قطرة المصَّة بفتح الميم وتشديد الصاد.
(7)
من التحريم.
(8)
قوله: فإنما هو طعام يأكله، أي هو في حكم الغذاء لا يحرّم شيئاً،
620 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ عُروة بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ (1) مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ المسيَّب.
621 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ثَور (2) بْنُ زَيْدٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مصَّة وَاحِدَةً فَهِيَ تُحَرِّمُ.
622 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها
ولا يثبت حكم الرضاعة، فلا يكون رضاعة الكبير مفيدة بشيء، ويؤيده من الأخبار حديث:"لا رضاع إلَاّ ما أنبت اللحم وأنشز العظم". أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى الهلالي عن أبيه، عن ابن مسعود، وأخرجه البيهقي من وجه آخر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم، عن الزهري قال: سُئل ابن عمرو وابن عباس عن الرضاع بعد الحولين فقرأ: {والوالداتُ يُرضعن أولادهن
…
} (سورة البقرة: الآية 233) ولا نرى رضاعاً يحرم بعد الحولين شيئاً. وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى قال: سمعت ابن عباس يقول: لا رضاع إلَاّ في هذين الحولين، وأخرج الترمذي وصححه عن أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحرم من الرضاع إلَاّ ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام. وأخرج ابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً: لا يحرم من الرضاع إلَاّ ما كان في الحولين وأخرج الطياليسي والبيهقي عن جابر مرفوعاً: لا رضاع بعد فصال، ولا يُتْمَ بعد احتلام (لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام) . وأخرجه الطبراني في معجمه وعبد الرزاق عن علي مرفوعاً مثله، كذا ذكره الزيلعي والسيوطي.
(1)
من أن ما كان في الحولين يحرم وما لا فلا.
(2)
قوله: ثور بن زيد، الديلي مولاهم، المدني، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، مات سنة 135، كذا في "الإِسعاف".
أَرْسَلَتْ (1) بِهِ وَهُوَ يُرضَعُ إِلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلثوم (2) بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَرْضِعِيهِ عَشْرَ (3) رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عليَّ، فَأَرْضَعَتْنِي أُم كُلثوم بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ثَلاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَت، فلم ترضعني غير ثلاث مِرار (4) ،
(1) قوله: أرسلت به، أي أرسلت بسالم بن عبد الله بن عمر، والحال أنه كان يُرضَعُ بصيغة المجهول أي كان صغيراً يُرضَع إلى أختها لترضعه، فيكون لها محرماً، فيدخل عليها بعد البلوغ أيضاً.
(2)
قوله: أم كلثوم، بضم الكاف، تابعية، مات أبوها أبو بكر رضي الله عنه وهي حمل، فوُضعت بعد وفاته، وقد أرسلت حديثاً فذكرها بسببه ابن منده وابن السكن في الصحابة فوهِمَا، كذا قال الزرقاني.
(3)
قوله: عشر رضعات، قال السيوطي في "التنوير" (2/43) : هذه خصوصية لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر النساء، قال عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: كان لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضعات معلومات وليس لسائر النساء رضعات معلومات، ثم ذكر حديث عائشة هذا وحديث حفصة الذي بعده وحينئذٍ فلا يُحتاج إلى تأويل الباجي. وقوله: لعله لم يظهر لعائشة نسخ العشر بالخمس إلَاّ بعد هذه القصة. انتهى. قال الزرقاني: وبه يرد إشارة ابن عبد البر إلى شذوذ رواية نافع هذه بأن أصحاب عائشة الذين هم أعلم بها من نافع، وهم عروة والقاسم وعمرة رووا عنها خمس رضعات، فوهم من روى عنها عشر رضعات لأنه صحَّ عنها أن الخمس نسخن العشر، ومحال أن تعمل بالمنسوخ، كذا قال، وهذا سهوَ لأن نافعاً قال: إن سالماً أخبره عن عائشة، وكل منهما ثقة حجة حافظ وقد أمكن الجمع بأنها خصوصية للزوجات الشريفة، كما قاله طاوس.
(4)
في نسخة: مرات.
فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ (1) عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أنَّ أمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتمَّ (2) لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ.
623 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنْ صفيَّة (3) ابْنَةِ أَبِي عُبيد: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ (4) تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ (5) عَلَيْهَا، فَفَعَلَتْ (6) ، فَكَانَ يَدخل (7) عَلَيْهَا وَهُوَ (8) يَوْمَ أَرْضَعَتْهُ صَغِيرٌ يُرضَع (9) .
624 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمرة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (10) : كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحرِّمنَ، ثُمَّ نُسخن بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فتُوفي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهنَّ مِمَّا يُقرأ من القرآن.
