الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42 - (بَابُ الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ أَوْ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ)
480 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ (1) قَالَ (2) : كَانَ الْفَضْلُ (3) بْنُ عَبَّاسٍ رديفَ (4) رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فأتتْ (5)
(1) أي سليمانَ بنَ يسار.
(2)
أي ابنُ عباس.
(3)
قوله: الفضل، هو ابن عباس، أخو عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، له مناقب كثيرة، شهد حُنَيْناً وحجة الوداع، وخرج إلى الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي بناحية الأردنّ في طاعون عَمَواس سنة 18، وقيل: توفي سنة 15، وقيل غيرذلك، ذكره ابن الأثير. وهذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس مثل ماههنا، والأئمة الخمسة من حديث الفضل، فجعله بعضهم من مسند ابن عباس وبعضهم من مسند الفضل، قال الترمذي: سألت محّمداً - يعني البخاري - عنه فقال: أصح شيء في هذا الباب ما رواه ابن عباس عن الفضل، ويحتمل أن يكون سمعه من الفضل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أرسله، فلم يذكر مَن سمعه منه.
(4)
قوله: رديف، أي راكباً خَلْفَه على بعيرٍ واحد وهو مما لا بأس به، إذا أطاقته الدابَّة.
(5)
وكان ذلك غداةَ جمْعٍ بيوم النحر، كما في روايةٍ للبخاريِّ والنسائيِّ.
امرأةٌ مِنْ (1) خثعَم تَسْتَفْتِيهِ (2)، قَالَ: فَجَعَلَ (3) الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصرِف وَجْهَ الفضل بيده إلى الشِّقِّ الآخر، فقالت (4) :
(1) قوله: من خَثْعَم، بفتح الخاء وسكون الثاء المثلَّثة وفتح العين: قبيلة مشهورة.
(2)
أي تطلب منه الحكم والفتوى.
(3)
قوله: فجعل، أي طفق وشرع الفضل بن عباس ينظر إلى تلك المرأة، وتنظر تلك المرأة إلى الفضل، وذلك لكون الطبائع مجبولة على النظر إلى الصور الحسنة، وكان الفضل حسناً جميلاً وتلك المرأة شابة جميلة، والأظهر أن ذلك النظر لم يكن عن شهوة بل من المباح الذي رُخِّص فيه إذا أُمن من الشهوة، لكن لّما خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يجرَّ ذلك إلى فتنة صَرَفَ وجهَ الفضل بيده الشريفة إلى الشِّقّ - بالكسر وتشديد القاف - الآخر أي الجانب الآخر الذي ليس فيه ذلك الاحتمال، وقد سئل عنه العباس فقال: لم لوَّيتَ عُنُق ابن عمك؟ فقال: رأيت شابّاً وشابّةً فلم آمن الشيطانَ عليهما، أخرجه الترمذي، وبالغ في دفع الفتنة فصرف وجهه بيده فإنَّ الإنكار باليد أقوى من الإنكار باللسان، وبهذا ظهر أنه لا يصح استنباط حرمة مطلق النظر إلى وجه الأجنبية ولو في حالة الأمن من هذه القصة (قال الباجي: يحتمل أن تكون قد سدلت على وجهها ثوباً، فإن المحرمة يجوز لها ذلك لمعنى الستر، إلَاّ أنه كان يبدو من وجهها ما ينظر إليه الفضل. المنتقى 2/267. وفي فتح الباري 4/70 عن العياض: لعل الفضل لم ينظر نظراً ينكر بل خشي عليه أن يؤول إلى ذلك، أو كان قبل نزول الأمر بإدناء الجلابيب.
وقال الشيخ في " البذل": وإنما لم يمنعها ولم يأمر بصرف النظر عنه لأن صرف وجه أحدهما يغني عن الآخر، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يخف منها الشهوة، كما في الأوجز 7/48) .
(4)
بيان لاستفتائها.
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فريضةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أدركْت أَبِي شَيْخًا (1) كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أفأحجُّ (2) عنه؟ قال: نعم (3) ، وذلك (4) في حجة الوادع.
481 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أيوب السَّخْتيانيّ (5) ، عن
(1) قوله: شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبُت، بضم الباء أي يقعد ويستقرُّ على الراحلة، يعني أن الحج افترض على أبي حال كونه شيخاً كبيراً غير قادر على الذهاب لا ماشياً ولا راكباً بأن أسلم في ذلك الحال، أو أسلم قبله وكان فقيراً فحصلت له الاستطاعة الموجِبة لافتراض الحج في تلك الحالة
(2)
بهمزة الاستفهام.
