الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا أَفْرَدَ بِالْحَجِّ كَانَتْ عُمْرَتُهُ (1) مَكِّيَّةً، فالقِران أفضلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، والعامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
7 - (بَابُ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا وَهُوَ مُقِيمٌ)
397 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (2) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ عَمْرة بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ ابْنَ زِيَادِ (3) بْنِ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ أنَّ (4) ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَن أَهدى هَدْياً (5) حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ على الحاجِّ، وقد بعثتُ (6) بهدي،
(1) أي إن أتى بها، وسفره ينصرف إلى حجه.
(2)
أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل، ومسلم عن يحيى، الثلاثة عن مالك به.
(3)
وقع عند مسلم أن ابن زياد وهو وهم، نبَّه عليه الغَسّاني ومن تبعه، كذا في "الفتح". قوله أن: زياد بن أبي سفيان، كذا وقع في "الموطأ" وكان شيخ مالك حدَّث به كذلك في زمن بني أُمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلَاّ زياد بن أبيه، وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد، وكانت أمه سميَّة مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد، فولدت زياداً على فراشه، فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأنَّ زياداً ولده، فاستلحقه معاوية لذلك، وزوَّج ابنه بنته، وأمّره على أهل العراقين البصرة والكوفة، ومات في خلافته سنة ثلاث وخمسين، كذا في "فتح الباري".
(4)
بفتح الهمزة وكسرها.
(5)
أي بهدي كما في نسخة.
(6)
إلى الحرم وأنا مقيم غير محرم.
فاكْتُبي (1) إليَّ بأمرِك أَوْ مُري صاحبَ (2) الْهَدْيِ، قَالَتْ عَمْرة: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ (3) كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ (4) قلائدَ هَدْي رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي (5) ثُمَّ قَلَّدها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، وَبَعَثَ بِهَا (6) مَعَ أَبِي (7) ، ثُمَّ لَمْ يَحْرُم (8)
(1) حتى أعلم أني كيف أعمل.
(2)
أي الذي أريد أن أرسله ليخبرني، فأو: للتنويع بين الكتابة وبين الرواية.
(3)
قوله: ليس كما قال ابن عباس، قال الحافظ تبعاً للكرماني: حاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياساً للتوكيل في أمر الهدي على المباشرة له، فبيَّنْت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السُّنَّة الظاهرة.
(4)
أي من العهن وهو الصوف كما في رواية. قوله: أنا فتلت، قال ابن المنيِّر: يحتمل أن يكون قولها ذلك بياناً لحفظها الأمر ومعرفتها به، ويحتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه وسلم تناول ذلك بنفسه، وعلم وقت التقليد، ومع ذلك فلم يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم لئلا يعلم أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي. انتهى. وقال ابن التين: أرادت بذلك علمَها بجميع القصة، ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظانٌّ أنَّ ذلك كان في أول الإِسلام، ثم نُسخ، فأرادت إزالة هذا اللَّبْس.
(5)
يحتمل الإِفراد والتثنية.
(6)
أي بالهدايا.
(7)
أي أبي بكر حين حجَّ في السنة التاسعة أمير الحاجّ وأتبعه بعليّ.
(8)
وفي رواية مسلم: فأصبح فينا حلالاً يأتي ما يأتي به الحلال من أهله.
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ (1) كَانَ أحلَّه اللَّهُ حَتَّى نَحَرَ (2) الْهَدْيَ (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الَّذِي يَتَوَجَّهُ مَعَ هَدْيه يُرِيدُ مَكَّةَ (4) وَقَدْ سَاقَ (5) بَدَنةً وقلَّدها (6) ، فَهَذَا يَكُونُ مُحْرِمًا حِينَ يَتَوَجَّهُ مَعَ بَدَنَتِهِ المقلَّدة بِمَا أَرَادَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمرة. فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ لَمْ يَكُنْ مُحرماً وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (7) حلَّ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ (8) أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(1) أي من محظورات الإِحرام.
(2)
قوله: حتى نحر، أي أبو بكر وفي بعض النسخ بلفظ المجهول، فإن قلتَ: عدم الحرمة ليس مُغَيّاً إلى النحر إذ هو باقٍ بعده فلا مخالفة بين حكم ما بعد الغاية وما قبلها، قلتُ: هو غاية للتحريم لا لـ"لم يحرم" أي الحرمة المنتهية إلى التحريم لم تكن وذلك لأنه ردّ لكلام ابن عباس؟ وهو كان مثبتاً للحرمة إلى النحر، كذا في "الكوكب الدراري شرح صحيح البخاري" للكرماني.
(3)
قوله: حتى نحر الهدي، أي: وانقضى أمره ولم يحرم أفترك إحرامه بعد ذلك أولى، لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أوْلى.
(4)
بقصد أحد النُّسُكين.
(5)
أي أرسلها قُدّامه، ومشى وراءها.
(6)
أي والحال أنه قلّدها وهذا قيدُ كمال.
(7)
أي بسبب بعثه هدياً.
(8)
قوله: وهو قول أبي حنيفة، بهذا يُرَدُّ على الخطابيّ حيث نقل عن أصحابنا مثل قول ابن عباس، وقد ردَّه الحافظ ابن حجر بأنه خطأ وافتراء عليهم، فالطحاويّ أعلم بهم منه، وقد حكى أنَّ مذهبهم أنَّ من ساق الهدي وقصد البيت وقلَّد وجب عليه الإِحرام، وحكى ابن المنذر عن جماعةٍ منهم أحمد والثوريّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإسحاق أن من أراد النسك صار بمجرَّد تقليده الهدي محرماً. وأما قول ابن عباس فقد خالفه ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وغيرهم، بل جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقرَّ على خلاف ما قاله، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه، وأخرجه البيهقي من طريقه عنه قال: أول من كشف العَمْي (في الأصل: الغمي وهو تحريف كما في عمدة القاري 4/714، والسنن الكبرى للبيهقي 5/234) عن الناس وبيَّن لهم السُّنَّة في ذلك عائشة
…
فذكر الحديث عن عروة وعَمْرة عنها، وقال: لمّا بلغ الناسَ قولُ عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس. انتهى. وفيه دلالة على أن قوله كان مهجوراً، ومن ثَم لم يأخذ أحد من أئمة الأمصار المعروفين به، بل قال ابن التين: خالف ابن عباس جميع الفقهاء في هذا، ولعله رجع عنه لمّا بلغه حديث عائشة، وتعقَّبه ابن حجر (انظر فتح الباري 3/546) وغيره بأنَّ ابن عباس لم ينفرد بما قاله، بل وافقه جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر ورواه ابن أبي شيبة وابن المنذر بسنَديْهما إلى نافع عنه بلفظ: كان إذا بعث بالهدي يمسك عمّا يمسك عنه المحرم، إلَاّ أنه لا يلبّي. وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن عباس وابن عمر قالا: من قلَّد أحرم، ومنهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه عنه سعيد بن منصور، ومنهم عمر وعلي فإنهما قالا في الرجل يرسل بَدَنَتَه أنه يُمسك عما يُمسك عنه المحرم، رواه ابن أبي شيبة، وحكى ابن المنذر هذا المذهب عن النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرين، وأخرج ابن أبي شيبة مثله عن سعيد بن جبير، ويوافقهم من المرفوع حديث جابر قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه إذ شق قميصه حتى خرج منه. وقال: إني أَمرتُ ببُدْني التي بعثت بها أن تُقلَّد اليوم، وتُشعر على مكان كذا، فلبست قميصي ونسيت، أخرجه عبد الرزاق والبزار والطحاوي، وفي سنده عبد الرحمن بن عطاء ضعيف، قال ابن عبد البر: لا يُحتَجّ
8 -
(باب تقليد البُدْن (1) وإشعارهم)
398 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ (2) وَأَشْعَرَهُ (3) بِذِي الحُلَيفة، يقلِّده قَبْلَ أَنْ يُشْعِرُهُ، وَذَلِكَ (4) فِي مَكَانٍ واحدٍ وهو موجِّهُهُ (5) إلى القِبْلة، يقلِّده (6) بنعلين،
بما انفرد به، فكيف إذا خالفه من هو أثبت منه؟ انتهى، ويُحتمل أن يكون سابقاً وحديث عائشة له ناسخاً كذا في "فتح الباري" و"نصب الراية" وغيرهما (ههنا مسألتان طالما تشتبه إحداهما بالأخرى حتى وقع الاشبتاه فيهما للخطابيّ ونحوه من المحقِّقين، أولاهما: حكم من بعث بهديه وهو مقيم في بلدته لا يريد النسك، فقد كان فيه خلاف في السلف، لكن انقضى بعد ذلك، واستقر الأمر على أن مجرِّد بعث الهدي لا يُوجب إحراماً، والثانية: من ساق الهدْي وأراد النسك أيضاً وهي مختلفة بين الأئمة، قال في "الفتح": ذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أنَّ من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرماً، حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق، قال: وقال أصحاب الرأي: من ساق الهدي وأمّ البيت ثم قلَّد وجب عليه الإحرام، وقال الجمهور: لا يصير بتقليد الهدي محرماً ولا يجب عليه شيء. اهـ. انظر أوجز المسالك 6/285) .
