الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ - أبقاه الله -: وهذا الحكم لا أراه يَستمرُّ بعد المتقدمين فيما وُجِدَ من المصنفين في تصانيفهم، مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه: ذكر فلان، قال فلان، ونحو ذلك؛ فافهم كلَّ ذلك؛ فإنه مُهم عزيز (1). والله أعلم.
الرابع: التعليقُ الذي يذكره " أبو عبدالله الحميدي " صاحب (الجمع بين الصحيحين) [
14 / ظ] وغيره من المغاربة، في أحاديثَ من (صحيح البخاري) قطع إسنادَها، وقد استعمله " الدارقطني " من قبل: صورتُه صورةُ الانقطاع وليس حكمُه حكمَه، ولا خارجًا ما وُجِدَ ذلك فيه منه، من قَبيل ِ الصحيح إلى قبيل ِ الضعيف. وذلك لما عُرِفَ من شَرْطِه وحُكمِه، على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول *.
ولا التفات إلى " أبي محمد بن حزم الظاهري، الحافظ " في ردِّه ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لَيكونَنَّ في أمتي أقوام يستحلون الحريرَ والخمرَ والمعازفَ " .. الحديث؛ من جهةِ أن البخاري أورده قائلا فيه: " قال هشام بن عمار ". وساقه بإسناده (2). فزعم " ابنُ حزم " أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابًا عن الاحتجاج ِ به على تحريم ِ المعازف (3).
وأخطأ في ذلك من وجوه. والحديث صحيح معروفُ الاتصال بشرط (الصحيح). و " البخاري " رحمه الله قد يفعل مثلَ ذلك لكون ذلك الحديث معروفًا من جهة الثقات،
(1) انظر " جامع التحصيل لأحكام المراسيل " للعلائي: 143.
(2)
على هامش (غ): [أخرجه البخاري في كتاب الأشربة فقال: قال هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد، ثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، ثنا عطية بن قيس الكلابي، ثني عبدالرحمن بن غنم الأشعري، ثني أبو عامر - أو أبو مالك - الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث.
- كتاب الأشربة من البخاري، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (مع فتح الباري: 10/ 40).
(3)
قاله ابن حزم في (المحلى). انظر (تقييد العراقي 89 - 90، وتوضيح التنقيح 1/ 145).
عن ذلك الشخص الذي علَّقه عنه. وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخرَ من كتابه مسندًا متصلا. وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خللُ الانقطاع *. والله أعلم.
وما ذكرناه من الحُكم في التعليق المذكور؛ فذلك فيما أورده منه أصلا ومقصودًا، لا فيما أورده في معرض الاستشهاد؛ فإن الشواهدَ يُحتمَل فيها ما ليس من شرط الصحيح، معلَّقا كان أو موصولا. ثم إن لفظ التعليق وجدتُه مستعملاً فيما حُذِفَ من مبتدإ إسنادِه واحدٌ فأكثر، حتى إن بعضَهم استعمله في حذف كلِّ الإِسناد. مثال ذلك قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، قال ابن عباس كذا وكذا، روى أبو هريرة كذا وكذا، قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا وكذا، وهكذا إلى شيوخ شيوخه. وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبًا في الثالث من هذه التفريعات.
وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب [15 / و] جعله قسمًا من التعليق ثانيًا، وأضاف إليه قولَ " البخاري " في غير موضع من كتابه:" وقال لي فلان، وروانا فلان "؛ فوسم كلَّ ذلك بالتعليق المتصل ِ من حيث الظاهرُ، المنفصل ِ من حيث المعنى. وقال: متى رأيت البخاري يقول: " وقال لي فلان، وقال لنا " فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به. وكثيرًا ما يعبر المحدِّثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذكرات والمناظرات، وأحاديثُ المذاكرة قلما يَحتجون بها.
قال الشيخ - أبقاه الله -: وما ادَّعاه على " البخاري " مخالفٌ لما قاله مَن هو أقدمُ منه وأعرفُ بالبخاري، وهو العبد الصالح " أبو جعفر بنُ حمدانَ النيسابوري " فقد روينا عنه أنه قال: كل ما قاله البخاري: " قال لي فلان " فهو عَرْضٌ ومُناولة.
* المحاسن:
" فائدة: لا يقال: ليس بمسند؛ فلا يكون صحيحًا ولا داخلا في البخاري المسند الصحيح؛ لأنا نقول: إذا كان الإِسناد معروفًا من جهة الثقات كما تقدم؛ كان صحيحًا على شرط البخاري. انتهت " 22 / ظ.
_________
- وانظر مقدمة النووي لشرح مسلم: 1/ 20 وتخريج ابن حجر حديث " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف " في فتح الباري (10/ 43).