الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله.
5 - (باب الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)
528 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) ومُجَمِّع ابنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَة الأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسْاء ابْنَةِ خِذام: أَنَّ (2) أباها زوّجها (3) وهي (4) ثيِّب، فكرهت
(1) قوله: عن عبد الرحمن، هو أبو محمد المدني ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، يقال: وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومات سنة 93 هـ، وأخوه مجمّع على وزن اسم فاعل من التجميع، تابعي كبير مات سنة 60، وأبوهما يزيد بن جارية الأنصاري الأوسي، ذكره ابن سعد في الصحابة، كذا قال الزرقاني. وقال ابن عبد البَرّ في "الاستيعاب": يزيد بن حارثة اليربوعي ابن عامر بن مجمع بن العطاف، هو أبو مجمع، وعبد الرحمن شهد خطبة الوداع.
(2)
قوله: أن أباها، هو خذام بالمعجمة المكسورة والدال المهملة، كما في "الفتح" و"التقريب"، وقال بعضهم: بالذال المعجمة ابن وديعة، ويقال ابن خالد، من أفاضل الصحابة، كذا قال الزرقاني.
(3)
قوله زوّجها، لمّا تأيّمَتْ من أُويس بن قتاده الأنصاري حين قُتل يوم أحد، كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد مرسلاً، وأخرجه الواقدي عن خنساء نفسها، وسماه بعضهم أنساً، وقيل اسمه أسير، وإنه مات ببدر.
(4)
قوله: وهي ثيب، قال ابن عبد البرّ في "الاستيعاب" خنساء بنت خذام ابن وديعة الأنصاري من الأوس أنكحها أبوها وهي كارهة فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحها. واختلفت الأحاديث في حالها في ذلك الوقت، ففي نقل مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمِّع عنها أنها كانت ثيباً، وذكر
ذلك (1) ، فجاءَت رسول الله صلى فَرَدّ (2) نكاحه.
ابن المبارك عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء أنها كانت يومئذ بكراً، والصحيح نقل مالك في ذلك (قال الشيخ في "بذل المجهود"10/112 بعد ما حكى اختلاف الروايات في كونها بكراً أم ثيباً: لا معارضة بينهما حتى يُحتاج إلى الترجيح، فيحتمل أن يكون وقع لها هذه القصة مرتين، مرة وقعت لها حال كونها بكراً ثم وقعت حال كونها ثيباً، وهذا أهون من أن يُرَدّ الحديث الصحيح بهذا العذر، مع أن القائل بكونها ثيباً هو عبد الرحمن ومجمع ابنا يزيد، والقائلة بكونها بكراً هي خنساء نفسها فلا يرجَّح قولهما بمقابلة قولها) ، وروى محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء قال: وكانت أيِّمّاً من رجل فزوجها أبوها رجلاً من بني عوف فخُطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وارتفع شأنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلحقها بهواها فتزوجت أبا لبابة.
(1)
قوله: ذلك، أي ذلك النكاح، أو ذلك الرجل الذي زوّجها منه أبوها، قال ابن حجر: ولم يُعرف اسمه، نعم عند الواقدي أنه من مُزَينة وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف.
(2)
قوله: فردَّ نكاحه، أي وجعل أمره إليها كما في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد وله عن نافع بن جبير: فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكتُ أمري، قال: فلا نكاح له، انكحي من شِئتِ، فرد نكاحه. ونكحت أبا لبابة الأنصاري. قال ابن عبد البر: هذا الحديث مجمع على صحته وعلى القول به، لأن من قال لا نكاح إلا بولي. قال: لا يزوِّج الثيِّبَ وليُّها إلا بإذنها ومن قال: ليس للولي مع الثيب أمر فهو أولى بالعمل بهذا الحديث. واختلف في بطلانه لو رضيت، فقال الشافعي وأحمد ببطلانه، وقال أبو حنيفة لها أن تجيز فيجوز ولا تجيز فيبطل. انتهى ملخصاً. وأما حديث النسائي عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرَّق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوّجها من غير كفؤ، كذا في شرح الزرقاني.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا يَنْبَغِي أَنْ تُنْكَح الثَّيِّب، وَلا البِكْر إِذَا بَلَغَتْ (1) إِلا بِإِذْنِهِمَا فَأَمَّا إذْن الْبِكْرِ فَصَمْتُها (2) ، وَأَمَّا إذْن الثَّيِّب فَرِضَاهَا بِلِسَانِهَا، زوَّجها والدُها أَوْ غَيْرُهُ (3) . وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
6 -
(باب الرجل يَكُونُ عِنْدَهُ أَكْثَرُ (4) مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيُرِيدُ (5) أَنْ يَتَزَوَّجَ)
529 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ (6)، قال: بلغنا أن
(1) في نسخة: بلغتنا. وإذا لم تبلغ يجوز نكاح وليها بغير إذنها إلَاّ أن لها خيار الفسخ عند البلوغ إذا كان الناكح غير الأب والجد.