(3)
قوله: قال: نعم، أي حجي نائبةً عنه، واستُنبط من الحديث جواز حج المرأة عن الرجل وكذا العكس، ولا خلاف في جوازهما إلَاّ ماقال الحسن بن صالح من عدم جواز حج المرأة عن الرجل، وهو غفلة عن السنَّة، وقالت طائفة: لا يحج أحد عن أحد، روي هذا عن ابن عمر والقاسم والنَّخَعي، وقال مالك والليث: لا يحج أحد عن أحد إلَاّ عن ميت لم يحج حجة الإسلام، وقالت الحنفية والشافعية بجواز الاستنابة للشيخ الفاني وكذا الحج عن الميت، كذا في "عمدة القاري".
(4)
أي كان هذا الاستفتاء والجواب في حجة الوداع سنة عشر.
(5)
قوله: السختياني، نسبة إلى بيع السَّخْتِيان - وهو بفتح السين وسكون الخاء وكسر التاء الفوقانية وتخفيف الياء التحتية، في الآخر نون - جلود الظأن، كان أيوب يبيعها، فنسب به، كذا في "أنساب السَّمعاني" ومختصره المسمّى باللباب لابن الأثير الجزري، وأما قول السيوطي في مختصره "لب اللباب" إنه بكسر السين فسبق قلم نبَّه عليه عبد الله بن سالم البصري المكِّي.
ابْنِ سِيرِينَ (1) ، عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا أَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أمي امرأةٌ كَبِيرَةٌ لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْمِلَهَا (2) عَلَى بَعِيرٍ، وإنْ رَبَطْنَاهَا (3) خِفْنَا أَنْ تَمُوتَ، أَفَأَحُجُّ (4) عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
482 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ السَّخْتَيانيّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلا كَانَ جَعَلَ (5) عَلَيْهِ أَنْ لا يَبْلُغَ (6) أحدٌ مِنْ وَلَده
(1) قوله: عن ابن سيرين، اسمه محمد، ذكر النووي في "التهذيب" أن أباه سِيرِين - بكسر السين والراء - كان مولى أنس بن مالك، وله ستة أولاد: محمد ومَعبد وأنس ويحيى وحفصة وكريمة وكلهم رواة ثقات من أجلِّة التابعين، وكثيراً ما يطلق ابن سيرين على محمد، هذا أبو بكر البصري الإمام في التفسير والتعبير والحديث والفقه، سمع ابن عمر وأبا هريرة وابن الزبير وغيرهم، ولم يسمع عن ابن عباس فحديثه عنه مرسل، وقد أكثر الأئمة في الثناء عليه، توفي بالبصرة سنة 110 هـ -.
(2)
أي لا نقدر أن نركبها على الراحلة خوفاً من سقوطها.
(3)
أي شَدَدْنا بالحبل على البعير خوف السقوط.
(4)
بهمزة استفهام.
(5)
أي نذر وألزم على نفسه.
(6)
قوله: أنْ لا يبلغَ أحد من وَلَد، بفتحتين أو بضم الأول وسكون الثاني.
الحلب، أي حلب اللبن عن الضرع. فيحلُب، بضم اللام وكسره، أي ولده.
فيشرب، أي ذلك الولد. ويستقيه (في نسخة: يسقيه) ، أي يسقي الولد ذلك اللبن والده إلَاّ حجَّ بنفسه وحجَّ به أي الولد، قال ابن سيرين: فبلغ رجل من ولده الذي قال أي إلى
الحَلَبَ فيَحلِبُ فَيَشْرَبَ وَيَسْتَقِيَهُ إلَاّ حجَّ وحجَّ بِهِ، قَالَ: فَبَلَغَ رجلٌ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِي قَالَ، وَقَدْ كَبِرَ الشَّيْخُ، فَجَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَقَالَ إِنَّ أَبِي قَدْ كَبِرَ وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لا بَأْسَ بالحجِّ عَنِ الْمَيِّتِ (1) وَعَنِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ إِذَا بَلَغَا مِنَ الْكِبَرِ (2) (3) مَا لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَحُجَّا. وَهُوَ قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكُ (4) بْنُ أَنَسٍ: لا أرَى أن يحجَّ أحدٌ عن أحدٍ.
مرتبةٍ قال بها ذلك الرجل، وهو أن يقدر على أن يحلب فيشرب ويسقيه. وقد، أي والحال أنه قد كبِرَ - بكسر الباء - الشيخ أي بلغ الوالد من الشيخوخة وبلغ من الكبر إلى حد لا يقدر على إيفاء نذره، فَجَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر أي بين له كيفية النذر والكبر، فقال: إن أبي قد كبر وضعف وهو لا يستطيع أي لا يقدر على الحج أفأحج عنه؟ أي نيابة عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، حُجَّ عنه وأَوْفِ بنذره.