(1) أي من غير حجابٍ.
(2)
حتى أكون محرماً لها.
(3)
زوجة مولاه ابن عمر.
(4)
ابن الخطاب.
(5)
أي إذا بلغ.
(6)
أي أرضعته فاطمة عشر رضعات.
(7)
أي على حفصة بعد بلوغه.
(8)
أي كان عاصم حين أرضعته فاطمة صغيراً يُرضَع.
(9)
معروف من الرضاعة أو مجهول من الإِرضاع.
(10)
قوله: قالت كان
…
إلخ، أي كان سابقاً في القرآن هذه الآية:{عشر رضعات معلومات يُحرّمن} بضم الياء وتشديد الراء المكسورة متلوَّة، ثم نُسخن
625 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ (1) إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَنَا مَعَهُ (2) عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ، يَسْأَلُهُ عن
تلك العشرة بخمس معلومات، ونزلت خمس رضعات معلومات يُحرّمن، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وآية الخمس تُتلى في القرآن يعني أن العشر نسخت بخمس، وتأخر نسخ الخمس حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعض الناس لم يبلغه نسخه فصار يتلوه قرآناً، فالعشر على قولها منسوخة التلاوة والحكم، والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم، قال ابن عبد البر: به تمسَّك الشافعي في قوله: لا يقع التحريم إلَاّ بخمس رضعات تصل إلى الجوف. وأُجيب عنه بأنه لم يثبت قرآناً وهي قد أضافته إلى القرآن، واختلف العمل عنها فليس بسنَّة ولا قرآن، وقال المازري: لا حجة فيه لأنه لم يثبت إلَاّ من طريقها، والقرآن لا يثبت بالآحاد، ولهذا لم يأخذ به الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، كذا في "شرح الزرقاني". وذكر ابن الهُمام وغيره ما حاصله: أنه لا يخلو إما أن يُقال بنسخ الخمس أيضاً أولا؟ على الثاني يلزم ذهاب شيء من القرآن لم يثبته الصحابة ولا يثبت بقول عائشة وحدها كونه من القرآن، وعلى الأول فلما ثبت نسخ التلاوة فبقاء حكمه يحتاج إلى دليل، وإلَاّ فالأصل أن النسخ الأول (في الأصل نسخ الدال، والظاهر ما أثبتناه) يرفعه. وأما ثبوت رجم الزاني مع كون آية منسوخة التلاوة فبإجماع الصحابة، وههنا لا إجماع من الصحابة، بل كثير من الصحابة أفتَوا بالتحريم بمصَّة واحدة، ويؤيده إطلاق قوله تعالى:{وأمهاتكم الاتي أرضعنكم} (سورة النساء: الآية 23) .
(1)
قال الزرقاني: لم يسمِّ (قال الباجي: هو أبو عبس عبد الرحمن بن جبير الأنصاري، سأل ابن عمر عن رضاعة الكبير فأخبره ابن عمر بما عنده في ذلك عن أبيه، قلت: أبو عيسى رجل من أكابر الصحابة شهد بدراً وما بعدها، توفي سنة 24 هـ عن سبعين سنة، كما في "التقريب"، ولم يذكروا ابن عمر رضي الله عنه في مشايخه، وفسَّر الزرقاني 3/246 حكاية عن أبي عمر الرجل السائل عن عمر بذلك. أوجز المسالك 10/314)
(2)
قوله: وأنا معه، أي مع عبد الله بن عمر عند دار القضاء بالمدينة، وهي
رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: جَاءَ (1) رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ (2) فَكُنْتُ أُصِيبُهَا (3) ، فعمدَت (4) امْرَأَتِي إِلَيْهَا، فَأَرْضَعَتْهَا، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا (5)، فَقَالَتِ امْرَأَتِي: دُونَكَ (6) : وَاللَّهِ قَدْ أَرْضَعْتُهَا، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أوجِعهَا (7) وائتِ جاريتَك (8) فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصغير (9) .
دار كانت لعمر بن الخطاب، فلما استشهد كان عليه دَين فبيعت لقضاء دَينه فسميت دار القضاء، قاله ابن الصلاح، كذا قاله القاري) .
(1)
قوله: جاء رجل، قال ابن عبد البر: الرجل هو أبو عبس بن جبير الأنصاري ثم الحارثي البدري.
(2)
أي أمة.
(3)
أي أجامعها.
(4)
أي توجهت امرأتي إليها وقصدت أن تُحرّمَ عليَّ فأرضعتها.
(5)
أي على امرأتي أو على الأمة.
