الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكونوا يقولون ذلك (1) إلا تخوفًا من الزلَل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر " (2).
قلت (3): وإذا اشتبه على القارئ فيما يقرؤه فقرأها على وجه يشكُّ فيه، ثم قال: أو [62 / و] كما قال؛ فهذا حسَنٌ، وهو الصوابُ في مثلِه لأن قولَه: او كما قال؛ يتضمن إجازة من الراوي، وإذنًا في رواية صوابِها عنه إذا بان. ثم لا يشترط إفرادُ ذلك بلَفظِ الإِجازة؛ لما بيَّناه قريبًا. والله أعلم.
السابع: هل يجوز اختصارُ الحديث الواحد وروايةُ بعضِه دون بعض
؟ اختلف أهلُ العلم فيه؛ فمنهم من منع ذلك مطلقًا بناءً على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقًا. ومنهم من منع من ذلك مع تجويزه النقلَ بالمعنى، (4) إذا لم يكن قد رواه على التمام مرةً أخرى، ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام. ومنهم من جوَّز ذلك وأطلق ولم يُفَصِّل. وقد روينا عن " مجاهدٍ " أنه قال: انقُصْ من الحديث ما شئتَ ولا تَزِدْ فيه. *
والصحيحُ التفصيلُ، وأنه يجوز ذلك من العالم العارف، إذا كان ما تركه متميزًا عما نقله، غير متعلق به بحيث لا يختل البيانُ، ولا تختلف الدلالةُ فيما نقله بترك ما تركه، (5) فهذا ينبغي أن يجوز وإن لم يجز النقل بالمعنى؛ لأن الذي تركه - والحالةُ هذه - بمنزلة
(1) سقط من (ص).
(2)
الكفاية: (ذكر من كان يذهب إلى إجازة الرواية على المعنى): 205.
(3)
من متن (غ، ص، ع). وعلى هامش (غ): [قال المؤلف شيخنا رضي الله عنه] خ.
(4)
انظر الكفاية: 189.
(5)
على هامش (غ): [قال الشيخ: إن كان اختصار الحديث مما يغير المعنى لو لم يختصر؛ فلا يجوز، وإن لم يغير المعنى، مثل أن يذكر لفظين مستقلين في معنيين، فيقتصر على أحدهما؛ فالأقرب الجواز لأن عمدة الرواية في التجويز هو الصدق، وعمدتها في التحريم الكذب. وفي مثل ما ذكرناه، الصدق حاصل فلا وجه للمنع، فإن احتاج ذلك إلى تغيير لا يخل بالمعنى؛ فهو خارج عن جواز الرواية بالمعنى].
_________
* المحاسن:
" فيه نظر؛ لأن الاختصار التصرف في اللغة، ولكن المعنى بخلاف اللفظ ". بخط الشيخ على هامش (72 / و).
خبرين منفصلين في أمرين لا تعلُّقَ لأحدِهما بالآخر (1).
ثم هذا إن كان رفيعَ المنزلة بحيث لا يتطرقُ إليه في ذلك تهمةُ نقلِه أولا تامًّا، (2) ثم نقله ناقصًا، أو نقله أولا ناقصًا ثم نقله تامًّا. فأما إذا لم يكن كذلك؛ فقد ذكر " الخطيبُ الحافظ " أن من روى حديثًا على التمام، وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان، أن يُتَّهمَ بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه، أو أنه نسي في الثاني باقي الحديثِ لقِلَّةِ ضبطهِ وكثرةِ غلَطه، فواجبٌ عليه أن يَنفي هذه الظَّنَّةَ عن نفسه. (3) وذكر " الإِمامُ أبو الفتح سُليمُ بنُ أيوبَ الرازي، الفقيهُ "[62 / ظ] أن مَن روى بعضَ الخبر ثم أراد أن ينقلَ تمامَه، وكان ممن يُتَّهم بأنه زاد في حديثه؛ كان ذلك عُذرًا له في تركِ الزيادة وكتمانِها.