(1)
بضم فسكون جمع بَدَنَة بفتحتين وهي الإِبل والبقر عندنا.
(2)
أي بنعل، أو لحاء شجرة.
(3)
أي أدماه في سنامه ليكون إشعاراً بأنه من شعائر الله فلا يتعرَّض له أحد.
قوله: وأشعره بذي الحليفة، لأنه كان من أتبع الناس للمصطفى، وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم قلَّد الهدي وأشعره بذي الحليفة.
(4)
أي ما ذُكر من التقليد والإِشعار.
(5)
أي جاعل وجه هديه في حالَتَيْ التقليد والإِشعار.
(6)
بيان لما أجمله أولاً.
ويُشعره (1) مِنْ شِقّه (2) الأَيْسَرِ، ثُمَّ يُساق مَعَهُ (3) حَتَّى يُوقَف بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يُدفَع بِهِ مَعَهُمْ إِذَا دَفَعُوا (4) ، فَإِذَا قَدِم مِنَى مِنْ غَدَاةِ يَوْمِ النَّحْرِ نَحَرَه قَبْلَ (5) أنْ يَحْلِقَ أَوْ يقصِّر، وَكَانَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بيده (6)
(1) من الإِشعار: شقّ سنام الهدي.
(2)
أي الجانب. قوله: من شقِّه الأيسر، فيه أنه أشعرها من الجانب الأيسر وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يُشعر بُدْنَه من الشقّ الأيسر إلا أن تكون صعاباً مُقَرَّنة، فإذا لم يستطع أن يَدْخل بينها أشعر من الشقّ الأيمن، وإذا أراد أنْ يُشعرها وجهها إلى القبلة، وفي صحيح البخاري: أنه أشعرها من شِقِّها الأيمن، قال الحافظ: تبين بهذا أن ابن عمر كان يطعن في الأيمن تارة، وفي الأيسر أخرى، بحسب ما يتهيأ له، وإلى الإِشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد في رواية، وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية (ثم اختلفوا في النَّعَم التي تُشعر، فقال الشافعي وأحمد: تُشعر الإِبل والبقر مطلقاً، وعند مالك في الإِبل قولان: المرجَّح منهما الإِشعار مطلقاً، والثاني: التقييد بذات السِّنام، وفي البقر ثلاثة أقوال: الإِثبات والنفي مطلقاً والثالث الراجح عندهم التقييد بذات السِّنام وعندنا - الحنفية - تشعر الإِبل لا البقر، وأما الغنم فلا إشعار فيها إجماعاً. والبسط في "الأوجز" 7/195، و"الكوكب الدرّي" 2/131) ، كذا في "ضياء الساري".
(3)
أي مع ابن عمر.
(4)
أي إذا أفاضوا ورجعوا.
(5)
لقوله تعالى: {ولا تَحْلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهَدْيُ مَحِلَّه} (سورة البقرة: الآية 196) .
(6)
قوله: بيده، لأنه المستحب وقد نحر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة بيده بعدد سنيّ عمره، وأمر عليّاً بنحر بقية البُدْن وكان كلُّها مائة.
يصفُّهُنّ (1) قِيَامًا، ويوجِّهُّنّ (2) إِلَى القِبْلة ثُمَّ يَأْكُلُ (3) ويُطعم.
399 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا وَخَزَ (4) فِي سِنام بَدَنَتَه وَهُوَ يُشعرها، قَالَ (5) : بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
400 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أنَّ ابنَ عُمَرَ كَانَ (6) يُشْعِرُ بَدَنَتَه فِي الشِّقِّ الأَيْسَرِ إِلا أَنْ تَكُونَ صِعَاباً (7) مقرَّنة (8) ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْخل بَيْنَهَا (9) أَشْعَرَ مِنَ الشِّقِّ الأَيْمَنِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُشعرها وَجَّهَهَا إلى القِبْلة، قال: فإذا (10) أشعرها قال:
(1) لقوله تعالى: {فاذكروا اسم الله عليها صوافّ} (سورة الحجّ: الآية 36) .
(2)
قوله: ويوجِّهنَّ، أي يجعل الهدايا عند نحرهن إلى جهة الكعبة.
(3)
لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا} (سورة الحجّ: الآية 28) .
(4)
قوله: إذا وخز، بالخاء والزاء المعجمتين أي طعن طعنةً غير نافذة برمح أو إبرة أو غير ذلك.
(5)
امتثالاً لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ على ما هدَاكُمْ} (سورة البقرة: الآية 185) .
(6)
أي في الأكثر.
(7)
بكسر الصاد أي متصعِّبة.
(8)
بتشديد الراء أي مقرونة بعضها ببعض مقرَّبة.
(9)
أي البُدْن.
(10)
وفي نسخة: وإذا.
بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. وَكَانَ (1) يُشعرها بِيَدِهِ (2) وينحرها بيده قياماً.