(1)
قوله: عن الميت، أي نيابةً عن الميت فرضاً كان أو نفلاً، فإن كان فرضاً، وأوصى به الميت سقط عنه وإلَاّ يجزئ عنه إن شاء الله، وفي النفل (قال الحافظ: وأما النفل فيجوز عند أبي حنيفة خلافاً للشافعي، وعن أحمد روايتان: كذا في فتح الباري 4/66 وبسط شيخناً في الأوجز 9/42 في بيان الحج عن الغير عشرة أبحاث مفيدة مهمة) يصل ثوابه إليه.
(2)
بكسر الأول وفتح الثاني.
(3)
أي سناً لا يقدران الحج بنفسهما.
(4)
صاحب الموطأ.
43 -
(بَابُ الصَّلاةِ بِمِنًى (1) يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (2))
483 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابنَ عُمَرَ كَانَ (3) يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يغدُو إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى عَرَفَةَ.
قَالَ محمد: هكذا السنَّة (4)
(1) قوله: بمنى، بكسر الميم، تصرف ولا تصرف، وهو موضع معروف من الحرم بين مكة والمزدلفة، حدُّها من جهة المشرق بطن السيل إذا هبطت من وادي محسر، ومن جهة المغرب جمرة العقبة، سُمِّي به لما يمنى فيه من الدماء أي يُراق ويُصَبُّ، ذكره النووي في "التهذيب".
(2)
أي اليوم الثامن من ذي الحجة.
(3)
قوله: كان يصلي، أي كان يرحل من مكة بعد صلاة الفجر من اليوم الثامن إلى منى، فيصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح من يوم عرفة، ثم يذهب في اليوم التاسع غداءً أي صباحاً إذا طلعت الشمس إلى عَرَفة بفتحتين، ويقال له عرفات أيضاً. قال النووي: اسم لموضع الوقوف سُمِّي بذلك لأن آدم عرف حواء هناك، وقيل: لأن جبريل عرَّف إبراهيم المناسك هناك، وجُمعت عرفات لأن كلَّ حدٍّ منه يسمَّى عرفة، ولهذا كانت مصروفة كقصبات، قال النحويون: ويجوز ترك صرفه بناءً على أنها اسم مفرد لبقعة.
(4)
قوله: هكذا السنَّة، أي الطريقة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة ضحىً من يوم التروية، وغدا إلى عرفات يوم عرفة بعد الطلوع، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد والحكم وابن خزيمة وغيرهم. وقد أجمع الأئمة على استحباب هذا وأولويته ومنهم من قال إنه سنة مؤكدة
فَإِنْ عجَّل (1) أَوْ تأخَّر فَلا بَأْسَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
44 -
(بَابُ الْغُسْلِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ (2) عَرَفَةَ)
484 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُرَوِّحَ (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا (4) حَسَنٌ وَلَيْسَ بواجب.
45 -
(باب الدَّفع (5) من عرفة)
485 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أنَّ أباه أخبره،
(هكذا في فروع الأئمة الأربعة: أوجز المسالك 7/356) .
(1)
قوله: فإن عجَّل، من التعجيل. وفي نسخة: تعجَّل أو تأخَّر بأن قدم بمنى يوم السابع من ذي الحجة أو بعد صلاة الظهر أو العصر يوم التروية، وبأن يذهب إلى عرفة قبل طلوع يوم عرفة في ليلة عرفة أو يوم التروية أو يذهب إلى عرفة وقت الضحى يوم عرفة أو بعد الزوال بشرط أن يصل هناك وقت الوقوف فلا بأس أي هو جائز إلَاّ أنه خلاف الأَولى، أو خلاف السَّنة، إنشاء الله تعالى، قال القاري: إنما استثني احتياطاً لاحتمال أن يكون تأَخُّره عليه السلام في منى كان للنسك وقصد العبادة أو لضرورة قلَّة الماء بعرفة أو الاستراحة أو لحوق الجماعة المتأخرة، وعلى كل تقدير فالأولى هو المتابعة.
(2)
أي اليوم التاسع.
(3)
أي يذهب من مقام نزوله إلى جبل الرحمة وموقف الدعاء.
(4)
قوله: هذا حسن، أي هذا الغسل مستحب، وقيل سنة للوقوف وليس من المناسك الواجبة.
(5)
قوله: الدفع، أي الرجوع من عرفة إلى المزدلفة عند غروب الشمس يوم عرفة.
أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحدِّث عَنْ سَيْرِ (1) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَفَعَ (2) مِنْ عَرَفَة، فَقَالَ: كَانَ (3) يَسِير العَنَقَ حَتَّى إِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ أرْفَعُ (4) مِنَ العَنَق.
قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنا (5) أَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: عليكم بالسَّكِينَة (6) فإنَّ البِرَّ (7)
(1) أي عن كيفيَّته.
(2)
أي انصرف وذلك في حجة الوداع.
