الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الْحَجِّ
(1))
1 - (بَابُ الْمَوَاقِيتِ
(2))
379 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (3) : يُهلُّ (4) أهلُ (5) الْمَدِينَةِ مِنْ ذي الحُلَيْفة (6) ، ويُهِلُّ أهلُ الشام (7)
(1) بفتح الحاء والكسر، في اللغة: القصد، وفي الشرع: زيارة أماكن مخصوصة بأفعال مخصوصة.
(2)
جمع للميقات مكان الإِحرام. حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل: أيُّ سنةٍ وَقَّت رسول الله المواقيت؟ فقال: عام حجّ، كذا في "التوشيح".
(3)
وللبخاري: أنَّ رجلاً قام في المسجد، فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهلَّ؟ فقال: يهلُّ إلى آخره، بصيغة الخبر مراداً به الأمر.
(4)
مِنْ أَهَلَّ المُحرم: رفع صوته عند الإِحرام. وكلُّ من رفع صوته فقد أهلَّ، كذا في "المصباح".
(5)
أي حقيقةً أو حكماً ومن حولهم من أهل الشرق.
(6)
قوله: من ذي الحُلَيْفة، بضمِّ الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء المثنّاة من تحت وبالفاء، هو على نحو ستة أميال من المدينة، وقيل: سبعة أو أربعة، كذا في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي رحمه الله.
(7)
زاد النسائي من حديث عائشة: ومصر، وزاد الشافعي في روايته: والمغرب، والمصريون الآن يُحرمون من رابغ - براء وموحَّدة وعين معجمة - قرب الجُحفة لكثرة حُمّاها، فلا ينزلها أحد إلَاّ حُمّ، كذا ذكره الزرقاني.
مِنَ الجُحْفة (1) ، ويُهلُّ أهلُ نَجْدٍ (2) مِنْ قَرْن (3) .
قال ابنُ عمر: ويزعُمُون (4)
(1) قوله: من الجُحْفة، بضم الجيم وإسكان الحاء، قرية كبيرة كانت عامرة، وهي على طريق المدينة على نحو سبع مراحل من المدينة، ونحو ثلاث مراحل من مكة، قرية من الهجر بينها وبينه نحو ستة أميال، قال صاحب "المطالع" وغيره: سُمِّيت جحفة لأن السيل احتجفها، وقال أبو الفتح الهمداني: هي فعلة من جحف السيل اجتحف: إذا اقتلع ما يمر به من شجر أو غيره، وهذا من باب العرفة كما تقول عرفت عرفة بالفتح، وما تعرفه عرفة، كذلك جحف السيل جحفة، بالفتح، والمجحوف جحفة، بالضم، كذا في "تهذيب الأسماء واللغات".
(2)
وكذا أهل الطائف ومن حولهم من أهل الشرق. قوله: أهل نجد: كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد ههنا التي أعلى تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق، قاله الزرقاني.
(3)
قوله: من قرن، بفتح القاف وسكون الراء. وفي حديث ابن عباس في الصحيحين: قرن المنازل. وضبط الجوهري بفتح الراء، وغلَّطوه، وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وفي نسبة أُوَيس القرني إليه، وإنما هو منسوب إلى قبيلة بني قرن بطن من مراد، لكن حكى عياض أن من سكَّن الراء أراد الجبل، ومن فتح أراد الطريق. والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان، كذا في "شرح الزُّرقاني".
(4)
قوله: ويزعمون
…
إلى آخره، للبخاري من طريق الليث عن نافع، عن ابن عمر: لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي "الصحيحين" عن سالم عن أبيه، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - ولم أسمعه -: ويُهِلُّ أهل اليمن من يلملم. وهو من استعمال الزعم على القول المحقَّق، وهو يُشعر بأنَّ الذي بلَّغ ذلك ابنَ عمر جماعة، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في "الصحيحين"، وجابر عند مسلم إلَاّ أنه
أَنَّهُ (1) قَالَ: ويُهلُّ أهلُ اليَمَن مِنْ يَلَمْلَم (2) .
380 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا (3) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أنه قال: قال
قال: أحسبه رفعه، وعائشة عند النسائي، والحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي (انظر أوجز المسالك 6/217) .
(1)
أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
قوله: من يلملم، بفتح الياء واللامين وإسكان الميم بينهما، ويُقال فيه ألملم بهمزة، هو على مرحلتين من مكة. وفي "شرح مسلم" لعياض: هو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكّة، كذا في "تهذيب الأسماء".
(3)
قوله: أخبرنا عبد الله بن دينار
…
إلى آخره، قال الزرقاني: هذا الحديث تابع فيه مالكاً إسماعيلُ بن جعفر عند مسلم، وسفيان بن عيينة عند البخاري في "الاعتصام". كلاهما عن ابن دينار به، وزاد فذكر العراق فقال أي ابن عمر: لم يكن عراق يومئذٍ، ولأحمد عن صدقة فقال له قائل: فأين العراق؟ فقال: لم يكن يومئذ عراق. وروى الشافعي عن طاوس لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذٍ أهل المشرق. وكذا قال مالك في "المدوَّنة" والشافعي في "الأم" فميقات ذات عرق لأهل العراق ليس منصوصاً عليه، وإنما أُجمع عليه، وبه قطع الغزالي والرافعي في "شرح المسند" والنووي في "شرح مسلم"، ويدل له ما في البخاري: أنَّ أهل العراق أتَوْا عمر، فوقَّت لهم ذات عرق، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "شرح المهذب" أنه منصوص. وفي مسلم من طريق ابن جُريج عن أبي الزبير عن جابر: ومُهَلّ أهل العراق ذات عرق، إلاّ أنه مشكوك في رفعه لأن أبا الزبير قال: سمعت جابراً قال: سمعت أحسبه رفع، لكن قال العراقي: قوله أحسبه أي أظنه والظن في باب الرواية يتنزَّل منزل اليقين، وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة، وابن ماجه
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أهلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلّوا (1) مِنْ ذِي الحُلَيفة وأهلَ الشَّامِ مِنَ الجُحفة، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا هَؤُلاءِ الثَّلاثِ (2) فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ الْيَمَنِ فَيُهِلُّونَ مِنْ يَلْمَلَمَ.
381 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَحْرَمَ (3) مِنَ الفُُرْع (4) .
382 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي الثقة (5) عندي: أن ابنَ عمر
من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكّا في رفعه، وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة، وعن الحارث قالا: وقَّت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ العراق ذات عرق، قال الحافظ: فهذا يدل على أنَّ للحديث أصلاً (انظر فتح الباري 3/389 و 390) .
(1)
وميقات المكِّي ومَن بمعناه للحج الحرم وللعمرة الحل.
(2)
أي المواضع الثلاثة.
(3)
أي مرة.
(4)
قوله: من الفُرع، بضم الفاء والراء وبإسكانها، موضع بناحية المدينة، يقال: هي أول قرية مارت إسماعيل وأمّه التمر بمكة، قال ابن عبد البر: محمله عند العلماء أنه مرَّ بميقات لا يُريد إحراماً ثم بدا له فأهلَّ منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثمَّ بدا له في الإِحرام كما قاله الشافعي وغيره. وقد رَوى حديث المواقيت ومُحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه ما عليه دم.
(5)
قيل: هو نافع، كذا ذكره الزُّرقاني.
أَحْرَمَ (1) مِنْ إِيلِيَّاءَ (2) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، هَذِهِ مَوَاقِيتُ (3) وقَّتها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي (4)
(1) قوله: أحرم (في جمع الفوائد برواية مالك أن ابن عمر أهلَّ بحجة من إيلياء. أوجز المسالك 6/224) من إيلياء، أي عام الحَكَمين، لما افترق أبو موسى وعمرو بن العاص من غير اتفاق بدُومة الجندل، فنهض ابن عمر إلى بيت المقدس فأحرم منه كما رواه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما مع كونه روى حديث المواقيت، فدلَّ على أنه فهم أن المراد منع مجاوزتها حلالاً، لا منع الإِحرام قبلها، وأما الكراهة فلعلَّة أخرى، هي خوف أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته ما يفسد إحرامه. وأما قصيرها فلما فيه من التباس الميقات والتضليل عنه، وهذا مذهب مالك وجماعة من السلف (قال مالك وأحمد وإسحاق: إحرامه من المواقيت أفضل، وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وآخرون: الإِحرام من المواقيت رخصة. انظر عمدة القاري 5/141) ؟ فأنكر عمر على عمران بن حصين في إحرامه من البصرة، وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات، قال ابن عبد البر: وهذا من هؤلاء - والله أعلم - كراهة أن يضيِّق المرء على نفسه ما وسَّع الله عليه، وأن يتعرض لما لا يؤمَن أن يحدث في إحرامه، وذهب جماعة إلى جوازه من غير كراهة. وقال به الشافعية، كذا في "شرح الزرقاني".