قلتُ: مَن كان هذا حاله؛ فليس له من الابتداء أن يرويَ الحديثَ غيرَ تامٍّ، إذا كان قد تعيَّن عليه أداءُ تمامِه؛ لأنه إذا رواه أولا ناقصًا، أخرج باقيَه من حيِّزِ الاحتجاج به،
(1) على هامش (غ): [قال القاضي عياض: اختلف المحدثون والفقهاء والأصوليون في اختصار الحديث، والتحديث به على المعنى، وفي الحديث بفصل منه دون كماله؛ فأجاز هذا كله على الجملة قوم، وهو مذهب " مسلم بن الحجاج "، ومنعه على الجملة آخرون وهو تحري " البخاري". ورخص قوم فيما يقع من الكلمات موقع مثالها، كالجلوس عوض القعود، والقيام عوض الوقوف، وشبهه، دون ما يمكن أن يختلف اختلافًا ما. وجوّز آخرون الحديث على المعنى في غير لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه في لفظه عليه الصلاة والسلام، وذكر هذا عن " مالك ". وذهب المحققون إلى أن الراوي إذا كان ممن يستقل بفهم الكلام ومعانيه، ويعرف مقاصده، ويفرق بين الظاهر والأظهر، والمحتمل والنص؛ فجائز لهذا الحديثُ على المعنى إذا لم يحتمل عنده سواه، وانفهم له فهمًا جليًّا معناه. وحكى غير واحد معنى هذا عن " مالك وأبي حنيفة والشافعي ". وكذلك جوزوا الحديث ببعض الحديث، إذا لم يكن مرتبطًا بشيء قبله ولا بعده ارتباطًا يخل بمعناه. وكذلك إن جمع الحديث حكمين أو أمرين، كل واحد مستقل بنفسه غير مرتبط بالآخر؛ فله الحديث بأحدهما. وعلى هذا كله كافة الناس ومذاهبُ الأئمة، وعليه صنف المصنفون كتبهم في الحديث على الأبواب، وفصلوا الحديث الواحد على الأجزاء أجزاء بحكمها، واستخرجوا النكت والسنن من الأحاديث الطوال، وهو معنى قول " مسلم " في خطبته، وعمله البخاري كثيرًا في صحيحه. ولهذا روى الحديث الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة، في القصة الواحدة، والمقالة الفذة، والقضية المشهورة، من عهد الصحابة فمن بعدهم. لكن لحماية الباب من تسلط من لا يحسن، وغلط الجهلة في نفوسهم وظنهم المعرفة مع القصور؛ يجب سد هذا الباب؛ إذ فِعْلُ هذا على من لا يبلغ درجة الكمال في معرفة المعاني، حرام باتفاق / طرة، من الإكمال] روجع على الإكمال: (ل 30). دار الكتب بالقاهرة، مخطوط.
- وانظر (الإلماع: 181) وفيه قال القاضي عياض: وقد تقصيتُ الكلام في هذا في كتاب الإكمال لشرح صحيح مسلم ".
(2)
من (غ) وفي (ص، ع): [تماما].
(3)
الكفاية: (باب ذكر الرواية عمن أجاز النقصان من الحديث ولم يجز الزيادة): 193.
ودار بين أن لا يرويه أصلا، فيُضيِّعَه رأسًا، وبين أن يرويَه متَّهمًا فيه فيضيعَ ثمرتَه؛ لسقوطِ الحجةِ فيه. والعلم عند الله تعالى.
وأما تقطيع المصنِّف متنَ الحديث الواحد وتفريقه (1) في الأبواب؛ فهو إلى الجواز أقربُ ومن المنع أبعَدُ. وقد فعله " مالك، والبخاري " وغيرُ واحدٍ من أئمة الحديث، ولا يخلو من كراهية. * والله أعلم.
(1) بهامش (غ): [وتفريعه، صح، معا].
وانظر في (الكفاية: باب ما جاء في تقطيع المتن الواحد وتفريقه على الأبواب)193.
_________
* المحاسن:
" فائدة وزيادة: قال " النووي " في مختصره: " ما أظن أن ابن الصلاح يوافق على الكراهية " (1) وأطلق هو وابن الصلاح الخلافَ في الفرع، ثم أردفاه بالتفصيل. وهو يقتضي أن لنا قولا بجوازه مطلقًا، حتى يترك الشرط والاستثناء والغاية. وهذا مما لا يقوله أحد، وإنما يحمل التفصيل على جملة حالاته، ويتقيد القولان قبله بما إذا لم يكن للمحذوف تعلق بالمروي. ومن ثم قال " ابن الحاجب " في مختصره: " حذف بعض الخبر جائز عند الأكثر، إلا في الغاية والاستثناء ونحوِه ".
وما تقدم من صنيع " البخاري " لم يفعله " الإمامُ مسلم " بل يسوق الحديثَ بتمامِه ولا يقطعه. وقد تقدم أن ذلك من جملةِ أسبابِ ترجيحِه عند جماعة. وأما حذفُ زيادةٍ مشكوكٍ فيها فهذا شائع، كان " مالك " يفعله كثيرًا تورعًا، بل كان يقطع إسنادَ الحديث إذا شكَّ في وصلِه. ومحلُّ حذفِ الزيادة المشكوك فيها، زيادةٌ لا تعلُّقَ للمذكورِ بها؛ فإن تعلَّق ذَكَرها مع الشكِّ ليعلم، كقول " داود بن الحصين " في حديث:" الرخصة في العرايا في خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق " فشكَّ، ولكن لما كان المشكوكُ فيه مما لا يسوغ حذفُه؛ ذكره على الشكِّ (2). انتهى " 73 / ظ.
_________
(1)
متن التقريب للنووي (مع تدريب الراوي 2/ 105) وانظر معه تبصرة العراقي (2/ 173).
(2)
الموطأ، ك البيوع، باب ما جاء في بيع العَريَّة ح 14 (2/ 620) ومعه (التمهيد لابن عبدالبر: 3/ 323). وانظر كتاب البيوع في الصحيحين: (خ) باب الثمر على الرؤوس النخل. (م) باب تحريم الرطب بالتمر إلا في العرايا - من طريق الإمام مالك فيها - مع (فتح الباري 4/ 265).