(6)
أي خذ حذرك منها، فإنها حرمت عليك.
(7)
أي أدِّب امرأتك.
(8)
أي يحلُّ لك أن تجامع الجارية.
(9)
يعني رضاعة الكبير لا تُحَرِّم.
626 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، وسئل عن رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي (1) عُروة بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ (2) أَبَا حُذيفة بْنَ عُتبة بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ بَدْرًا (3) وَكَانَ تَبَنَّى (4) سَالِمًا (5) الذي يُقال له مولى أبي حُذيفة
(1) قوله: أخبرني عروة، قال ابن عبد البر: هذا حديث يدخل في المسند أي الموصول للقاء عروة عائشةَ وسائر أزواجه صلى الله عليه وسلم، وللقائه سهلة بنت سهيل، وقد وصله جماعة، منهم معمر وعقيل ويونس وابن جرير عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة بمعناه، ورواه عثمان بن عمر وعبد الرزاق كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة (قال الحافظ بعد ما بسط الكلام على طرق الرواية: لكنه عند أكثر الرواة عن مالك مرسل. انظر: أوجز المسالك 10/308) .
(2)
قوله: أن أبا حذيفة، هو أبو حذيفة بضم الحاء ابن عُتبة بضم العين ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، اسمه هاشم، وقيل: هُشم بضم الهاء، كان من فضلاء الصحابة، هاجر الهجرتين وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية والمشاهد كلها، وقُتل يوم اليمامة شهيداً في عهد ابي بكر رضي الله عنه. وزوجته سَهلة بفتح السين بنت سهل بن عمرو القرشية العامرية، وَلَدَت لأبي حذيفة محمد بن أبي حذيفة، وولدت لشماخ بن سعيد بكير بن شماخ، وولدت لعبد الرحمن بن عوف سالم بن عبد الرحمن، كذا في "الاستيعاب".
(3)
أي حضر غزوة بدر وغيرها.
(4)
أي جعله متبنَّى.
(5)
قوله: سالماً، قال البخاري: كان مولى امرأة من الأنصار، قال ابن حبان: يقال لها ليلى ويقال ثُبَيتة بضم الثاء وفتح الباء وسكون الياء بنت يَعار
كَمَا كَانَ تبنَّى (1) رسولُ اللَّهِ زيدَ (2) بْنَ حارثة،
بفتح التحتية ابن زيد بن عبيد، وكانت امرأة أبي حذيفة بن عتبة، وبهذا جزم ابن سعد وقيل: اسمها سلمى، وقال ابن شاهين: سمعت ابن أبي داود يقول: هو سالم بن معقل مولى فاطمة بنت يعار الأنصارية أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة فتبنّاه أي اتخذه ابناً وكان مع أبي حذيفة في معركة اليمامة وكان معه لواء المهاجرين وقاتل إلى أن صُرع، فقال: ما فعل أبو حذيفة؟ فقيل: قُتل، فقال: فأضجِعوني بجنبه (في الأصل بجنبي، وهو تحريف) ، فمات فأرسل عمر ميراثه إلى معتقته ثبيتة، فقالت: إنما أعتقته سائبة. فجعله في بيت المال، رواه ابن المبارك، كذا في شرح الزرقاني (3/244) .
(1)
أي أخذ ابناً.
(2)
قوله: زيد بن حارثة، هو أبو أسامة زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى القرشي نسباً الهاشمي ولاءً، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِبّه وأبو حِبِّه، كان أمه خرجت به تزور قومها، فأغارت عليهم بنو القين، فأخذوا زيداً، وقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمّته خديجة فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، فأعتقه وتبنّاه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} (سورة الأحزاب: الآية 5) وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً والخندق والحديبية وغيرها، ولم يذكر الله في القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء إلا زيداً بقوله:{فلما قضى زيدٌ منها وطراً} (سورة الأحزاب: الآية 37) الآية، استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة، كذا في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي.
فَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ (1) يَرَى (2) أَنَّهُ ابْنُهُ أَنْكَحَهُ (3) ابْنَةَ (4) أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهِيَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَل (5) وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَفْضَلِ (6) أَيَامَى قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَيْدٍ مَا أَنْزَلَ:{اُدعُوهُم لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} (7) رُدَّ كُلُّ أَحَدٍ تُبُنِّي إِلَى أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُعلم أَبُوهُ رُدَّ إِلَى مَوَالِيهِ (8) . فجاءَت سَهلة (9) بِنْتُ سُهَيل (10) امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ
(1) قوله: وهو يرى أنه ابنه، لأنه كان التبني في الجاهلية وأوائل الإِسلام أمراً معتبراً، وكان من تبنَّى رجلاً دعاه الناس إليه وورث ميراثه إلى أن نزل قوله تعالى:{ادعوهم} أي المتبنين لآبائهم لا لمن تبناه {هو} أي دعاؤهم إلى آباءهم {أقسط} أي أعدل {عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم} أي آباءهم الذين هم من مائهم {فإخوانكم} أي فهم إخوانكم في الدين. نزل ذلك في زيد بن حارثة متبنَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك رُدّ كل أحد تُبُنِّيَ إلى أبيه ولم يُنسب إلى من تبناه ولا حكم بوراثته منه بل من أبيه.