(2)
بكسر أوله ممدوداً ومخفَّفاً، وقد تُشدَّد الياء الثانية ويُقصر، اسم مدينة بيت المقدس.
(3)
أي أماكن موقَّتة.
(4)
أي لا يحلّ. قوله: فلا ينبغي لأحد
…
إلى آخره، لما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجاوز الميقات إلَاّ بإحرام
لأحد أن يجاوزَها (1)
(نصب الراية 1/473) ، وكذلك أخرجه الطبراني في معجمه وأخرج الشافعي والبيهقي عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يردُّ من جاوز الميقات غير محرم، وروى إسحاق بن راهويه عنه أنه قال: إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشي إنْ رجع إلى الوقت يفوت الحج، فإنه يُحرم ويهريق دماً. وبهذه الأخبار وأمثالها حرَّم الجمهور المجاوزة عن المواقيت بغير إحرام، لكن الشافعية خصُّوه بمن يريد أداء النسك، وأصحابنا عمَّموه، وذهب عطاء والنَّخَعي إلى عدم وجوب الإِحرام من المواقيت، وقال سعيد بن جبير: لا يصح حجّه، وقال الحسن: يجب على المجاوز العَوْد إلى الميقات فإنْ لم يَعُدْ حتى تمَّ حجُّه رجع للميقات وأهلَّ منه بعمرة. وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة، قاله ابن عبد البر وغيره.
(1)
قوله: أن يجاوزَها، وأما تقديم الإِحرام عليها فجائز اتفاقاً، حكاه غير واحد. وحكى العيني في "شرح الهداية" أنَّ عند داود الظاهري إذا أحرم قبل هذه المواقيت فلا حج له ولا عمرة، وهو قول شاذ مخالف لفعل السلف وقولهم، فقد أحرم ابن عمر من بيت المقدس، بل ورد في فضله حديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان مرفوعاً: من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ووجبت له الجنة. هذا لفظ أبي داود، وفي سنده ضعف يسير، ذكره الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث شرح الرافعي"، وذكر القرطبي أنَّ إحرام ابن عمر وابن عباس كان من الشام، وإحرام عمران بن حصين من البصرة وابن مسعود من القادسية، وإحرام علقمة والأسود والشعبي من بيوتهم، وسعيد بن جبير من الكوفة رواه سعيد بن منصور، وأخرج الحاكم في "المستدرك" أنه سُئل عليّ عن قوله تعالى:{وأتمّوا الحج والعمرة لله} فقال: أن تُحرم من دويرة أهلك. وفي الباب آثار كثيرة تشهد بجواز التقديم إلَاّ أن مالكاً وأحمد وإسحاق كرهوه كما ذكره العيني وغيره، وقال أصحابنا: هو أفضل إن أَمِن من أن يقع في محظور.
إِذَا أَرَادَ (1) حَجًّا إلَاّ مُحرماً، فَأَمَّا إِحْرَامُ (2) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنَ الفُرُع وَهُوَ دون ذي الحُلَيفة إلى
(1) قوله: إذا أراد، هذا القيد غالبي، وإلَاّ فلا يحل لأحد من الآفاقي أن يجاوز الميقات بلا إحرام إذا أراد دخول الحرم سواء أراد أحد النُّسُكين أو لم يرد، خلافاً للشافعي. وأما دخوله عليه الصلاة والسلام عام الفتح بغير إحرام، فحكم مخصوص له ولأصحابه في ذلك الوقت، كذا في "شرح القاري".
(2)
قوله: فأما إحرام
…
إلى آخره، دَفْعٌ لما ورد أنه لما لم يَجُزْ مجاوزة المواقيت فكيف جاوز ابن عمر ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، وأحرم من الفُُْرع، وهو متجاوز عن ذي الحليفة، إلى جانب مكة. وحاصل الدفع أنه لا يحل المجاوزة من هذه المواقيت لمن مرَّ بها إلاّ محرماً إلاّ من كان بين يدية ميقات آخر، فإنه مخيَّر بين أن يحرم من ميقاته الأول أو من الثاني، فأهل المدينة يُخيَّر لهم بين أن يُحرموا من ذي الحليفة وهو ميقاتهم الموقَّت وبين أن يحرموا من الجُحْفة، أو من رابغ الذي هو قريب الجحفة لحديث مرفوع مرسل: من أحب أن يستمتع بثيابه إلى الجحفة فليفعل. فلا يلزمهم من مجاوزة ذي الحليفة دم، وإن كان الأفضل هو الإِحرام منه، وقد يُستدل له بما وقع في رواية البخاري وغيره من حديث ابن عباس بعد ذكر المواقيت: فهنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة. واستدل به كثير على أن الشامي إذا مرَّ بذي الحليفة لزمه الإِحرام منها ولا يؤخره إلى ميقاته الجحفة فإن أخَّر لزمه دم عند الجمهور، وحكى النووي الاتفاق عليه، ولعله بالنسبة إلى جمهور الشافعية وإلَاّ فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلاً إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى الجحفة جاز له ذلك، وبه قالت
الحنفية (وأما مذهب الحنفية في ذلك ما في "البدائع": من جاوز ميقاتاً من هذه المواقيت من غير إحرام إلى ميقات آخر جاز إلَاّ أنَّ المستحب أن يحرم من الميقات الأول، كذا في بذل المجهود 8/324) وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، كذا في "فتح الباري" وغيره.
مَكَّةَ، فَإِنَّ أَمَامَهَا (1) وَقْتٌ آخَرُ (2) وَهُوَ الْجُحْفَةُ (3) وَقَدْ رُخِّص (4) لأَهْلِ الْمَدِينَةِ أنْ يُحرموا (5) مِنَ الْجُحْفَةِ لأَنَّهَا (6) وَقْتٌ مِنَ الْمَوَاقِيتِ. بَلَغَنَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ (7) أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِثِيَابِهِ (8) إِلَى الْجُحْفَةِ فَلْيَفْعَلْ. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ، عَنْ إِسْحَاقَ (9) بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ (10) بْنِ عَلِيٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) أي قدّامها.
(2)
أي ميقات متأخر آخر.
(3)
الحاصل أن هذا رخصة والإِحرام من الميقات الأول عزيمة فلو أحرم من الجحفة فلا شيء عليه عندنا خلافاً للشافعي، كذا في "المرقاة".
(4)
أي بصيغة المجهول أي وقعت الرخصة.
(5)
سواء مرّوا على ذي الحُلَيفة أم لا.
(6)
أي الواجب أن لا يتجاوزوا عن مطلق الميقات أي عن الميقات الأول.
(7)
خطاب لأهل المدينة.
(8)
أي أن يلبس ثيابه ويؤخِّر إحرامه إلى الجحفة.
(9)
قوله: عن إسحاق بن راشد، هو أبو سليمان إسحاق بن راشد الحرّاني، وقيل الرقي مولى بني أمية، وقيل مولى عمر، روى عن الزهري وعبد الله بن حسن بن الحسن بن علي ومحمد بن علي زين العابدين أبي جعفر الباقر وغيرهم، وعنه جماعة، ذكره ابن حبان وابن شاهين في "الثقات"، ووثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم، كذا في "تهذيب التهذيب" وغيره.
(10)
أي عن أبي جعفر محمد الباقر ابن زين العابدين علي بن الحسين بن علي، ويسمى هذا السند سلسلة الذهب، قاله القاري.
2 -
(بَابُ الرَّجُلِ يُحرم فِي دُبُر (1) الصَّلاةِ وَحَيْثُ يَنْبَعِثُ (2) بِهِ بَعِيرُهُ)
383 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عمرَ كَانَ يصلِّي (3) فِي مَسْجِدِ ذِي الحُلَيفة، فَإِذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ (4) .