(3)
قوله: كان يسير العَنَقَ، بفتح العين وفتح النون، نوع من السير وهو أدنى المَشْي، وسير سهلٌ للدوابِّ من غير إسراع حتى إذا وجد فَجْوة - بالفتح - ما اتسع من الأرض - وفي بعض الروايات فرجة - نصَّ أي أسرع والنصُّ والنصيص في السير أن لسيار (هكذا في الأصل وهو تحريف. الصواب:" أن تسار" كما في الأوجز 7/294) الدابَّة سيراً شديداً. قال ابن بطّال: تعجيل الدفع من عرفة إنما هو لضيق الوقت لأنهم إنما يدفعون عند سقوط الشمس وبين عرفة والمزدلفة ثلاثة أميال وعليهم أن يجمعوا المغرب والعشاء في المزدلفة، فتعجَّلوا في السير لاستعجال الصلاة.
(4)
أي أعلى منه (قال النووي: هما نوعان من إسراع السير. وفي العنق نوع من الرفق. شرح النووي على مسلم 3/422) .
(5)
هذا البلاغ أخرجه البخاري (رقم الحديث 1666) وغيره من حديث ابن عباس.
(6)
أي بالطمأنينة في السير.
(7)
بالكسر أي الطاعة والعبادة.
ليس بإيضاع (1) الإبل وإيجا فِ (2) الْخَيْلِ. وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
46 -
(بَابُ بَطْنٍ (3) محسِّر)
486 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ (4) يُحَرِّك راحلَته فِي بَطْنٍ محسِّر كقَدْر رمْيَةٍ بحَجَر.
قَالَ محمَّدٌ: هَذَا كلُّه وَاسِعٌ (5) إِنْ شئتَ حَركَّتَ (6) ، وإن شئت
(1) أي بإسراعه.
(2)
أي إعدائها.
(3)
قوله: باب بَطن، بالفتح. محسِّر، قال العيني في " البناية شرح الهداية": بكسر السين المشدَّدة فاعل من حسَّر بالتشديد لأن فيل أصحاب الفيل (في شرح "الدسوقي" على شرح متن" الخليل": الحق أن قضية الفيل لم تكن بوادي محسرّ، بل كانت خارج الحرم، وذكر العيني في عمدة القاري 4/691 نقلاً عن الطبري - وهو المحب الطبري - ذلك، ثم قال: قيل هذا غلط لأن الفيل لم يعبر الحرم) حسر فيه أي أعيى، وهو وادٍ من مزدلفة ومنى، وسمِّي وادي النار، يقال: إن رجلاً اصطاد فيه، فنزلت نار وأحرقته، وحكمة الإسراع فيه لمخالفة النصاري لأنه مو قفهم.
(4)
قوله: كان يحرِّك، أي تحريكاً زائداً ليسرع في بطن محسِّر كقَدر رمية بالكسر بحَجَر أي مقدار إذا رُمي بالحجر فوصل بموضع، وهذا قيل لمخالفة النصارى كما مر، وقيل: لأنه وادٍ عذِّب به بعض الكفار، فأحب أن يسرع في الخروج منه، وهو أمر مستحب ليس بواجب.
(5)
أي جائز.
(6)
أي الراحلة للإِسرع في وادي محسِّر.
سِرْتَ عَلَى هيْنَتِكَ (1) بَلَغَنَا (2) أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي السَّيرين (3) جَمِيعًا: عَلَيْكُمْ بالسَّكينَة (4) . حِينَ أفاضَ (5) مِنْ عَرَفَةَ، وَحِينَ أفَاضَ من المُزدَالِفَة.
47 -
(بَابُ (6) الصَّلاةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ)
487 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي المغرب والعشاء بالمُزدَلِفة جميعاً.
(1) بالفتح أي طريقتك في التوسط.
(2)
قوله: بلغنا، دليل لكون الأمرين جائزَين يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السيرين جميعاً - أي في السير من عرفة إلى مزدلفة وفي السير من مزدلفة إلى منى -: عليكم بالسكينة والطمأنينة في المسير، فدل ذلك على عدم الإسراع. وفيه أن السكينة في السير الثاني لا ينافي قدراً من الإِسراع مع أن هذا القدر مخصَّص من ذلك المطلق. وليس ذلك ثابتاً بفعل ابن عمر وحده، بل ثبت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الطويل المخرج في الصحاح (قال الموفق: يستحب الإِسراع في بطن محسِّر وهو ما بين جمع ومنى، فإن كان ماشياً أسرع وإن كان راكباً حرَّك دابته لأن جابراً قال في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى بطن محسر حرَّك قليلاً. المغني 3/424) .
(3)
في نسخة: المسيرين.
(4)
بيان للسيرين.
(5)
أي رجع.
(6)
قوله: باب الصلاة بالمزدلفة، بضم الميم وكسر اللام: موضع بين منى
488 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ (1) بالمُزدَلِفة جَمِيعًا.