(2)
أي أبو حذيفة يظن أن سالماً المتبنَّى ابنه.
(3)
أعاده لوقوع الفصل.
(4)
قوله: ابنة أخيه، فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وفي رواية يونس وشعيب عن الزهري: هند بنت الوليد، والصواب فاطمة، قاله ابن عبد البر.
(5)
بضم الألف وخفّة الواو المفتوحة.
(6)
قوله: من أفضل أيامي قريش، جمع أيّم هو من لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً.
(7)
بيان لما أنزل.
(8)
أي نُسب إلى مواليه.
(9)
بفتح السين وسكون الهاء.
(10)
بصيغة التصغير.
وَهِيَ (1) مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بَلَغَنَا (2)، فَقَالَتْ: كُنَّا نُرى (3) سَالِمًا وَلَدًا، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضل (4) وَلَيْسَ لَنَا إِلا بَيْتٌ واحدٌ، فَمَا تَرَى (5) فِي شَأْنِهِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فيما بلغنا (6) أَرضعيه (7)
(1) فهي قرشية عامرية، وأبوها صحابي شهير.
(2)
هذا قول الزهري.
(3)
أي نظن أنه ولد للتبني.
(4)
قوله: وأنا فُضل، بضم الفاء وسكون الضاد، قال الباجي: أي مكشوفة الرأس، والصدر وقيل: عليها ثوب واحد لا إزار عليها، وقيل: متوشَّحة بثوب على عاتقها، خالفت بين طرفيها، قال ابن عبد البر: أصحها الثاني.
(5)
قوله: فما ترى في شأنه؟ وفي رواية لمسلم عن القاسم عن عائشة قالت: إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه، وله من وجه آخر، قالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوه وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً.
(6)
هذا قول الزهري.
(7)
قوله: أرضعيه خمس رضعات، في روايةٍ يحيى بن سعيد عن ابن شهاب: عشر رضعات، والصواب رواية مالك، قاله ابن عبد البر. وفي رواية لمسلم: قالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: قد علمتُ أنه رجل كبير. قال النووي في "شرح صحيح مسلم": قال القاضي عياض: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها، وهذا حسن، ويحتمل أنه عفا عن مسهّ للحاجة كما خُصّ بالرضاعة مع الكِبَر. انتهى. وفي رواية ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال: كانت سهلة تحلب
خمس رضعاتٍ، فتحرم (1) بِلَبَنِكَ أَوْ بِلَبَنِهَا، وَكَانَتْ تَرَاهُ (2) ابْنًا مِنَ الرضاعة، فأخذت (3) بذلك (4) عائشة (5)
في مسعط قدر رضعة، فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رأسها رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة.
(1)
قوله: فتحرم، قال القاري: بتشديد الراء المفتوحة أي فصار حراماً بلبنك أي بسبب رضاعك، والخطاب للمرأة، أو بلبنها شكّ من الراوي وهو إما التفات في المبنى أو نقل بالمعنى. انتهى. ولا يخفى ما في ضبطه، والظاهر أنّ تُحرم صيغة الحاضر خطاباً إلى سهلة، أي فتحرّمه عليك بلبنك هذا إذا كان من التفعيل، ويمكن أن يكون ثلاثياً ويمكن أن يكون على صيغة المجهول، وفي "موطأ يحيى" فيحرم بلبنها.
(2)
أي كانت سهلة تظن سالماً ابناً لها من الرضاعة بعد ما أرضعته.
(3)
أي استدلت به، وعملت بحسبه.
(4)
أي بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة.
(5)
قوله: عائشة، قال النووي في " شرح صحيح مسلم": قالت عائشة وداود الظاهري: يثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما يثبت برضاع الطفل لهذا الحديث، وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الآن: إنه لا يثبت الرضاع إلا برضاع من دون سنتين، إلا أبا حنيفة فقال: سنتين ونصف، وقال زفر: ثلاث سنين، وعن مالك رواية سنتين وأيام، واحتج الجمهور بقوله تعالى:{والوالداتُ يُرضعن أولادهن حولين كاملين} (سورة البقرة: الآية 233) وبالحديث الذي ذكره مسلم: إنما الرضاعة من المجاعة، وبأحاديث مشهورة، وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم. انتهى. وذكر ابن عبد البر وغيره أن بقول عائشة قال عطاء والليث.