(1) قوله: وكان يشعرها
…
إلى آخره، بذلك قال الجمهور من السَّلَف والخلف، وذكر الطحاوي في "اختلاف العلماء" كراهته عن أبي حنيفة، وذهب غيره إلى استحبابه حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: هو حسن، قال: وقال مالك: يختصّ الإِشعار بمن لها سنام، قال في "الفتح": وأبعد من منع من الإِشعار، واعتلّ باحتمال أنه كان مشروعا قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالإحتمال بل وقع الإِشعار في حجّة الوداع، وذلك بعد النهي عن المُثلة بزمان. وقال الخطّابي وغيره: اعتلال من كره الإِشعار بأنه المُثلة مردود، بل هو من باب الكيّ وشق الأذن ليصير علامة، قال: وقد كثر تشنيع المتقدِّمين على أبي حنيفة في إطلاقة كراهة الإِشعار، وانتصر له الطحاوي بأنه لم يَكره أصل الإِشعار، وإنما كره ما يُفعل على وجهٍ يُخالف منه هلاك البُدن كسراية الجرح لا سيما مع الطعن بالشَّفْرة، فأراد سدّ الباب عن العامّة لأنهم لا يُراعون الحدّ في ذلك، وأما من كان عارفاً بالسنّة في ذلك فلا، في هذا تعقُّبٌ على الخطّابي حيث قال: لا أعلم أحداً كره الإِشعار إلا أبا حنيفة وخالفه صاحباه. انتهى.
وذكر الترمذي قال: سمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع فقال له رجل: رُوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإِشعار مُثلة. فقال له وكيع: أقول لك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتقول: قال إبراهيم، ما أحقك بأن تُحبس. انتهى. وفيه تعقُّب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف، قال الحافظ: وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع ويتعيَّن الرجوع إلى ما قال الطحاويّ فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه، قال: واتفق من قال بالإِشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإِبل إلا سعيد بن جبير، واتفقوا على أن الغنم لا تُشْعَر، كذا في "الضياء".
(2)
لأن الأعمال الحسنة أَوْلَى أن تكون بلا واسطة إن أمكن وقوعها.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ (1) ، التَّقْلِيدُ أَفْضَلُ مِنَ الإِشعار، والإِشعار حَسَنٌ (2) ، والإِشعار (3) مِنَ الْجَانِبِ الأَيْسَرِ، إِلا أَنْ تَكُونَ صِعَاباً مُقَرَّنة لا يَسْتَطِيعُ (4) أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهَا فليُشعرها مِنَ الْجَانِبِ الأَيْسَرِ و (5) الأيمن.
9 -
(بَابُ مَنْ (6) تطيَّب قَبْلَ أَنْ يُحرم)
401 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بن
(1) قوله: وبهذا نأخذ، لم يذكر ههنا موافقة قول أبي حنيفة لأن عنده الإِشعار مكروه، نصَّ عليه في "الجامع الصغير" وحمله الطحاوي على أنه كَره المبالغَة (أو هو ردع للعوّام إبقاء على الهدايا وخوفاً عما يؤول الأمر إليه من المبالغة فيه والوقوع في المنهيّ عنه طلباً لما هو ندب فحسب "الكوكب الدرّي" 2/131) فيه بحيث يؤدِّي إلى السراية. وهو محمل حسن. ولولاه لكان قوله مخالفاً للثابت بالأحاديث الصحيحة الصريحة صريحاً. وللقوم في توجيه ما رُوي عنه كلمات قد فزعنا من دفعها في تعليقاتي على "الهداية" فلا نضيع الوقت بذكرها.
(2)
أي مستحب عند الجمهور.
(3)
أي الأحسن.
(4)
أي صاحبها.
(5)
الواو بمعنى أو.
(6)
قوله: باب من تطيّب قبل أن يحرم، اختلفوا فيه فذهب الأئمة الثلاثة والجمهور إلى استحباب التطيّب عند إرادة الإحرام، وأنه لا يضرّ بقاءُ لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه للمحرم، وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين: لا يُمنع من التطيب بطيبٍ يبقى له رائحة بعده، كذا في الزرقاني وغيره. واحتج
الْخَطَّابِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ ريحَ طيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ (1)، فَقَالَ: مِمَّنْ ريحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ (2) بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: مِنِّي
الجمهور بحديث عائشة كنتُ أطيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لإِحرامه قَبْلَ أَنْ يُحرم، ولحِلَّه قَبْلَ أن يطوف بالبيت. وسيأتي في "باب ما يَحْرُم على الحاجّ بعد رمي جمرة العقبة" وفي رواية للشيخين كأني أنظر إلى وبيص الطِّيب في مَفْرِق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم وفي لفظ لمسلم: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبِّي. وفي رواية لهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُحرم يتطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك. وأخرجا عن محمد بن المنتشر قال: سألتُ ابنَ عمر عن رجل يطيب ثم يصبح محرماً، فقال: ما أحبّ أن أصبح محرماً أنضح طيباً، لأن أُطلى بقَطِران أحبّ إليّ من أن أفعل ذلك، فدخلتُ على عائشة فأخبرتها بقوله فقالت: إنما طيَّبْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف في نسائه، ثم أصبح محرماً. وفي لفظ لهما: كنت أطيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيطوف على نسائه، ثم يصبح مُحرماً ينضح طيباً. كذا ذكره الزيلعي وغيره. وأجاب عنه المالكية ومن قال بقولهم بوجوه كلها مردودة، منها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد ما تطيّب لقولها في رواية: ثم طاف على نسائه، فإن المراد بالطواف الجماع وكان من عادته أن يغتسل عند كل أحد، ورُدّ لأنه ليس فيه أنه أصابهن، وكان عليه السلام كثيراً ما يطوف على نسائه من غير إصابة كما في حديث عائشة: قلّ يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا، فيقبِّل ويلمس دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هو يومها يبيت عندها. ولو سُلِّم أنه اغتسل فقولها في رواية: ثم أصبح محرماً ينضح طيباً صريح في بقاء الرائحة، وبه يُردّ على من قال إن ذلك الطيب كان لا رائحة له تمسُّكاً برواية النسائي: بطيبٍ لا يشبه طيبكم. ومنها أن ذلك من خصائصه، ورُدّ بأنها لا تثبت بالقياس، كذا في "شروح صحيح البخاري".
(1)
سمرة بذي الحُلَيفة على ستة أميال من المدينة.
(2)
قوله: معاوية بن أبي سفيان، هو معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند بنتُ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (1) قَالَ: مِنْكَ (2) لَعَمْري (3)، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ (4) طَيَّبَتْني. قَالَ (5) : عزمتُ (6) عَلَيْكَ لَتَرْجَعَنَّ فَلَتَغْسِلَنَّه.
402 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أخبرنا (7) الصَّلْت بن زُبَيد، عن غير
عُتْبة بن ربيعة بن عبد شمس يومَ الفتح، وكان هو من المؤلَّفة قلوبُهم، فحسن إسلامه، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما مات يزيدُ أخوه استخلفه على عمله بالشام، فلمّا ولي عثمان جمع له الشام جميعه، ولم يزل كذلك إلى أن قُتل عثمان، فانفرد بالشام، ولم يبايع عليّاً. وكان وقعة صِفِّين بينه وبين عليّ، وقد استقصى ذلك في "الكامل في التاريخ". ولما قُتل عليّ سَلّم الحسن الأمر إلى معاوية فسلّم الأمر إليه، وتوفّي في النصف من رجب سنة ستين، كذا في "أُسْد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير الجزري.
(1)
زاد عبد الرزاق: فتغيَّظ عليه عمر.
(2)
لأنك تحب الرفاهية، وكان عمر يسميه كسرى العرب.
(3)
بفتح العين أي لقسمي بعَمري.
(4)
قوله: أم حبيبة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنت أبي سفيان، اسمها رملة، لا خلاف في ذلك إلَاّ عند من شذّ، توفيت سنة أربع وأربعين، كذا في "الإِسعاف".
