الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى يناديَ ابنُ أمِّ مكتوم ". (1) وروَى بإسنادِه عن " شعبةَ " أنه قال: " إذا حدثك المحدِّثُ فلم تر وجهَه فلا تَرْوِ عنه، فلعله شيطانٌ قد تصورَ في صورتِه يقول: حدثنا، وأخبرنا ". والله أعلم.
الثامن: من سمع من شيخ حديثًا ثم قال له: " لا تَروِه عني، أو: لا آذَنُ لك في روايته عني
، أو قال: لستُ أخبركَ به، أو: رجعتُ عن إخباري إياكَ به فلا تَروِه عني " غيرَ مسندِ ذلك [41 / و] إلى أنه أخطأ فيه أو شكَّ فيه ونحوِ ذلك، بل منعه من روايتِه عنه مع جَزْمِه بأنه حديثُه، فذلك غيرُ مبطل ٍ لسماعه، ولا مانع له من روايته عنه. وسأل " الحافظُ أبو سعيد بن عَلِيَّك النيسابوري " (2) الأستاذ أبا إسحاق الإِسْفَراييني، (3) - رحمهما الله - عن محدِّث خَصَّ بالسماع قومًا، فجاء غيرُهم وسمع منه من غير علم المحدِّثِ به؛ هل يجوز له روايةُ ذلك عنه؟ فأجاب بأنه يجوز، ولو قال المحدِّثُ: " إني أخبركم ولا أخبرُ فلانًا " لم يضره. والله أعلم (4).
القسم الثالثُ من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله: الإِجازةُ.
وهي متنوعة أنواعًا:
أولها: أن يُجيزَ لمعيَّنٍ في مُعينٍ
، مثل أن يقولَ:" أجزتُ لكَ الكتابَ الفلاني، أو: ما اشتملت عليه فَهْرستي هذه " فهذا أعلى أنواع الإِجازةِ المجرَّدةِ عن المناولة. وزعم
(1) بلفظ البخاري في كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان هناك من يخبره. وبلفظ " إن بلالا يؤذن بليل " في صحيح مسلم، ك الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. وانظر (فتح الباري 2/ 67) ومعه الحديث في النوع 22 مما يلي، فانظره.
(2)
في (غ): [أبو سعد بن عليك] وقع في طبعة العراقية: أبو سعيد [بن غلبك] بالغين المعجمة والباء، قلمًا.
وفي سير النبلاء (11/ 113): عبدالرحمن بن الحسين بن عليك النيسابوري أبو سعد: محدث حافظ جمع وصنف، وتوفي سنة 431 هـ، وهو من أبناء السبعين. والذي في الإكمال للأمير (باب عليل وعليك):" أبو سعيد عبدالرحمن وابنه شيخنا أبو القاسم علي بن عبدالرحمن " واستوفى ابن نقطة ضبط ابن عَلِيَّك، أبي سعيد عبدالرحمن بن الحسن بن عليك الرازي، في المستدرك على الإِكمال (هامش 6/ 262) فانظره.
(3)
في النسخ: الأسفرائيني؛ مهموزًا. بالفتح - قلما - والضبط: بكسر الألف وسكون السين المهملة وفتح الفاء والراء وكسر الياء، نسبة إلى إسفراين، بليدة قرب نيسابور، من (اللباب 1/ 55).
وانظر فصل الإِذن في الرواية، في (الكفاية: 282).
(4)
على هامش (غ): [بلغ السماع بقراءتي في المجلس الثاني على شيخنا عز القضاة ابن المنير وسمعه أبو محمد عبدالله بن أبي القاسم بن رستم، وأبو البركات محمد، أخي. وكتبه محمد بن محمد الفاسي].
بعضُهم أنه لا خلافَ في جوازِها ولا خالَفَ فيها أهلُ الظاهر، وإنما خلافُهم في غير هذا النوع. وزاد " القاضي أبو الوليد الباجي المالكي " فأطلق نَفْيَ الخلاف وقال:" لا خلافَ في جواز الرواية بالإِجازة من سلَف هذه الأمة وخلفِها ". وادَّعى الإِجماعَ من غير تفصيل، وحكى الخلافَ في العمل بها (1). والله أعلم.
