الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأُضْحِيَةِ وَالْهَدْيِ (1) مُتَفَرِّقِينَ (2) كَانُوا أَوْ مُجْتَمِعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ (3) وَاحِدٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله.
5 - (بَابُ الذَّبَائِحِ)
639 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلا (4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي الجَزور عشرة، محمول على الاشتراك في القيمة، لا في التضحية، على أن البيهقي قال: حديث جابر في اشتراكهم في الجَزور سبعة أصح، كذا ذكره ابن حجر في "تخريج أحاديث الهداية" والعيني في "البناية".
(1)
قوله: والهدي، أي هدي الحاج المحصر وغيره لحديث جابر فإنه نص فيه، والأضحية بمعناه.
(2)
أي سواء كان السبعة متفرقين من الأجانب أو مجتمعين.
(3)
قوله: من أهل بيت واحد أو غيره، أي من بيوت متعدِّدة، وفيه إشارة إلى الرد على ما حكاه بعض أصحابنا عن مالك أنه جوَّز اشتراك أهل بيت واحد وإن زادوا على السبعة ولم يُجِزْ اشتراك أهل بيتين وإن كانوا أقل. والذي يُفهم من "موطأ يحيى" وشرحه أنه يجوز الاشتراك في البقر والإِبل والغنم في الأجر بأن يذبحه أحد منهم ويُشركهم في الأجر، وفي هدي التطوع لا في الأضحية الواجبة والهدي الواجب، وحمل حديث جابر على الاشتراك في الأجر فإن المحصر بعدو لا يجب عليه عنده هدي فكان الهدي الذي نحروه تطوّعاً، لكن لا يخفى على ناظر كتب الحديث أن صريح بعض الأحاديث تردّه.
(4)
قوله: أن رجلاً، أي من الأنصار من بني حارثة كما في "موطأ يحيى"، قال ابن عبد البر: هو مرسل عند جميع رواة "الموطأ" ووصله أبو العباس محمد بن
كَانَ يَرْعَى َلِقْحةً (1) لَهُ بأُحُدٍ (2) ، فَجَاءَهَا (3) الموتُ فَذَكَّاهَا (4) بشِظَاظ (5) ، فَسَأَلَ (6) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِهَا، فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهَا كُلُوهَا (7) .
640 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا (8) نَافِعٌ، عَنْ رجل من الأنصار،
إسحاق السراج من طريق أيوب، والبزار من طريق جرير بن حازم كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً
…
(1)
بكسر اللام وفتحها: ناقة ذات لبن، كذا ذكره السيوطي في "التنوير".
(2)
بضمتين: جبل عظيم بقرب المدينة.
(3)
أي قَرُب موتها، وجاءت مقدماته.
(4)
بتشديد الكاف: أي ذبحها.
(5)
قوله: شظاظ، بكسر الشين المعجمة وإعجام الظائين: العود المحدَّد الطَرَف. وفُسِّر في بعض طرق الحديث بالوتد، كذا في "التنوير".
(6)
في رواية: فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسأله فأمره بأكلها.
(7)
أمر إباحة: إشارة إلى إباحة أكل ما ذبح المحدَّد.
(8)
قوله: أخبرنا نافع، أي مولى ابن عمر عن رجل من الأنصار إلخ، روى البخاري هذا الحديث عن المقدمي عن معمر عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع أنه سمع ابن كعب بن مالك يخبر ابن عمر أن أباه أخبره أن جارية لهم كانت ترعى غنماً بسلع، فأبصرت بشاةٍ موتاً، فكسرت حجراً، فذبحتها فقال كعب لأهله: لا تأكلوا حتى آتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتاه أو بعث إليه من سأله، فأمره بأكلها. ثم روى من طريق جويرية عن نافع عن رجل من بني سلمة أخبر عبد الله بن عمر أن جارية لكعب بن مالك ترعى غنماً
…
الحديث. وابن كعب المذكور في الرواية
أَنَّ مُعَاذَ بْنَ سَعْدٍ (1) أَوْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ جَارِيَةً (2) لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بسَلْع (3) فَأُصِيبَتْ (4) مِنْهَا شَاةٌ، فَأَدْرَكَتْهَا (5) ، ثُمَّ ذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فسُئل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهَا كُلُوهَا (6) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ كُلُّ شَيْءٍ أَفْرَى (7) الأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدم
الأولى هو عبد الله بن كعب، جزم به المِزِّي في "الأطراف" ورجح الحافظ ابن حجر أنه عبد الرحمن بن كعب، وقال الدارقطني: رواه الليث عن نافع سمع رجلاً من الأنصار يخبر عبد الله، وقيل فيه عن نافع عن ابن عمر، ولا يصح، والاختلاف فيه كثير، وقد اختلف فيه على نافع وأصحابه، قال الحافظ في "مقدمة فتح الباري": هو كما قال.