384 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُوسَى (5) بْنُ عُقبة، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سمع ابن عمر يقول: بيداؤكم (6)
(1) بضمتين أي بعد الصلاة.
(2)
والمراد بالانبعاث القيام والباء للتعدية أي حين يقيمه بعيره.
(3)
ركعتين سنة الإِحرام (عند مسجد ذي الحليفة وأراد بالمسجد مصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المراد بالمسجد أن هناك مسجداً بُني قبل ذلك. بذل المجهود 8/271) .
(4)
أي نوى ولبّى أو جدَّد نيَّته وتلبيته بناءً على أن الأفضل للمحرم أن يحرم عقيب صلاة سنة الإِحرام كما سيأتي من صنيعه صلى الله عليه وسلم. قوله: أحرم، اتِّباعاً لما رآه من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه: كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوتْ به الناقة قائمةً عند مسجد ذي الحُليفة أهلّ.
(5)
هو مولى آل الزبير، ويقال مولى أم خالد زوجة الزبير، ثقة، توفي سنة 141 هـ، كذا في "الكاشف".
(6)
أي مفازتكم، التي فوق عَلَمَي ذي الحليفة لمن صعد الوادي، قاله أبو عُبيد البكري، وأضافها إليهم لكونهم كذبوا لسببها.
هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ (1) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، وَمَا أهلَّ (2) رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلا مِنْ عند
(1) أتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها (ليس المراد بالكذب عمداً، بل إطلاق الكذب عليه لعدم علمهم بابتداء إحرامه صلى الله عليه وسلم من المسجد بعد الصلاة) ؟!
(2)
للحميدي عن سفيان، عن ابن عيينة: والله ما أهلَّ. وقوله: وما أهلَّ
…
إلى آخره، هذا لفظ مالك، وأما لفظ سفيان فأخرجه الحُمَيدي في مسنده بلفظ: هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ من عند المسجد مسجد ذي الحليفة. ولمسلم من طريق آخر بلفظ: كان ابن عمر إذا قيل له الإِحرام من البيداء؟ قال: البيداء التي تكذبون فيها
…
إلى آخره، إلَاّ أنه قال: ما أهلَّ إلَاّ من عند الشجرة حين قام به بعيره. وسيأتي للمصنف - أي البخاري - بلفظ: أهلَّ النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمةً، أخرجه من طريق صالح بن كيسان عن نافع، عن ابن عمر. وكان ابن عمر ينكر على ابن عباس قوله في روايته في "صحيح البخاري" بلفظ: ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل، فهذه ثلاث روايات ظاهرها التدافع، وقد أزال الإِشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس (حديث ابن عباس وإن ضعَّفه النووي وغيره، لكن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم مفسر في الباب، وأقرَّه عليه الذهبي، وقال ابن الهُمام: بعد ما بسط الكلام: الحق أن الحديث حسن، فزال الإِشكال. أوجز المسالك 6/236) : عجبتُ لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله، فذكر الحديث، وفيه: فلما صلّى في مسجد ذي الحُلَيفة ركعتين أوجب من مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ منهما، فسمع منه قومٌ فحفظوه، ثم ركب فلما استقلَّت به راحلته أهل، فأدرك ذلك قوم لم يشهدوه في المرة الأولى، فسمعوه حين ذاك، فقالوا: إنما أهلَّ حين استقلت به راحلته، فلما علا شَرَفَ
الْمَسْجِدِ (1) مَسْجِدِ ذِي الحُلَيفة.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا (2) نَأْخُذُ يُحْرِمُ الرَّجُلُ إِنْ شَاءَ فِي دُبُرِ صَلاتِهِ وَإِنْ شَاءَ حِينَ يَنْبَعِثُ بِهِ بَعِيرُهُ، وكلٌّ حَسَن (3) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ من فقهائنا.
البيداء أهلَّ، وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه، فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مُصَلاّه وأيم الله، ثم أهلَّ ثانياً وثالثاً، كذا في "فتح الباري".
(1)
أي بعد فراغه من صلاته.
(2)
أي بما ذكر من الحديثين.
(3)
قوله: وكلٌّ حسن، والأحسن هو الأول عند أئمتنا الثلاثة كما حكاه الطحاوي خلافاً للمالكية والشافعية، فإن الأفضل عندهم أن يُهِلَّ إذا بعثت به راحلته أو توجَّه لطريقه ماشياً (وكذا جمع بين مذهبيهما الزرقاني 2/244. وفرَّق الباجي بينهما فقال: ذهب مالك وأكثر الفقهاء إلى أن المستحب أن يهلَّ الراكب إذا استوت به راحلته قائمة، وقال الشافعي: يُهل إذا أخذت ناقته في المشي، وقال أبو حنيفة: يُهل عقيب الصلاة شرح الباجي 1/208. وما حكوا من مذهب مالك يأبى عنه كلام الدردير إذ صرح بأولولية الإِحرام في أول المواقيت إلَاّ في ذي الحليفة ففي مسجدها، كذا في الأوجز 6/235) ، ذكره في "ضياء الساري".
3 -
(بَابُ (1) التَّلْبِيَةِ (2))
385 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أنَّ تَلْبِيَةَ (3) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ (4) اللَّهم (5) لَبَّيْكَ (6) ، لبَّيك لا شريك لك لبيك، إن
(1) قوله: باب التلبية، قال ابن عبد البر: قال جماعة من العلماء: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذّن في الناس بالحجّ، قال الحافظ: هذا أخرجه عبد بن حُميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد، وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن مَنيع في "مسنده" وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس، قال: لما فرغ إبراهيم عليه الصلاة والسلام من بناء البيت قيل له أذِّنْ في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلّغ صوتي؟ قال: أذِّن، وعليّ البلاغ، فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كُتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق، فسمعه مَن ما بين السماء والأرض، أفلا تَرَوْنَ الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبّون. ومن طريق ابن جريج عن عطاء عنه، وفيه: فأجابوه في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأوّل من أجابه أهل اليمن (انظر فتح الباري 3/409. وفيه ابن المنير في الحاشية: وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأنّ وفوده على بيته إنما كان باستدعاءٍ منه سبحانه وتعالى .
(2)
مصدر لبّى يلبِّي إذا أجاب بلبَّيْك، ومعناه أجبتك إجابةً بعد إجابة، على أن التلبية بحذف الزوائد للتكثير.
(3)
أي التي كان يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينقص منها.
(4)
اشتقاقه من لبّ بالمكان إذا أقام به ولزمه.
(5)
أي يا الله أجبناك في ما دعوتَنا.
(6)
قوله: لبيك، قال القاري: كرره للتأكيد أو أحدهما في الدنيا والآخر في
الحمدَ (1) وَالنِّعْمَةَ (2) لَكَ وَالْمُلْكَ (3) لا شَرِيكَ لَكَ (4)، قَالَ (5) : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ (6) وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ (7) والرغباء (8)
الأخرى. أو كرره باعتبار الحالين المختلفين من الغنى والفقر والنفع والضرر والخير والشر، أو إشارةً إلى وقوع أحدهما في عالم الأرواح والآخر في عالم الأشباح.
(1)
قوله: إنَّ، رُوي بكسر الهمزة، وهو الأكثر والأشهر، وبفتحها على أن "إنّ" للتعليل.
(2)
أي المنحة مختصة بكرمك وجُودك. قوله: والنعمة، المشهور فيه النصب، وجوّز القاضي عياض الرفع على الابتداء. والخبر محذوف، قال ابن الأنباري: وإنْ شئتَ جعلتَ خبر إنّ محذوفاً، تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرّةٌ لك، كذا في "ضياء الساري" شرح "صحيح البخاري".
(3)
قوله: والملك، بالنصب أيضاً على المشهور، ويجوز الرفع، قال ابن المنير: قرن الحمد والنعمة، وأفرد المُلك، لأن الحمد متعلِّق بالنعمة، ولهذا يقال: الحمد لله على نعمه، والملك مستقل.
(4)
كرّره للتأكيد.
(5)
أي نافع.
(6)
أي مساعدة لطاعتك بعد مساعدة.
(7)
في نسخة: بيديك لبيك. قوله: بيديك، أي بتصرفك في الدنيا والأخرى. والاكتفاء بالخير مع أن الخير والشر كلاهما بيديه تأدّباً في نسبة الشر إليه أو لأن كل شر لا يكون خالياً عن خير.