489 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ (2) بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (3) بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ الخَطْمي، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ (4) الأَنْصَارِيِّ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المغربَ والعشاءَ بالمُزْدَلِفَة جميعا (5) في حَجَّةِ الوَدَاع.
وعرفة ما بين وادي محسِّر ومأزمي عرفة، وهما جبلان بين المزدلفة وعرفة، واحده مأزم بكسر الزاء، والحدان خارجان من المزدلفة سمِّي به لازدلاف الناس أي اقترابهم واجتماعهم بها، وقيل لاجتماع آدم وحواء به، من ثم سمِّي بالجمع أيضاً، ذكره النووي.
(1)
ولم يتنفَّل بينهما.
(2)
هومن ثقات التابعين الكوفيين، وثقه أحمد وغيره، مات سنة 110، كذا في "الإسعاف".
(3)
قوله: عبد الله، هو عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين الأنصاري الخطمي، نسبة إلى بني خَطمة بالفتح بطن من الأنصار، وهو صحابي صغير، ذكره العيني وغيره.
(4)
اسمه خالد بن زيد.
(5)
قوله: جميعاً، زاد الطبراني من طريق جابر الجعفي ومحمد بن أبي ليلى كلاهما عن عديّ بن ثابت بهذا الإِسناد بإقامة واحدة، والجعفي ضعيف، لكن تقوّى بمتابعة محمد، وبه يُرَدُّ على قول ابن حزم: ليس في حديث أبي أيوب ذِكْرُ أذان وإقامة، كذا ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا يُصَلِّي (1) الرجلُ المغربَ حَتَّى يَأْتِيَ المُزْدَلِفَة، وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَتَاهَا أذَّن وَأَقَامَ فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ والعشاءَ بِأَذَانٍ (2) وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة رحمه الله والعامةِ من فقهائنا.
(1) قوله: لا يصلي، يعني أنَّ تأخير المغرب واجب إلى أن يصل المزدلفة فيجمع بينه وبين العشاء في المزدلفة وإن ذهب نصف الليل ودخل وقت كراهة العشاء، فلو صلاها في الطريق أو في عرفة أعاد، وهذا أحد القولين، وبه قال بعض المالكية، وقال الشافعية وغيرهم: لو جمع قبل جمع أو جمع بينهما تقديماً في الجمع أجزأ، وفاتت السنَّة، والخلاف مبني على أن الجمع بعرفة أو المزدلفة هل هو للنسك أو للسفر، فمن قال بالأول قال بالأول، ومن قال بالثاني قال بالثاني، كما بسطه في "ضياء الساري".
(2)
قوله: بأذان وإقامة واحدة، أي بأذان واحد وإقامة واحدة للأولى فقط، والمرجَّح هو تعدُّد الإقامة لا الأذان كما بسطه الطحاوي في " شرح معاني الآثار". والمسألة مسدسة فيها ستة أقوال كما فصَّلها في "فتح الباري"
(3/525) . و"عمدة القاري"(4/687) : أحدها: الجمع بأذانين وإقامتين، رُوي ذلك عن ابن مسعود عند البخاري، وعن عمر عند الطحاوي، وبه قال مالك وأكثر أصحابه وليس لهم في ذلك حديث مرفوع، قاله ابن عبد البر، وقال ابن حزم: لم نجده مروياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بنص صريح صحيح، وذكر ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفاً ومع كونه لم يروه، ويترك ما رَوى عن أهل المدينة وهو مرفوع، وأُجيب عنه بأنه اعتمد صنيع عمر وإن كان لم يروه في "الموطأ"، وحمل الطاوي صنيع
48 -
(بَابُ مَا يَحْرُم عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبة (1) يَوْمَ النَّحْرِ)
490 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ
ابْنِ عمر على أنه أذَّن للثانية لكون الناس تفرَّقوا لعشائهم فأذَّن ليجمعهم، وبه نقول إذا تفرق الناس عن الإِمام لأجل عشاء أو لغيره، فأذَّن، فلا بأس به، وبمثله يُجاب عن فعل ابن مسعود. وثانيها: أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وهو مذهب أصحابنا الحنفية، قال ابن عبد البر: أنا أعجب من الكوفيين أخذوا بما رواه أهل المدينة، وتركوا ما رَوَوْا عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحداً. انتهى. وحجتهم في ذلك حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأذان واحد وإقامة واحدة أخرجه ابن أبي شيبة، ورُوي نحوه من حديث ابن عباس عند أبي الشيخ الأصبهاني من حديث أبي أيوب كما مر. وثالثها: أن يجمع بأذان واحد وإقامتين، ثبت ذلك من حديث جابر عند مسلم وابن عمر عند البخاري، وهو الصحيح من مذهب الشافعي ورواية عن أحمد، وبه قال ابن الماجشون من المالكية وابن حزم من الظاهرية والطحاوي من الحنفية وقواه. ورابعها: الجمع بإقامتين فقط من غير أذان، وهو رواية عن أحمد وعن الشافعي، وقال به الثوري وغيره، وهو ظاهر حديث أسامة المرويّ في صحيح البخاريّ حيث لم يذكر فيه الأذان، وقد رُوي عن ابن عمر من فعله كلُّ واحد من هذه الصفات، أخرجه الطحاوي، وكأنه رآه من الأمر المتخير فيه.