(1)
قال الزرقاني: كذا وقع الشك. وذكر معاذ بن سعد بن مندة وأبو نعيم في الصحابة، قاله في "الإِصابة".
(2)
قال ابن حجر في "مقدمة الفتح": لا يُعرف اسمها.
(3)
بفتح السين وسكون اللام: جبل بالمدينة.
(4)
أي جاءته مقدمات الموت.
(5)
الجارية.
(6)
يُستنبط من الحديث جواز ذبيحة المرأة بلا كراهة.
(7)
قوله: أفرى الأوداج، الإفراء القطع، والأوداج جمع وَدَج - بفتحتين - وهي عروق تحيط بالحلق، والإِنهار الإسالة، كذا ذكره العيني، وفي هذا التعبير إشارة إلى ما ورد:"أنهِر الدم بما شئت" متفق عليه من حديث عدي، وفي رواية لهما من حديث رافع: ما أنهر الدم، وذُكر اسم الله عليه فكلوا. وفي رواية ابن أبي شيبة عن رافع: كلُّ ما أفرى الأوداج إلا سنّاً أو ظفراً.
فَذَبَحْتَ بِهِ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ إِلا السنَّ وَالظُّفْرَ وَالْعَظْمَ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَنْ تُذبح (1) بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
641 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: مَا ذُبح (2) بِهِ إِذَا بَضّع (3) فَلا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضطُررت (4) إِلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا بَأْسَ بِذَلِكَ كلِّه عَلَى مَا فسّرتُ (5)
(1) بصيغة المجهول أو المعروف المخاطب.
(2)
بصيغة المجهول.
(3)
قوله: إذا بَضّع، بفتح الباء وتشديد الضاد وتخفيفها أي قطع.
(4)
قوله: إذا اضطررت (قال صاحب " المحلّى": بأن لم تجد السكِّين خرج مخرج الغالب لأن الإنسان لا يعدل من المدية ونحوها إلى القضيب إلا إذا لم يجدها. انتهى. انظر: الأوجز 9/136) إليه، بصيغة المجهول المخاطب. الظاهر أنه محمول على ذكاة الاضطرار، فإن ذكاة الاختيار هو قطع الأوداج، وذكاة الضرورة جرح في البدن أينما كان وهو لا يحلّ عند القدرة على ذكاة الاختيار، بل بحالة عدم القدرة عليه، فمعنى قوله ما ذبح به
…
إلخ: أنّ ما يُذبح به إذا قطع موضعاً من مواضع الحيوان فلا بأس به إذا اضطر إليه، وإن لم يضطر إليه لا يجوز ذلك. وحمله الزرقاني على أن معنى البضع قطع الحلقوم والودجين وأنّ قوله إذا اضطرت إليه متعلق بتعميم مستفاد من كلمة "ما" أي ما ذبح به إذا قطع الأوداج، وإن كان غير حديد فلا بأس به إذا اضطررت إليه وإلا فالمستحب الحديد المشحوذ لحديث وليُحدّ شفرتّه.
(5)
أي بيّنتُ سابقاً.
لَكَ، وَإِنْ ذُبِحَ بِسِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ مَنْزُوعَيْنِ (1) فَأَفْرَى الأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ أُكل (2) أَيْضًا. وَذَلِكَ (3) مكروه، فإن كانا منزوعين (4) فإنما (5) قتلها
(1) أي مقلوعين عن موضعهما.
(2)
قوله: أكل أيضاً، لعموم الأحاديث التي مرّ ذكرها. ولأنّ كلاًّ من السنّ والظفر وكذا القرن والعظم آلة جارحة تخرج الدم فيحصل ما هو المقصود. وذكر العيني أن حلة أكل ما ذبح بالسن وغيره مذهب مالك (قال ابن رشد في البداية 2/484: أجمع العلماء على أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج من حديد أو صخر أو غيرهما أن التذكية به جائزة، واختلفوا في ثلاثة: في السن والظفر والعظم، ولاخلاف في المذهب أن الذكاة بالعظم جائزة إذا أنهر الدم، واختلف في السن والظفر على الأقاويل الثلاثة أعني بالمنع مطلقاً، وبالفرق بين الانفصال والاتصال، وبالكراهة لا المنع) أيضاً. وقال الشافعي وأحمد: المذبوح به ميتة لحديث رافع بن خديج مرفوعاً: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سِنّاً أو ظفراً، سأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم. وأما الظفر فمُدى الحبشة" أخرجه الأئمة الستة وهو محمول عندنا على غير المنزوع فإن الحبشة كانوا يفعلون كذلك إظهاراً للجلادة.
