الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَلَّ وَكَانَتْ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ مَكَانَ عُمْرَتِهِ، وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
61 - (بَابُ تَكْفِينِ الْمُحْرِمِ
(1))
508 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كفَّن ابنه واقِدَ بن عبد الله وَ (2) قد مَاتَ مُحرماً بالجُحفَة (3) ، وَخمَّرَ (4) رَأْسَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نأخذُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: إِذَا (5) مَاتَ فَقَدْ ذَهَبَ الإِحرام عَنْهُ.
(1) أي إذا مات المحرم في إحرامه.
(2)
الواو حالية.
(3)
بضمِّ الجيم: موضع بين الحرمين ميقات أهل الشام وقد مرَّ ذكره في بحث المواقيت.
(4)
أي غَطّى رأسه. وفي رواية يحيى: ووجهه وقال لولا أنّا حُرُم لطيَّبناه.
(5)
قوله: إذا مات، يعني أنَّ بالموت تنقطع الأعمال، فإذا مات ذهب الإِحرام منه، فلا بأس بتخمير وجهه ورأسه كما هو المسنون في سائر الموتى أخذاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: خمِّروا وجوه موتاكم ولا تشبَّهوا باليهود، أخرجه الدارقطني بسند صالح. وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية، فقال مالك بعد رواية هذا الأثر: إنما يعمل الرجل ما دام حيّاً فإذا مات فقد انقضى العمل. انتهى. ويوافقهم حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَاّ من ثلاث: صدقة جاريه أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، أخرجه ابن ماجه. ويخالفهم ما أخرجه مسلم وغيره أن رجلاً محرماً توفي، فقال رسول الله: كفِّنوه في ثوبيه ولا تغطّوا رأسه ولا تقربوه طيباً، فإنه يُبعث مطيَّباً يوم القيامة. وفي رواية: ولا تغطّوا رأسه ووجهه. وقد مرَّ معنا ذكر هذا
62 -
(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ (1) عَرَفَةَ (2) لَيْلَةَ (3) الْمُزْدَلِفَةِ)
509 -
أَخْبَرَنَا مالك، أخبرنا نافع، أن عبد الله بن عمر كان
الحديث في "باب المحرم يُغطَّى وجهه"، وبه قالت الشافعية وغيرهم (وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر في أن المحرم على إحرامه بعد الموت، كذا في الأوجز 6/193) . وهو الأرجح نقلاً، وأجاب العيني والزرقاني وغيرهما من الحنفية والمالكية عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعله عرف بالوحي بقاء إحرامه بعد موته، فهو خاص بذلك الرجل وبأنه واقعة حال لا عموم لها، وبأنه علَّله بقوله: فإنه يُبعث ملبِّياً، وهذا الأمر لا يتحقَّق في غيره وجوده فيكون خاصّاً به ولا يخفى على المنصف أن هذا كله تعسف، فإن البعث ملبيّاً ليس بخاصّ به، بل هو عام في كل محرم حيث ورد: يُبعث كلُّ عبد على ما مات عليه، أخرجه مسلم. وورد من مات على مرتبة من هذه المراتب بُعث عليها يوم القيامة، أخرجه الحاكم. وورد أن المؤذِّن يُبعث وهو يؤذِّن، والملبِّي يُبعث وهو يلبي، أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب". وورد غير ذلك مما يدل عليه أيضاً كما بسطه السيوطي في "البدور السافرة في أحوال الآخرة". فهذا التعليل لا دلالة له على الاختصاص، وإنما عَلَّل به لأنه لمّا حَكَمَ بعدم التخمير المخالف لسنن الموتى نَبَّه على حكمه فيه، وهو أنه يُبعث ملبِّياً فينبغي إبقاؤه على صورة الملبّين. واحتمال الاختصاص بالوحي مجرَّدُ احتمال لا يُسمع، وكونه واقعة حال لا عموم لها إنما يصح إذا لم يكن فيه تعليل، وأما إذا وُجد وهو عام فيكون الحكم عامّاً، والجواب عن أثر ابن عمر يحتمل أن يكون لم يبلغه الحديث، ويحتمل أن يكون بلغه وحمله على الأولويَّة وجوَّز التخمير. ولعل هذا هو الذي لا يتجاوز الحق عنه.