(5)
قوله: قال، وفي رواية عبد الرزاق أقسمتُ عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنّه عنك كما طيَّبتْكَ، وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم: فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق.
(6)
أي أقسمت عليك.
(7)
قوله: أخبرنا الصلت بن زبيد، هكذا وُجد في نسخ هذا الكتاب بالباء الموحدة وكذا ضبطه القاري أنه بضمّ الزاء وبفتح الموحدة، لكن الذي في "مُوطأ
وَاحِدٍ (1) مِنْ أَهْلِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ ريحَ طيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ وَإِلَى جَنْبِهِ كَثير (2) بْنُ الصَّلْتِ، فَقَالَ: مِمَّنْ ريحُ هَذَا الطِّيبِ؟ قَالَ كَثِيرٌ: مِنِّي، لبَّدتُ (3) رَأْسِي وَأَرَدْتُ أَنْ أَحْلِقَ (4)، قَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَة (5) ، فادلكْ مِنْهَا رَأْسَكَ حَتَّى تنقِّيَه (6) . فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لا أرى (7) أن يتطيّب المحرم حين
يحيى": الصلت بن زييد بيائين، وقال الزرقاني في "شرحه": الصلت بن زييد بضم الزاء وتحتيتين تصغير زيد الكندي، وثّقه العجلي وغيره، وكفى برواية مالك عنه. انتهى. وكذا ضبطه ابن الأثير في "جامع الأصول"، وضبط الصَّلْت بالفتح ثم السكون.
(1)
أي عن جمع كثير من أقاربه.
(2)
الكندي المدني التابعي الكبير، وُلد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم عن عدّه من الصحابة، كذا قال الزرقاني.
(3)
أي جعلت فيه شيئاً كالصمغ ليجتمع شعره لئلا يتفرّق في الإِحرام (التلبيد مندوب عند الشافعية. ولم يذكر الجمهور التلبيد في مندوبات الإِحرام. أوجز المسالك 6/209) .
(4)
أي بعد فراغ نسكي.
(5)
بالتحريك حويض حول النخلة، كذا في القاموس، أو قال مالك: الشربة: حفيرة تكون عند أصل الشجرة ذكره يحيى في "موطأه".
(6)
من الإِنقاء والتنقية: أي حتى تنظِّفَه من طيبك.
(7)
قوله: لا أرى..إلى آخره، هذا موافق لما اختاره جماعة من الصحابة، منهم عمر حيث أنكر على معاوية وكثير بن الصلت نضح الطيب حال الإِحرام، وأنكر أيضاً على البراء بن عازب كما أخرجه ابن أبي شيبة عن بشير بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يسار: لما أحرموا وجد عمر ريحَ طيبٍ: فقال: ممن هذه الريح؟ فقال البراء: منّي يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة، إنما الحاج الأدفر (الدفر: النتن. مجمع بحار الأنوار 1/186) الأغبر. ومنهم عثمان كما أخرجه الطحاوي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه: كنت مع عثمان بذي الحُلَيفة فرأى رجلاً يريد أن يُحرم وقد دهن رأسه فأمر به فغسل رأسه بالطين. ومنهم ابن عمر كما مرّ ذكره. ويوافقهم من المرفوع ما أخرجا عن يعلى بن أمية، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ متضمِّخ بطيبٍ وعليه جُبّة، فقال: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جُبّة بعد ما تضمخ بطيب؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجُبّة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك. وفي لفظ لهما: وهو متضمخ بالخَلوق، فقال له: اغسل عنك الصفرة. وفي لفظ للبخاري: واغسل عنك أثر الخلوق وأثر الصفرة. وأجاب الجمهور عنه بجوابين، أحدهما: أنَّ طيبه كان من زعفران، وقد نهي عن التزعفُر، يدل عليه رواية مسلم: وهو مصفِّر لحيته ورأسه، كذا ذكره المنذري. وأخرج الطحاوي أولاً عن يعلى بن أمية: أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وعليه جُبّة وهو معصفرٌ لحيته ورأسه
…
الحديث، ثم قال: لا حُجّة فيه وذلك أن التطيّب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان صفرة وهو خلوق وذلك مكروه للرجال لا للإِحرام، ولكنه مكروه في نفسه في حال الإِحلال والإِحرام. ثم أيّده بما أخرج من طريق آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لبَّى بعمرة، وعليه جُبّة، وشيْء من خَلوق فأمره أن ينزع الجبة ويمسح الخلوق. ومن طريق آخر: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني أحرمتُ وعليّ جُبّتي هذه وعلى جبته خلوق والناس يسخرون مني، فقال: اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزعفران. ثم أخرج أحاديث النهي عن التزعفر والخلوق، ثم قال: فإنما أمر الرجل الذي أمر بغسل طيبه الذي كان عليه في حديث يعلى لأنه لم يكن من طيب الرجال، وليس في ذلك دليل على
يُرِيدُ الإِحرام إِلا أَنْ يَتَطَيَّبَ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ (1) كَانَ لا يرى به بأساً.
10 -
(باب من ساق هَدْياً فعَطِبَ (2) في الطريق أو نَذَرَ بَدَنَة)
403 -
أخبرنا مالك، حدَّثنا ابن شهاب، عن سعيد بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ سَاقَ بَدَنة تطوُّعاً، ثم عَطِبَت (3) فنحرها
حكم من أراد الإِحرام: هل له أن يتطيب بطيب يبقى عليه بعد الإِحرام أم لا؟ انتهى، وثانيهما: ما نقل الحازمي في "كتاب الناسخ والمنسوخ" عن الشافعي أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل الطيب منسوخ لأنه كان في عام الجعرانة وهو سنة ثمان، وحديث عائشة أنها طيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسخ له لأنه في حجة الوداع. انتهى.
(1)
قوله: فإنه كان لا يرى به بأساً، بل كان يقول باستحبابه أخذاً من حديث عائشة وبه قال أكثر الصحابة، قاله المنذري. وأخرج سعيد بن منصور عن عائشة قالت: طيّبْتُ أبي بالمسك لإِحرامه حين أحرم. وأخرج الطحاوي عن عبد الرحمن قال: تطيَّبْتُ حاجّاً فرافقني عثمان بن العاص، فلما كان عند الإِحرام قال: اغسلوا رؤوسكم بهذا الخِطمي الأبيض فوقع في نفسي من ذلك شيء، فقدمت مكة فسألتُ ابن عمر وابن عباس، فابن عمر قال: ما أحسنه، وابن عباس قال: أما أنا فأضمّخ به رأسي. وأخرج عن عائشة بنت سعد قالت: كنت أشبع رأس سعد بن أبي وقاص لحرمه بالطيب. وأخرج عن عبد الله بن الزبير: أنه كان يتطيّب بالغالية الجيدة عند الإِحرام. وأخرج أبو داود وابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنّا نضمّخ وجوهنا بالمسك المطيّب قبل أن نحرم ثم نُحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله فلا ينهانا.
(2)
كفرح: هلك، كذا في "المصباح".
(3)
أي قَرُب هلاكها.
فلْيَجْعَلْ قِلادتَها (1) ونعلَها فِي دَمِهَا (2) ، ثُمَّ يتركْها لِلنَّاسِ يَأْكُلُونَهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فإنْ هُوَ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهَا فَعَلَيْهِ الغُرْم (3) .
