الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - (بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ)
358 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لا يَصُومُ (1) في السفر.
وابن حبان والحاكم وصححه والطحاوي والدارقطني وغيرهم من حديث أبي هريرة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الترمذي: حسن غريب، وأخرجه أبو يعلى وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة. وفي بعض طرقه مقال يرتفع بضمّ بعضها مع بعض.
وأما ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فمعناه: ضعف وكان الصوم تطوعاً فأفطر عمداً، ذكره الطحاوي (شرح معاني الآثار 1/348. ثم إن كون القيء غير مفطر وكون الاستقاء مفطر وعليه القضاء هو مذهب الأئمة الأربعة، كما في "عمدة القاري" 6/36) . ويعضده ما أخرجه ابن ماجه عن فضالة بن عبيد الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم في يوم كان يصومه، فدعا بإناء فشرب، فقلنا: يا رسول الله إنَّ هذا يومٌ كنت تصومه! قال: أجل، ولكني قِئْتُ.
(1)
قوله: كان لا يصوم في السفر، لأنه كان يرى أن الصوم في السفر لا يجزئ، لأن الفطر عزيمة من الله، وبه قال أبوه عمر، وأبو هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، وقوم من أهل الظاهر، ويردّه أحاديث الباب، قاله ابن عبد البَرّ. واحتجوا لذلك أيضاً بحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر - أي غزوة الفتح كما في الترمذي - فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر - ولفظ مسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر - وزاد بعض الرواة: عليكم برخصة الله التي رَخّص لكم، وروايته على لغة حمير في "مسند أحمد" قال ابن عبد البر: ولا حجة فيه لأنه عامّ، خرج على سبب، فإن قُصر عليه لم تقم به حجة، وإلا حُمل على من حالُه مثل حال الرجل وبلغ ذلك المبلغ
359 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنّ (2) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ (3) عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ (4) حَتَّى بَلَغَ الكُدَيد (5) ثُمَّ أَفْطَرَ (6) فَأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ (7) وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: وَكَانُوا (8) يَأْخُذُونَ بِالأَحْدَثِ (9) فَالأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(كذا في شرح الزرقاني 2/170) .
(1)
ابن عتبة بن مسعود.
(2)
قال أبو الحسن القابسي: هذا من مرسلات الصحابة لأن ابن عباس كان في هذه السنة مقيماً بمكة.
(3)
يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خَلَوْن من رمضان سنة ثمان من الهجرة.
(4)
أي جميع سيره.
(5)
موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل ونحوها وبينها وبين مكة مرحلتان أو ثلاث.
(6)
قوله: ثم أفطر، لأنه بلغه أن الناس شقّ عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون في ما فعلت، فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من ماء، فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فأفطر فناوله رجلاً بجنبه فشرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة. رواه مسلم والترمذي عن جابر. قال المازري: احتج به مطرف ومن وافقه من المحدّثين، وهو أحد قولي الشافعي أن من بيّت الصوم في رمضان له أن يفطر، ومنعه الجمهور، وحملوا الحديث على أنه أفطر للتقوِّي على العدوّ والمشقّة الحاصلة له ولهم.
(7)
أي حتى بلغوا مكة.
(8)
أي الصحابة. قوله: وكانوا، هو قول ابن شهاب كما بُيِّن في رواية البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن حجر: وظاهره أنه ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ ولم يوافق على ذلك.
(9)
قوله: بالأحدث فالأحدث، في مسلم عن يونس قال ابن شهاب: وكانوا
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ شَاءَ صَامَ (1) فِي السَّفَرِ، ومن شاء أفطر، والصوم أفضل (2)
(في الأصل: "كان"، وهو خطأ. انظر صحيح مسلم 2/785) يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره، ويَرَوْنه الناس المحكم، قال عياض: إنما يكون ناسخاً إذا لم يمكن الجمع أو يكون الأحدث من غيره وفي غير هذه القصة، وأما فيها أعني قضية الصوم فليس بناسخ إلا أن يكون ابن شهاب مال إلى أن الصوم في السفر لا ينعقد كقول أهل الظاهر ولكنه غير معلوم عنه.
(1)
قوله: من شاء صام في السفر ومن شاء أفطر، لقوله تعالى:{ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّةٌ من أيّام أُخَر} (سورة البقرة: الآية 185)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وعبد بن حميد والبيهقي في سننه وغيرهم. وأخرج عبد بن حميد والدارقطني عن عائشة قالت: كلٌّ قد فَعَل رسول الله، صام وأفطر في السفر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: لا أعيب على من صام ولا من أفطر في السفر. وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود عن أنس قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام بعضنا، وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر. وهذه الأحاديث وأمثالها تشهد بأن حديث "ليس من البر الصيام في السفر" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وغيرهم محمول على ما إذا لم يقو وأورث صومه ضعفاً أو مرضاً كما يُعلم من شأن وروده.
(2)
قوله: أفضل لمن قوي عليه، لما أخرج عبد بن حميد عن أبي عياض: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فنُودي في الناس: من شاء صام ومن شاء أفطر، فقيل لأبي عياض: كيف فعل رسول الله؟ قال: صام وكان أحقَّهم بذلك.
وورد في
لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ (1) ، وَإِنَّمَا (2) بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ حِينَ سَافَرَ إِلَى مَكَّةَ لأَنَّ النَّاسَ شَكَوْا إِلَيْهِ الْجَهْدَ (3) مِنَ الصَّوْمِ، فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ، وَقَدْ بَلَغَنَا (4) أَنَّ حَمْزَةَ الأَسْلَمِيَّ (5) سَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. فَبِهَذَا (6) نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ (7) أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله والعامة (8) من قبلنا.
حديث أبي سعيد الخدري المتقدِّم: كانوا يَرَوْن أن من وجد قوَّة فصام فحسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فحسن.
(1)
قال القاري: أي لقوله تعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} (سورة البقرة: الآية 184) ، وبه قال مالك والشافعي (وبه قال أبو حنيفة كما في لامع الدراري 5/415)، وقال أحمد والأوْزاعي: الفطر أفضل مطلقاً لحديث: ليس من البر الصيام في السفر.
(2)
قوله: وإنما بلغنا
…
إلى آخره، دَفْعٌ لما يُتَوَهَّم أنه لو كان الصوم أفضل عند القوة لما أفطر النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الفتح لأنه كان يستطيع ما لا يستطيعه غيره.
(3)
بفتح الجيم وضمها: المشقة.
(4)
قوله: وقد بلغنا
…
إلى آخره، هذا البلاغ أخرجه مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني وصححه والحاكم بعبارات متقاربة.
(5)
هو ابن عمر بن عويمر أبو صالح المدني، صحابي جليل، مات سنة 61 هـ، كذا ذكره الزرقاني.
(6)
في بعض النسخ: قال محمد: فهذا.
(7)
قوله: وهو قول أبي حنيفة، وكذا أبي يوسف، وبه قال أنس وعائشة وسعيد بن جبير ومجاهد وجابر بن زيد، أخرجه الطحاوي عنهم.
(8)
قوله: والعامة من قبلنا، أي أكثر من مضى من الصحابة والتابعين خلافاً