وخامسها: الجمع بالإِقامة الواحدة بلا أذان، أخرجه مسلم وأبو داود عن ابن عمر أيضاً وهو المشهور من مذهب أحمد. وسادسها: ترك الأذان والإِقامة مطلقاً، أخرجه ابن حزم من فعل ابن عمر أيضاً. هذا كله في جمع التأخير بمزدلفة، وأما جمع التقديم بعرفات ففيه أقوال ثلاثة، الأول: يؤذَّن للأولى، ويقيم لها فقط، وبه قال الشافعي. والثاني: يؤذَّن للأولى ويقيم لكل منهما، وهو مذهب الحنفية. الثالث: تعدُّد الأذان والإقامة كليمها، وهو قول بعض الشافعية. وأرجحها وسطها.
(1)
بفتحتين هو اسم لموضع رمي طرف مِنَى إلى جهة مكَّة،
عبد الله بن عمر: أنَّ عمر بن الْخَطَّابِ خَطَبَ (1) النَّاسَ بعَرَفَة فعلَّمهم أمرَ (2) الْحَجِّ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: ثُمَّ (3) جِئْتُمْ مِنًى، فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ (4) الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حلَّ (5) لَهُ مَا حَرُم (6) عَلَيْهِ إلَاّ النِّسَاء (7) وَالطِّيبَ (8) ، لا يمَسَّ أحدٌ نِسَاءً وَلا طِيبًا حَتَّى يَطُوفَ (9) بِالْبَيْتِ.
491 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: مَنْ رَمَى الجَمْرة (10) ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قصَّر،
وفي يوم النحر يكتفي على رمي جمرة العقبة وفيما بعده من الأيام، يرمى في ثلاث مواضع.
(1)
اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أي مناسكه.
(3)
قوله: ثم جئتم، أي بعد الرجوع من عرفة والمزدلفة غداة يوم النحر،
وفي رواية يحيى: إذا جئتم منى، وهكذا في بعض نسخ هذا الكتاب، وفي بعضها: إن جئتم.
(4)
أي يوم النحر.
(5)
أي بالحلق أو التقصير.
(6)
أي في حالة الإحرام.
(7)
أي مباشرتهن.
(8)
أي استعمال الطيب في بدنه وثيابه.
(9)
قوله: حتى يطوف بالبيت، أي طواف الزيارة في يوم النحر أو بعده إلى الثاني عشر في ذي الحجة.
(10)
أي يوم النحر.
وَنَحَرَ (1) هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ حلَّ لَهُ مَا حَرُم (2) عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ إلَاّ النَّسَاء والطِّيبَ (3) حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا (4) قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ
(1) أي ذبحه.
(2)
أي في إحرامه.
(3)
لكونه من مقدِّمات الجماع.
(4)
قوله: هذا قول، أي عدم حِلّ النساء والطيب قبل طواف الزيارة. والأول متفق عليه (أي يحل له كل شيء إلَاّ النساء وهو قول سالم وطاوس والنخعي وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال مالك: يحل له كل شيء إلَاّ النساء والصيد، وفي " المدونة": أكره لمن رمى العقبة أن يتطَّيب حتى يفيض فإن فعل فلا شيء عليه. عمدة القاري 5/93) والثاني مختلف فيه، فمذهب عمر عدم حِلّ الطيب لكونه من مقدِّمات الجماع، وبه قال مالك، ويوافقه قول عبد الله بن الزبير: من سنَّة الحج إذا رمى الجمرة الكبرى حلّ له كل شيء إلَاّ النساء والطيب حتّى يزور البيت، أخرجه الحاكم في"المستدرك" وقال على شرط الشيخين، ولعل هذا الحكم منهم احتياطي، وإلَاّ فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة في أحاديث عديدة حِلّ الطيب كما بسطه الزيلعي في "نصب الراية"، فمن ذلك حديث عائشة الآتي ذِكْرُه، وأخرج أبو داود من حديث عائشة مرفوعاً: إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حلَّ له كلُّ شيء إلَاّ النساء، ونحوه أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من حديثها، وأبو داود وأحمد والحاكم من حديث أم سلمة، وأخرج النسائي عن ابن عباس قال: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، فقال رجل: والطيب؟ قال: أمّا أنا فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب (في الأصل: أخطيب، وهو تحريف) هو أم لا؟ وزعم بعض المالكية
خِلافَ (1) ذَلِكَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَديّ هَاتَيْنِ بَعْدَ مَا حَلَقَ (2) قَبْلَ أَنْ يَزُورَ (3) الْبَيْتَ، فَأَخَذْنَا بِقَوْلِهَا (4) . وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ (5) والعامَّة مِنْ فُقَهَائِنَا.