قال الشيخ - أبقاه الله -: هذا باطلٌ؛ فقد خالفَ في جوازِ الرواية بالإِجازة جماعاتٌ من أهل ِ الحديثِ والفقهاءِ والأصوليين، وذلك إحدى الروايتينِ عن " الشافعيِّ " رضي الله عنه؛ رُوِيَ عن صاحبِه " الربيع بنِ سليمانَ " قال: كنا الشافعي لا يرى الإجازةَ يف الحديث. قال الربيعُ: أنا أخالفُ الشافعيَّ في هذا *.
وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين، منهم [41 / ظ] القاضيان " حُسَيْن بنُ محمد المرورُّذي، (2) وأبو الحسن الماوردي " - وبه قطع الماوردي في كتابه (الحاوي) وعَزَاه إلى مذهب الشافعي - وقالا: جميعًا: لو جازت الإِجازة لبطلت الرحلةُ.
(1) الإِلماع للقاضي عياض: 89 وانظر معه الكفاية (317) أبواب الإجازة.
(2)
على هامش (غ): [المرو الرُّوذي] وفي اللباب: نسبة إلى مرو الروذ، من أشهر مدن خراسان، وأما المروَزي؛ فسنة إلى مرو الشاهجان، بينها وبين مرو الروذ أربعون فرسخًا (3/ 198، 199) والقاضي حسين بن محمد بن أحمد، أبو علي المروَروذي، شيخ الشافعية بخراسان، مشهور باسم " القاضي حسين " ت سنة 462 هـ. تهذيب النووي 1/ 164.
وفي بلدان ياقوت: " نسبة إلى مروذ، بالفتح ثم التشديد والضم وسكون الواو وذال معجمة، وهو مدغم من: مرو الروذ، هكذا يتلفظ به جميع أهل خراسان ".
_________
* المحاسن:
" فائدة: قد فعلها " الشافعي " للكرابيسي حين أراد أن يقرأ كتبَ الشافعي عليه، فأتى الشافعي فقال: " خذ كتبَ الزعفراني فانسخْها فقد أجزتُها لك " فأخذها إجازة. أسنده الرامهرمزي (1). انتهت " 51 / و.
_________
(1)
في المحدث الفاصل (448 ف 532) بإسناده إلى أبي علي الكرابيسي: الحسين بن علي بن يزيد البغدادي، وهو والزعفراني أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح، من أثبت رواة القديم عن الإِمام الشافعي. (تهذيب النووي، الترجمتان: 486، 465).
ورُوِيَ أيضًا هذا الكلامُ عن " شُعبةَ " وغيره (1).
وممن أبطلها من أهل ِ الحديث: " الإِمامُ إبراهيمُ بن إسحقا الحربي، (2) وأبو محمد عبدُالله بن محمد الأصبهاني الملقبُ بأبي الشيخ (3)، والحافظُ أبو نصر الوائلي السجزي ". وحكى " أبو نصر " فسادَها عن بعض ِ من لَقِيه. قال أبو نصر: وسمعتُ جماعةً من أهل ِ العلم يقولون: " قولُ المحدث: قد أجزتُ لك أن تَروِيَ عني؛ تقديرُه: أجزتُ لك ما لا يجوزُ في الشرع؛ لأن الشرعَ لا يبيحُ روايةَ ما لم يسمَعْ ".
قال الشيخ - أبقاه الله -: ويُشبِهُ هذا ما حكاه " أبو بكر محمد بن ثابت الخُجَنْدي " أحد من أبطل الإجازو من الشافعية، عن " أبي طاهر الدباس " أحدِ أئمةِ الحنفية، قال:" من قال لغيره: أجزتُ لك أن ترويَ عني ما لم تسمع؛ فكأنه يقولُ: أجزتُ لك أن تكذبَ عليَّ "(5).
ثم إن الذي استقر عليه العملُ، وقال به جماهيرُ أهل ِ العلم من أهل الحديث (6) وغيرهم: القولُ بتجويز الإجازةِ وإباحةِ الرواية بها. وفي الاحتجاج لذلك غموضٌ. ويَتَّجِهُ أن نقولَ: إذا أجاز له أن يَروِيَ عنه مروياتِهِ وقد أخبره بها جملةً فهو كما لو أخبره تفصيلا، وإخبارُه بها غيرُ متوقّفٍ على التصريح نُطْقًا كما في القراءة على الشيخ كما سبق، وإنما الغرضُ حصولُ الإِفهام ِ والفهم، وذلك يحصلُ بالإجازة المفهِمة. والله أعلم.