(2)
أي سكوتها. قوله: صمتها، قال القاري: لما أخرجه الجماعة إلا البخاري من حديث ابن عباس مرفوعاً: الأيّم أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صُماتها، والأيّم الثيّب التي لا زوج لها إذا كانت بالغةً عاقلة.
(3)
من أوليائها حقيقةً أو حكماً.
(4)
قوله: أكثر من أربع نسوة، الأَوْلى أن يحذف الأكثر ليطابق العنوان ما في الباب من الأخبار، فإنَّ الخبر الأول دالّ على نهي التزوج على أكثر من أربع نسوة، والثاني: على منع التزوّج على أربع نسوة، ولأنّ منع التزوّج بعد الأربعة يستلزم المنع منه بعد أكثرها من غير عكس.
(5)
قوله: فيريد أن يتزوج، أي لواحدة بعد الأربعة، فكان حق العبارة أن يقول: ويريد بالواو عطفاً على "يكون" لا أن يفرِّع على كون أكثر من الأربع عنده، والظاهر أنه من النُّسّاخ، كذا في شرح القاري، وفيه نظر غير خفي.
(6)
هو الزهري، فالحديث مرسل وهو حجة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِرَجُلٍ (1) مِنْ ثَقِيفٍ (2) - وَكَانَ عِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ (3) - حِينَ (4) أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ لَهُ: أمسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وفارِقْ سائرَهُنّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ (5) . يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أيّتُهنّ شَاءَ، وَيُفَارِقُ (6) مَا بَقِيَ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: نِكَاحُ الأَرْبَعَةِ الأُوَل جَائِزٌ، ونكاحُ مَنْ بَقِي مِنْهُنَّ بَاطِلٌ وهو قول إبراهيم النَّخَعي.
(1) قوله: قال لرجل من ثقيف، قال ابن عبد البر في "شرح الموطأ" هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ، وأكثر رواة ابن شهاب، رواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي حين أسلم فذكره، ووصله معمر عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر، ويقولون إنه من خطأ معمر مما حدّث به بالعراق، كذا في "شرح الزرقاني". وفيه أيضاً قد رواه الترمذي وابن ماجه من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، وقال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا غير محفوظ والصحيح ما روى شعيب وغيرُه عن الزهري قال: حدثت عن عثمان بن محمد بن أبي سويد الثقفي فذكره.
(2)
قبيلة كبيرة من أهل الطائف والحجاز.
(3)
أي فأسْلَمْنَ معه قاله الزرقاني.
(4)
ظرف لقال. قوله: حين أسلم الثقفي، وهو غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك، أحد وجوه ثقيف ومقدمهم، أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر، وتوفي في آخر خلافة عمر رضي الله عنه، ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب".
(5)
وبه قال مالك والشافعي وأحمد كما في "رحمة الأمة".
(6)
قوله: ويفارق ما بقي، قال القاري: لعل مأخذها قوله "وفارق سائرهن" حيث لم يقل طلِّقْهُنّ، لكن يُشكل بأن عقود الجاهلية قبل الدخول في
530 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا رَبِيعَة بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ الْوَلِيدَ (1) سَأَلَ الْقَاسِمَ وعُرْوَةَ (2) وَكَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبِتَّ (3) وَاحِدَةً وَيَتَزَوَّجُ أُخرى، فَقَالَ: نَعَمْ، فَارِقِ امْرَأَتَكَ ثَلاثًا وتزوّج. فقال القاسم في مجالس مختلفة.
الأحكام الإِسلامية صحيحة (والظاهر أن كلمة "صحيحة" سقطت في الأصل) ، والظاهر أن التعبير، بالمفارقة بناءً على فسخ الزيادة بالآية الناسخة لجوازها قبل ذلك وهي قوله تعالى:{فانكحوا مَا طَاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} (سورة النساء: الآية 3) فإن سورة النساء مدنية بالإِجماع، فالقول بأن نكاح من بقي منهن باطل موقوف على دليل صح في السماع. نعم بعد ظهور الحكم لو تزوّج شخص زيادة على الأربع فلا خلاف في بطلان الزائد وصحة الأقل (قال الموفق: إن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كنّ كتابيّات لم يكن له إمساكهن كلّهن بغير خلاف نعلمه، ولا يملك إمساك أكثر من أربع، فإذا أحبّ ذلك اختار أربعاً منهن وفارق سائرهن سواء تزوجن في عقد واحد أو في عقود، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر، نص عليه أحمد، وبه قال الحسن ومالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهنّ وإن كان في عقود فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل. المغني 6/620) . وفي "البذل" عن الشوكاني: ذهبت العترة وأبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإِسلام. انظر الأوجز 10/227، وبذل المجهود 10/380) .
(1)
أي ابن عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية.
(2)
حين قدم المدينة.
(3)
قوله: أن يَبِتَّ، بفتح الياء وكسر الباء الموحدة وتشديد الفوقية، أي