404 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّ (4) صَاحِبَ (5) هَدْي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِمَا عَطِب (6) مِنَ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْحَرْها وأَلْقِ (7) قِلادَتَها (8)
(1) بكسر القاف أي ما قُلِّدت به من لحاء شجرة أو قطعة مزادة.
(2)
أي فليغمسها فيه وليضرب بها صفحة سنامها. وفائدة ذلك إعلام الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء.
(3)
بضم الغين أي الغرامة وهي قيمة ما أكل.
(4)
قوله: أن صاحب هدي
…
إلى آخره، مرسلٌ صورةً لكنه محمول على الوصل لأن عروة ثبت سماعه من ناجية، فقد أخرجه ابن خزيمة من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن هشام عن عروة قال: حدثني ناجية، ورواه أبو داود وابن عبد البر من طريق سفيان بن سعيد الثوري والترمذي - وقال: حسن صحيح - والنسائي من رواية عبدة بن سليمان وابن ماجه من رواية وكيع والطحاوي من طريق ابن عيينة وابن عبد البر من طريق وهيب بن خالد خمستهم عن هشام، عن أبيه، عن ناجية، قال في "الإِصابة": ولم يُسَمِّ أحد منهم والدَ ناجية، لكن قال بعضهم: الخزاعي، وبعضهم الأسلمي، ولا يبعد التعدُّد، وقد جزم ابن عبد البَرّ بأنه ناجية بن جندب الأسلمي، كذا ذكره الزرقاني.
(5)
هو ناجية الأسلمي.
(6)
بكسر الطاء أي هلك.
(7)
أي اغمس.
(8)
قال في "المنتخب": قلادة بالكسر (انجه دركرن كتند)
أَوْ نعلَها (1) فِي دَمِهَا وخلِّ (2) بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُونَهَا.
405 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: كنتُ أَرى ابنَ عمرَ (3) بن الخطاب يُهدي (4) في الحج بَدَنَتَيْن بَدَنَتَيْن (5) ، وفي العمرة بَدَنَة بَدنة، قَالَ: رأيتُه فِي الْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بَدَنتَه وهي قائمةٌ في حرف (6) دار (7)
(أي بالفارسية) .
(1)
قال مالك مرة: أمره بذلك ليعلم أنه هدي فلا يُستباح إلَاّ على الوجه الذي ينبغي.
(2)
قوله: وخلِّ بين الناس
…
إلى آخره، قال عياض: فما عَطِب من هدي التطوع لا يأكل منه صاحبه ولا سائقه ولا رفقته لنصِّ الحديث، وبه قال مالك والجمهور (واختلفوا فيما يجب على من أكل منه فقال مالك: إنْ أكل منه وجب عليه بدله، وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد: عليه قيمة ما أكل. الكوكب الدري 2/134. وبسط شيخنا في هذه المسألة مذاهب الأئمة الأربعة في الأوجز 7/212) ، وقالوا: لا بدل عليه لأنه موضع بيان، ولم يبيِّن صلى الله عليه وسلم، بخلاف الهَدْي الواجب إذا عطب قبل مَحِلِّه، فيأكل منه صاحبه والأغنياء لأن صاحبه يضمنه لتعلُّقه بذمَّته، قاله الزرقاني.
(3)
هو عبد الله.
(4)
من الإِهداء أي يُرسل في حال إحرامه بالحج.
(5)
بالتكرار لإِفادة عموم التثنية.
(6)
بالفتح بمعنى الطَّرَف.
(7)
قوله: دار خالد بن أسيد، قال هشام بن الكلبي: أسلم عام الفتح،
خَالِدِ (1) بْنِ أَسِيد (2) وَكَانَ فِيهَا مَنْزِلُهُ (3)، وَقَالَ (4) : لَقَدْ رأيتُه طَعَنَ فِي لَبَّة (5) بَدَنَتَه حَتَّى خَرَجَتْ (6) سِنَّة (7) الحَربة مِنْ تَحْتِ حَنَكِها (8) .
406 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ (9) الْقَارِئُ (10) أَنَّهُ رَأَى
وأقام بمكة وكان من المؤلَّفة، قال ابن دريد: كان جزّاراً، قيل: إنه فُقد يوم اليمامة، وقيل مات قبله، قاله الزرقاني.
(1)
هو أخو عتّاب بن أَسيد الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكَّة عام الفتح.
(2)
بفتح الهمزة وكسر السين.
(3)
أي ابن عمر إذا حج أو اعتمر.
(4)
أي ابن دينار.
(5)
بفتح اللام وتشديد الموحِّدة: المنحر من الصدر.
(6)
من قوة الطعنة.
(7)
قوله: سِنَّة الحَربة، هو بالفتح آلة الحرب والعصا، والمراد به ههنا السكّين ونحوه مما يُذبح به، وسِنَّة الشيء: بكسر السين وتشديد النون (دندنهْ آن)(أي بالفارسية) والمراد به طرفه ورأسه ذو الحدة. والحنك بفتحتين (زير زنخدان)(أي بالفارسية) .
(8)
في نسخة: كتفها.
(9)
يزيد بن القعقاع.
(10)
بالهمزة، نسبة إلى قراءة القرآن، لا بتشديد الياء نسبة إلى قارة بطن كما ظنه صاحب "المحلّى".
عبدَ الله (1) بنَ عياش بن أبي ربيعة أَهْدَى عَامًا (2) بَدَنتين، إِحْدَاهُمَا بُخْتِيَّة (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، كلُّ هَدْي تطوُّعٍ عَطِب فِي الطَّرِيقِ (4) صَنَعَ كَمَا صَنَعَ وخلَّى (5) بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهُ، وَلا يُعْجِبُنَا (6) أَنْ يَأْكُلَ (7) مِنْهُ إلَاّ من (8) كان محتاجاً إليه (9) .
(1) قوله: عبد الله بن عياش، بشدِّ التحتية وشين معجمة ابن أبي ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي، وُلد بالحبشة. وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يروِ عنه، وروى عن عمر وغيره، وأبوه قديم الإِسلام، قاله الزرقاني.
(2)
أي سَنَة من السنين.
(3)
قوله: بُخْتِيَّة، بضم موحَّدة وسكون الخاء المعجمة، فتاء فوقيّة فتحتيَّة مشدَّدة، هي الأنثى من الجمال، والذكر البُختي، وهي جمال طوال الأعناق على ما في "النهاية".
(4)
أي قبل أن يصل إلى الحَرَم.
(5)
من التخلية.
(6)
أي لا يجوز عندنا.
(7)
أي صاحب الهَدْي.
(8)
قوله: إلَاّ من كان محتاجاً إليه، اعلم أن هدي التطوُّع إذا بلغ الحَرَم يجوز لصاحبه وغيره من الأغنياء أن يأكل منه، وأما إذا لم يبلغ فلا يجوز لصاحبه أن يأكل منه ولا لغيره من الأغنياء لأن القربة فيه بالإِراقة إنما تكون في الحرم، وفي غيره بالتصدُّق.
(9)
أي مضطراً إليه.
407 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر: كَانَ يَقُولُ: الْهَدْيُ (1) مَا قُلِّد أَوْ أُشعر وأُوقف بِهِ بِعَرَفَةَ.