ثم إنه كما تجوزُ الروايةُ بالإجازة؛ يجبُ العملُ بالمروِيِّ بها، خلافًا لمن قال من أهل ِ الظاهرِ ومَنْ تابَعَهم: أنه لا يجبُ العملُ به وأنه جارٍ مجرى المُرسلَ. وهذا باطلٌ لأنه ليس
(1 - 2) أسنده الخطيب في الكفاية (315) عن شعبة، وعن الإمام الحربي.
(3)
وأسنده أبو محمد الأصبهاني عبدالله بن محمد، أبو الشيخ، إلى عطاء (الكفاية 313) قال: العلم سماع. وإلى أبي زرعة، وسئل عن إجازة الحديث والكتب فقال:" ما رأيت أحدًا يفعله، فإن تساهلنا في هذا يذهب العلم ولم يكن للطلب معنى، وليس هذا من مذهب أهل العلم "(الكفاية 315).
(4)
على هامش (غ): [الخجندي: بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ثم دال مهملة، نسبة إلى " خجندة ": مدينة كبيرة على طرف سيحون. كذا وجدته بخط شيخنا أبي بكر فنقلته].
وهو الضبط في (اللباب: 1/ 424).
(5)
في تقييد العراقي: 181.
(6)
في (ص): [جماهير أهل الحديث]. وما هنا من (غ، ع).
في الإِجازة ما يقدحُ في اتصال ِ المنقول ِ بها وفي الثقةِ به * [42 / و]. والله أعلم (1).
(1) على هامش (غ): بلغت المقابلة على أصل الشيخ. ثم بلغ مقابلة عليه ثانية.
_________
* المحاسن:
" فائدة: ذكر " ابن حزم " مخالفتَه في العمل وفي جوازِ الرواية؛ فقال في كتابه (الإحكام) (1): " وأما الإجازة التي يستعملها الناس فباطل، ولا يجوز لأحدٍ أن يخبر بالكذب، ومن قال لآخر: ارو عني جميعَ روايتي، أو يخبره بها ديوانًا ديوانًا وإسنادًا إسنادًا، فقد أباح له الكذب. (1) [قال]: ولم تأت الإِجازة عن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابِه [رضي الله عنه] ولا عن التابعين، ولا [عن أحد من] أتباع التابعين، فحسبك بدعةً بما هذه صِفَتُه ". (2) وما ذكره " ابن حزم " قد سبق نقلُه عن جماعة، وفي (القنية) من كتب الحنفية: " إذا أعطاه المحدِّثُ الكتابَ، وأجاز له ما فيه، ولم يسمع ذلك منه ولم يعرفه؛ فعند " أبي حنيفة، ومحمد " لا يجوز روايتُه " وهذا يدل على منع الإجازة المقرونة بالمناولة وسيأتي الكلامُ عليها. و " وابن حزم " إن كان كلامه المتقدم في الإجازة المقرونة بالمناولة وغيرِها؛ رُدَّ عليه قوله: " إنها لم يقل بها أحد من التابعين " .. إلخ، فسننقل ذلك في المناولة عن جماعة من التابعين، وجاء عن " أنَس ٍ " ما يُشْعِر بها؛ ففي (معجم البغوي الكبير) عن يزيد الرقاشي قال: " كنا إذا أكثرنا على أنَس ِ بن مالك أتانا بِمخَال ٍ له فألقاها إلينا وقال: هذه أحاديثُ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتُها وعرضتها ". وفي (المحدِّث الفاصل، للرامهرمزي) في (باب القول ِ في الإِجازة والمناولة) أَسنَد إلى " الحسن " أنه كان لا يرى بأسًا أن يدفع المحدِّثُ كتابَه ويقول: ارْوِ عني جميعَ ما فيه، يسعه أن يقول: حدثني فلان عن فلان (3).
وإن كان كلام " ابن حزم " في الإِجازة الخالية عن المناولة، فلا يناسِبُ تعليلَه؛ إذ لا فرق بينهما. وما نقل [ابنُ الصلاح] عمن قال من الظاهرية: إن العمل بالإجازة لا يجب ويجري مجرى المرسل؛ يقتضي ذلك منعَ العمل ِ دون التحديث. وقد نُقِل عن " الأوزاعي " عكسُ ذلك، ففي (كتاب الرامهرمزي) قال " الأوزاعي " في كَتْب =
_________
(1 - 2) ابن حزم: (الإحكام، فصل في صفة الرواية) 2/ 147، 148 والمقابلة عليه، مع خلاف يسير في بعض الألفاظ.
(3)
المحدث الفاصل (435 ف 498).