الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث عشر:
معرفة الشاذِّ
.
روينا عن " يونس بن عبد الأعلى " قال: قال لي " الشافعي " رضي الله عنه (1): " ليس الشاذُّ من الحديث أن يروي الثقةُ ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يرويَ الثقةُ حديثا يخالفُ ما روَى الناس "(2).
وحكى " الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني " نحوَ هذا عن الشافعي رحمه الله، وجماعةٍ من أهل الحجاز ثم قال:" الذي عليه حُفَّاظُ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذُّ بذلك شيخٌ، ثقةً كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يُقبَل، وما كان عن ثقة؛ يُتوَقَّف فيه ولا يُحْتَجُّ به ".
وذكر " الحاكم أبو عبدالله الحافظ " أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع (3) لذلك الثقة. وذكر أنه يغاير المعلَّلَ، من حيث أن المعلَل (4) وُقِفَ على عِلَّتِه الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علةٍ كذلك (5).
قال الشيخ - أبقاه الله -: أما ما حكم " الشافعيُّ " عليه بالشذوذ؛ فلا إِشكالَ في أنه شاذ غير مقبول. وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدلُ الحافظ الضابط، كحديثِ " إنما الأعمال بالنيات " فإنه حديث فرد؛ تفرد به " عمرُ " رضي الله عنه عن
(1) من (ص) وفي متن المقدمة بالتقييد والإِيضاح: [رحمه الله].
(2)
الحاكم، بسنده إلى يونس بن عبد الأعلى عن الإِمام الشافعي (المعرفة 119).
(3)
العراقية، و (غ)، وفوقه:[كذا وقع] ومثله بهامش (ز) مع حاشية: [وصوابه: متابع، أو بمتابعة ذلك الثقة].
وعبارة الحاكم في متن مطبوعة المعرفة 119: " وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة ". وعلى هامشه في ش: [بمتابع] أي في نسخة الظاهرية بدمشق.
(4)
لفظ الحاكم فيها: المعلول (ص 119).
(5)
[بلغ مقابلة بالأصل المقابل على أصل السماع، ثم بلغ مقابلة عليه ثانية]. (غ) بخط ابن الفاسي.
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر: " علقمةُ بن وقاص "(1) ثم عن علقمة: " محمدُ بن إبراهيم " ثم عنه (2): " يحيى بنُ سعيد " على ما هو الصحيح عند أهل الحديث *.
(1)" علقمة بن وقاص " الليثي المدني التابعي. وكان في (غ، ز): [بن أبي وقاص] ثم كشطت [أبي] في الأولى، وضرب عليها في الثانية، وفوقها: صح.
(2)
الضمير لمحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أبي عبدالله المدني التابعي، ومن هذه الطريق، رواه: البخاري: في ك الإِيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية (فتح الباري 1/ 6 - 14) وفيه تخريجه من مختلف طرقه. ثم في كتب: العتق، ومناقب الأنصار، والطلاق، والأيمان.
ومسلم: في كتاب الإِمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنية " (ح 1907) 3/ 1515. وأبو داود: ك الطلاق، باب فيما عني به الطلاق والنيات (ح / 220): 2/ 262.
والترمذي: أبواب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا (8/ 151 عارضة الأحوذي).
والنسائي: طهارة، باب النية في الوضوء (1/ 58) وفي الطلاق، والأيمان.
وابن ماجة: في الزهد، باب النية (ح 4227) ص / 1413، والإِمام أحمد في مسند عمر رضي الله عنه 1/ 258 معارف. وانظر الإِلماع:54.
_________
* المحاسن:
" فائدة: جواب الإِشكال أن الانفراد هنا لم يحصل فيه الشذوذ المقصود؛ لحصول الشهرة بعد ذلك. فلا يرد على من قال: الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد. وأما على طريق " الحاكم " فالمراد بالانفراد: ما خالف الشواهد أو القواعد. وهذا غير موجود في حديث " إنما الأعمال بالنيات ". ولا يقال: لم ينفرد به عمر رضي الله عنه بذلك فقد رواه عن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةٌ كثيرة منهم: أبو سعيد الخدري - ذكره الدارقطني -، وذكر ابنُ منده في (المستخرج) أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " عليُّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن عمر، وأنس، وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد، وهَزَّال بن سويد، وعقبة بن عامر، وأبو ذر الغفاري، وجابر، وعتبة بن النُّدَّر، وعقبة بن مسلم " وذكر أحاديثهم فيه؛ لأنا نقول: لم يصح ذلك عن واحد من المذكورين. أما حديث أبي سعيد؛ فرواه عبد المجيد الثقفي - وهو موثق -، عن مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: =
.............................................................................................................................