(8)
قوله: والرغباء، قال المأزري: يُروى بفتح الراء والمدّ، وبضم الراء مع القصر. قال عياض: وحكى أبو علي فيه أيضاً الفتح مع القصر، ومعناه الطلب والمسألة إلى الله.
إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ (1) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، التَّلْبِيَةُ (2) هِيَ التَّلْبِيَةُ الأُولَى الَّتِي رُوي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا زدتَ (3) فحسنٌ (4) ،
(1) أي العمل لك خالصة.
(2)
أي المسنونة.
(3)
قوله: وما زدت، إشارة إلى أنه لا ينقص من التلبية المذكورة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه صرّح كثير من أصحابنا المتأخرين، وعلَّلوه بأنه لم يُروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم النقص منه، لكن يخدشه ما في صحيح البخاري ومسند أبي داود الطيالسي عن عائشة قالت: إني لأعلم كيف كان رسول الله يلبي، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك.
(4)
قوله: فحسن، فيه إشارة إلى أن تحديد التلبية المأثورة ليس بتحديد إلزاميٍّ لا يجوز الزيادة عليه، ولذا ثبت عن جماعة الزيادة، فمنهم ابن عمر كما أخرجه مالك، ومن طريقه الشافعي، وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، ومنهم عمر كما في صحيح مسلم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله يُهلّ ملبياً يقول: لبيك، الحديث، قال: وكان عمر يهلّ بهذا، ويزيد: لبيك اللَّهم لبيك وسعديك، والخير في يديك والرغباء إليك والعمل. وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور: كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد: لبيك مرغوباً ومرهوباً إليك ذا النعماء والفضل الحسن. وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الأسود بن يزيد أنه كان يزيد في التلبية: لبيك غفّارَ الذنوب. بل قد ثبت الزيادة على التلبية المذكورة من النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره عليها، فأخرج النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحقّ لبيك. وأخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار" وقال: هو حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة والحاكم
وهو قول (1) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
4 -
(بَابُ مَتَى تُقْطع (2) التَّلْبِيَةُ)
386 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ (3) بْنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ (4) إلى عَرَفَة: كيف كنتم
وابن حبان، وأخرج الحافظ أيضاً عن جابر: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لبيك اللَّهم لبيك. فذكرها، قال: والناس يزيدون لبيك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي يسمع فلا يردّ عليهم شيئاً، وقال: هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وأصله في مسلم في حديث جابر الطويل.
(1)
قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال الثَّوْري والأَوْزاعي حكاه الطحاوي وذكر في "فتح الباري" و"ضياء الساري" وغيرهما أنَّ ابن عبد البرّ حكى عن مالك الكراهة وحكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم نحوه. وغلطوا، بل لا يكره عنده ولا يُستحب، وحكى البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي: لا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر غير أن الاختيار عندي أن يُفرد ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر: هذا أعدل الوجوه، واحتجّ من كره بما رُوي عن سعد بن أبي وقّاص أنه سمع رجلاً يقول: لبيك ذا المعارج، فقال: إنه لذو المعارج. ولكنا كنا مع رسول الله لا نقول كذلك أخرجه الطحاوي واختار عدمَ الزيادة وقد مرَّ ما يعارضه من حديث جابر.
(2)
أي ينتهي بأن لا يُلبي بعده في الحج والعمرة.
(3)
الحجازي، الثقة، وليس له عن أنس ولا غيره سوى هذا الحديث الواحد، ذكره الزرقاني.
(4)
أي ذاهبان.
تَصْنَعُونَ (1) مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: كَانَ يُهِلّ (2) المُهِلّ، فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ (3) وَيُكَبِّرُ (4) الْمُكَبِّرُ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ.
378 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كلُّ ذَلِكَ (5) قَدْ رأيتُ الناسَ (6) يَفْعَلُونَهُ، فَأَمَّا نَحْنُ فنكبِّر.
قَالَ مُحَمَّدٌ: بِذَلِكَ (7) نَأْخُذُ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ (8) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلا أَنَّ التَّكْبِيرَ (9) لا يُنكر عَلَى حالٍ مِنَ الْحَالاتِ وَالتَّلْبِيَةِ لا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلا في موضعها (10) .
(1) أي من جهة التلبية وغيرها من الأذكار.
(2)
أي يلبِّي الملبّي.
(3)
وفي رواية موسى بن عقبة: لا يَعيب أحدنا صاحبه. وفي مسلم عن ابن عمر: غدونا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منّا الملبّي، ومنّا المكبّر.
(4)
قوله: ويكبّر المكبّر
…
إلى آخره، قال الشيخ وليّ الدين: ظاهر كلام الخطابي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل بهذا الحديث، وأن السنّة في الغدوّ من منى إلى عرفات التلبية فقط. وحكى المنذري أن بعض العلماء أخذ بظاهره، لكنه لا يدل على فضل التكبير على التلبية بل على جوازها (قال العيني: التكبير المذكور نوع من الذكر أدخله الملبِّي في خلال التلبية من غير ترك للتلبية لأن المرويّ عن الشارع أنه لم يقطع التلبية حتى رمى جمرة العقبة. انظر: أوجز المسالك 6/273) .
(5)
أي ما ذكر من التكبير والتلبية.
(6)
أي الصحابة.
(7)
أي بما سبق من استحباب التلبية بعرفات.
(8)
أي الثابتة.
(9)
ونحوه من الأذكار.
(10)
أي في محل التلبية وهو الإِحرام.
388 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَدَعُ (1) التَّلْبِيَةَ (2) إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا (3) وَالْمَرْوَةَ، ثُمَّ يلبِّي حَتَّى يَغْدُوَ (4) مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفة، فَإِذَا غَدَا (5) تَرَكَ التَّلْبِيَةَ (6) .
389 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: أن عائشة (7)
(1) أي يترك في إحرام الحج.
(2)
في نسخة: في الحج التلبية.
(3)
أي ويسعى بينهما.
(4)
أي يذهب غَداءً.
(5)
أي ذهب.
(6)
زاد يحيى: وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحَرَم.
(7)
قوله: أن عائشة....إلى آخره، مالك عن جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أنَّ عَلِيًّا كان يلبّي في الحج حتى إذا زاغت (زالت) الشمس من يوم عرفة قطع التلبية، قال مالك: وذلك (أي فعل عليّ) الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا (المدينة النبوية) . وقاله ابن عمر وعائشة وجماعة (هو قول الأوزاعي والليث. لامع الدراري 5/146) . وقال الجمهور: يلبِّي حتى يرمي جمرة العقبة لما في الصحيحين عن الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة ثم اختلفوا فقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري والشافعي: يقطعها مع أول حصاة لظاهر قوله: حتى بلغ الجمرة، وقال أحمد وإسحاق يلبِّي إلى فراغ رميها لرواية أبي داود حديث الفضل: لبَّى حتى رمى جمرة العقبة، كذا في "شرح الزرقاني".
كَانَتْ تَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ إِذَا رَاحَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ (1) .
390 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّ أُمَّهُ (2) أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَنْزِلُ بِعَرَفَةَ بنَمِرة (3) ، ثُمَّ تحوّلتْ (4) فَنَزَلَتْ فِي الأَرَاكِ (5) ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تُهِلّ (6) مَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهَا (7) وَمَنْ كَانَ مَعَهَا فَإِذَا ركبتْ وتوجّهتْ إِلَى الْمَوْقِفِ (8) تركتْ الإِهلال (9) ، وَكَانَتْ تُقِيمُ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ (10) ، فَإِذَا كَانَ قَبْلَ هِلالِ الْمُحَرَّمِ خَرَجَتْ حَتَّى تَأْتِيَ الجُحْفة (11) ، فَتُقِيمَ بِهَا حَتَّى تَرَى الهلال (12) ،
(1) بعرفة بعد الزوال.
(2)
مرجانة مولاة عائشة مقبولة الرواية.
(3)
قوله: بنمرة، أي بموضع يقال له نَمِرَة - بفتح النون وكسر الميم - وكان ذلك عملاً بالسنَّة حيث كان عليه السلام يضرب له خيمة بها، فينزل قبل زمان الوقوف فيها.
(4)
لأجل دفع المزاحمة.
(5)
موضع بعرفة قرب نمرة.