فِيمَنْ (1) تحبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ، فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُمَّ كُلْثُومٍ (2) وبناتِ أَخِيهَا (3) يُرضِعن مَنْ أحبَبنَ (4) أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا، وَأَبَى (5) سَائِرُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أحدٌ مِنَ النَّاسِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَرَى الَّذِي أمَرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلا رُخْصَةً (6) لَهَا فِي
وقال أبو بكر ابن العربي: لعمر الله إنه لقوي، كيف ولو كان ذلك خاصاً بسالم لقال لها: ولا يكون لأحد بعدك، كما قال لأبي بردة في الجذعة. وفيه ما لا يخفى على صاحب الفطنة.
(1)
قوله: فيمن تحب، ظاهر الرواية شاهدة بأن عائشة أخذت به في باب الحجاب، وظنت أن رضاعة الكبير أيضاً تحل رفع الحجاب مطلقاً، لا خاصاً بسهلة وسالم، وقيل إنها ظنت بتحريم رضاعة الكبير مطلقاً.
(2)
ابنة أبي بكر الصديق.
(3)
عبد الرحمن بن أبي بكر.
(4)
في نسخة: أحببت.
(5)
قوله: وأبى، أي امتنعت بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يدخل عليهن بالرضاعة في الكبر، وجعلن هذا الحكم خاصاً بسهلة وسالم، وفي رواية لمسلم عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين عن أمها أنها كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يُدخِلن عليهن أحداً بتلك الرضاعةِ، وقُلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة فما هو بداخلٍ علينا أحدٌ بهذه الرضاعة (انظر: صحيح مسلم، باب حكم رضاعة الكبير، 3/635) .
(6)
وقد كان لرسول الله أن يخصّ من شاء بما شاء من الأحكام.
رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ. فَعَلَى (1) هَذَا كَانَ رَأْيُ أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ.
627 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ (2) سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيَّب: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: لا رَضَاعَةَ إِلا فِي الْمَهْدِ (3) ، وَلا رَضَاعَةَ إِلا مَا أَنْبَتَ (4) اللَّحْمُ وَالدَّمُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا يُحرم (5) الرَّضَاعُ إِلا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الرَّضَاعِ وَإِنْ كَانَ (6) مصَّةً وَاحِدَةً فَهِيَ تُحَرِّم كَمَا قَالَ
(1) قوله: فعلى هذا، أي على عدم اعتبار رضاعة الكبير كان رأي أمهات المؤمنين غير عائشة، ويوافقهم ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: دخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتدّ ذلك عليه، فقلت: يا رسول الله: إنه أخي من الرضاعة، فقال: انظرن إخواتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة. وفي الباب أخبار أُخَر قد مرّ نُبَذٌ منها.
(2)
قوله: يحيى بن سعيد، هكذا في بعض النسخ، وهو الصحيح الموافق لما في "موطأ يحيى" وفي بعضها: مالك أخبرنا سعيد بن المسيّب أنه سمعه
…
إلخ، وهو غلط واضح فإن مالكاً لم يدرك ابن المسيب. وكذا ما في بعضها: مالك أخبرنا يحيى بن سعيد بن المسيب أنه سمعه
…
إلخ.
(3)
أي في حالة الصغر أي حين يكون الطفل في المهد.
(4)
وهو رضاعة الصغير ما لم يتغذّ.
(5)
بصيغة المعروف الغائب من التحريم.
(6)
قوله: وإن كان مصة واحدة، وأما حديث عائشة مرفوعاً: لا تحرِّم المصة ولا المصتان، أخرجه ابن حبان ومسلم وغيرهما فهو إما متروك بإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى:{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} أو منسوخ. وعن
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّم شَيْئًا لأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعن (1) أولادَهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (2) فَتَمَامُ الرَّضَاعَةِ الْحَوْلانِ، فَلا رَضَاعَةَ بَعْدَ تَمَامِهِمَا تُحَرِّم (3) شَيْئًا. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَحْتَاطُ (4) بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَيَقُولُ: يُحَرِّم (5) مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَبَعْدَهُمَا إِلَى تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ
ابن عباس أنه قال: كان ذلك. فأما اليوم، فالرضعة الواحدة تحرِّم حكاه عنه أبو بكر الرازي ومثله رُوي عن ابن مسعود، وقال ابن بطّال: أحاديث عائشة في هذا الباب مضطربة، فوجب تركها والرجوع إلى كتاب الله تعالى، كذا في "البناية".