492 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ عائشة أنها (6) قالت: كنت أُطَيِّب (7)
أن عمل أهل المدينة على خلافه، قال العيني: ورُدَّ بما رواه النسائي من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج أدرك ناساً من أهل العلم منهم القاسم بي محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله بن عبد الله بن عمر وأبو بكر بن عبد الرحمن، فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة فكلهم أمروه به. فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك، فكيف يُدَّعى مع ذلك العمل على خلافه؟!
(1)
أي خلاف مذهب عمر وابنه.
(2)
يوم النحر.
(3)
أي يطوف طواف الزيارة.
(4)
لكونه متضمناً لبيان الفعل النبوي.
(5)
وهذا قول الجمهور.
(6)
قوله: أنها قالت، قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت لا يختلف أهل العلم في صحته وثبوته، وقد رُوي من وجوه، وقال العيني: أخرجه الطحاوي من ثمانية عشر وجهاً.
(7)
قوله: كنت أطيِّب، قال الحافظ في "فتح الباري" (3/398) : استُدلَّ به على أنَّ "كان" لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع ذلك منها إلَاّ مرة واحدة، وقد صرحت في
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لإحرّامِه (1) قَبْلَ أَنْ يُحرم، ولحلِّه (2) قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ (3) بِالْبَيْتِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فِي الطِّيبِ (4) قَبْلَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ ونَدَعُ (5) مَا رَوَى عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ والعامَّة مِنْ فُقَهَائِنَا.
49 -
(بَابُ مِنْ أيِّ مَوْضِعٍ يُرمى (6) الْجِمَارُ (7))
493 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرحمن بن القاسم:
رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوادع، وكذا استدلَّ به النوويُّ في " شرح صحيح مسلم"، وتُعُقِّب بأن المدَّعى تكراره إنما هو التطيُّب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر الطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة، ولا يخفى ما فيه، وقال النووي في موضع آخر: إنها لا تقتضن التكرار ولا الاستمرار، وكذا قال الفخر في "المحصول" وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه، وقال جماعة من المحققين: إنها تقتضيه ظهوراً وقد تقع قرينة تدل على عدمه.
(1)
أي لأجل إحرامه. دل هذا على جواز التطُّيب عند الإحرام وقد اختلفوا فيه وقد مرِّ بنا تفصيله.
(2)
أي خروجه عن الإحرام (أي بعد أن يرمي ويحلق) .
(3)
أي يطوف طواف الزيارة.
(4)
أي في جواز استعماله.
(5)
أي نترك.
(6)
بصيغة المجهول.
(7)
قوله: الجمار، بالكسر جمع جَمرة بالفتح هي الحصا الصغيرة ثم سمِّي
مِنْ أَيْنَ كَانَ (1) الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَرْمِي جَمرَةَ العَقَبة؟ قَالَ: مِنْ (2) حَيْثُ تَيَسَّرَ.
قَالَ محمَّد: أفضلُ ذَلِكَ أَنْ يَرْمِيَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَمِنْ حَيْثُ مَا (3) رَمَى فَهُوَ جَائِزٌ وهو قول أبي حنفية والعامة.
المواضع التي ترمى الحجار فيها بالجمار، فقيل: جمرة العقبة والجمرة الوسطى والجمرة الكبرى، وسمِّيت جمرة العقبة به لأن العقبة بفتحتين في الأصل الطريق الصعب في الجبل وتلك الجمرة واقعة كذلك، وقيل: سمَّيت تلك المواضع بها لاجتماع الحصى هناك، من تجَّمر القوم إذا تجمعوا، ذكره العيني.
(1)
أي من أي مقام.
(2)
قوله: من حيث تَيَسَّر، قال القاري: أي من جوانبها عُلْويّها وسُفْليّها.
انتهى. وقال الزرقاني: أي من بطن الوادي، بمعنى أنه لم يعَّين محلاً منها للرمي، وليس المراد من فوقها أو تحتها أو بظهرها لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم رماه من بطن الوادي. انتهى. والذي يظهر في معنى هذا الأثر لعموم قوله: من حيث تيسَّر، أي أمكن وسهل، هو ما ذكره القاري، ولا شبهة أن الرمي من بطن الوادي مندوب وإنما الكلام في الجواز وفيما إذا لم يمكن ذلك، قال في " الهداية"و" البناية": فيرميها من بطن الوادي أي من أسفل الوادي إلى أعلاه، هكذا رواه عمر وابن مسعود في الصحيحين والترمذي عن ابن مسعود أنه عليه السلام لمّا رمى جمرةَ العقبة جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينة، ورمى من بطن الوادي. ولو رماها من أعلاها جاز، والأول هو السنَّة فإن عمر رماها من أعلاها للزحام.