(6)
أي تلبِّي بلا رفع صوت.
(7)
الموضع الذي نزلت فيه.
(8)
بعرفة.
(9)
التلبية.
(10)
أي بعد فراغها منه.
(11)
خروجها إلى الجحفة لفضل الإِحرام من الميقات والإِحرام من التنعيم إنما هو رخصة، والميقات أفضل، قاله أبو عبد الملك.
(12)
أي هلال المحرّم.
فَإِذَا رَأَتِ الْهِلالَ أَهَلَّتْ (1) بِالْعُمْرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ أَحْرَمَ (2) بِالْحَجِّ أَوْ قَرَن (3) لَبَّى (4) حَتَّى يرمي
(1) قوله: أهلَّت بالعمرة، أي ليكون عمرتها آفاقية فإنها أفضل من أن تكون مكية لا سيما والعمرة المكية لا تصح عند طائفة.
(2)
أي مفرداً.
(3)
أي جمع بين الحج والعمرة.
(4)
قوله: لبَّى حتى يرمي الجمرة
…
إلى آخره، أصله ما ورد في البخاري وغيره من رواية الفضل: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة.
وروى ابن المنذر قال ابن حجر في "الفتح": إسناده صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: التلبية شعار الحج، فإذا كنت حاجّاً فلبِّ حتى بدء حلِّك، وبدء حلِّك أن ترمي الجمرة. وأخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار" عن عكرمة، قال: وقفت مع الحسين بن علي فكان يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة، فقلت: يا أبا عبد الله ما هذا؟ فقال: كان أبي يفعل ذلك وأخبرني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، قال: فرحت إلى ابن عباس فأخبرته، فقال: صدق، أخبرني الفضل أخي أن رسول الله لبَّى حتى رمى، وكان رديفَه. ثم أخرج حديث الفضل المذكور بطرق، ثم أخرج أن عبد الله يعني ابن مسعود كان يلبِّي حتى رمي جمرة العقبة ولم يسمع الناس يلبّون عشية عرفة، فقال: أيها الناس أنسيتُم؟ والذي نفسي بيده لقد رأيتُ رسول الله يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة. ثم أخرج من طريق آخر عن عبد الرحمن ابن يزيد: حَججتُ مع عبد الله، فلمّا أفاض إلى جمع جعل يلبِّي، فقال رجل أعرابي: هذا؟ فقال عبد الله: أنسي الناس أم ضلّوا؟ ثم أخرج بطريق آخر: أن عبد الله لبّى وهو متوجّه إلى عرفات، فقال أناس: من هذا الأعرابي؟ فقال: أضلّ الناس أم نسُوا؟ واللَّهِ ما زال رسول الله يلبِّي حتى رمي جمرة العقبة إلا أن يخلط
الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ (1) حَصَاةٍ رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ، فَعِنْدَ ذلك (2) يقطع التلبية.
ذلك بتهليل وتكبير. ثم أخرج عن ابن عباس: كان أسامة بن زيد رِدْف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة. ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى، فكلاهما قالا: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبِّي حتى يرمي جمرة العقبة. ثم أخرج عن عبد الرحمن بن الأسود قال: حججتُ مع الأسود، فلمّا كان يوم عرفة وخطب ابن الزبير بعرفة، فلما لم يسمعه يلبِّي صعد إليه الأسود، فقال: ما يمنعك أن تلبِّي؟ قال: ويلبِّي الرجل إذا كان في مثل مقامي؟ قال الأسود: نعم، سمعتُ عمر بن الخطاب يلبِّي في مثل مقامك، فلبَّى ابن الزبير. ثم قال الطحاوي: ففي هذه الآثار أن عمر كان يلبِّي بعرفة وهو على المنبر وأن عبد الله بن الزبير فعل ذلك، وبعده ابن مسعود.
فثبت بفعل من ذكرنا لموافقتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. انتهى.
(1)
روى البيهقي من حديث الفضل: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبِّي حتى رمي جمرة العقبة وكبَّر مع كل حصاة. قال البيهقي: تكبيره مع أول كل حصاة دليل على قطع التلبية بأول حصاة. انتهى.
(2)
قوله: فعند ذلك يقطع التلبية، به قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم إلا أن بعض الشافعية قالوا: يقطعها بعد تمام الرمي، لما روى ابن خزيمة عن الفضل قالت: أفضتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة، فكبّر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخرها حصاة، قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسِّر لما أبهم في الروايات الأخرى، كذا في "فتح الباري" وفيه أيضاً قالت طائفة: يقطعها المحرم إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة، وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى الموقف، وهو مروي عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعليّ بأسانيد صحيحة. وبه قال مالك، وقيَّده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث. وأشار الطحاوي إلى أنّ كلّ من رُوي عنه ترك التلبية من يوم عرفة محمول
وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ لَبَّى حَتَّى يَسْتَلِمَ (1) الرُّكْنَ لِلطَّوَافِ، بِذَلِكَ جَاءَتِ الآثَارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
5 -
(بَابُ رَفْعِ (2) الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ)
391 -
أَخْبَرَنَا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر (3) ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ (4) بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ خَلادَ (5) بْنَ السائب الأنصاري
على أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر، لا على أنها لا تُشرع، وجمع بذلك بين ما اختلف من الآثار.
(1)
قوله: حتى يستلم الركن للطواف، هو المرويّ عن ابن عباس كما أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق عبد الملك بن أبي سليمان: سُئل عطاء متى يقطع المعتمر التلبية؟ فقال: قال ابن عمر: إذا دخل الحرم. وقال ابن عباس: حين يمسح الحجر. واختلفت الرواية فيه عن ابن عمر فقال عطاء: إنه قال: إذا دخل الحَرَم. ويوافقه ما أخرجه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم، وأخرج أيضاً عن ابن شهاب: كان عبد الله بن عمر لا يلبِّي وهو يطوف بالبيت. ويخالفه ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن سيرين: كان ابن عمر إذا طاف لبّى.
(2)
أي للرجال دون النساء، فإن صوتهن عورة إلَاّ أن يكون ضرورة.
(3)
ابن محمد بن عمرو بن حزم.
(4)
قوله: عبد الملك، هو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة، مات في خلافة هشام. كذا في "تقريب التهذيب".
(5)
التابعي الثقة، ووهم من زعم أنه صحابيّ، كذا ذكره الزرقاني.
ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ (1) بْنِ الْخَزْرَجِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ (2) أَخْبَرَهُ (3)، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَمَرَنِي (4) أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَن معي (5) أن يرفعوا أصواتهم بالإِهلال بالتلبية (6) .
(1) قبيلة من الأنصار.
(2)
هو السائب بن خلاد بن سويد المدني، له صحبة، وعمل على اليمن، مات سنة 71 هـ، كذا ذكره الزرقاني.
(3)
قوله: أخبره، قال الزرقاني: هذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي، عن مالك به، وتابعه ابن جريج - كما أفاده المِزّي - وسفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه عند الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وابن حبان ورجاله ثقات وإن اختلف على التابعي في صحابيه، فقيل أبوه كما ههنا، وقيل زيد بن خالد، وقيل عن خلاد عن أبيه، عن زيد بن خالد، وقال ابن عبد البر: هذا حديث اختُلف في إسناده اختلافاً كبيراً وأرجو أنَّ رواية مالك أصح.
(4)
أمر ندب (قال ابن رشد: أوجب أهل الظاهر رفعَ الصوت بالتلبية، وهو مستحب عند الجمهور وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر هو أن تُسمع نفسها بالقول. "بداية المجتهد" 1/364) عند الجمهور ووجوب عند الظاهرية.
(5)
قوله: أو من معي، قال الزرقاني: بالشك - في رواية يحيى والشافعي وغيرهما - من الراوي إشارةً إلى أن المصطفى قال أحد اللفظين، وتجويز ابن الأثير أن الشك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نوع سهو ولا يعصم عنه ركيك متعسف. وفي رواية القعنبي: ومن معي، قال الولي العراقي: إنه زيادة إيضاح وبيان، ويحتمل أن يريد بأصحابه الملازمين له المقيمين معه في بلده وبمن معه غيرهم ممن قدم يحج معه.