= " الأعمال بالنية " وقد وهَّمه الحُفاظ فيه (1). وأخرجه أبو يعلى الخليلي في (كتاب الإرشاد)(2) وقال في موضع آخر: وهو غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه، وهو مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة. ورواه الدارقطني في (أحاديث مالك التي ليست في الموطأ) ولفظه:" إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " الحديث. وقال: تفرد به عبد المجيد عن مالك (3)، ولا يُعلَم حدث به عن عبد المجيد، غيرُ نوح بن حبيب وإبراهيم بن محمد العتيق. وأما الصحابة الذين ذكرهم " ابنُ منده " فلم يَذكر الأسانيد حتى يُنظَر فيها، فلا يرد شيء منها ولا يحفظ لها سند، إلا ما كان من حديث " أنس " فإن بقية بن الوليد روى عن إسماعيل النصري عن أبَان عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله قولا إلا بعمل، ولا يقبل قولا ولا عملا إلا بِنيَّة، ولا يقبل قولا ولا عملا ونية إلا بإصابة السنة " أخرجه " الحافظ أبو القاسم علي الدمشقي " في المجلس الأول من (أماليه) وقال: هذا حديث حسن (4). و " بقيَّةُ " الكلام فيه معروف. فظهر أنه - أي الحديث - لم يصح عن أحد إلا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فهو من أفراد عمر، على الصحيح.
_________
(1)
" وسئل الدارقطني عن حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنية " الحديث؛ فقال: يرويه عبد المجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وأصحاب مالك يروونه عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح ".
(العلل للدارقطني: 3/ 223 خط) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
كتاب (الإرشاد في علماء البلاد) لأبي يعلى الخليلي: 15 مخطوط الخزانة العامة بالرباط، رلقم: 528 ك / انتخاب الحافظ أبي طاهر السلفي.
(3)
في العلل للدارقطني، وسئل عنه:" قال: وروى هذا الحديث مالك بن أنس، واختلف عنه؛ فرواه عبد المجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، ولم يتابع عليه، وأما أصحاب مالك الحفاظ فرووه عن: مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن عمر، وهو الصواب ".
(العلل 1/ 52 - 57) حديث عمر رضي الله عنه.
(4)
أبو القاسم ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله - 571 هـ.
انظر ابن حجر في (فتح الباري 1/ 6 - 14، وفي النخبة 33 - 36).
.............................................................................................................................
= ولا يقال أيضًا: " أبو يعلى، والحاكم " إنما ذكرا الثقة دون الحفظ؛ فلا يستشكل كلامهما بحديث " إنما الأعمال " لما تقدم من أنه انفرد به العدل الحافظ الضابط، فالحفظ والضبط زيادة على الثقة؛ لأنا نقول: أطلقا .. [يعني: أبا يعلى والحاكم] الثقةَ. ومن جملة ما يدخل تحته، ما إذا كان الثقة حافظًا.