408 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ بَدَنَة (2) فَإِنَّهُ يقلِّدها نَعْلا، ويُشعِرُها، ثُمَّ يَسُوقُهَا، فَيَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ بِمَنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَيْسَ لَهُ مَحِلّ (3) دُونَ ذَلِكَ، وَمَنْ نَذَرَ جَزُوراً (4) مِنَ الإِبل أَوِ الْبَقَرِ فَإِنَّهُ يَنْحَرُها حَيْثُ (5) شَاءَ (6) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ رخَّصوا فِي نَحْرِ البَدَنة حَيْثُ شَاءَ (7) ، وَقَالَ
(1) قوله: الهدي
…
إلى آخره، في الأثر دليل على استنان الذهاب بالهدي إلى عرفات كالتقليد والإِشعار، وبه قال أبو حنيفة أنه يُسَنُّ ذلك من غير وجوب، كذا في "المحلّى بحلي أسرار الموطا".
(2)
أي من إبل أو بقرة.
(3)
قوله: ليس له محل دون ذلك، لأنه لمّا عبَّر ببدنة عُلم أنه هَدْي.
(4)
قوله: جَزُوراً، بفتح الجيم وضم الزاي هو من الإِبل خاصة يقع على الذكر والأنثى، كذا في "المصباح" اللغوي، فقوله من الإِبل والبقر تعميم باعتبار الإِطلاق العُرفي، قاله القاري.
(5)
أي من الحرم وغيره وفرق بين نذر البدنة ونذر الجزور بأن الأول خاص بالحرم والثاني عام.
(6)
قوله: حيث شاء، أي في أي مكان لأنه أراد إطعام لحمه مساكين موضعه أو ما نوى من الموضع.
(7)
أي الناذر.
بَعْضُهُمْ: الهَدْي (1) بِمَكَّةَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {هَدْياً بالغَ الكعبة} وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي البَدَنة (2) فالبَدَنة حَيْثُ شَاءَ إلَاّ أَنْ يَنْوِيَ الْحَرَمَ فَلا يَنْحَرْهَا (3) إلَاّ فِيهِ (4) . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي وَمَالِكِ بْنِ أَنَس.
409 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي (5) عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ سعيدَ بنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَدَنَة جعلَتْها (6) امرأةٌ عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ سَعِيدٌ: البُدْنُ مِنَ الإِبل (7) ومَحِلّ (8) البُدْن الْبَيْتُ الْعَتِيقُ إلَاّ أَنْ تَكُونَ (9) سمَّتْ مَكَانًا (10) مِنَ الأَرْضِ فَلْتَنْحَرْهَا حَيْثُ سمَّتْ، فإنْ لَمْ تَجِدْ بَدَنة فَبَقَرَةٌ (11) فَإِنْ لَمْ تكن بقرة فَعَشَرٌ من الغنم،
(1) يعني إذا نذرها هدياً فهو مخصوص بمكة وما حولها.
(2)
أي بل أطلقها.
(3)
أي لا يذبحها.
(4)
فإنما الأعمال بالنيات.
(5)
قوله: أخبرني عمرو بن عبيد الله الأنصاري، ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" وسمَّى والدَه بعبيد، وقال: إنه من بني الحارث بن الخزرج من أهل المدينة، يروي عن ابن عباس، روى عنه مالك بن أنس وسليمان بن بلال.
(6)
أي ألزمتها على نفسها بأن نذرتها.
(7)
أي دون البقر. هو يوافق قول الشافعي.
(8)
بكسر الحاء أي محل ذبحها الذي يَحِلُّ ذبحه فيه.
(9)
أي المرأة.
(10)
غير الحَرَم.
(11)
فإنها تقوم مقامها.
قَالَ (1) : ثُمَّ سَأَلْتُ سالمَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ لَمْ تَجِدْ بَقَرَةً، فَسَبْعٌ مِنَ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ جئتُ (2) خارجةَ بنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فسألتُه، فَقَالَ مثلَ مَا قَالَ سَالِمٌ، ثُمَّ جئتُ عبدَ اللَّهِ (3) بنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (4) ، فَقَالَ مثلَ مَا قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: البُدْنُ مِنَ الإِبل (5) وَالْبَقَرِ، وَلَهَا (6) أَنْ تَنْحَرَهَا حَيْثُ شَاءَتْ إلَاّ أَنْ تَنْوِيَ الْحَرَمَ، فَلا تَنْحَرْهَا إلَاّ فِي الْحَرَمِ وَيَكُونُ (7) هَدْيًا، والبَدَنَة مِنَ الإِبل وَالْبَقَرِ تُجزئ (8) عَنْ سَبْعَةٍ وَلا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامَّة من فقهائنا.
(1) عمرو بن عبيد الله.
(2)
قوله: ثُمَّ جِئْتُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة من أجلَّة الثقات، مات سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مائة، قاله ابن حبان.
(3)
أبو هاشم المدني، وثَّقه ابن سعد والنسائي، مات سنة 98، كذا في "الإِسعاف".
(4)
ابن أبي طالب.
(5)
أي من كليهما في مذهبنا.
(6)
أي للمرأة الناذرة المذكورة.
(7)
أي ويكون بالنية.
(8)
قوله: تجزئ عن سبعة، روى مسلم عن جابر قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّين بالحج، فأمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إن نشترك في الإِبل والبقر كلُّ سبعةٍ منا في بدنة. وبهذا قال الشافعي والجمهور سواء كان الهدْيُ تطوُّعاً أو واجباً، وسواء كانوا كلُّهم متقرِّبين بذلك أو بعضهم يريد التقرُّب وبعضهم يريد اللحم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وعن أبي حنيفة يُشترط في الاشتراك أن يكونوا كلُّهم متقرِّبين بالهَدْي. وعن داود وبعض المالكية: يجوز هذا في هدي التطوُّع دون الواجب. وعن مالك لا يجوز مطلقاً. واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان في الحديبية حيث كانوا مُحْصَرين، وبأن أبا جمرة خالفه ثقاتُ أصحاب ابن عباس، فقد رَوَوْا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة، وساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم. وقد روى ليث عن طاوس، عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة لكنْ ليثٌ ضعيف. ثم ساق بسنده إلى محمد بن سيرين عن ابن عباس قال: ما كنتُ أرى أن دماً واحداً لعلّه يُجزئ أو يكفي عن أكثر من واحد. وأجاب الحافظ بأن تأويله لحديث جابر بأنه كان في الحديبية لا يدفع الاحتجاجَ بالحديث أي لثبوت جواز أصل الاشتراك، قال: بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث: فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلوا حجَّهم إذا أحللنا أن نُهدي، ويجتمع النفر منا في الهدية. وأقول: بل كيف يصح تأويله بأنه في الحديبية مع قول جابر: خرجنا مُهِلِّين بالحج، والحديبية إنما كان فيه الإِهلال بالعمرة، ثم قال الحافظ: وليس بين رواية أبي جمرة - قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهَدْي، فقال: فيها جَزُور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم، رواه البخاري - وبين رواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك، ووافقهم على ذكر الشاة أي وزيادة الثقة مقبولة. قال: وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الردُّ على من زعم اختصاص الهدي بالإِبل والبقر. قال: وأما رواية محمد بن سيرين عن ابن عباس فمنقطعة، ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد، ومتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك أفتى به أبا جمرة، وبهذا تجتمع الأخبار، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه، وهو أبو جمرة.