(3)
قوله: ذلك، أي ذلك الفعل يعني الذبح بالسن والظفر مكروه، أما السن فلأنّه عظم وهو زاد إخواننا من الجن، فيجب الاحتزار عن تنجيسه، ولهذا مُنع عن الاستنجاء به وذلك متصوَّر في الذبح وأما الظفر فلأنّ فيه تشبّهاً بالحبشة.
(4)
بل قائمين في موضعهما.
(5)
قوله: فإنما قتلها قتلاً، قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار": قد روي في هذا عن ابن عباس ما قد حدثنا به سليمان بن شعيب، نا الحصيب بن ناصح، نا أبو الأشعث عن أبي العطاردي قال: خرجنا حُجّاجاً فصاد رجل من القوم أرنباً فذبحها بظفره، فأكلوها ولم آكل معهم، فلما قدمنا المدينة سألتُ ابنَ عباس،
قَتْلًا (1) فَهِيَ مَيْتَةٌ لا تُؤْكَلُ. وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
6 -
(بَابُ الصَّيْدِ وَمَا يُكره أَكْلُهُ مِنَ السِبَاع (2) وَغَيْرِهَا)
642 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلاني (3)، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ (4) الخُشَني: أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أَكْلِ كلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.
643 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ
فقال: لعلك أكلتَ معهم؟ فقلت: لا. قال: أصبت إنما قتلها خنقاً. أفلا يرى أن ابن عباس قد بيّن في حديثه هذا المعنى الذي حَرُم به أكل ما ذُبح بالظفر أنه الخنق لأن ما ذُبح به فإنما ذُبح بكفّ فهو مخنوق، فدل ذلك على أنه إنما نُهي عن الذبح بالظفر المركب في الكف لا المنزوع وكذلك ما نُهي عنه مع ذلك من الذبح بالسن فإنما هو على السن المركبة في الفم لأن ذلك يكون عضّاً، فإما السِنّ المنزوعة فلا. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
(1)
أي هو ليس بذبح شرعي.
(2)
جمع سبُع بضم الباء وإسكانها: الحيوان المفترس، ذكره الدَّميري.
(3)
بفتح الخاء نسبة إلى خَوْلان، قبيلة بالشام، اسمه عائذ الله، ذكره السمعاني.
(4)
قوله: عن أبي ثعلبة، هو جرهم، وقيل: جرثوم بن ناشب، وقيل ابن ناشم، وقيل: اسمه عمرو بن جرثوم، وقيل: غير ذلك، كان ممن بايع تحت الشجرة وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا، ونزل الشام، ومات في زمن معاوية وقيل: في زمن عبد الملك سنة 75، كذا في "الاستيعاب". ونسبته إلى خُشين بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المعجمة، قبيلة من قضاعة، ذكره السمعاني.
عَبِيْدَة (1) بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ (2) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: أكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. يُكره (3) أَكْلُ كلِّ ذِي نَابٍ (4) مِنَ السِّبَاع وكُلِّ ذِي مِخْلب مِنَ الطَّيْرِ، ويُكره مِنَ الطَّيْرِ أيضاً (5) ما يأكل
(1) بفتح العين ثقة وثقة النسائي والعجلي، كذا في "الإِسعاف".
(2)
بفتح الحاء وسكون الضاد نسبة إلى حضرموت من بلاد اليمن، ذكره السماني.
(3)
أي يحرم.
(4)
قوله: أكل كلِّ ذي ناب، هو الذي يفترس بأنيابه ويعدُو كالأسد والذئب والفهد وغير ذلك، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، وعن بعض أصحاب مالك مباح، وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير لعموم قوله تعالى:{قل لا أجد فيما أَوْحِيَ إلَيّ محرَّماً} (سورة الأنعام: الأية 145) ، وكذا لا يجوز ذو مخلب من الطير - بكسر الميم - هو للطائر كالظفر للإنسان كالصقر والشاهين والعقاب، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم وقال مالك والليث والأَوْزاعي: لا يحرم من الطير شيء، وقد ورد النهي عن أكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير من حديث ابن عباس أخرجه مسلم وأبو داود والبزار، وخالد بن الوليد أخرجه أبو داود، وعلي بن أبي طالب أخرجه أحمد في مسنده، وجابر أخرجه الكرخي في "مختصره". وورد من حديث أبي ثعلبة عند الأئمة الستة وأبي هريرة عند مسلم وغيره: النهي عن ذي ناب من السباع، وهذه الروايات حجة على من حكم بخلافها، وألحق أصحابنا بسباع البهائم سباعَ الطير، كذا في "البناية" للعيني.
(5)
لدخوله في قوله تعالى: {ويُحَرِّم الخبائث}