ولا يقال: إن أراد بالعدل الحافظ الضابط " أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب " فكلامه بعيد من الصواب لأن مثل هذا لا يوصف به عمرُ، وإن أراد بقيةَ مَن في السند فغير مُسلَّم؛ لأن علقمة ومحمدا [بن إبراهيم] لم يقل أحد إنهما حافظان؛
لأنا نقول: نعم، أراد بالعدل الحافظ الضابط جميع رجال السند، وما المانع من إطلاق ذلك على عمر رضي الله عنه عمومًا وخصوصًا؟ وقد قال الله سبحانه وتعالى:" وكذلكَ جَعَلناكُم أمَّةً وسَطا "؟ قال المفسرون: خيارًا عدولا. وقال تعالى: " إنْ كلُّ نَفس ٍ لَمَّا عَليها حافِظ " فوصف الملائكة بالحفظ. وليت شعري ما يقول هذا المعترضُ في قول الأصوليين والمحدثين في مسألة: الصحابة كلهم عدول؟ ولكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض. وأما علقمة ومحمد؛ فوصفُهما بالحفظ ليس على طريق الاصطلاح الحادث؛ بل لأن الأئمة تلقوا حديثهما بالقبول، وذلك دليل على الضبط المقتضي للحفظ. وقد ترك المعترضُ أن يقول: لم ينفرد به " علقمة بن وقاص " فقد رواه عن عمر، غير علقمة:" جابرُ بن عبدالله الأنصاري، وعبدالله بن عامر بن ربيعة، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وأبو جُحيفة، وذو الكلاع، ومحمد بن المنكدر، وواصل .... ، وعطاء بن يسار، وناشرة بن سُمَيّ، وسعيد بن المسيب ". وأيضًا لم ينفرد به " محمد بن إبراهيم " عن علقمة؛ فقد رواه عنه: " نافع مولى ابن عمر، وابن المسيب " كذا ذكره ابن منده في (المستخرج) مع ذكره ابنَ المسيب في جملة من روى عن عمر. لكن رواية ابنِ المسيب عن عمرَ منقطعة، وروايتُه عن علقمة متصلة. ولم ينفرد يحيى بن سعيد برواية ذلك عن محمد بن إبراهيم؛ فقد رواه عن محمد بن إبراهيم:" محمدُ بن محمد بن علقمة، وداودُ بن أبي الفرات، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وحجاج بن أرطاة، وعبد ربه بن سعيد " هذا كله من كلام " ابن منده " في (المستخرج) ولكن لما لم تصح أسانيد ذلك؛ كان =
وأوضَحُ من ذلك في ذلك، حديثُ عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن بيع الولاء وهَبتِه (1)؛ تفرد به " عبدالله بن دينار ". وحديثُ مالك عن الزهري عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسِه المغفرُ "(2) تفرد به مالكٌ عن الزهري *. فكل هذه مخرجَة في (الصحيحين) مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثِقَةٌ. وفي غرائب
(1) من (غ، ص، ع) وفي (ز): [وعن هبته] وحديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر متفق عليه. أخرجه الشيخان في كتاب العتق من الصحيحين، باب النهي عن بيع الولاء وهبته، وهو في الباب من بيوع الترمذي (5/ 245 مع العارضة) وفرائض ابن ماجة (ح 2747).
(2)
الموطأ، باب جامع الحج: عن الزهري عن أنس رضي الله عنه (ح 247) ومعه (التمهيد لابن عبدالبر: 6/ 157) وأخرجه في الباب، من رواية مالك عن الزهري عن أنس:(البخاري مع فتح الباري 4/ 41، ومسلم: ح 450/ 1357) والترمذي، في الباب، وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرف كبيرَ أحدٍ رواه غير مالك عن الزهري (7/ 186 مع العارضة).
وقول ابن الصلاح: " تفرد به مالك عن الزهري " تعقبه العراقي في التقييد والتبصرة بنحو ما يلي في فائدة المحاسن، وأتم ابن حجر تعقب شيخه العراقي فيه، في (فتح الباري 4/ 42).
_________
= الحديث فردًا بالنسبة إلى الصحة. والله أعلم. وانتشر حديث " إنما الأعمال " عن يحيى بن سعيد، حتى يقال إنه بلغت روايته مئينَ كثيرة، وقد ذكر كثيرًا منهم " ابنُ منده " في (المستخرج) فوصل عدَّتَهم إلى نحو من ثلثمائة وأربعين نفسًا. انتهت " 25 / ظ - 27 / و.
- انطر تقييد العراقي: 101 وتبصرته 1/ 194، 2/ 275 وفتح الباري:(1/ 6 - 14) وشرح النخبة (33 - 36)، وتوضيح التنقيح: 1/ 381.