(1)
خبر بمعنى الأمر أي ليرضعن.
(2)
مفهومه ما ذكره تعالى بعده: {فإنْ أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاوُرٍ فلا جُناح عليهما} (سورة البقرة: الآية 233) .
(3)
قوله: تحرم شيئاً، وعليه يتفرع أن الزوج لو مصَّ ثدي زوجته ودخل في حلقه لبنها لا تحرم عليه إذا كان كبيراً، بذلك أفتى ابن مسعود، ورجع إليه أبو موسى الأشعري بعد ما أفتى خلافه، كما رواه مالك في "الموطأ" ليحيى.
(4)
قوله: يحتاط، فيه إشارة إلى أنه حكمٌ مبني على الاحتياط وليس أمراً ثابتاً بالنص ولا يخفى أنه لا احتياط بعد ورود النصوص بالحولين مع أن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وأقواهما دليلاً قولهما.
(5)
أي يحرم الرضاع في مدة حولين ونصف حول.
(1)
أي مجموعة.
(1)
ثَلاثُونَ شَهْرًا، وَلا يُحَرِّم مَا كَانَ بَعْدَ ذلك. ونحن (2) لا نرى (3)
(2) يعني به نفسه وأبا يوسف وغيرهما من العلماء.
(3)
قوله: لا نرى
…
إلخ، هذا هو الأصح المفتى به، وقول أبي حنيفة وإنْ ذَكروا في توجيهه أموراً فلا يخلو عن شيء قال ابن الهُمام في "فتح القدير": لهما قوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} ومدة الحمل أدناه ستة أشهر، فبقي للفصال حولان، وقال صلى الله عليه وسلم: لا رضاع بعد حولين، رواه الدارقطني عن ابن عباس يرفعه. وأظهر الأدلّة لهما قوله تعالى:{والوالدات يُرْضِعْنَ أولادَهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يُتِمّ الرضاعة} فجعل التمام بهما ولا مزيد على التمام بهما ولا مزيد على التمام. ولأبي حنيفة هذه الآية ووجهه أنه تعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدة، فكانت لكل منهما بكمالها إلا أنه قام المنقص في أحدهما يعني في مدة الحمل، وهو قول عائشة: الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر فلكة مغزل، ومثله لا يقال إلا سماعاً، فبقي مدة الفصال على ظاهره غير أن هذا يستلزم كون لفظ ثلاثين مستعملاً في إطلاق واحد في مدلول ثلاثين، وفي أربعة وعشرين وهو الجمع بين الحقيقي والمجازي، ويمكن أن يُستدل له بقوله تعالى:{والوالدت يرضعن أولادهن} بناءً على أن المراد من الوالدات المطلَّقات بقرينة {وعلى المولود له رزقُهن وكسوتهن بالمعروف} (سورة البقرة: الآية 233) فإن الفائدة في جعلها نفقتها من حيث كونها ظئراً أوجه: منها في اعتباره إيجاب النفقة للزوجة لأن ذلك معلوم بالضرورة قبل البعثة، واللام في {لمن أراد} متعلِّق بيُرضعن أي يرضعن للآباء الذين أرادوا تمام الرضاعة وعليهم كسوتهن ورزقهن بالمعروف أجرة لهن، والحاصل حينئد يرضعن حولين كاملين لمن أراد من الآباء أن يتم الرضاعة بالأجرة، هذا لا يقتصي أن انتهاء مدة الرضاعة بالحولين، بل مدة استحقاق الأجرة بالإرضاع، ثم يدل على بقائها في الجملة قوله تعالى:{فإن أرادا فصالاً} عطفاً بالفاء على يُرضعن
أَنَّهُ (1) يُحَرِّم، وَنَرَى (2) أَنَّهُ لا يُحَرِّم مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. وَأَمَّا لَبَنُ الْفَحْلِ (3) فَإِنَّا نَرَاهُ يُحَرِّم، وَنَرَى أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، فَالأَخُ (4) مِنَ الرَّضَاعَةِ مِنَ الأَبِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مِنَ الأَبِ وَإِنْ كَانَتِ الأُمَّانِ (5) مُخْتَلِفَتَيْنِ إِذَا كَانَ لَبَنُهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّقاح وَاحِدٌ. فَبِهَذَا نَأْخُذُ. وَهُوَ قول أبي حنيفة رحمه الله.