(6)
عطف بيان أو المعنى في الإِحرام بها.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ (1) أَفْضَلُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
6 -
(بَابُ القِرَان (2) بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)
392 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ (3) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الأَسَدِيُّ، أنَّ (4) سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ حجَّةِ (5) الوداعِ كَانَ مِن أَصْحَابِهِ (6) مَنْ أَهَلَّ (7) بحجٍّ،
(1) من إخفاضه. قوله: أفضل، وعليه كان عمل الصحابة فأخرج البخاري عن أنس: صلّى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعاً والعصر بذي الحُلَيفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما، أي بالحج والعمرة جميعاً. وأخرج ابن أبي شيبة - قال ابن حجر: إسناده صحيح - عن بكر بن عبد الله المزني: كنت مع عبد الله بن عمر فلبّى حتى أسمع ما بين الجبلين. وأخرج أيضاً بإسناد صحيح عن المطلب بن عبد الله قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تثجّ أصواتهم. وفي الباب أخبار كثيرة وآثار شهيرة.
(2)
قوله: القران، بكسر أي الجمع بين النُّسُكين في سفر واحد، وهو أفضل عندنا، وقال مالك والشافعي: الإِفراد أفضل، وقال أحمد: التمتُّع أفضل. وسيأتي تفصيله.
(3)
هو أبو الأسود، ثقة، علاّمة بالمغازي، مات سنة بضع وثلاثين ومائة، قاله الزرقاني.
(4)
أرسله سليمان ووصله أبو الأسود عن عروة، عن عائشة.
(5)
سنة عشر من الهجرة.
(6)
وهم أكثرهم.
(7)
أي أحرم، من الإِهلال وهو رفع الصوت بالتلبية.
وَمَنْ (1) أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الحجِّ وَالْعُمْرَةِ، فحلَّ (2) مَنْ كَانَ أهلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ أهلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وبهذا نأخذ، وهو قول أي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ.
393 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عبد الله بن عمر
(1) قوله: ومن أهلَّ بعمرة، لا يخالف هذا رواية الأسود في الصحيحين عن عائشة: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا نرى إلَاّ الحجّ. وللبخاري من وجه آخر عن أبي الأسود عن عروة عنها: مُهِلِّين بالحج ولمسلم عن القاسم، عنها: لا نذكر إلَاّ الحج. وله أيضاً: ملبِّين بالحج، لأنه يُحمل على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه في ترك الاعتمار في أشهر الحج، فخرجوا لا يعرفون إلَاّ الحج، ثم بيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإِحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج، قاله الزرقاني.
(2)
قوله: فحلَّ من كان أهلَّ بالعمرة، لمّا طافوا وسعوا وحلقوا أو قصر من لم يسق هدياً بإجماع، ومن ساقه عند مالك والشافعي وجماعة قياساً على من لم يسقه، وقال أبو حنيفة وأحمد وجماعة: لا يحل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، لما في مسلم عن عائشة مرفوعاً: من أحرم بعمرة ولم يهدِ فليتحلَّل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه، ومن أهلَّ بحج فليتم حجه. وهو ظاهر في ما قالوه، وأُجيب بأن هذه الرواية مختصرة من الرواية الأخرى الآتية في "الموطأ" والصحيحين عن عائشة مرفوعاً: من كان معه هدي فيهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً، فهذه مفسرة للمحذوف، ذكره الزرقاني.
(3)
أي لم يخرجوا من الإِحرام إلَاّ بعد أن حلقوا بمنى في غير الجماع وبعد أن طافوا، في سائر المحظورات.
خَرَجَ (1) فِي الْفِتْنَةِ (2) مُعْتَمِرًا، وَقَالَ (3) : إنْ صُددتُ (4) عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا (5) كَمَا صَنَعْنَا (6) مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (7) : قَالَ (8) : فَخَرَجَ (9) فأهلَّ (10) بِالْعُمْرَةِ وَسَارَ، حَتَّى إِذَا ظَهَرَ (11) عَلَى ظهر البيداء التفتَ إلى
(1) من المدينة.
(2)
قوله: في الفتنة، حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير كما في الصحيحين من وجه آخر. وذكر أصحاب الأخبار أنه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يستخلف بقي الناس بلا خليفة شهرين، فأجمعوا، فبايعوا عبد الله بن الزبير، وتمَّ له مُلك الحجاز والعراق وخراسان، وبايع أهل الشام ومصر مروانَ بن الحَكَم فلم
يزل الأمر كذلك حتى مات مروان، وولي ابنه عبد الملك فمنع الناس الحجَّ خوفاً من أن يبايعوا ابن الزبير، ثم بعث جيشاً أمَّر عليه الحجّاج، فقاتل أهل مكة وحاصرهم حتى غلبهم، وقَتَل ابنَ الزبير وصَلَبه، وذلك سنة ثلاث وسبعين، كذا ذكره الزرقاني.
(3)
قاله جواباً لقول ولديه عبيد الله وسالم: لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما في الصحيحين.
(4)
أي مُنعت عن طوافه.
(5)
أي أنا ومن تبعني.
(6)
أي نحن الصحابة.
(7)
من التحلُّل حيث منعوه من دخول مكة بالحُدَيبية.
(8)
نافع.
(9)
ابن عمر.
(10)
زاد في رواية جويرية: من ذي الحليفة.
(11)
أي صعد.
أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إلَاّ وَاحِدٌ (1) ، أُشْهِدُكم (2) أَنِّي قَدْ أوجبتُ (3) الحجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ، وَطَافَ (4) بين الصفا والمروة سبعاً سبعاً (5) لم يَزِدْ (6) عليه،
(1) أي في الصد وعدمه والجمع أفضل فلا وجه لاقتصاري على العمرة المفردة.
(2)
قوله: أشهدكم، لم يكتفِ بالنية ليعلم من اقتدى به أنه انتقل نظره للقِران لاستوائهما في حكم الحصر.
(3)
أي أدخلتُ عليها، وجمعتُ بينهما.
(4)
قوله: طاف به، طوافاً واحداً لقرانه بعد الوقوف بعرفة، وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور، وقال أبو حنيفة والكوفيون: على القارن طوافان وسعيان. وأوَّلوا قوله طوافاً واحداً على أنه طاف لكلٍّ منهما طوافاً يُشبه الطواف الآخر، ولا يخفى ما فيه، ويردُّه قوله: ورأى ذلك مُجزياً - بضم الميم وسكون الجيم وكسر الزاي بلا همز - كافياً عنه، كذا ذكره الزرقاني.
(5)
قيد لكلٍّ منهما أو للثاني وأطلقه الأول لظهور أمره.
(6)
قوله: لم يزد عليه، أي على الطواف الواحد والسعي الواحد، وفيه حجة للأئمة الثلاثة القائلين بكفاية الطواف الواحد والسعي والواحد للقارن، ويوافقهم حديث البخاري وغيره عن عائشة في بيان من حجَّ مع النبي صلى الله عليه وسلم: فطاف الذين كانوا أهلّوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلّوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى. وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً. وذكر العيني في "شرحه" أنه مذهب عطاء والحسن وطاوس. وقال مجاهد وجابر بن زيد وشُرَيح القاضي والشَّعبي والنَّخَعي والأَوْزاعي وابن أبي ليلى
وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزياً (1) عَنْهُ وَأَهْدَى.
394 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدثنا صدقة بن يسار المكِّي، قال:
وغيرهم: لا بد للقارن من طوافين وسعيين، وحكى ذلك عن عليّ وعمر والحسن والحسين وابن مسعود: انتهى ملخصاً. وأخرج الطحاوي مستدلاً لمذهب الحنفية عن أبي نصر، قال: أهللتُ بالحجِّ، فأدركتُ عليّاً، فقلت له: إني أهللت بالحج، أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة؟ قال: لا، لو كنتَ أهللتَ بالعمرة، ثم أردتَ أن تضمَّ إليها الحج ضممتَه، قلت: كيف أصنع إذا أردتُ ذلك؟ قال: تَصُبُّ عليك إداوة من ماء، ثم تحرم بهما جميعاً، وتطوف لكل واحد منهما طوافاً. وأخرج عن زياد بن مالك، عن علي وعبد الله قالا: القارن يطوف بطوافين ويسعى بسعيَيْن.