(1)
أي وصل إليها.
(2)
في نسخة: عرفات.
(3)
أي في الليلة يقام فيها بمزدلفة، وهي ليلة العيد.
يَقُولُ: مَن وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ (1) فَقَدْ أَدْرَكَ (2) الْحَجَّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ.
63 -
(بَابُ مَنْ غَرُبَتْ لَهُ الشَّمْسُ فِي النَّفْرِ (3) الأَوَّلِ وَهُوَ بِمِنًى)
510 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَرَبَت لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ (4) أَيَّامِ التشريق وهو بمنى
(1) أي فجر العيد.
(2)
قوله: أدرك الحج، أي أدرك أعظم أركانه، وهو الوقوف بعرفة، وهذا حُكمٌ شُرع تسهيلاً، فإن أصل الوقوف هو ما يكون بالنهار يوم عرفة، فإن لم يتيسر له ذلك كفى وقوفه في جزء من أجزاء ليلة العيد بعرفة، وقد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أدرك معنا هذه الصلاة أي صلاة الصبح بمزدلفة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه، رواه ابن خزيمة وصححه وابن حبان وأصحاب السنن، وقال أيضاً: الحج عرفة، من أدركها قبل أن يطلع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، أخرجه أصحاب السنن، وزاد يحيى في موطأه في أثر ابن عمرو: من لم يقف بعرفة ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، وكذا روى نحوه عن عروة. وهذا يدل على أنه لا بد من الوقوف ليلاً أيضاً مع النهار حتى لو دفع من عرفة قبل غروب الشمس فاته الحج وبه قال مالك، بل عنده الوقوف في جزء من الليل أصل، والنهار تبع، وعندنا النهار أصل والليل تبع، كما بسطه العيني في "عمدة القاري".
(3)
أي يوم الانصراف الأول من منى، وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة.
(4)
هو يوم الثاني عشر.
لا ينفِرَنَّ (1) حَتَّى يَرمي الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ (2) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا (3) نَأْخُذُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة والعامة.
(1) أي لا يرجعنَّ إلى مكة.
(2)
أي من اليوم الثالث عشر.
(3)
قوله: وبهذا نأخذ، قال القاري: اعلم أن الأفضل أن يقيم ويرمي يوم الرابع وإن لم يقم نفر قبل غروب الشمس، فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يُكره أن ينفر حتى يرمي في اليوم الرابع، ولو نفر من الليل قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع من أيام الرمي لا شيء عليه وقد أساء، ولا يلزمه رمي اليوم الرابع في ظاهر الرواية نص عليه محمد في "الرقيات" وإليه أشار في الأصل وهو المذكور في المتون، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يلزمه إن لم ينفر قبل الغروب، وليس له أن ينفر بعده حتى لو نفر بعد الغروب قبل الرمي يلزمه دم كما لو نفر بعد طلوع الفجر وهو قول الأئمة الثلاثة (قال الخرقي: فإن أحب أن يتعجَّل في يومين خرج قبل غروب الشمس، فإن غربت الشمس وهو بها لم يخرج حتى يرمي من غد بعد الزوال. قال الموفق: فإن غربت قبل خروجه من منى لم ينفر سواء كان ارتحل أو كان مقيماً في منزله لم يجز له الخروج، وهذا قول عمر وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومجاهد وأبان بن عثمان ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة: له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الثالث لأنه لم يدخل اليوم الآخر فجاز له النفر كما قبل الغروب. انظر المغني 3/454، 455) ، فوجه الظاهر أن قبل غروب اليوم الثالث يجوز النفر، فكذا بعده بجامع أنَّ كلاًّ من الوقتين لا يجوز الرمي فيه عن الرابع ووجه رواية أبي حنيفة ومَن تبعه أن النفر في اليوم لا في الليل لقوله تعالى:{فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه} (سورة البقرة: الآية 203) ، والجواب أن لياليها التالية تابعة لأيامها الماضية. ولذا جاز رمي أيامها في لياليها اتفاقاً.