وقد رُوي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك، ثم رجع عنه لمّا بلغتْه السُّنَّة، قال الحافظ: واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة
11 -
(بَابُ الرَّجُلُ يسوقُ بَدَنَة فَيَضْطَرُّ (1) إِلَى رُكُوبِهَا)
410 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اضطررتَ إِلَى بَدَنَتِك (2) فارْكبْها رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ (3) .
411 -
أَخْبَرَنَا (4) مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل (5)
إلَاّ إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب. فقال: تُجزئ عن عشرة، وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية واحتج لذلك في "صحيحه" وقوّاه، كذا في "ضياء الساري".
(1)
بأن عجز عن المشي ولم يجد غيرها. قوله: فيضطرّ إلى ركوبها، اختلفوا في ركوب البدنة المُهداة، فقال بعضهم: هو واجب لإِطلاق الأمر مع ما فيه من مخالفة الجاهلية. ورُدّ هذا بأنه عليه السلام لم يركب هَدْيَه، ولا أمر الناس بركوب هداياهم. ومنهم من قال: له أن يركبها مطلقاً من غير حاجة، وقال أصحابنا والشافعي: لا يركبها إلا عند الحاجة كذا في "مرقاة المفاتيح".
(2)
أي إلى ركوبها.
(3)
أي غير مثقل ومؤلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: اركبها بالمعروف إذا أُلجئت إلى ظهرها.
(4)
قوله: أخبرنا مالك
…
إلى آخره، رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به، وتابعه المغيرة بن عبد الرحمن عند مسلم، وسفيان الثوري عند ابن ماجه، كلاهما عن أبي الزِّناد به.
(5)
قال الحافظ: لم أقف على اسمه بعد طول البحث، زاد النسائي عن أنس: وقد جهده المشي، أي وهو عاجز عن مشيه.
يَسُوقُ بَدَنَتَه (1)، فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ:(2) أَنَّهَا بَدَنَة،
(1) وعند مسلم: بدنة مقلدة.
(2)
قوله: فَقَالَ: أَنَّهَا بَدَنَةٌ، قيل: الظاهر أن الرجل ظن أنه عليه السلام خفي عليه كونها هدياً، فلذلك قال: إنها بدنة. قال الحافظ: والحقّ أنه لم يخفَ ذلك عليه لكونها كانت مقلَّدة، ولهذا قال له لما زاد في مراجعته: ويلك. وقال القرطبي: إنما قال له ويلك تأديباً لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه. وبهذا جزم ابن عبد البَرّ وابن العربي، وبالغ حتى قال: ولولا أنه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربِّه ما اشترط لهلك ذلك الرجل. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون فهم عن الرجل أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها، فزجره عن ذلك. وعلى الحالتين فهي إنشاء ورجّحه عياض وغيره، قالوا: والأمر ههنا وإن قلنا إنه للإِرشاد لكنه استحق الذم بتوقّفه عن الامتثال، وقيل: كان الرجل أشرف على هلكة من الجهد. وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة: فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب. فعلى هذا هي إخبار، وقيل: هي كلمة تدعم به العرب كلامها، ولا يُقصد معناها كقولهم: لا أمَّ لك. واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجباً أو متطوِّعاً به، لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحبَ الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف. وبالجواز مطلقاً قال عروة بن الزبير، ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، لكن نقل القسطلاني عن "تنقيح المُقنع" من كتب الحنابلة - وعليه الفتوى عندهم - أنّ له ركوبها لحاجة ويضمن نقصَها كمذهب الحنفية. وجزم النووي بالأول في "الروضة" تبعاً لأصله في الضحايا، ونقله في "شرح المهذب" عن القفّال والماوردي، ثم نقل فيه عن أبي حامد والبندنجي وغيرهما تقييده بالحاجة وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق. وقيّد صاحب "الهداية" من الحنفية جواز ركوبها بالاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشَّعبي عند ابن أبي شيبة. وقال ابن العربي عن مالك: يركب للضرورة فإذا استراح نزل. وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقاً، نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنّع عليه. قال الحافظ: ولكنْ الذي نقله الطحاوي وغيره الجواز بقدر
فَقَالَ لَهُ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ (1) .
412 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا نَتَجَتِ (2) البَدَنة فلْيَحْمِلْ (3) وَلَدُهَا مَعَهَا حَتَّى يُنْحر مَعَهَا، فإنْ لَمْ يَجِدْ (4) لَهُ مَحْمَلا فلْيَحْمِلْهُ عَلَى أمِّه حَتَّى يُنحر (5) مَعَهَا.
413 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ (6) أَوْ عُمَرَ - شَكَّ مُحَمَّدٌ - (7) كَانَ يَقُولُ: مَنْ أهدى بَدَنَة فَضَلَّتْ (8)
الحاجه إلاّ أنه قال: ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه، وضمان النقص وافق عليه الشافعية في الهدي المنذور. ومذهب سادس: وهو وجوب الركوب نقله ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسُّكاً بظاهر الأمر ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة. واختلف المُجيزون: هل يحمل المهدي عليها متاعه، فمنعه مالك، وأجازه الجمهور (ونقل عياض الإِجماع على أنه لا يؤجرها. انظر فتح الباري 3/538) ، كذا في "الضياء".
(1)
زجراً له ليعلم أن الضرورات تبيح المحظورات.
(2)
يقال: نتجت الناقة ولداً على البناء للفاعل على معنى ولدت وحملت، كذا في "المصباح المنير".
(3)
صاحب البَدَنَة.
(4)
وليحيى: فإن لم يوجَدْ له محمل حمل على أمه.
(5)
وجوباً.
(6)
في موطأ يحيى عن ابن عمر من غير شك.
(7)
يعني المصنف نفسه.
(8)
أي الطريق.
أَوْ مَاتَتْ (1) ، فَإِنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا (2) ، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا، فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا (3) ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا (4) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَمَنِ اضْطُرَّ (5) إِلَى رُكُوبِ بَدَنَتَه فليركبْها فَإِنْ نَقَصَهَا ذَلِكَ (6) شَيْئًا تصدَّق بِمَا نَقَصَهَا (7) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
12 -
(بَابُ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ قَمْلة (8) أَوْ نحوَها (9) أَوْ ينتفُ (10) شَعْرًا)
414 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: المُحْرِمُ لا يَصْلُحُ (11) له أن
(1) قبل بلوغ المَحِلّ.
(2)
أي بمثلها - في نسخة: بدّلها -.
(3)
والأوَّل الأَوْلى.
(4)
أي لم يبدله.
(5)
بصيغة المجهول.
(6)
أي ركوبها، وحمل متاعه عليه.
(7)
أي بقيمة نقصها.
(8)
قوله: قملة، القمل والقَمْلة بالفتح فالسكون، دويّبة تتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوباً أو بدناً أو شعراً، يقال له بالفارسية (سيش) .
(9)
في نسخة: غيرها.
(10)
وكذا إذا حلق شعراً أو قطع.
(11)
أي لا يحل له.
ينتفَ (1) مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا، وَلا يَحْلِقَهُ وَلا يُقَصِّرَهُ إِلا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى (2) مِنْ رَأْسِهِ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، كَمَا أَمَرَهُ (3) اللَّهُ تَعَالَى. وَلا يحلُّ له أن أَنْ يقلمَ أَظْفَارَهُ وَلا يقتلَ قَمْلَةً، وَلا يَطْرَحَهَا مِنْ رَأْسِهِ إِلَى الأَرْضِ وَلا مِنْ جَسِدِهِ (4) وَلا مِنْ ثَوْبِهِ، وَلا يَقْتُلَ الصَّيْدَ وَلا يَأْمُرَ بِهِ (5) وَلا يَدُلَّ عَلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى.