(1)
قوله: مجزياً عنه، قال في "إرشاد الساري": فيه دليل على أن القارن يجزيه طواف واحد (اعلم أن ما ورد من الروايات من قولهم: طاف لها طوافاً واحداً مؤوَّل إجماعاً، فإنه صلى الله عليه وسلم طاف أولاً عن قدومه مكة كما في حديث جابر الطويل وغيره ثم طاف بعد رجوعه من منى يوم النحر مع الاختلاف في الروايات في صلاته صلى الله عليه وسلم الظهر: أكانت بمكة أو بمنى؟ كما في حديث جابر المذكور وغيره من عدة روايات. فلا يشك أحد فضلاً عن الأئمة من هذين الطوافين، فلا بد من التأويل لكل واحد فيما ورد من لفظ "طوافاً واحداً" فهم يقولون طاف للفرض طوافاً واحداً والطواف الأول كان للقدوم، ونحن نقول طاف للحِلِّ من الإِحرامين طوافاً واحداً، والطواف الأول كان للعمرة. الكوكب الدري 2/150) . وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وقال أبو حنيفة في آخرين: عليه طوافان وسعيان، واستدل لذلك في "فتح القدير" بما رواه النسائي في "سننه الكبرى" عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري، عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال: طُفت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة فطاف لهما طوافين: وسعى سعيين، وحدثني أن عليّاً فعل ذلك، وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. قال العلامة ابن الهُمام: وحماد هذا وإن ضعَّفه الأزدي فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" فلا ينزل حديثه عن درجة الحسن مع أنه رُوي عن علي
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَدَخَلْنَا (1) عَلَيْهِ قبلَ يومِ التَّرْوِيَةِ (2) بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ (3) فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ثائرَ (4) الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ (5) إِنِّي ضَفَّرتُ (6) رَأْسِي، وأحرمتُ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَمَاذَا تَرَى (7) ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ كنتُ مَعَكَ حِينَ أحرمتَ لأمرتُكَ (8) أَنْ تُهِلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِذَا قدمتَ (9) طُفْتَ بِالْبَيْتِ (10) وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وكنتَ عَلَى إِحْرَامِكَ، لا تحلَّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى تحلَّ (11) مِنْهُمَا جَمِيعًا يَوْمَ النَّحْرِ، وتنحَرَ هَدْيك (12) . وقال
بطرق كثيرة مضعَّفة ترتقي إلى الحسن غير أنَّا تركناه واقتصرنا على ما هو الحجة بنفسه بلا ضمّ. انتهى.
(1)
أي نحن جماعة من التابعين.
(2)
هو الثامن من ذي الحجة.
(3)
أي ما يتعلَّق بمناسك الحج.
(4)
أي متفرِّق شعر رأسه لفَقْد دهنه وعدم مشطه.
(5)
هو كنية ابن عمر.
(6)
روي بالتشديد والتخفيف أي جعلته ضفائر، كل ضفيرة على حدة.
(7)
أي من الحكم.
(8)
لأن القِران أفضل من التمتع وكذا من الإفراد.
(9)
أي مكة بعد فرض إحرامك بهما.
(10)
أي للعمرة.
(11)
بعد أن ترمي الجمرة.
(12)
أي للقران.
لَهُ (1) ابْنُ عُمَرَ: خُذْ مَا تَطَايَرَ (2) مِنْ شَعْرِكَ، واهْدِ (3)، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ (4) فِي الْبَيْتِ وَمَا هَدْيَه (5) يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: هَدْيُه (6) ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ (7) هَدْيُهُ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ ابْنُ عُمَرَ، حَتَّى إِذَا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ (8) إِلا شَاةً لَكَانَ أُرى أَنْ أَذْبَحَهَا أحبَّ (9) إليَّ من أن أصوم (10) .
(1) وليحيى: فقال اليماني: قد كان ذلك، فقال ابن عمر: خذ ما تطاير من رأسك واهدِ.
(2)
أي ما تفرَّق.
(3)
أي اذبح يوم النحر التمتع.
(4)
أي من أهل العراق، كما ليحيى.
(5)
أي الواجب عليه.
(6)
أي ما يُطلق عليه الهدي من بعير أو بقرة أو شاة.
(7)
أي في جوابها.
(8)
أجمل الهدي أولاً رجاء أنه يأخذ بالأفضل، فلما اضطرَّ إلى الكلام صرح.
(9)
قوله: أحب
…
إلى آخره، هذا لا يخالف قوله:{فما استيسر من الهدي} بَدَنة أو بقرة إما لأنه رجع عنه أو لأنه قُيِّد بعدم الوجود، فمن وجد البقرة أو البدنة فهو أفضل، قال أبو عمر: وهذا أصح من رواية من روى عن ابن عمر: الصيام أحب إليَّ من الشاة، لأنه معروف من مذهب ابن عمر تفضيل إراقه الدماء في الحج على سائر الأعمال.
(10)
أي بدله ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد الرجوع.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، الْقِرَانُ (1) أَفْضَلُ، كَمَا قال عبد الله بن
(1) قوله: القران
…
إلى آخره، اختلفوا في أيُّها أفضل (أي مع الاتفاق على جواز الكل، قال النووي: اختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل، فقال الشافعي ومالك وكثيرون: أفضلها الإِفراد ثم التمتُّع ثم القِران. وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتُّع، وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القران. وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي. شرح مسلم للنووي 3/301) بحسب اختلافهم فيما فعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، فمذهب الشافعية والمالكية أنَّ الإِفراد أفضل بشرط أن يعتمر من عامه لأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أولاً، ولأن رواته أخصُّ به صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة فإن منهم جابر، وهو أحسنهم سياقاً لحجه صلى الله عليه وسلم، ومنهم ابن عمر، وقد قال: كنت تحت ناقته يمسني لُعابها أسمعه يلبِّي بالحج، وعائشة وقُربها منه واطِّلاعها على باطن أمره وعلانِيَتِه كله معروف مع فقهها، وابن عباس وهو بالمحل بالمعروف من الفقه والفهم الثاقب، ورجَّحه الخطابي أيضاً بأن الخلفاء الراشدين واظبوا عليه، قال: ولا يُظَنُّ بهم المواظبة على ترك الأفضل، وبأنه لم يُنقل عن أحد منهم أنه كره الإِفراد وقد نقل عنهم كراهة التمتُّع والقران، وبأن الإِفراد لا يجب فيه دم بالإِجماع بخلاف التمتع والقران. انتهى. قال الحافظ: وهذا ينبني على أن دم القران دم جُبران، وقد منعه من رجَّح القران، وقال: إنه دم فضل وثواب كالأضحية، وقال عياض نحو ما قاله الخطابي، وزاد: وقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه صلى الله عليه وسلم كان مفرداً، وأما رواية من روى أنه كان متمتعاً فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله: ولولا أن معي الهدي لأحللتُ، فصحَّ أنه لم يتحلل. وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لمَّا جاء إلى الوادي أي وادي العقيق، وقيل له: قل عمرة في حجة. انتهى. قال الحافظ: هذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه قديماً ابنُ المنذر وبيَّنه ابن حزم في حجة الوداع بياناً شافياً، ومهَّده المحبُّ الطبري تمهيداً بالغاً يطول ذكره، ومحصّله أنَّ كلَّ من رَوى عنه الإِفراد حمل على ما أَهَلَّ به في أول الحال، وكل من روى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكلّ من روى عنه القِران أراد ما استقر عليه أمره، ثم قال الحافظ: يترجَّح رواية من روى القران بأمور، وذكر منها: أنه لم يقل عليه السلام في شيء من الروايات أفردتُ ولا تمتعتُ، وقال: قرنت، وأيضاً فإن من روى القران لا يحتمل حديثَه التأويل إلَاّ بتأمُّل، بخلاف من روى عنه الإفراد، فإنه محمول على أول الحال، ومن روى عنه التمتع فإنه محمول على الإقتصار على سفر واحد للنسكين، وأيضاً فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابياً بأسانيد جياد، بخلاف روايتي الإفراد والتمتع، قال الحافظ: وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك، ومقتضى ذلك أن القران أفضل من الإِفراد والتمتع، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال دالثوري وأبو حنيفة وأسحاق بن راهويه، وإختاره من الشافعية المُزَني وابن المنذر وأبو إسحاق المَرْوزي، ومن المتأخرين تقيّ الدين السُبْكي، وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه وسلم تمنَّاه بقوله: لولا أني سقتُ الهدي لأحللت، ولا يتمنى إلا الأفضل وهو قول أحمد في المشهور عنه، وأُجيب عنه بأنه إنما تمناه تطييباً لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته، وإلا فالأفضل ما اختار الله له واستمرَّ عليه، وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة في الفضل سواء، وهو مقتضى تصرُّف إبن خزيمة في صحيحه، وعن أحمد: من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعله عليه السلام، ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمنّاه، ض أتباعه: ومن أراد أن يُنشئ لعمرته من بلده سفراً فالإفراد أفضل له، وهذا أعل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، كذا في (فتح الباري) و (ضياء الساري) وغيرهما من شروح صحيح البخاري، ولابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) كلام نفيس طويل في ترجيح القران بنحو عشرين وجهاً فليُرجع إليه
عُمَرَ. فَإِذَا كَانَتِ الْعُمْرَةُ وَقَدْ حَضَرَ الْحَجُّ (1) ، فَطَافَ لَهَا وَسَعَى، فليُقَصِّرْ، ثُمَّ ليُحْرِمْ بِالْحَجِّ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ حَلَقَ وَشَاةٌ تُجْزِئُهُ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
395 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ (2) بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَل بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَدَّثَنَا: أَنَّهُ سَمِع سَعْدَ بْنَ أبي وقّاس وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ (3) حَجِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التمتُّع (4) بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: لا يَصْنَعُ ذَلِكَ (5) إلَاّ مَنْ جَهِل (6) أمرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: بِئْسَ مَا قلت، قد صنعها (7)
(زاد المعاد 1/177) .