حولين، فعلّق الفصال بعد الحولين على تراضيهما، وقد يُقال: أين الدليل على انتهائها بستة أشهر بعد الحولين؟ وما ذُكر في وجه زيادتها لا يفيد سوى أنه إذا أُريد الفطام يحتاج إليها ليتعوّد فيها غير اللبن قليلاً قليلاً لتعذُّر نقله دفعة، وأما أنه يجب ذلك بعد الحولين ويكون من تمام مدة التحريم شرعاً فلا، ولا شك أن الشرع لم يحرم إطعامه من غير اللبن قبل الحولين ليلزم منها زيادة مدة التعود عليهما، فجاز أن يعود مع اللبن غيره قبل الحولين بحيث قد استقرّت العادة مع انقضائهما، فكان الأصح قولهما، وهو مختار الطحاوي. وقول زفر من ثلاث سنين على هذا أولى بالبطلان، وهوظاهر، وحينئذ فقوله تعالى:{فإن أرادا فِصالاً} المراد به قبل الحولين. انتهى. ملخصاً.
(1)
أي ما كان بعد الحولين.
(2)
تكرير تأكيدي.
(3)
أي الرجل وهو زوج المرضعة الذي لبنها منه.
(4)
تصوير للبن الفحل.
(5)
أي أم الأخ وأم الأخت.
(كِتَابُ الضَحايا (1) وَمَا يُجْزئ مِنهَا)
628 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أخبرنا نافع: أن عبد الله بن عمر كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا والبُدْن (2) الثَّنيّ فَمَا فَوْقَهُ.
629 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى (3) عَمَّا لَمْ تُسِنّ (4) من الضحايا والبدن
(1) قوله: الضحايا، هي جمع ضحية كهدية وهدايا، وأما الأضاحي فهو جمع أضحية، وهي ما يُذبح في يوم من أيام النحر على وجه التقرُّب، كذا قال القاري.
(2)
قوله: والبدن، بضم الباء وسكون الدال جمع بَدَنَة محرَّكة بمعنى الإِبل والبقر عندنا، فهو تخصيص بعد تعميم، والثنِيّ - ككريم - من الإِبل ما له خمس سنين وطعن في السادسة، ومن البقر ما له سنتان وطعن في الثالثة، ومن الغنم ما له سنة وطعن في الثانية، كذا قال القاري.
(3)
وهو في "موطأ يحيى": كان يتقي.
(4)
قوله: عما لم تُسِنّ، قال القاري: بضم التاء وكسر السين وتشديد النون، يقال أسنُّ الإِنسان وغيره إذا كبر، وقال الأزهري: ليس معنى إسنان البقر وغيره كِبَرهما، بل معناه طلوع الأسنان، وفي "شرح الزرقاني": رُوي لم تُسِنّ بكسر السين من السن لأنَّ معروف مذهب ابن عمر أنه لا يُضحَّى إلَاّ بثني المعز والضأن (قال الزرقاني: لا يجوز عنده الجذع من الضأن وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور. شرح الزرقاني 3/72.
قال الموفق: ولا يجزئ إلَاّ الجذع من الضأن والثني من غيره، وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي. المغني 6/622) والإِبل والبقر، وروي بفتح السين قال ابن قتيبة وهي التي لم تنبت أسنانها.
وَعَنِ الَّتِي (1) نُقِصَ مِنْ خلْقها.
630 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ ضَحّى (2) مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشاً فحِيلاً (3) أقرنَ (4) ثُمَّ أذْبحَه لَهُ (5) يومَ الأَضْحَى فِي مُصَلَّى (6) النَّاسِ فَفَعَلْتُ (7) ، ثُمَّ حُمِل
(1) أي عن التي نقص من خلقتها نقصاناً يوجب نقصان القيمة وتأذِّي البهيمة.
(2)
بتشديد الحاء أي أراد أن يضحِّي.
(3)
قوله: فحيلاً، أي ذكراً لا أنثى، وفي زيادة ياء النسبة إشارة إلى تحقيق ذكورته وقيل: يحتمل أن يراد به لا خصياً، وقيل: أي قوياً عظيم الجثَّة.
(4)
أي ذا قرن.
(5)
معطوف على اشترى أي أذبح لابن عمر في مصلى العيد.
(6)
قوله: في مصلى الناس، اتباعاً لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينحر بالمصلى بعد صلاة العيد.
(7)
قوله: ففعلت، أي فعلت ما أُمرت من الشراء والذبح في المصلى، ثم حمل الكبش المذبوح إلى ابن عمر فحلق ابن عمر رأسه حين حُمل إليه، والظرفية في قوله حين الذبح مجازية للقرب ويحتمل أن تكون حقيقة، والتجوُّز في التعقب الحاصل بثم.