(3)
أي من أي موضع رمى جاز.
50 -
(بَابُ تَأْخِيرِ (1) رَمْيِ الْحِجَارَةِ مِنْ عِلّةٍ (2) أَوْ مِنْ غَيْرِ علّةٍ وَمَا يُكره مِنْ ذَلِكَ)
494 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ (3) أَبَا البَدَّاح بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَه، عَنْ أَبِيهِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ رَخَّصَ لرِعاء (4) الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ (5) يَرْمُون (6) يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ مِنَ الْغَدِ، أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ ليَوْمين، ثم يرمون يوم النَّفر.
(ذكر في " المحلى" أنِّ كلَّ ذلك واسع لكن السنَّة عند الجمهور كونه من بطن الوادي. انظر الأوجز 8/ 51)
(1)
أي من أوقاته المقررة.
(2)
بكسر الأول وتشديد الثاني: أي مرض أو ضرورة.
(3)
قوله: أن أبا البدّاح، بفتح الموحّدة والدال المشدّدة المهملة فألف فحاء مهملة، لا يوقف على اسمه، وكنيته اسمه، وقال الواقدي: أبو البدّاح لَقَبٌ غلب عليه وكينته أبو عمرو. انتهى. وكذا قال ابن المديني وابن حبان، وقيل: كينته أبو بكر، ويقال: اسمه عدي، وهو من ثقات التابعين، مات سنة 117، وقيل سنة 110. ابن عاصم بن عدي أخبره أي أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عاصم بن عدي بن الجَدَّ - بفتح الجيم - بن العجلان (في الأصل لعجلان والصواب العجلان. شرح الزرقاني 2/371) بن حارثة القضاعي الأنصاري، هو من الصحابة، شهد أحداً وغيره، وعاش خمسة عشر ومائة، كذا في شرح الزرقاني.
(4)
بالكسر جمع راعي.
(5)
مصدر بات أي في القيام ليلاً بمنى اللائق للحجّاج أي أباح لهم تركه لضرورتهم.
(6)
قوله: يرمون، هذا بيان للرخصة يعني رخّص لهم ترك البيتوتة بمنى،
قَالَ محمدٌ: مَنْ جَمَعَ رَمْي يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ مِنْ عِلّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلّة فَلا
وأمرهم أن يرموا يوم النحر بعد طلوع الشمس كما لسائر الحجاج، ثم يرمُون، أي إذا رَمُوا يوم النحر أجاز لهم أن يذهبوا من منى، ويقيموا خارحين عنه، ثم يجيئوا في اليوم الحادي عشر، فيرمون من الغد، أي اليوم الحادي عشر أو من بعد الغد أن لا يرموا يوم الحادي عشر بل يدخلوا في منى في اليوم الثاني عشر فيرموا فيه ليومين للحادي عشر قضاءً وللثاني عشر أداءً، ثم يرمون يوم النفر - بالفتح ثم السكون - أي يوم الانصرف من منى. وهو اليوم الثالث عشر - وهو يوم النفر الثاني ويُستحب ذلك. ومن تعجل فنفر في الثاني عشر فلا إثم عليه كما قال الله تعالى:{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} (سورة البقرة: الآية 203) وعلى هذا التقرير الذي ذكرنا يكون رخصتهم لأمرين، أحدهما: ترك البيتوتة، وثانيهما: جواز جمع رمي يومين في يوم واحد، ويمكن أن يكون المراد بقوله يرمون يوم النحر: رَمْيَ يوم النحر في ليلته فيكون رخصة ثالثة، كما أخرج الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا ليلاً، وعند الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنه صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلاً وأيّ ساعة شاؤوا من النهار، ونحوه أخرجه البرّاز من حديث ابن عمرو. بهذا استند الشافعي في أنّ أوّل وقت الرمي يوم النحر بعد نصف ليلته وعندنا وقته بعد طلوع الفجر لحديث ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه صبيحة جَمْع أن يفيضوا مع أول الفجر سواداً ولا يرموا الجمرة إلَا مصبحين، أخرجه الطحاوي. وعنه أنه عليه السلام كان يقدم ضعفة أهله من المزدلفة بغَلَس ويأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، أخرجه الأربعة. وهذا بيان الوقت الأفضل، وما مرّ من الأحاديث محمول عندنا على رمي الأيام الباقية فإنها جائزة ليلاً، ولو سلمنا أن المراد به ليلة العيد فهو أمر ضروري ثبت رخصةً للرعاء والضعفاء فلا يكون حجًّةً لتعيين الوقت، كذا في " البناية".