(1)
أي أشهره بأن وقع طوافه فيه وأكثره.
(2)
الهاشمي المدني مقبول، قاله الزرقاني.
(3)
قوله: عام حج، كان أول حجة حجها بعد الخلافة سنة أربع وأربعين، وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين، ذكره ابن جرير. والمراد ههنا الأولى لأن سعداً مات سنة خمس وخمسين على الصحيح، كذا ذكره الزرقاني.
(4)
في نسخة: المتعة.
(5)
أي التمتّع.
(6)
قوله: إلَاّ من جهل أمر الله، أي لأنه تعالى قال:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله} (سورة البقرة: الآية 196) فأَمْره بالإِتمام يقتضي استمرار الإِحرام إلى فراغ الحج، ومنع التحلل، والمتمتِّع يتحلَّل.
(7)
أي المتعة اللغوية، وهي الجمع بين الحج والعمرة، وحُكم القِران
رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَنَعْنَاهَا (1) معه.
والمتعة واحد قاله القاري. قوله: قد صنعها، قال الزرقاني: وروى الشيخان واللفظ لمسلم عن أبي موسى: كنت أُفتي الناس بذلك أي بجواز المتعة في إمارة أبي بكر وعمر، فإني لقائم بالموقف إذ جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك، فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين، ما أحدثتَ في شأن النسك؟ قال: إنْ تأخذ بكتاب الله، فإن الله قال:{وأتمّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ للَّهِ} وإنْ تأخذ بسنَّة نبيِّنا، فإنه لم يحل حتى نحَر الهدي، ولمسلم: فقال عمر: قد علمتَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهتُ أن تظلّوا معرِّسين بهنَّ أي النساء بالأراك (أخرجه مسلم في "باب في نسخ التحلُّل من الإِحرام" 2/896.
(معرِّسين بهنَّ في الأراك) الضمير يعود إلى النساء للعلم بهن لم يُذْكَرْن، ومعناه كرهت التمتع لأنه يقتضي التحلل وطاء النساء إلى حين الخروج إلى عرفات. انظر شرح النووي على مسلم 3/360. وقوله في الأراك، هو موضع بعرفة قرب نمرة) ، ثم تروحون في الحج تقطر رؤوسكم (أي من مياه الاغتسال المسبَّبة عن الوقاع بعهد قريب، والجملة حال) فبيَّن عمر العلّة التي لأجلها كره التمتع، وقال المأزري: قيل: المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة، وقيل: العمرة في أشهر الحج ثم الحج، قال عياض: والظاهر الأول لأنه كان يضرب الناس عليها - كما في مسلم - بناءً على معتقده أن الفسخ كان خاصّاً بالصحابة في سنة حجة الوداع، وقال النووي: المختار هو الثاني، وهو للتنزيه ترغيباً في الإِفراد ثم انعقد الإِجماع على جواز التمتُّع من غير كراهة.
(1)
قوله: وصنعناها معه، قال القاري: أي المتعة اللغوية أو الشرعية إذ تقدَّم أن بعض الصحابة تمتعوا في حجة الوداع، والحاصل أن القران وقع منه صلى الله عليه وسلم، والتمتع من بعض أصحابه وليحيى: قال: بئس ما قلتَ يا ابن أخي، فقال: الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عنها، فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
قَالَ مُحَمَّدٌ: القِران عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنَ الإِفراد (1) بِالْحَجِّ، وَإِفْرَادُ (2) الْعُمْرَةِ، فَإِذَا قَرَنَ (3) طَافَ بِالْبَيْتِ لِعُمْرَتِهِ (4) وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَطَافَ بِالْبَيْتِ لِحَجَّتِهِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، طَوَافَانِ (5) وَسَعْيَانِ أحبُّ إِلَيْنَا مِنْ طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ، ثَبَتَ ذَلِكَ (6) بِمَا جَاءَ (7) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَمَرَ الْقَارِنَ بِطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ، وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وحمه اللَّهُ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
396 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال:
وصنعناها معه. والمعنى أن هذا يكفي في الجواب إنْ كنتَ من أهل التحقيق دون أهل التقليد.
(1)
قوله: من الإفراد بالحج، قال القاري: أي مع إتيان عمرة بعده وإلَاّ فمن المعلوم أن العبادتين خير من عبادة واحدة إجماعاً، فالمعنى أن الجمع بينهما بإحرام أفضل من إتيانهما بإحرامين.
(2)
قوله: وإفراد العمرة، قالها القاري أي من إفراد العمرة في أشهر الحج وإفراد الحج بعدها فيكون متمتعاً وإلَاّ فالعمرة سُنَّة عندنا، والحج أفضل منهما إجماعاً.
(3)
بين النسكين.
(4)
أي طواف الفرض لها.
(5)
أي للنسكين.
(6)
أي التعدُّد.
(7)
مرَّ تخريجه.
افْصِلُوا (1) بَيْنَ حجِّكم وعُمرتكم، فَإِنَّهُ أَتَمُّ (2) لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الحجِّ (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْتَمِرُ الرَّجُلُ وَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ يَحُجَّ (4) وَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي سَفَرَيْنِ أَفْضَلَ مِنَ الْقِرَانِ (5) . وَلَكِنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ مُفْرَدًا وَالْعُمْرَةُ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنَ التَّمَتُّعِ (6) وَالْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ، لأَنَّهُ إِذَا قَرَنَ كَانَتْ عُمْرَتُهُ وَحَجَّتُهُ مِنْ بلده (7) وإذا تمتّع كانت حجته (8) مكيّة (9) ،
(1) فَكَرِه (قال شيخنا: والأوجه عندي أن نهي عمر كان عن متعة الفسخ والتمتع المعروف كليهما، والنهي عن الأول كان على التحريم، وهو محمل ما ورد أنه كان يضرب على ذلك. قال عياض: وما كان عمر لينهى عن التمتع، وإنما كان ينهى ويضرب على الفسخ لاعتقاده هو وغيره أنَّ الفسخ خاص بالصحابة. اهـ. والنهي عن الثاني كان بسبيل الاختيار وهو محمل رواية "الموطأ" وما في معناها، ولما حملوه أيضاً على التحريم فعل بنفسه التمتع لبيان الجواز. انظر لامع الدراري 5/157 - 158) عمر التمتُّع لئلا يترفَّه الحاج، وكان من رأيه عدم الترفُّه للحاج بكل طريق.
(2)
أي لأنه يكون كل في سفر منفرداً بناءً على أن الأجر بقدر المشقة.
(3)
وهي شوال وذو القعدة وتسع ذي الحجة.
(4)
أي في سفر آخر.
(5)
أي في سفر واحد.
(6)
أي من العمرة في أشهر الحج.
(7)
حيث أحرم بهما.
(8)
وعمرته آفاقية.
(9)
في نسخة: من مكة.