(1) النتف (بركندن)(بالفارسية) .
(2)
أي فيحتاج إلى حلق شعره أو قصِّه.
(3)
قوله: كما أمره الله تعالى، أي بقوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نُسُكٍ} (سورة البقرة: الآية 196) والصيام مفسَّر بثلاثة أيام، والصدقة بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك بأدنى ما يُطلق عليه الهدي من غنم أو بقر أو إبل، وأو للتخيير، وهذا عند العذر كما تقرّر، وأما عند عدمه فيجب عليه دمٌ مع الإِثم (قال العيني: إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيَّب عامداً من غير ضرورة فقد حكى ابن عبد البَرّ في "الاستذكار" عن أبي حنيفة والشافعي وأصحابنا وأبي ثور أن عليه دماً لا غير وأنه لا يخيَّر إلا في الضرورة. وقال مالك: بئس ما فعل وعليه الفدية، وهو مخيَّر فيها، وقال شيخنا زين الدين وما حكاه عن الشافعي وأصحابه ليس بجيد، بل المعروف عنهم وجوب الفدية كما جزم الرافعي. عمدة القاري 10/152) .
(4)
جلده.
(5)
وكذا لا يرمي ثوبه في الشمس بقصد قتل القملة.
13 -
(بَابُ الحِجامة (1) للمُحرم)
415 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَاّ أَنْ يَضْطَرَّ (2) إِلَيْهِ (3) مِمَّا لا بُدَّ مِنْهُ (4) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ بِأَنْ يَحْتَجِمَ الْمُحْرِمُ (5) وَلَكِنْ لا يَحْلِقُ شَعْرًا. بَلَغَنَا (6) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ. وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْعَامَّةِ مِنْ فقهائنا.
(1) بالكسر: الاحتجام.
(2)
قوله: أن يضطرّ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحتجم إلا لضرورة، فإن احتجم لغير ضرورة حَرُمَت إن لزم منها قلعُ الشعر، فإن كان في موضع لا شعر فيه فأجازها الجمهور ولا فدية، وأوجبها الحسن البصري، وكرهها ابن عمر، وبه قال مالك: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة أي يُكره لأنها قد تؤدِّي لضعفه كما كره صوم عرفة للحاجّ من أنّ الصوم أخفّ من الحجامة كذا ذكره الزرقاني.
(3)
أي إلى الاحتجام.
(4)
أي مما لا فرار ولا علاج فيه إلا الحجامة.
(5)
إذا خرج الدم لا يضر اتفاقاً، ولهذا جوّزوا له الفصد إجماعاً.
(6)
قوله: بلغنا
…
إلى آخره، أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، وأخرج مالك عن سليمان بن يسار مرسلاً: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق رأسه، وهو يومئذ بلَحْي جَمل - مكان بطريق مكة - ووصله البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن بَحَينة. ولأبي داود والنسائي والحاكم عن أنس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به (قال الحافظ: الجمع بين حديثَي ابن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدّد، أشار إليه الطبري. اهـ. قلت: بل هو المتعيِّن. أوجز المسالك 6/349. قوله بلحي جمل، وقع في بعض الروايات بالتثنية وفي بعضها بالإِفراد واللام المفتوحة ويجوز كسرها والمهملة ساكنة، موضع بطريق مكة) . وفي الباب أخبار كثيرة يحصل بها الكراهة.
14 -
(بَابُ الْمُحْرِمِ يُغَطِّي (1) وَجْهَهُ)
416 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ (2) بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رأيتُ (3) عثمانَ بنَ عفان
(1) من التغطية بمعنى الستر.
(2)
ابن محمد بن عمرو بن حزم.
(3)
قوله: رأيت عثمان
…
إلى آخره، أخرجه مالك أيضاً عن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أنه قال: أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم. ويوافقه ما أخرجه الدارقطني في "العلل" عن أبان بن عثمان عن عثمان أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخمّر وجهه وهو محرم. لكن قال الدارقطني: الصواب أنه موقوف. وبهذا أخذ جماعة من الصحابة ومن بعدهم، منهم الشافعي وغيره. استدل بعضهم له بما أخرجه الشافعي من حديث إبراهيم ابن أبي حرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقص: خمّروا وجهه، ولا تخمّروا رأسه. وبما أخرجه الدارقطني في "سننه" عن ابن عمر أنه قال: إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها. واستدل أصحابنا بما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ رجلاً أوقصته راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماءٍ وسدر وكفّنوه في ثوبه، ولا تَمَسّوه طيباً، ولا تخمّروا رأسه، ولا وجهه فإنه يُبعث يوم القيامة ملبِّياً. ورواه الباقون ولم يذكروا الوجه. قال أبو عبد الله الحاكم في كتاب "علوم الحديث" ذكر الوجه في هذا الحديث تصحيف في الرواية لإِجماع الثقات الأثبات على ذكر الرأس، ورُدّ بأن التصحيف إنما يكون في الحروف المتشابهة، وأيُّ تشابُه
بالعَرْج (1) وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يومٍ صائفٍ (2) قَدْ غطَّى (3) وَجْهَه (4) بقَطيفة (5)
بين الوجه والرأس في الحروف، هذا على تقدير أن لا يذكر في الحديث غير الوجه، فكيف وقد جمع بين الرأس والوجه والروايتان عند مسلم؟ ففي لفظ اقتصر على الوجه وفي لفظ جمع بينهما. واستدلوا أيضاً بقول ابن عمر: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمّره المحرم. هذا كله في الرجل، وأما المرأة، فأخرج البخاري من حديث نافع عن ابن عمر: لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القُفّازين. ورواه مالك موقوفاً على ابن عمر. وله طرق في البخاري موصولة ومعلَّقة، وأخرج أبو داود والحاكم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن النقاب. وأخرج أبو داود وابن ماجه عن عائشة قالت: كان الرُّكبان يمرّ بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حَاذَوْنا سدَلَتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا. وهو محمول على توسيط شيء حاجب بين الوجه وبين الجلباب.
وفي الباب آثار وأخبار مبسوطة في "تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي، و"تخريج أحاديث الرافعي" لابن حجر.
(1)
بعين مهملة مفتوحة فرَاء ساكنة فجيم، موضع بطريق المدينة.
(2)
أي من أيام الصيف.
(3)
قوله: قد غَطَّى وجهه، قال الزرقاني: إنه كان يرى جائزاً. وكذا ابن عباس وابن عوف وابن الزبير وزيد بن ثابت وسعيد وجابر، وبه قال الشافعي. وقال ابن عمر: يحرم تغطية الوجه، وبه قال مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وفيه الفدية على مشهور المذهب، ولا يجوز تغطية الرأس إجماعاً.
(4)
قوله: وجهه، قال الباجي: يحتمل أن يكون فَعَل ذلك لحاجة إليه، أي لضرورة دعت إليه، وأن يكون في رأيه مباحاً. وقد خالفه غيره، فقالوا: لا يجوز.
(5)
قوله: بقطيفة، هي دثار له خَمْل. والدِّثار ما يتدثر به الإِنسان أي ما يتلفّف فيه من كساء أو غيره.