الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
" اللهمَّ يَسِّرْ وأَعِن ".
هذه الطبعة:
ظهرت الطبعة الأولى مِن (مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح) من مركز تحقيق التراث بدار الكتب القومية بالقاهرة، سنة (1394 هـ: 1974 م) بعد أن استغرق طبعها في مطبعة الدار أكثر من خمس سنوات، في ظروف صعبة. فخرجت الطبعة مشوبة بأوهام وأخطاء وتصحيفاتٍ حاولتُ استدراك ما تنبه إليه منها وقتئذ، في ملحق بالطبعة لم يخل من وهم وخطأ وتصحيف، فضلاً عما فاتني من قصور في منهج التحقيق والتوثيق. وبلغ بي الضيق بذلك أن تمنيت على الله عز وجل، أن ييسر لي قبل الرحيل، إعداد طبعة جديدة محررة متقنة. واستجاب الله لدعائي، له الحمد والمنّة، فعكفت على إنجاز هذه الطبعة المحررة، قدر ما وسع الجهد وأسعفت الوسائل.
لم يكن الأمر، كما في الطبعة الأولى، مجرد إخراج متن من (المقدمة والمحاسن) من أصول لهما موثقة. فكل منهما قد قرئ على مصنفه ووثقه بخطه. وقد ظل أولهما بوجه خاص، مشغلة علماء الحديث من عصر ابن الصلاح فما بعده، بحيث يمكن لأهل الاختصاص التنبه إلى ما قد يقع في طبعاته، وقد تعددت، من أخطاء وأوهام.
بل الأمر فيما ينبغي لتوثيق المتن، من مقابلة كل ما فيه من نقول على أصولها في الكتب التي نقل منها المصنف، صرَّح بأسمائها أو أبهم. واقتضى هذا وجوب البدء أولاً بجمع ما وصل إلينا من الكتب المصرح بها في نقول ابن الصلاح والسراج البلقيني، ومنها نوادر غير متداولة، ما بين مطبوع ومخطوط .. والمطبوع قلما يخلو من تصحيف وخلل ووهم، والمخطوطات لا تسلم من طمس وتآكل وخرم، وغالباً ما تكون كلماتها غير منقوطة، ومتونها خالية من الفواصل وعلامات الترقيم، وقد تكون على هوامشها إضافات دون علامة لمخارجها، تميز ما هو منها لحق لسقطٍ من المتن، وما هو من الحواشي عليه، للمصنف أو لغيره.
وكشفت المقابلة للنقول في (المقدمة والمحاسن) على ما تيسر لي من مصادرها، عن مواضع غير قليلة من الإِدراج والسقط والوهم، ما كان يمكن اتقاؤها ومصادر النقل ليست بين أيدينا، فكان أن تورطنا في ضبطها على السياق، اجتهاداً فيما لا مجال فيه لاجتهاد. كما وجهت المقابلةُ إلى ما يكون من اختلاف النقل عن نصه في المصدر المنقول منه. وقد جرينا فيما مضى على اعتماد مصادر النقل في مواضع الاختلاف، دون أن نقدر احتمال أن يكون النقل صحيحاً، وأن الخطأ في المصدر أو المرجع المنقول منه، لوهم من مؤلفه أو ناسخه أو ناشره وطابعه، وبهذا تثقل تكاليف التحقيق بالرجوع إلى مصادر أخرى مما يُحتكَم إليه في مثل هذا الاختلاف.