إِلَيْهِ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبح كَبْشُهُ وَكَانَ (1) مَرِيضًا لَمْ يشهَدِ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ حِلَاقُ (2) الرَّأْسِ بواجبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى إِذَا لَمْ يَحُجّ وَقَدْ فَعَله (3) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ إلَاّ في خصلةٍ (4) واحدةٍ، الجَذَع (5)
(1) قوله: وكان، أي ابن عمر مريضاً في تلك الأيام ولذا لم يشهد صلاة العيد ولم يذبح الأضحية بيده مع أنه الأفضل، بل أَمَرَ نافعاً به.
(2)
بكسر أوله أي حلق شعر الرأس.
(3)
وقد فعله: مقولة نافع. قوله: وقد فعله، والظاهر أن حلقه وقع اتفاقاً أو أراد به التشبُّه بالحاج استحباباً فلا ينافي نفيه إيجاباً، كذا قال القاري والأظهر أن يقال: إنه صدر اتباعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يضحِّي ورأى الهلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي، أخرجه مسلم وغيره، فلعل ابن عمر لم يأخذ شعره وأظفاره حتى ضحّى فحلق شعره وأخذ أظفاره، وفي الحديث إشارة إلى استحباب التشبُّه بالصالحين (في "البذل" عن الشوكاني: ذهب سعيد بن المسيَّب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره، حتى يضحّي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: مكروه كراهة تنزيه، ومذهب الحنفية في ذلك ما في "شرح المنية". وما ورد في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحِّي
…
الحديث، محمول على الندب دون الوجوب بالإِجماع، فنفي الوجوب لا ينافي الاستحباب فيكون مستحباً إلَاّ أن يستلزم الزيادة وقت إباحة التأخير ونهايته ما دون الأربعين، فإنه لا يباح ترك قلم الأظفار ونحوه فوق الأربعين. انتهى. أوجز المسالك 9/239) .
(4)
أي في صفة واحدة.
(5)
قوله: الجَذَع من الضأن، هو ذوات الصوف من الغنم التي له ألية، كما
مِنَ الضَّأْنِ إِذَا كَانَ (1) عَظِيمًا أَجْزَأَ، فِي الْهَدْيِ (2) وَالأُضْحِيَةِ، بِذَلِكَ (3) جَاءَتِ الآثَارُ: الْخَصِيُّ (4) مِنَ الأضحية يُجزئ مما يجزئ منه
في "منح الغفار" وغيره، والجَذَع بفتح الجيم والذال المعجمة عند أهل اللغة من الشاة ما تمت له سنة وطعنت في الثانية، ومن البقر ابن سنة، ومن الإبل ابن أربع سنين، وفي اصطلاح الفقهاء الجذع من الضأن ماتمت له ستة اشهر، وهو المرجح عند الحنفية، وقال بعضهم: ما تمت سبعة أشهر، وقيل ستة أو سبعة، والتقييد بالضأن لأن الجذع من الإِبل والبقر والغنم لا يجزئ، بل لا يجزئ منها إلَاّ الثني كذا في "الهداية"و "البناية" وغيرهما.
(1)
قوله: إذا كان عظيماً، أي عظيم الجثَّة بحيث لو خلط بالثنايا أشتبه على الناظر من بعيد، كذا فسَّره صاحب "الهداية" وغيره.
(2)
أي في هدي الحاجّ وأضحية يوم الأضحى.
(3)
قوله: بذلك، أي بإجزاء الجذع من الضأن أضحيته. وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن هلال مرفوعاً: نعمت الأضحية الجذع من الضأن أضحيته. وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: نعمت الأضحية الجذع من الضأن. وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن مجاشع مرفوعاً: أن الجذع يوفي مما يوفي عنه الثنيّ. وفي صحيح مسلم عن جابر: لا تذبحوا إلَاّ مُسنَّة إلَاّ أن يَعْسُرَ عليكم، فتذبحوا جَذَعة من الضأن. وبهذه الآثار وغيرها قال الجمهور بجواز الجذع من الضأن لا من غيره، وحملوا التقييد المذكور في رواية مسلم على الأفضل، والمعنى: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلَاّ مُسِنَّة إلَاّ أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن، وجوَّزوا الجذع من الضأن مع وجود غيره، وحكى ابن المنذر وغيره عن ابن عمر والزهري أن الجذع لا يجزئ مطلقاً من الضأن كان أو من غيره، وبه قال ابن حزم، وعزاه لجماعة من السلف، كذا في "شرح مسند الإِمام" لبعض الأعلام.
(4)
قوله: والخصي، أي مقطوع الخصيتين يجزئ مما يجزئ منه الفحل