* المحاسن:
" فائدة: لا يقال: حديث عبدالله بن دينار لم ينفرد به، فقد رواه عن ابن عمر: نافع؛ لأنا نقول: تلك الرواية وهم، ولذلك قال الترمذي: " وقد روى يحيى بن سُلَيم هذا الحديثَ عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. وهو وَهمٌ وَهِمَ فيه يحيى بن سُلَيم، فقد رواه عبدالوهاب الثقفي وعبدالله بن نمير، وغير واحد، عن عبيدالله [بن عمر] =
الصحيح أشباهٌ لذلك غيرُ قليلة. وقد قال " مسلم بن الحجاج ": للزهري نحو تسعين حرفًا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحدٌ، بأسانيدَ جِياد. والله أعلم.
= عن عبدالله بن دينار. وهذا أصح من حديث يحيى بن سليم " (1) وهذا الذي قاله الترمذي يعضده قول " مسلم ": " الناس كلها في هذا الحديث عيال على عبدالله بن دينار " وقد أنهيتُ رواتَه عن عبدالله بن دينار، سبعَ عشرة نفسًا في (العرف الشذي) فلينظر فيه. وفي (العلل لابن أبي حاتم): سألت أبي عن حديثٍ رواه سعيد بن يحيى الأموي عن نافع، وعبدُالله بن دينار عن ابن عمر، قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته "، قال أبي: نافع أخذ عن عبدالله بن دينار هذا الحديث، ولكن هكذا قال. وفي (المعجم الأوسط للطبراني) في باب الألف: " حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، حدثنا أبي عن أبيه عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول:" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته " قال الطبراني: لم يروه عن سفيان عن عمرو بن دينار إلا يحيى بن حمزة، تفرد به ولده عنه، ورواه الناس عن سفيان عن عبدالله بن دينار " (2).
ولا يقال: حديث المغفر لم ينفرد به مالك؛ فقد رواه عن الزهري ابنُ أخيه فيما ذكر ابن عبد البر، ورواه أيضًا أبو أويس والأوزاعي عن الزهري عن أنس؛
لأنا نقول: تلك روايات، والتفصيل الذي يتقيد به إطلاقُ " الخليلي والحاكم " أن الراوي إذا انفرد وخالف رواية من هو أحفظ وأضبط منه، رُدَّ ما تفرد به؛ وإن لم يخالف وكان عدلا حافظًا موثوقًا بإتقانه وضبطه؛ قُبِلَ منه ما انفرد به، كما فيما سبق من الأمثلة. وإن لم يوثق بحفظه وإتقانه لما انفرد به؛ نزل عن الصحيح. ثم إن لم يبعد عن درجة الحافظ الضابط المقبول ِ تفردُه؛ كان حديثه حسنًا، وإلا فشاذ منكر " 27 / وظ.
_________
(1)
الترمذي (5/ 245) وفي العلل الصغير، بآخر جامعه (13/ 334 عارضة الأحوذي) وقد رواه ابن ماجة من حديث يحيى بن سليم الطائفي عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، في الفرائض، (ح 2748) بعد حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر.
(2)
المعجم الأوسط للطبراني: باب الألف، (مكروفيلم معهد المخطوطات بالقاهرة 483 مصطلح حديث، من كوبريللي 454).
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمةِ الحديث، يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به " الخليلي، والحاكم " بل الأمر في ذلك على تفصيل نبيِّنه فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نُظِرَ فيه؛ فإن كان ما انفرد به مخالفًا لما رواه مَنْ هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبطُ، كان ما انفرد به شاذًّا مردودًا. وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فَيُنْظَر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظًا موثوقًا بإتقانه وضبطِه؛ قُبِلَ ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة؛ وإن لم يكن ممن يوثَق وإتقانه لذلك الذي انفرد به؛ كان انفراده به خارِمًا له مُزَحزِحًا له عن حيِّز الصحيح.
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتبَ متفاوتةٍ بحسب الحال فيه؛ فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفردُه، استحسنَّا حديثه ذلك، ولم نحطّه إلى قبيل الحديث الضعيف. وإن كان بعيدًا من ذلك، رددنا ما انفرد به وكان من قبيل ِ الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذَ المردودَ قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالِف.
والثاني: الفرد الذي ليس في رواية من الثقة والضبط ما يقع جابرًا لما يوجبه التفرد والشذوذُ من النكارة والضعف. والله أعلم (1).
(1) على هامش (ص) بلاغ القراءة والسماع، على العراقي.