وكان من الإِخلال بقواعد المنهج كذلك، أن قصرتُ في الطبعة الأولى في تخريج الأحاديث بالمقدمة والمحاسن، اقتصاراً على الاطمئنان إليها بوجودها في كتب الحديث والسنن. وما كان ينبغي أن أغفل أن علماء المصطلح يشغلون بالحديث المرفوع أو الموقوف والمرسل والمنقطع والمقطوع والمعضل، والمدرج والشاذ والغريب، والمعلل، والضعيف، والمدلس والمنسوخ، والموضوع .. وذلك كله مما لا شأن لمفهرسي الأحاديث به، وقد يكون الحديث مخرجاً من طرقه الصحاح في كتب الحديث الأمهات، ويتعلق
الأمر عند علماء المصطلح بإسناد معين أو رواية بذاتها، في كتاب منها أو في كتب غيرها من المصنفات الحديثية. وأشق ما تكون المعاناة حين لا يذكرون متن الحديث أو بابه، بل يكتفون بطرف منه أو كلمة، أو إشارة إلى إحدى طرقه، كأن يقولوا: الحديث الذي رواه فلان عن فلان وأنكر المروي عنه أنه روّاه إياه، أو الحديث الذي رواه فلان عن شيخ يشارك فيه عدد من الرواة، قل أو كثر، تشابهت أسماؤهم أو ألقابهم وكناهم وأنسابهم .. ونحو ذلك من الإِشارات التي بعُد العهد بمن كانوا يعرفونها بمجرد الإِشارة إليها، وأما نحن، في عصرنا البائس، فلا غنى لنا في تخريج الأحاديث بكتب المصطلح، عن كتب المستدرك والإِلزامات والمراسيل والعلل والأوهام، ومختلف الحديث وغريبه وناسخه ومنسوخه، والتدليس والوضع .. ومسائل الحفاظ لشيوخهم. وكتب التاريخ والرجال: الجرح والتعديل، والمؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق، والأسماء والكنى، والألقاب والأنساب، ومعاجم الشيوخ وبرامجهم، وكتب التقييد لرواة الكتب والمسانيد، وما تيسر من كتب الأطراف والمبهمات ..
وقد استغرق إعداد هذه الطبعة عشر سنين دأبًا، لئن شُغِلْتُ فيها، كذلك، بتكاليف الإِشراف على طلابي في الدراسات العليا، لقد كان لي من صحبتهم في رسائلهم ما زادني تحريرًا لمنهج التوثيق، وعلمًا بقوانين التحقيق، وزودني بمصادر ومراجع لم تكن مما وقفت عليه من قبل.
وكنت كلما عكفت على إنجاز هذه الطبعة ظهر مخطوط من حيث لا أحتسب، أو نُشر من كتب التراث ما أحتاج إليه. فعُدتُ على بدء أعيد النظر فيما سبق لي إنجازه .. وتكرر ذلك مرارًا حتى بدا لي كأنْ لا نهاية لما رجوت إكماله. وخشيت أن ينتهي الأجل المقدور لي، وأنا هامة اليوم أو غدٍ، قبل إخراج هذه الطبعة الجديدة، فاستخرت الله تعالى وقدمتها للطبع، ويظل المجال مفتوحًا لما بها من فوات يستدركه من ييسرهم الله تعالى لخدمة الحديث الشريف وعلومه.
أدين بالفضل فيما تزودت به لهذه الطبعة من مصورات لعشراتٍ من المخطوطات لم يكن لي غنى عنها، إلى السادة الزملاء الكرام القائمين على خزائن المخطوطات بمصر والمغرب.
وأسعفتني الأريحية الأصلية لصاحب السمو الملكي " الأمير سعود الفيصل " والسيد الجليل " حبيب محمود أحمد، من أعيان المدينة المنورة " بمصورات لمخطوطات نادرة من خزائن استانبول ونجد والمدينة والمنورة، عزَّ عليَّ الظفر بها.
وأذكر بصادق التقدير والعرفان، ما أفدتُ من صحبتي، عشرين عامًا لأبنائي طلاب الدراسات الإِسلامية العليا بجامعة القرويين العريقة، تعلمت معهم في كل درس لنا أو لقاء، ما يُثري وجودنا العلمي، ويرهف اعتزازنا بالانتماء إلى المدرسة الإِسلامية، بما نهلتُ وإياهم من ينابيع سخية نقية لسلفنا العلماء النبلاء الصفوة، ورثة الأنبياء.
للهِ تعالى الحمدُ والمِنَّة
" وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الّذِينَ اصْطَفَى "
صدق الله العظيم.
مصر الجديدة
صيف عام 1409 هـ - 1989 م.